تنطوي التربية العقائدية للطفل على بعدين:
الأوّل: إيجابيّ: ويهتمّ بتهيئة الطفل وتقوية استعداداته لقبول العقائد والمعارف الحقّة المتعلّقة بالله تعالى وصفاته والنبوّة والإمامة والمعاد.
والثاني: سلبيّ: أي إبعاد الطفل عن البيئة التي تشتمل على عقائد باطلة أو منحرفة.
وتلعب التربية العقائدية السليمة دوراً حيويّاً في بناء هوية الطفل، وتهدف إلى الإجابة عن الكثير من التساؤلات التي يطرحها وخاصّة تلك المتعلّقة بعالم الغيب، كسؤاله عن الخالق جلّ وعلا أو الموت... فإنّ الإجابات التي يقدّمها الدين الإسلاميّ في هذا المجال كفيلة بمنح الطفل شعوراً بالأمان والسكينة، يزيل القلق والخوف من المستقبل المجهول في نفس الطفل.. وهذا ما نلمسه في حياة الأنبياء عليهم السلام، فيوسف عليه السلام ذلك الطفل الذي كان في التاسعة من عمره حين ألقاه أخوته في غيابة الجُبّ، وعندما التقطه بعض السيّارة وأُخرج عليه السلام من البئر، قال لهم قائل: استوصوا بهذا الغريب خيراً، فقال لهم يوسف: "من كان مع الله فليس عليه غربة"[1].
مناهج التربية العقائدية
يعتبر بعض الناس أنّ التربية العقائدية والدينية للطفل تتجاوز قدراته الذهنية وتفوق استيعابه، وأنّها تؤدّي إلى انعكاسات سلبية على بناء شخصيته، أو تسلبه حريّة الاختيار في انتخاب العقيدة التي يريدها عن بحث وتنقيب.
ومن حقّ الباحث التربويّ أن يطرح مثل هذه الأسئلة حول التربية العقائدية للطفل: هل يستوعب الطفل المسائل العقائدية حتّى نربّيه عليها؟ وفي أيّ مرحلة عمرية ننطلق بعملية التربية العقائدية للطفل؟ وما هي طبيعة القضايا العقائدية التي نبدأ بتعريفه عليها؟...إلخ.
إنّ الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق، ويمكن التعامل مع مسألة وجود الله تعالى من خلال مناهج عدّة، ومن أهمها منهجان:
الأول: المنهج النظريّ الذي يعتمده الفلاسفة من خلال تقديم أدلّة استدلالية عقلية لمعرفة الله تعالى، حيث يقيمون الأدلّة التي تحتاج إلى إعمال فكر لإثبات وجود الله تعالى. وهذه الطريقة بعيدة عن أفهام عامة الناس فضلاً عن أذهان الأطفال.
الثاني: المنهج الفطريّ الذي يعمل على مخاطبة الفطرة الداخلية في الإنسان، حيث إنّ الفطرة مجبولة على الإيمان بالله تعالى، وهذا المنهج سلكه عامّة الناس في حياتهم الإيمانية في خطّ علاقتهم مع الله تعالى، كما سلكه أئمّة أهل البيت عليهم السلام في التربية العقائدية، فقد قال رجل للإمام جعفر الصادق عليه السلام: "يا بن رسول الله دلّني على الله ما هو، فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني.
فقال له: يا عبد الله، هل ركبت سفينة قطّ؟ قال: نعم.
قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم.
قال: فهل تعلّق قلبك هنالك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك"؟
فقال: نعم. قال الصادق عليه السلام: "فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث"[2].
وإذا قمنا باستقراء النصوص القرآنية ومنهج أهل البيت عليهم السلام نرى أنهم يؤكّدون على فعّالية المنهجين معاً، بمعنى أنّه لا تعارض بين المنهجين وأنّ الإنسان يحتاج إلى كليهما.
ومن هنا بما أنّ العملية التربوية تدريجية وتراعي مستوى الفهم والإدراك عند الطفل، فالأسلوب الأصلح لتربية الطفل عقائدياً البدء معه بالمنهج الفطريّ، وبعد ذلك يتدّرج معه للوصول إلى تلك المعرفة بالأدلّة العقائدية.
وخاصّة أنّ الأطفال قد فطروا على توحيد الله تعالى، وما على المربّي إلاّ أن ينمّي تلك القابليات الموجودة في داخلهم، فعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قال موسى بن عمران عليه السلام: يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال عزّ وجلّ: حبّ الأطفال، فإنّي فطرتهم على توحيدي، فإن أمّتهم أدخلتهم برحمتي الجنّة"[3].
إنّ الله تعالى جهّز وجدان الطفل بشكل فطريّ في الاهتداء والوصول إلى معرفة الله تعالى والإيمان به، لكنّ الفطرة بحدّ نفسها ليست عنصراً مستقلاً وكافياً في ذلك، ولذا يبقى الطفل في وصوله إلى معرفة الله يحتاج إلى معين خارجيّ، وهو هداية المربّي الذي يعمل على تفتّح تلك الفطرة كطاقة داخلية في نفس الطفل في ضوء ما تقضي به طبيعته وتستدعيه ذاته. وبناء عليه، ينبغي للمربّي اعتماد منهج الفطرة التوحيدية باستثارة هذه المعرفة الكامنة في نفس الطفل عن الله تعالى.
[1] الزمخشري، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، تحقيق عبد الأمير مهنا، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1412ه-1992م، ط1، ج3، ص5.
[2] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، التوحيد، تحقيق علي أكبر غفاري، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1427ه - 2006م، ط1، ص231.
[3] البرقي، المحاسن، ج1، ص293.