حقيقة المبعث ورسالته في فكر الإمام الخامنئي(4)
من كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة عيد المبعث النبوي السعيد 29/9/1374ش (20/12/1995م)
بَركات البِعْثَة :تأسيس الأمة الإسلامية بسماتها وخصائصها الفذة كان إحدى بركات البعثة العظيمة وخيراتها. ليست الأمة الإسلامية مجرد جماعة من الناس يجتمعون حول محور عقيدي معين، إنما هي - كما أراد وخطط لها الرسول الأكرم وتعاليم القرآن الكريم - مجموعة من الناس يتحلون بالعلم، والأخلاق، والحكمة، والعلاقات السليمة ويشكلون مجتمعاً تسوده العدالة، ونتيجة كل ذلك وصول الإنسان لذروة التكامل الذي جعله الله قادراً عليه.
الأمة الإسلامية مظهر التربية الإسلامية، وهذا ما بدأه نبي الإسلام المكرم من الصفر وفي أحلك وأصعب الظروف. في اليوم الذي انطلق فيه نداء التوحيد بعد لحظة البعثة العظيمة من حنجرة الرسول المباركة كان العالم بكل أقطاره عالَم كفرٍ وظلم وبُعد عن الأخلاق وتخبّط في مختلف المشكلات والمفاسد. تفاعلت هذه الحركة العظيمة في حياة الرسول بنحو معجز خلال 13 سنة، وبعد 13 سنة انعقدت أول نطف الأمة الإسلامية في المدينة المنورة.
ما كان بوسعه تبديل تلك النواة المركزية إلى ما عهدناه عن الأمة الإسلامية في القرنين الرابع والخامس للهجرة، هو الإيمان الناصع، والتعاليم البيّنة الشاملة، والعزم الراسخ، والجهاد المستمر. هذا ما استطاع تحويل ذلك المجتمع الصغير المؤلف من عدة آلاف في المدينة خلال سنوات الهجرة الأولى إلى أمة عظيمة ومقتدرة وعالمة وعزيزة تتدفّق بزلال العلم والحكمة على العالم كله في القرنين الرابع والخامس للهجرة، وهو ما يشرحه لنا التاريخ.
الغفلة عن التعاليم هو سبب هزيمة الأمة الإسلامية وتأخرها. أينما غفلت الأمة الإسلامية عن تلك التعاليم في مسيراتها ومنعطفاتها العديدة، نرى أنها منيت بالهزيمة والتخلف. حيثما تجاهلت العلم، والأخلاق، والعلاقات الاجتماعية السليمة، والاقتدار المعنوي، والعزة، والوحدة، وأهم من كل ذلك العدالة، توقفت عن النمو والتطور، ونكصت، وبلغ الأمر أن استطاعت القوى الطامعة المتطاولة المعتدية تمزيق هذه الأمة وحض أبنائها على مجابهة بعضهم، والسيطرة عليها ومصادرة مصادرها وخيراتها.
في الحقبة المعاصرة ومنذ عشرات السنين إلى الآن انطلقت الصحوة الإسلامية بفضل تلك التعاليم والعودة إليها، وعادت راية التوحيد خفاقة، وكانت ذروة هذه الحركة تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية في هذه البقعة الحساسة من العالم الإسلامي حيث عاود المسلمين شعورُهم بالهوية والعزة. واليوم أيضاً نحن أمام تلك التجربة التي عاشتها الأمة الإسلامية في قرون تطرق الانحطاط والتفسخ إليها. اليوم أيضاً يشنون حرباً ضد الأمة الإسلامية ليقتلوا هذه الحركة في نطفتها. اليوم أيضاً تشن القوى الناهبة المستكبرة الطامعة في المصادر العظيمة والخيرات الطبيعية والبشرية اللامتناهية للعالم الإسلامي - كما يقولون هم أنفسهم بصراحة - تشن حرباً ترفع لها رايات الخداع والتزوير.. رايات الديمقراطية والحرية. على أن باطن القضية شيء آخر.. باطنها القضاء على عنصر العزة لدى الأمة الإسلامية ألا وهو الإسلام. حقيقة القضية وباطنها هو القضاء على نواة المقاومة حتى لا يبقى أمام الناهبين أي مانع أو عقبة في هذه المنطقة.