أهمية المشورة وحدودها

قيم هذا المقال
(0 صوت)
أهمية المشورة وحدودها

إنّ مشورة الآخرين ومعرفة آرائهم تُعدّ من استراتيجيّات التدبير في جميع المستويات الفرديّة، والعائليّة، والإداريّة. ومهما كان الإنسان عبقريّاً وذا حصافةٍ، فإنّه لا يستطيع أن يُدرِك زوايا الحياة كافّةً، وأن يحيط بجميع مشاكل المعيشة. فالمسؤول الذي لا يستشير الآخرين في إدارة مؤسّسته، يُعدّ فاشلاً في إدارته، ويتعرّض لانتكاساتٍ في عمله.
 
لقد حظيت مسألة المشورة بأهمّيّةٍ بالغةٍ في التعاليم الإسلاميّة، فالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رغم امتلاكه قدرةً فكريّةً كبيرةً تؤهّله لتسيير الأُمور وتصريفها من دون حاجةٍ إلى مشاورة أحد، وبغضّ النظر عن الوحي الإلهي، ولكنّه فعل ذلك صلى الله عليه وآله وسلم كي يُشعر المسلمين بأهمّيّة المشاورة وفوائدها، فيتخذوها ركناً أساسيّاً في برامجهم، وحتّى ينمّي فيهم قواهم العقليّة والفكريّة. لذا، نجده يشاور أصحابه في أُمور المسلمين العامّة التي تتعلّق بتنفيذ القوانين والأحكام الإلهية - لا أصل الأحكام والتشريعات التي مدارها الوحي - ويقيم لآراء مشيريه أهمّيّةً خاصّةً، ويعطيها قيمتها اللائقة بها، حتّى أنّه كان أحياناً ينصرف عن الأخذ برأي نفسه، احتراماً لهم ولآرائهم، كما فعل ذلك في واقعة أُحد. ويمكن القول: إنّ هذا الأمر بالذات كان أحد العوامل المؤثّرة وراء نجاح الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في تحقيق أهدافه الإسلاميّة العليا([1]) .

وحيث إنّه لا شكّ في أصل أهمّيّة المشورة في تدبير أمور المعيشة، سوف نتطرّق إلى بعض فوائدها وآثارها في ما يلي:

1- حدود المشورة:
أمر الله تعالى نبيّه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن يشاور المسلمين في الآية الكريمة: ﴿شاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾([2]) . وصحيحٌ أنّ كلمة (الأمر) في هذه الآية ذات مفهومٍ واسعٍ يشمل جميع الأُمور، لكن من المسلّم - أيضاً - أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يشاور الناس في الأحكام الإلهيّة مطلقاً، بل كان في هذا المجال يتّبع الوحي فقط. وعلى هذا الأساس، كانت المشاورة في كيفيّة تطبيق الأحكام الإلهيّة على أرض الواقع. وبعبارةٍ أُخرى: إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يشاور أحداً في التقنين، بل كان يشاور في كيفيّة التطبيق، ويطلب وجهة نظر المسلمين في ذلك، ولهذا عندما كان يقترح أمراً - أحياناً، يبادره المسلمون بهذا السؤال: هل هذا حكمٌ إلهيٌّ لا يجوز إبداء الرأي فيه، أو إنّه يرتبط بكيفيّة التطبيق والتنفيذ؟ فإذا كان من النوع الثاني، أدلى الناس فيه بآرائهم، وأمّا إذا كان من النوع الأوّل، لم يكن منهم تجاهه سوى التسليم والتفويض([3]).
 
2- الاختلاف بين الشورى والمشورة:
إنّ الشورى عبارة عن المشورة المتبادلة بين أهل المعرفة والمتخصّصين وأصحاب الخبرة والمفكّرين بشأن موضوعٍ معيّنٍ، لأنّ أفضل طريقٍ للوصول إلى النتيجة هو: البحث والنقاش في ما بينهم([4]) .
ومن خلال تلاقح هذه الأفكار، يسطع نورٌ يستنير به الناس، وسبيلٌ يمكنهم سلوكه([5]) .
 
وفي بعض الأحيان، يخلط البعض بين الشورى والمشورة، فالقرار في الشورى يكون جماعيّاً، إذ يتشاور المختصّون في قضيّةٍ ما، ويكون القرار مطابقاً لرأي الأغلبيّة. أمّا القرار في المشورة، فيتّخذه شخصٌ واحدٌ بعد استشارته لشخصٍ أو أشخاصٍ، ويكون هذا القرار حسب ما يراه المستشير مناسباً، أي أنّ القرار النهائيّ يكون طبق ما يستسيغه هو([6]) .
  
فن التدبير في المعيشة - رؤية قرآنية روائية ، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

([1]) الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، م.س، ج2، ص750.
([2]) آل عمران: 159.
([3]) الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، م.س، ج2، ص749
([4]) الطالب، هشام: الإدارة والقيادة في المنظمات الإسلاميّة (مديريّت ورهبرى در تشكّلهاى اسلامى)، ترجمة السيّد عليّ محمّد الرفيعي، منشورات المؤسّسة العالميّة للفكر الإسلاميّ، طهران، الطبعة الأولى، 1380هـ.ش، ص314.
([5]) الكمالي، علي: القرآن والمجتمع (قرآن وجامعه)، ط2، لام، منشورات أسوة، 1373هـ. ق، ص423.
([6]) الطالب، مديريّت ورهبرى در تشكّلهاى اسلامى، م.س، ص115.

 

قراءة 1891 مرة