قمة الخلق في الإيثار والمواساة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
قمة الخلق في الإيثار والمواساة

الإيثار: هو التقديم والاختيار على النفس. قال تعالى: ـ (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ) أي يقدّمون عليها. ويُقال: آثرتُ ذلك أي اخترته، وفضّلته، وقدّمته.

والتفضّل: هو الابتداء بالإحسان. فإنّ صنع المعروف والفعل الحَسَن قد يكون جزاءً وهو الإحسان..

وقد يكون تطوّلاً وابتداءً به وهو التفضّل، ومنه المواساة. فالتفضّل هو الابتداء بالإحسان، وابتداء المعروف.

ومن حلية الصالحين وزينة المتّقين أنّهم يقدّمون غيرَهم على أنفسهم ويبتدئون بالفضل والإحسان. وهو مرغوبٌ وممدوح كتاباً وسنّةً.

أمّا الكتاب فقوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )([1]).

أجمع الفريقان في أحاديثهم أنّها نزلت في الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأهل بيته سلام الله عليهم([2]).

ففي حديث شيخ الطائفة الطوسي مسنداً أنّه جاء رجلٌ إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه الجوع.
فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بيوت أزواجه..
فقُلن: ما عندنا إلّا الماء.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لهذا الرجل الليلة؟
فقال عليّ (عليه السلام): أنا له يا رسول الله، وأتى فاطمة عليها ‌السلام وقال لها: هل عندك يا بنتَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيء؟
فقالت: ما عندنا إلّا قوت العشيّة، لكنّا نُؤثِر ضيفنا.
فقال: يا ابنة محمّد نوّمي الصبية، واطفئي المصباح.
فلمّا أصبح عليّ (عليه السلام) غدا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخبره الخبر، فلم يبرح حتّى أنزل الله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)»([3]).

وأمّا السنّة، فيستفاد فضل الإيثار والمواساة في أحاديث بابه مثل:
1 ـ حديث المفضّل قال: كنتُ عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله رجلٌ: في كم تجب الزكاة من المال؟ فقال له: الزكاة الظاهرة أم الباطنة تريد؟ فقال: اُريدهما جميعاً. فقال: أمّا الظاهرة ففي كلّ ألف خمسة وعشرون درهماً. وأمّا الباطنة فلا تستأثر على أخيك بما هو أحوج إليه منك([4]).
 
2 ـ حديث السعداني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: (فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ )([5]). قال (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عزّ وجلّ: لقد حقّت كرامتي ـ أو مودّتي ـ لمن يراقبني، ويتحابّ بجلالي.. إنّ وجوههم يوم القيامة من نور، على منابر من نور، عليهم ثيابٌ خُضر. قيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال: قومٌ ليسوا بأنبياء، ولا شهداء، ولكنّهم تحابّوا بجلال الله، ويدخلون الجنّة بغير حساب، نسأل الله أن يجعلنا منهم برحمته([6]).

3 ـ حديث الطبرسي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: اُتيَ رسول الله (صلى الله عليه وآله)‌ بأسيرين - يهوديّين مستحقّين للقتل - فأمر النبيّ بضرب عنقهما، فضُرب عنق واحدٍ منهما، ثمّ قُصد الآخر. فنزَلَ جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤوك السلام، ويقول: لا تقتله، فإنّه حسن الخلق سخيُّ قومه. فقال اليهودي تحت السيف: هذا رسول ربّك يخبرك؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نعم. قال: والله ما ملكتُ درهماً مع أخ لي قطّ، ولا قطبتُ وجهي في الحرب، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّك محمّد رسول الله. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا ممّن جرّه حسنُ خلقه وسخاؤه إلى جنّات نعيم([7]).

وعليه فالإيثار والمواساة فضيلة ممدوحة، وخليقة طيّبة، بدليل الكتاب والسنّة. وأهل البيت (عليهم السلام) هم القدوة في إيثار التفضّل، والابتداء بالفضل والإحسان إلى الغير. وقد آثروا على أنفسهم ثلاثة أيّام في سبيل الله مسكيناً ويتيماً وأسيراً، لا يريدون بذلك منهم جزاءً ولا شكوراً، إلّا رضا الله تعالى، فخصّهم الله بسورة الدهر، كما تلاحظه في جميع تفاسير الفريقين. ودراسة موجزة في إنفاقاتهم تعطيك صورة واضحة عن أنّهم كانوا قمّة الخلق في الإيثار والمواساة.
 
أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)، السيد علي الحسيني الصدر

([1]) سورة الحشر: الآية 9.
([2]) كنز الدقائق / ج 13 / ص 175، وإحقاق الحقّ / ج 9 / ص 144.
([3]) أمالي شيخ الطائفة / ص 188.
([4]) بحار الأنوار / ج 74 / ب 28 / ص 396 / ح 24.
([5]) سورة غافر: الآية 40.
([6]) بحار الأنوار / ج 74 / ب 28 / ص 396 / ح 25.
([7]) مشكاة الأنوار / ص 231.

 

قراءة 556 مرة