یقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء/ 90). يريد الله عزّوجلّ منّا أن نخلص له، وأن نحبّه في طاعتنا له، وأن نحبّه في أن نفجِّر كلّ طاقاتنا في نفع الناس، سواء كانت في المال أو العلم أو ما إلى ذلك، ليكون الإنسان خيراً وبركةً للناس. إنّ أحبّكم إلى الله جلّ ثناؤه أكثركم ذِكراً لله وأكرمكم عند الله وأتقاكم له.
سُئِل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مَن أحبّ الناس إلى الله؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنفع الناس للناس».
كما ورد في تفسير لقول السيِّد المسيح عيسى (عليه السلام) في ما نسبه الله له في كتابه: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ) (مريم/ 31)، أي نفّاعاً للناس. لنودع طاقاتنا في الحياة، ولا ندعها تموت معنا، لنعطي مَن هو بحاجة إلى هذه الطاقات التي يكون مردودها إيجابي علينا، قال تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) (المزمل/ 20
فلنعمل لله حتى نلاقي عملنا عنده: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/ 105). يد الإنسان عليها أن تمتد إلى كلّ ما يخدم شؤون الناس، فيبادر إلى نزع كلّ عناصر القلق والتوتر، وما يسيء إلى العلاقات الاجتماعية والروابط الإنسانية، من خلال إطلاق الكلمة الطيِّبة والموقف الطيِّب، فهذا ما لا يحرم الحياة من عناصر استقرارها وقوّتها، ومن الأرضية الصالحة لإنتاجها على أساس المحبّة والانفتاح والعطاء. في وصية الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بن الحكم: «إن خالطت الناس، فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم، إلّا كانت يدك العليا عليه، فافعل».
إنّ هذا الجزء من الوصية، يؤكِّد أنّ على الإنسان عندما يعيش مع الآخرين، مهما كان انتماؤهم ومهما كانت أوضاعهم، أن يدرس هؤلاء الناس، ما هي حاجاتهم التي يريدون من الآخرين أن يقضوها لهم؟ وحاجات الناس من الناس تتنوّع، فقد تكون حاجات علمية، بحيث يعيش معك إنسانٌ ما يخالطك ليستفيد من علمك، وقد تكون حاجات اقتصادية، فيخالطك ليستفيد من مالك، وربّما تكون حاجات اجتماعية، فيخالطك ليستفيد من موقع أنّك شخصية اجتماعية، تستطيع أن تكون وسيطاً بينه وبين مواقع القرار أو مواقع القوّة في المجتمع، لتحقّق له ما يريد منهم في أُموره العامّة أو الخاصّة، وقد تكون الحاجة دينية، فيخالطك كي يستفيد منك دينياً، من حيث هو شخص يريد أن يرفع من مستواه الديني، وهكذا.. وأخيراً، حينما تسود المجتمع روح التطوع والتعاون وتكاتف الجهود وعمل الخير، فإنّ ذلك يقرّب ما بين فئات المجتمع المختلفة ليكونوا يداً واحدة لبناء المجتمع ممّا يزيد من لحمة التماسك المجتمعي إلى جانب ذلك فإنّ الشخص المعطي يقود عملية البناء، وحينما تتوافر روح الخدمة لدى الأفراد يتقدَّم الفرد والمجتمع على حدٍّ سواء.
المصدر :البلاغ