حُسنُ الظَّنِّ بالله بُرهان على سلامة العقل

قيم هذا المقال
(0 صوت)
حُسنُ الظَّنِّ بالله بُرهان على سلامة العقل

إن حُسنُ الظَّنِّ بالله بُرهان على سلامة العقل، وصفاء الفكر، ويقين المؤمن برحمانية الله ورحيميته وحكمته ولطفه، وإذا كان حُسنُ الظَّنّ بالناس برهان على نَقاء السَّريرة وطهارة القلب، فإن سوء الظن لا يكون إلا من صاحب القلب المريض والفكر العليل.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “آفَةُ الدِّيْنِ سُوءُ الظَّنِّ”.

الظَّنُّ: الشَّكُّ والتَّرَدُّدُ، يُقال: ظَنَنْتُ الشَّيْءَ: إذا شَكَكْتَ فِيهِ ولم تَتَيَقَّنْهُ. ومنه قوله تعالى: “…وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ”﴿78/ البقرة﴾. ويأْتي بِمعنى الاتِّهامِ، والظِّنَّةُ: التُّهْمَةُ.

ومنه قوله تعالى: “…الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ…”﴿6/ الفتح﴾. ويأتي بمعنى الاعتقاد الخاطئ، ومنه قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ…”﴿12/ الحجرات﴾. ويُطْلَقُ الظَّنُّ على اليَقِينِ والعِلْمِ، فيُقال: ظَنَنْتُ ظَنّاً، أيْ: عَلِمْتُ وأيقَنْتُ. وجَمْعُه: ظُنونٌ. ومنه قوله تعالى: “الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”﴿46/ البقرة﴾.

وقيل: إنّ الظّن‏ ظنّان: ظنّ‏ شكّ وظنّ‏ يقين، فما كان من أمر مَعادٍ من الظّنّ‏ فهو ظنّ‏ يقين، وما كان من أمرِ الدّنيا فهو ظنّ‏ شكّ.  وقيلَ: كل ظَنٍّ‏ في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شَكٌ.

والمراد من الظَّنِّ في جوهرتنا هذه هو: تغليب أحد الاحتمالين، أو الاحتمالات المُمْكِنة. وتغليب ثبوت القَبيح من أمرين مُتغايرَين ليس أحدهما في الثبوت أقوى من الآخر. واعتقاد جانب الشَّرِّ، وترجيحه فيما يحتمل الأمرين معاً.

والظَّنُّ ظَنَّانِ: 

ظَنٌّ حَسَنٌ: وهو المطلوب دائماً مع الله تعالى، إذ لا يكون منه تعالى إلا الحَسَنُ مِن الأفعال، والقبيح مستحيل منه، تعالى عن ذلك عُلُواً كبيراً، والمطلوب كذلك مع الناس، إلا إذا استولى الفَساد على الزمان وأهله، كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع): “إِذَا اسْتَوْلَى الصَّلَاحُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِه – ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْه حَوْبَةٌ (الإثم) فَقَدْ ظَلَمَ، وإِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِه – فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّرَ”.

وظَنٌّ سَيّءٌ: والمَفهوم منه هو: أنّه إذا صدر من شخصٍ فعلٌ معيّن، فإنّه يحتمل الوجهين الحَسَنُ والسَّيّءُ، فإذا حملناه على المَحمَل السَّيّءِ كان ذلك ظَنَّا سَيِّئاً، وإثماً، وموجِباً للعقاب. ودائرة سوء الظن واسعة جدّاً ولا تنحصـر في مورد واحد، بل تستوعب في مصاديقها المسائل الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية أيضاً، كما هو الحال في حسن الظن وسعة مجاله أيضاً، وهو وظيفة المسلم تجاه الآخرين.

والظَّنُّ السَّيّءُ على قِسمَين:

سُوء الظَّنِّ باللهِ تعالى: وهو أبلغ في الذَّمِّ من اليأس والقُنوط، وكلاهما كبيرة من كبائر الذنوب، فهو يأسٌ وقنوطٌ وزيادة عليهما، ويعود سوء الظَّنِّ باللهِ إلى صفاته وأفعاله، كأن يظُنّ بربه أن لا يرحمه، أو لا يقبل توبته، أو لا يُجيب دعاءه، أو لا يقضي حوائجه، أو لا يرزقه، أو يظلمه، وكالكفار الذين يقولون أنّ الله ليس بعالم، أو أنّه لا يعلم بالأمور الجزئية، أو أنّه لا يدري بما يعمله البشر في السِّرّ، وبما يخطر لهم في الباطن.

وهو من أشدِّ أقسام سوء الظَّنِّ سوءاً لتجويزه على الله تعالى أموراً لا تليق بكماله ورحمته ولطفه وكرمه وجوده، وفي ذلك قوله تعالى: “…وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا…”﴿154/ آل عمران﴾.

وسوء الظَّنِّ بالناس: كأن يظنّ بأخيه المؤمن سوءاً، فيرميه به ويذكره لغيره ويرتّب سائر آثاره، وهذا النوع كثير الوقوع بين الناس، وقَلَّ أن ينجو منه أحدٌ منهم إلا من عصَمَه الله، أو بلغ درجة عالية من التقوى، أو وصل إلى مستوى من القدرة العالية من السيطرة على تفكيره وأوهامه، أما سوى ذلك فحَدِّث عن سوء ظنهم ولا حرج.

ولئن كان حُسنُ الظَّنِّ بالله بُرهان على سلامة العقل، وصفاء الفكر، ويقين المؤمن برحمانية الله ورحيميته وحكمته ولطفه، وإذا كان حُسنُ الظَّنّ بالناس برهان على نَقاء السَّريرة وطهارة القلب، فإن سوء الظن لا يكون إلا من صاحب القلب المريض والفكر العليل.

وكما نهى الله تعالى عن سُوء الظَّنّ في العديد من آي القرآن الكريم كذلك نهَت الروايات الشريفة عنه في طائفة عظيمة منها، وأكتفي بإيراد نَصٍّ واحد يبين فيه الإمام عَلِيّ (ع) تبعات سوء الظن وآثاره الاجتماعية الخطيرة حيث جاء فيه: “وَلَا يَغْلِبَنَّ عَلَيْكَ سُوءُ الظَّنِ‏ فَإِنَّهُ لَا يَدَعُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ خَلِيلٍ صُلْحاً”.

فضلاً عن ذلك فإنه يُحيل حياة سَيّءِ الظَّنّ إلى جحيم إذ يعيشها متردداً بين الارتياب والشك والقلق والتوتر، هذا في علاقته بالناس، أما مع الله فإن سوء الظن يعدم إيمانه، وينحو به إلى معاداة الله والكفر به وتلك آفة ما بعدها آفة.

بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

قراءة 401 مرة