مِنْ علاماتِ اليقين

قيم هذا المقال
(0 صوت)
مِنْ علاماتِ اليقين

عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إِنَّ مِنْ صِحَّةِ يَقِينِ اَلْمَرْءِ اَلْمُسْلِمِ أَلَّا يُرْضِيَ اَلنَّاسَ بِسَخَطِ اَللَّهِ، وَلاَ يَحْمَدَهُمْ عَلَى مَا رَزَقَ اَللَّهُ، وَلاَ يَلُومَهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِهِ اَللَّهُ؛ فَإِنَّ رِزْقَ اَللَّهِ لاَ يَسُوقُهُ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلاَ يَرُدُّهُ كُرْهُ كَارِهٍ؛ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَفِرُّ مِنَ اَلْمَوْتِ، لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، كَمَا يُدْرِكُهُ اَلْمَوْتُ»[1].

ترتبطُ درجاتُ الإيمانِ بدرجاتِ اليقينِ باللهِ عزَّ وجلّ، فكلَّما زادَ يقينُ الإنسانِ باللهِ، زادَ إيمانُه به، ويَظهرُ أثرُ ذلكَ في سلوكِ الإنسانِ وتصرُّفاتِه. ويتعرَّضُ الإمامُ الصادقُ (عليه السلام) في الحديثِ لعلاماتٍ ثلاثٍ لصاحبِ اليقينِ باللهِ عزَّ وجلّ، فمَنْ ينعمُ بالطمأنينةِ والوثوقِ بما عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، لا يقعُ في هذهِ الثلاث:

1ـ رضا الناسِ بما يُسخِطُ الله: تعدّدتِ الرواياتُ التي وردَ فيها التحذيرُ مِنْ أنْ يكونَ همُّ المؤمنِ رضا الناس، ولا سيَّما إذا كانَ ذلكَ بسخطِ الله عزَّ وجلّ، ويرتبط ذلك بالاعتقاد التامِّ بأنّ الأمور بيَد الله عزّ وجلّ، لا بيَد غيره، وإنّ الله يعوّض على الإنسان أيَّ مكروهٍ أو ضرر يحصل بسبب سخط الناس ما دام في سبيل رضا الله عزّ وجلّ، فعَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) في وصيَّةٍ له: «إنِ استطعتَ أنْ لا تُسخِطَ ربَّكَ برضا أحدٍ مِنْ خلقِهِ فافعلْ، فإنَّ في اللهِ عزَّ وجلَّ خَلَفاً مِنْ غيرِه، وليس في شيءٍ سواهُ خَلَفٌ منه»[2]. وعَنِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام): «مَنْ طلبَ رضى اللهِ بسخطِ الناسِ، كفَاهُ اللهُ أمورَ الناس؛ ومَن طلبَ رضى الناسِ بسخطِ الله، وكَلَهُ اللهُ إلى الناس، والسلام»[3].

2ـ ذمُّ الناسِ على الحرمان: يتوقَّعُ الإنسانُ في حياتِه، وبملاحظةِ علاقاتِه الاجتماعيّة، أنْ يصلَ الخيرُ مِنْ أحدِ خلْقِ اللهِ عزَّ وجلّ، منْ مديحٍ على عمل، أو مالٍ يتفضَّلُ بهِ عليه، فإذا لمْ يصِلْهُ ذلك، يحرِّكُ لسانَه بالحديثِ عَنِ الناسِ بأنَّها تبخَلُ عليه، وتمنَعُه ما ينبغي، وهذا مِن ضعفِ يقينِ الإنسانِ بأنَّ الأمورَ بيدِ اللهِ عزَّ وجلّ، وأنَّ المعطيَ والمانعَ هو اللهُ عزَّ وجلّ، وأنَّه ليسَ مِنَ الرزقِ المقسومِ له.

3ـ مدْحُ الناسِ على العطاءِ، مَعَ الغفلةِ عنْ ذكرِ اللهِ عزَّ وجلّ: مِنْ فطرةِ الإنسانِ أنْ يتَّجِهَ بالشكرِ لمَنْ أحسنَ إليه، ولكنْ عليه أنْ يرى كلَّ مُحسنٍ مِنَ الناسِ واسطةً في عطاءِ اللهِ عزَّ وجلّ، فلا يتَّجهُ بالحمدِ على عطائِهم غافلاً عنْ أنَّه مِنْ رزقِ اللهِ عزَّ وجلّ، بل يكونُ شكرُهُ لهم كما وصفَهُ الإمامُ زينُ العابدينَ (عليه السلام) في رسالةِ الحقوق: «أمّا حَقُّ ذِي المَعروفِ علَيكَ، فأنْ تَشكُرَهُ، وتَذكُرَ مَعروفَهُ، وتُكسِبَهُ المَقالَةَ الحَسَنَةَ، وتُخلِصَ لَهُ الدعاءَ فيما بينَكَ وبينَ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ؛ فإذا فَعَلتَ ذلكَ كنتَ قد شَكَرتَهُ سِرّاً وعَلانِيَةً، ثُمّ إنْ قَدَرْتَ على مُكافَأتِهِ يَوماً كافَيتَهُ»[4].

ختاماً، نتوجَّهُ بآياتِ العزاءِ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فرجَه) ولوليِّ أمرِ المسلمينَ، وللمجاهدينَ جميعاً، بذكرى شهادةِ الإمامِ الصادقِ (صلواتُ اللهِ عليه) في الخامسِ والعشرينَ مِنْ شوّال.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


[1] ابن همام الإسكافي، التمحيص‏، ص52.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج68، ص371.
[3] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص201.
[4] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، ص265.

قراءة 269 مرة