الركيزة الأهمّ في ديننا هي الفطرة. فلولا وجود الفطرة لم يبق وجه لقول الله تعالى إلى رسوله؛ «إِنَّما أَنْتَ مُذَکِّرٌ»([1]) فإن هذا التذكير بسبب وجود الفطرة.
عندما نلتفت إلى الرؤية العرفانية للمرحوم الشاه آبادي (أستاذ الإمام الخميني في العرفان) نجد أنّ ركيزة رؤيته إلى عالم المعرفة هي الفطرة وعمدة تركيزه كان على فطرة الناس. كما أن السيد الإمام (قدس سره) قد قام بهذه الثورة اعتمادا على فطرة الناس. كان قد أجمع الجميع على أن هذه الثورة لن تنجح ولن تنتصر، بيد أن السيّد الإمام أصرّ مؤكدا على نجاحها، وسبب ذلك هو أن الإمام كان يعتمد على فطرة الشعب. كان ينظر الآخرون إلى ظواهر ممارسات الشعب ومشاعرهم السطحية، ولكن كان ينظر الإمام إلى فطرتهم.
إن الفطرة هي الركيزة الأهم لديننا وليس شأن الأنبياء سوى إيقاظ الفطرة وإنعاشها. فإن الفطرة هي التي توصلنا إلى الله. وبسبب وجودها يحكم على بعض المرتدّين بالإعدام، إذ لا سبيل لسحق الفطرة والإسفاف إلى درجة الكفر والارتداد إلا بالخبث والرذالة الشديدين.
بهذه الفطرة تتضح قيمة الإيمان ومدى قبح الكفر وهي العامل الرئيس في نجاح عمل الأنبياء كما إنه ليس للعلوم التربوية شأن سوى إيقاظ الفطرة وبناء الذات إنما هو عملية تهدف إلى ازدهار الفطرة، كما إن دور الأحكام الإسلامية هو أنها قد حددت طريقا لازدهار الفطرة. إنها في غاية الأهمية. وإن من أهم الثغرات التي تعاني منها علومنا الإنسانية هي ابتعادها عن مفهوم الفطرة. فكم يعرف مفهوم الفطرة علماؤنا في علم النفس وعلم الاجتماع والاقتصاد؟ وكم لهم معرفة بالتعاليم الدينية في موضوع الفطرة؟ فترى بعض الناس يبحثون في الدين عن كثير من المفردات والجزئيات التي اهتمّت بها بعض العلوم الإنسانية غافلين عن موضوع الفطرة حيث إن من أهم إنجازات الدين هو أنه يفتح لنا بابا على باطننا الخفيّ وهو الفطرة، بينما ترى كثيرا من هذه العلوم الإنسانية قد دوّنت وترعرعت على أساس ظاهر الإنسان البيّن. فعندما يدوّن علم الاقتصاد على أساس نزعات الإنسان الظاهرية يصبح هذا الذي ترونه. فإنهم لو اطلعوا على أسرار فطرة الإنسان ينجون من هذه المشاكل التي باتت تضرّ بالعلوم الإنسانية. وكم قد أضرت هذه الثغرة بعلومنا حتى علم الحقوق. فحينما يهمل مفهوم الفطرة تصبح بعض الممارسات الظاهرية وبعض المشاعر السطحية وبعض النزعات القشرية هي الملاك في البتّ واتخاذ الرؤى بشأن الإنسان ما تؤدي إلى تأليف القضايا العلمية والتي هي لا تزيد الإنسان إلا جهلا.
أنشط قسم في فطرتنا هو الحسين (عليه السلام):
لقد قال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ لِقَتْلِ الْحُسَیْنِ حَرَارَةً فِی قُلُوبِ الْمُؤْمِنِینَ لَا تَبْرُدُ أَبَداً»([2]) من أين اكتسبنا هذه الدموع على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)؟! فواقعا نحن لا نعلم مصدر هذه الدموع والحرقة.
إن هذا الحديث لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يكشف في الواقع عن علاقتنا الفطرية بأبي عبد الله الحسين (عليه السلام). كما أن الإيمان هو أمر فطري، فعندما يزدهر جزء من فطرة الإنسان المؤمن، يتحول إلى هذه الحرارة المودعة في قلوب المؤمنين تجاه الإمام الحسين (عليه السلام). بإمكاننا أن نقول إن الحسين (عليه السلام) هو أنشط قسم في فطرتنا وإنه يمثل معجزة الفطرة.
إن الحسين هو اللسان البليغ للفطرة وليس لدينا كلام مع أهل العالم غير الحسين (عليه السلام)
هل ينبغي للإنسان أن ينطلق في حركته صوب الكمال من غير الأجزاء اليَقِظَة في فطرته؟ هل للإنسان سبيل نحو السعادة سوى أن يرجع إلى الأقسام اليقظة والنشطة في فطرته وأن يوقظ باقي نواحي قلبه عبر هذا الطريق؟ وهل يشير العقل إلى طريق غير هذا؟ ثم كيف يتسنّى للإنسان أن يبدأ باكتساب الفضائل من غير هذا الطريق؟
لماذا سوف يكون منطلق الإمام المهدي (عج) في حركته هو ذكر الحسين (عليه السلام)؟ لأن الحسين (عليه السلام) هو لسان الفطرة البليغ. وليس لدينا كلام مع أهل العالم غير الحسين (عليه السلام). كل من له قلب سليم غير ملوّث فإن فطرته حيّة وفعالة تجاه الحسين (عليه السلام) وبات الانطباع الفطري للشعوب تجاه الإمام الحسين (عليه السلام) يكتسح العالم.
سماحة الشيخ علي رضا بناهيان
([1]) سورة الغاشية: 21.
([2]) مستدرك الوسائل/ج10/ص318