نُسِبَ إلى الإمام علي(ع) شعر لطيف هو:
لو عاش الفتى ستين عاماً فنصف العمر تمحقه الليالي
ونصف النصف يذهب ليس يدري لغفلته يميناً عن شمالاً
وباقي العمر أسقام وشيب وهمٌّ بارتحال وانتقال
فحبُّ المرء طول العمر جهل وقسمته على هذا المثال
في عملية حسابية أوليَّة نحسب أوقات إنسان في السادسة والخمسين من عمره:
-لهو الطفولة في السنوات الست الأولى 6 سنوات.
-النوم: 8 ساعات 17 سنة.
-تناول الطعام 2/1:1 ساعة 3 سنوات.
-الدراسة والعمل 8 ساعات 17 سنة.
-التنقل من مكان إلى آخر 1 ساعة سنتان.
-الاتصالات الهاتفية 2/1 ساعة سنة.
-مراجعات حكومية وقانونية 2/1 ساعة سنة.
-لقاءات وديّة مع آخرين 1 ساعة سنتان.
-أعمال منزلية ورحلات 2/1 ساعة سنة.
مجموع السنوات في هذه العناوين: 50 سنة.
الباقي 6 سنوات,كل ساعة بـ سنتين.
توجيهات مقابل الحقائق
1-الإمساك بزمام المبادرة
عن الإمام علي(ع):” إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ، ويأخذان منك فخذ منهما” .
2-اغتنام عناصر القوَّة
قال النبي(ص) لأبا ذرّ(ره) : يا أبا ذر اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، و صحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك” .
3-ملء الوقت بالعمل الصالح
عن النبيّ(ص):” يفتح للعبد يوم القيامة على كل يوم من أيام عمره أربع وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار ، فخزانة يجدها مملوءة نوراً وسروراً, فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وُزِّع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار وهي الساعة التي أطاع فيها ربه ، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعه فيناله منها عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسم على أهل الجنَّة لنقص عليهم نعيمها وهي الساعة التي عصى فيها ربه ، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها خالية ليس فيها ما يسره ولا يسوؤه, وهي الساعة التي نام فيها ، أو اشتغل فيها بشيء من مباحات الدنيا فيناله من الغبن والأسف على فواتها حيث كان متمكِّناً من أنْ يملاها حسنات ما لا يوصف
4-المسارعة في عمل الصالحات
فالعمر السريع يوجب سرعة الاستفادة منه, قال الشاعر:
مضى أمسك الماضي شهيداً معدَّلاً وأصبحت في يومٍ عليك شهيدُ
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فثنِّ بإحسانٍ وأنت حميدُ
ولا تُرجِ فعلَ الخير يوماً إلى غدٍ لعلَّ غداً يأتي وأنت فقيد
وورد أن ملك الموت إذا ظهر للعبد أعلمه أنّه بقي من عمره ساعة وأنّه لا يستأخر عنها, فيبدو للعبد من الأسف ما لو كانت له الدنيا كلُّها لخرج منها على أن يضمَّه إلى الساعة ساعة أُخرى, فيتدارك لا تفريطة فيها, فلا يجد إليها سبيلاً يقول لملك الموت: مهِّلني يوماً, يقول: ضيَّعت الأيام, فيقول العبد: مهّلني ساعة أتدارك فيها, فيقول: قد ضيّعت الساعات.
وورد عن الإمام علي(ع):” أيُّها الناس الآن الآن ما دام الوثاق مطلقاًَ, والسراج منيراً, وباب التوبة مفتوحاً من قبل أن يجفَّ القلم, وتطوى الصحف” .
5-القيام بأحسن الأعمال
قال تعالى:” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ” .
العمل الحسن هو الذي يكون موافقاً للحكم الشرعي ويؤتي به بإخلاص لله تعالى.
وأحسن الأعمال هو ما جمع فيه الإنسان بين توجِّهه إلى الله تعالى وخدمة الناس, “الخلق كلهم عيال الله فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله” .
6-اغتنام اللحظة الوقتية
عن النبيّ(ص): “كنّ على عمرك أشحَّ منك على دِرْهَمِك ودينارك” .
وقد يحقِّق الإنسان هذا الاغتنام من خلال تحويل كلّ عمله لله تعالى, فينام ويتناول الطعام ويمارس الرياضة بنيَّة التقّوي على عبادة الله تعالى والعمل في سبيله وهكذا…
7-اغتنام اللحظة النوعية
عن النبيّ: “ألا إنَّ لربكم في أيام دهركم نفحات, ألا فتعرَّضوا لها, ولا تعرضوا عنها”.
من هذه النفحات مناسبات زمنية كشهر رمضان وموسم الحجّ وأيام الجمعة وعيد الغدير ومنها فرص قد لا تتكرّر.
فلنعتبر من هذه القصّة:
كان النبي صلى الله عليه وآله إذا سئل شيئًا فإذا أراد أن يفعله قال : نعم ، وإذا أراد أن لا يفعل سكت ، وكان لا يقول لشيء : لا ، فأتاه أعرابي فسأله فسكت ، ثم سأله فسكت ، ثم سأله فسكت ، فقال صلى الله عليه وآله كهيئة المسترسل : ما شئت يا أعرابي ؟ فقلنا : الآن يسأل الجنة ، فقال الأعرابي : أسألك ناقة ورحلها وزادا ، قال(ص) : لك ذلك ، ثم قال صلى الله عليه وآله : كم بين مسألة الأعرابي وعجوز بني إسرائيل ، ثم قال : إنَّ موسى لما أمر أن يقطع البحر فانتهى إليه وضربت وجوه الدواب رجعت ، فقال موسى(ع) : يا رب ما لي؟ قال : يا موسى, إنَّك عند قبر يوسف(ع) فاحمل عظامه ، وقد استوى القبر بالأرض ، فسأل موسى, قومه : هل يدري أحد منكم أين هو ؟ قالوا : عجوز لعلها تعلم ، فقال لها : هل تعلمين ؟ قالت : نعم ، قال : فدلينا عليه ، قالت : لا والله حتى تعطيني ما أسألك ، قال : ذلك لك. قالت : فاني أسألك أن أكون معك في الدرجة التي تكون في الجنة ، قال(ع) : سلي الجنة, قالت : لا والله إلا أنْ أكون معك ، فجعل موسى يراود, فأوحى الله إليه : أن أعطها ذلك ، فإنها لا تُنقصك ، فأعطاها ودلته على القبر .
عاشوراء واغتنام اللحظة
وعاشوراء مدرسة عظيمة في اغتنام اللحظة التي نقلت بعض من فيها من قعر جهنَّم إلى “عشّاقٍ, شهداء, لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من بعدهم”.
فالحرّ بن يزيد الرياحي هو الذي حضر بالإمام الحسين(ع) إلى كربلاء, فهو الموطِّىء, والمهيئ لمذبحة كربلاء, لكنه اغتنم اللحظة حينما واجه الموقف الصعب.
ذهب إلى «عمر بن سعد» وسأله: أمقاتل أنت هذا الرجل؟،أي الحسين (ع).
فأجابه «عمر»: أي والله قتالاً أيسره أن تطيح الأيدي وتتقطع الرؤوس وتتطاير الأكفّ.
هنا اشتدّ الصراع في داخل «الحُرّ» وظلَّ يُفكّر في مصيره. وفيما هو يُفكّر أصابته رعشة فارتعد، ممّا أثار دهشة أحد رفاقه، فقال له:
إنّ أمرك لعجيب، فوالله لو سُئلت عن أشجع أهل الكوفة أو العراق لما عَدوْتُك، فماذا أصابك؟
فأجابه: إنّي مُخيّرٌ بين الجنّة والنار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً أبداً، وإن قُطِّعتُ ومُزِّقتُ وأُحرقتُ.
بعد ذلك ذهب «الحُرّ» إلى خيمة الإمام الحسين(ع) وجاء منادياً: «اللهمَّ إليك تبتُ فتب عليَّ، لقد أرعبتُ قُلوب أوليائك وأولاد نبيّك..»
وعندما وقف أمام خيمة الإمام كان رأسه منحنياً على سرج فرسه، فقال للإمام: «أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك الطريق، سيّدي ومولاي، جئتك تائباً إلى الله ممّا كانت منّي، فهل ترى لي من توبة؟ فقال له الإمام: نعم، يتوب الله عليك فأنت الحرّ في الدنيا وأنت الحرّ في الآخرة إن شاء الله» .