الخوف طاقة سلبية تمتصُّ حماسةَ العامل وتكبحُ زخم انطلاقه في الإبداع والتنمية والحرّية، وكثيراً ما صُوِّرت التقوى على أنّها قيد يُكبِّل حركة الإنسان العامل، وتُشعره بأنّه تحت رقابة صارمة غير مُتسامحة ولا مرنة، وكأنّ خطأ الإنسان الأوّل عندها هو الأخير، وهذا خلاف مفاهيم (الرحمة) و(العفو) و(الصفح) و(المغفرة)، بل يقف على النقيض من ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (الزُّمر/ 53).
التقوى - من خلال قراءة مستوعبة ومتلبِّثة ومتأنِّية - (قوّةُ دفعٍ) وتحميس وتحريك واستنهاض، لأنّ (العَدّاء) هنا ينطلق ونُصبَ عينه (خطُّ النهاية) أو (خطُّ الفوز)، إذ ليس في العدّائين مَن لم يُخامرهُ أو يُخالجهُ الشعور بالفوز لا بالمرتبة الثانية أو الثالثة، بل الأُولى، وهذا هو الذي يمنح أو يُموِّن العدّائين بطاقة تحريك ودفع هائلة.. ولو كانوا تحرَّكوا صوب خطّ النهاية وشعورٌ من الخوف شديد يلازمهم أو يُقلِّل من اندفاعهم، لما كانوا اندفعوا بهذه السرعة السَّهميّة الفائقة شطرَ أمانيهم!
خطُّ النهاية بالنسبة لنا: (جنّةُ) الله ورضوانُه، وسخطُهُ و(نيرانه)، خوفٌ، ورجاءٌ، وليس بالخوف وحده يتحرَّك ويندفع الإنسان!
والتقوى بعد ذلك ليست (عصمةً).. هي بعضُ درجاتها، وهي أشبه شيءٍ بـ(المضادّات الحيوية)، نحتاجُ أن نتعاطاها بين الحين والآخر وضمن توقيتات مناسبة، إذ إنّ مفعولها ينفد مع عدم التعبئة والتخزين والشحن.
(العصمةُ) تقوىً كاملة، وانضباطٌ تام، ومُراقبةٌ يقظة ودائبة ومثابرة لخطِّ السير، وانشداد إلى (خطِّ النهاية)..
والتقوى عرفانٌ بأنّ الصلاح والاستقامة هو أنسب وصف لحالة الإنسان، وأكثرُ ما يليقُ به وبشخصيته وباعتداله النفسيّ.. هي (لباسهُ) الذي لا يجد زينة أُخرى يَتزيَّن بها سواه.. هي (حارسُهُ الشخصيّ)..
والتقوى - بعد هذا وذاك - كإشارات المرور موضوعةٌ أو مصنوعة أو مودعة فينا لسببين متلازمين:
1- سلامةُ التقيّ نفسه.
2- وسلامة الآخرين.
ولذلك كانت كلمة (اتّقِ الله)! التي تُقالُ لمن يشطُّ، ويجُور، ويُجحِف، ويُفرِّط، ويُغالي، دعوةً للعودة إلى خطِّ الاتّزان والاعتدال، وإلى الانتباه إلى خطِّ السير..
حياةٌ بلا تقوى.. طريقٌ فيه الكثير من (المطبّات) و(المنزلقات) و(المنعرجات) و(المنعطفات الحادّة)، بل والمفاجآت غير السارّة أيضاً!
حياةٌ مع التقوى.. وعيُ السائق لخارطة الطريق.. مع انتباه حاضر على طول الطريق.. حِفاظاً على السلامتين: الذاتية والمجتمعية!