لقد جاء القرآن الكريم على ذكر الصبر في سياق حديثه عن الجهاد والمواجهة، أو عن مقاومة الأنبياء عليهم السلام والقادة الإلهيين للمشاكل التي كانت تنزل على رؤوسهم من الصديق والعدوّ، في أكثر من ثلاثين آية[1]. وفيما يلي نُشير إلى البعض منها، والتي قد أكّدت على الدور المباشر للصبر في تحقيق الانتصار.
ففي سياق إصدار أوامره لمجاهدي معركة بدر، أشار الله تعالى إلى أمرين اثنين على صعيد الصبر، حيث يقول تعالى في بداية إحدى الآيات: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا لَقِيتُم فِئَة فَٱثبُتُواْ وَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرا لَّعَلَّكُم تُفلِحُونَ﴾[2].
وفي نهاية الآية التي تليها يوصي تعالى من جديد: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفشَلُواْ وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَٱصبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[3].
وللثبات من الناحية اللغوية معنى أوسع من الصبر، ولكنّ المراد هنا هو عدم الفرار من وجه العدوّ، وفي ذلك تأكيد على قوله تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحفا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدبَارَ﴾[4].
وقد ورد الحديث عن الصبر أيضاً بوصفه سبب انتصار القوّات المسلمة القليلة العدد، على قوّات المشركين والكفّار الكثيرة العدد، حيث قال تبارك وتعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلمُؤمِنِينَ عَلَى ٱلقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُم عِشرُونَ صَٰبِرُونَ يَغلِبُواْ مِاْئَتَينِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَة يَغلِبُواْ أَلفا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُم قَوم لَّا يَفقَهُونَ﴾[5].
وبعد أن أمر الإمام عليّ عليه السلام جنود جيشه بجمع العدّة والعتاد، نجده يوصيهم بالصبر، والذي يعدّهُ أفضل عاملٍ لتحقيق النصر: "... واستشعروا الصبر فإنّه أدعى إلى النصر"[6].
وفي هذا الصدد يقول الإمام القائد الخامنئي قدس سره: "لا تسمحوا لأيّ شيء من أن يُزيلكم عن الجهاد، فأفضل الأشخاص معرّضون للسقوط والانزلاق. واعلموا أنّ جميع الأشخاص - حتى الصالحين منهم والمسدّدين والحكماء العلماء الأتقياء - معرّضون لخطر السقوط. لهذا وفي أي منصب كنتم وبأي مستوى الجؤوا إلى الله"[7].
الروايات والصبر
تحدّثت الروايات المباركة حول الصبر وأعطته مكانة عظيمة في شخصية المؤمن فكيف بالمؤمن المجاهد الذي من الواجب عليه أن يتحلّى بالصبر كصفةٍ أساسية في حياته الجهادية، وقد بيّنت الروايات أهمّية الصبر وفضله، منها أنّه:
1. أحد أركان الإيمان: قال الإمام علي عليه السلام: "بُني الإيمان على أربع دعائم: اليقين والصبر والجهاد والعدل".[8]
2. رأس الإيمان: وعن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان"[9].
3. نصف الإيمان: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصبر نصف الإيمان"[10].
4. كنز من كنوز الجنّة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصبر كنز من كنوز الجنّة"[11].
5. المحامي في القبر: عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبرّ مطلّ عليه، ويتنحّى الصبر ناحيةً، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته، قال الصبر للصلاة والزكاة والبرّ: دونكم صاحبكم، فإنْ عجزتم عنه فأنا دونه"[12].
6. للصابر أجر ألف شهيد: وعنه عليه السلام قال: "من ابتُلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد"[13].
7. الطريق إلى الجنّة: عن أبي جعفر عليه السلام قال: "الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنّة، وجهنّم محفوفة باللذّات والشهوات؛ فمن أعطى نفسه لذّتها وشهوتها دخل النار"[14].
سبيل النجاة، مركز المعارف للتأليف والتحقيق
[1] يُراجع: طاهري خُرّم آبادي، الجهاد في القرآن، منشورات بيام آزادى، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص121.
[2] سورة الأنفال، الآية 45.
[3] سورة الأنفال، الآية 46.
[4] سورة الأنفال، الآية 15.
[5] سورة الأنفال، الآية65.
[6] الرضي، نهج البلاغة، ص68، خطبة 26.
[7] پيام انقلاب، ص 81.
[8] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص50، باب صفة الإيمان، ح1.
[9] المصدر نفسه، ج2، ص87.
[10] البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1990م، ط1، ج7، ص123، ح9716.
[11] أبو حامد الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين، دار الكتاب العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج12، ص34.
[12] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص240، باب المسألة في القبر، ح13.
[13] المصدر نفسه، ج2، ص92، باب الصبر، ح17.
[14] المصدر نفسه، ج2، ص89، باب الصبر، ح7.