إن الخشوع ما هو إلا ثمرة لصلاح القلب واستقامة الجوارح، ولا يحصل ذلك إلا بمعرفة الله جل وعلا، والإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومعرفة أمره والعمل به، ومعرفة نهيه واجتنابه، ثم اقتران ذلك كله بالإخلاص. لذلك فإن مرد أسباب الخشوع كلها إلى هذه الأمور.
1- معرفة الله:
وهي أهم الأسباب وأعظمها، وبها ينور القلب ويتقد الفكر وتستقيم الجوارح فالعلم اليقين بلا إله إلا الله، يثمر في القلب طاعة الله وتوقيره والذل والانكسار له في كل اللحظات، ويعلّم المؤمن الحياء من الله لإيقانه بوجوده ومعيته وقربه وسمعه وبصره. قال تعالى: "وهُو معكُمْ أيْن ما كُنتُمْ واللّهُ بِما تعْملُون بصِيرٌ"([1]).
2- تعظيم قدر الصلاة والاستعداد لها:
وإنما يحصل تعظيم قدرها، إذا عظم المسلم قدر ربه وجلال وجهه وعظيم سلطانه، واستحضر في قلبه وفكره إقبال الله عليه وهو في الصلاة، فعلم بذلك أنه واقف بين يدي الله، وقد كان الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: "أتدرون بين يدي من أقوم؟"([2]).
وليس من شك أن الاهتمام من عوامل الانتباه، وكلما يكون اهتمام الإنسان بأمر أكثر يكون انتباهه إليه أكثر وهذه قضية واضحة، فإن الإنسان إذا واجه أمرين وكان اهتمامه إلى أحدهما أعظم من الآخر انصرف إليه بقلبه.
وإنما ينصرف الناس عن صلاتهم الى ما يهمهم من أمور دنياهم لأن اهتمامهم بها أعظم من اهتمامهم بالصلاة، إذن الخلفية النفسية لمسألة حضور القلب في الصلاة هي قضية الاهتمامات، وما لم يحول الإنسان اهتماماته من "الأنا" إلى "اللّه" ومن "الدنيا" إلى "الآخرة"... لا يتمكن من أن يؤدي الصلاة أداء حسنا، بالإقبال والذكر والانشداد.
3- تفريغ القلب:
إن قلب الإنسان إناء واحد، لا يجتمع فيه أمران متضادان، يقول تعالى: "مّا جعل اللّهُ لِرجُلٍ مِّن قلْبيْنِ فِي جوْفِهِ". فإذا كان قلب الإنسان مشغولا بشواغل الدنيا، فلا يستطيع أن ينصرف الى ذكر اللّه تعالى، وتبقى هذه الشواغل تلاحقه، وتطارده، حتى في صلاته، وهذه الشواغل على نحوين:
شواغل خارجية، وأخرى داخل النفس، والثانية أشق من الأولى.
أما الشواغل الخارجية فهي ما تحيط الإنسان وتشغل باله، مثل زخرفة مكان المصلّي ونقوش الفرش الذي يصلّي عليه الإنسان.
وأهم من الشواغل الخارجية الشواغل الداخلية في النفس، وهي الاهتمامات التي تشغل المصلي عن صلاته وذكره، وتشتت باله، وترهقه بالطمع والحسد والجشع وطول الأمل.
4- منهج الخطاب
عندما ننظر في كتاب أو نستمع إلى محاضرة قد نصاب بشرود الذهن، وكذلك الأمر عندما نقرأ كتابا بصوت مسموع. ولكن عندما نخاطب أحدا أونتلقى خطابا من احد بالمواجهة لا نصاب بالشرود، ففي حالة الخطاب ينشد الإنسان إلى "المخاطب" (بالفتح والكسر)، بسبب عامل الخطاب. إذن "الخطاب" من أهم عوامل الانشداد.
فإذا استشعر المؤمن خطاب اللّه تعالى له في القرآن، وخطابه له تعالى في "الصلاة" و"الدعاء" لم يصرفه عنه شيء، ولا يجد أمرا ألذّ إلى قلبه وعقله منه.
5- تدبر القرآن في الصلاة:
إن تدبر القرآن من أعظم أسباب الخشوع في الصلاة، وذلك لما تشتمل عليه الآيات من الوعد والوعيد وأحوال الموت ويوم القيامة وأحوال أهل الجنة والنار وأخبار الأنبياء الرسل وما ابتلوا به من قومهم وكل هذه القضايا تسبح بخلدك فتهيج في قلبك نور الإيمان وصدق التوكل وتزيدك خشوعا على خشوع وكيف لا وقد قال الله جل وعلا: "لوْ أنزلْنا هذا الْقُرْآن على جبلٍ لّرأيْتهُ خاشِعا مُّتصدِّعا مِّنْ خشْيةِ اللّهِ وتِلْك الْأمْثالُ نضْرِبُها لِلنّاسِ لعلّهُمْ يتفكّرُون"([3]).
([1]) الحديد:4.
([2]) المجلسي- محمد باقر- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة- ج77 ص347.
([3]) الحشر:21.