يرى الإلهي أنّ الأمور ستشتدُّ وتسوء، ولكن لا تكون النهاية هي الفناء مباشرة، بل ليس بعد الشدَّة إلا الرخاء وليس بعد العسر إلا اليسر، فلا بدَّ أن يظهر المخلص والمنقذ للبشريَّة ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وكما كان يرسل الله الأنبياء عليهم السلام في محتلك الظروف لهداية وإنقاذ الناس من الهلاك، سيرسل المخلص للأرض من أيدي المجرمين والقتلة، فلا يلمع البرق إلا في مدلهَّمات الغيوم، وهذه هي فكرة المهدويّة التي يعتقد بها الشيعة، فهم يعتقدون بظهور إمام عادل من ذرية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يخلص البشرية كلها لا المسلمين فقط، ويحكم بالعدل بين الناس، ويملأ الخير والسعادة والهناء كلّ أرجاء المعمورة، ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا...﴾([1]).
وهو ذلك اليوم الذي يذكره الحديث:
"إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كلّ حق إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله سبحانه يقول: ﴿... وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾([2]). وحكم بين الناس بحكم داوود وحكم محمد صلى الله عليه وآله فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعا لصدقته ولا لبرِّه، لشمول الغنى جميع المؤمنين... وهو قوله تعالى: ﴿... وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾"([3]) ([4]).
وعن مستقبل العالم يتحدث أمير المؤمنين عليه السلام: "حتى تقوم الحرب بكم على ساق، باديا نواجذها، مملوءة أخلافها، حلوا رضاعها، علقما عاقبتها، ألا وفي غدٍ وسيأتي غدٌ بما لا تعرفون يأخذ الوالي من غيرها عمالها، على مساوي أعمالها، وتخرج الأرض له أفاليذ كبدها، وتلقي إليه سلما مقاليدها، فيريكم كيف عدل السيرة، ويحيي ميت الكتاب والسنة"([5]).
فالإمام عليه السلام يشير إلى مستقبل رهيب قاتم، لكنَّه يبشِّر بفجر ناصع بعد ليل بهيم، وبهذا الاعتقاد تزول كلّ المخاوف ويعيش الإنسان الإلهي الطمأنينة والراحة، نعم إنه وعد إلهي: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾([6]).
فللإيمان بالغيب تأثير عملي على الإنسان وسلوكه في الحياة.
الخلاصة:
الإمداد الغيبي في هذه الحياة على أنواع، منها ما هو فردي ومنها ما هو اجتماعي، فقد يمنّ الله بالنصر وقد يمنّ بالهداية وقد يمنّ بالإلهام على بعض الأشخاص، وقد يمنّ على الأمة قاطبة بالإنقاذ من الضلال، ولكن كلّ ذلك لا يكون عبثا ومن دون أيّ شرط، بل لا بدَّ من العمل والنصرة وأن يكون ذلك لله وفي الله.
وهناك فروق بين الإنسان المادي والإنسان الإلهي الذي يؤمن بالغيب، منها أن نفس هذا الإيمان يخلق انعكاسا عمليا يظهر بصورة طمأنينة وارتياح ونظرة تفاؤليَّة للعالَم، فالعالم يسير بحسب الظواهر الطبيعية نحو الدمار الشامل إلا أنّ المؤمن بتعاليم الأنبياء وبالغيب يؤمن بالإمداد الغيبي وأنّ بعد الشدة الرخاء، وسيحكم العالَم بالعدل المؤمنون الصالحون، وعدا من ربّ العالمين.
([1]) الزمر:69.
([2]) آل عمران:83.
([3]) الأعراف:128.
([4]) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج52، ص339، وروضة الواعظين، للفتّال النيسابوري، ص265.
([5]) نهج البلاغة، من خطبة له عليه السلام يومي فيها إلى ذكر الملاحم، ج2، الخطبة 136، تحقيق الشيخ محمد عبدو.
([6]) الأنبياء:105.