تعتبر امريكا أكثر دول العالم حديثاً عن حقوق الإنسان وشعاراته، كما أنها الدولة الأكثر إستخداما للمناداة بحقوق الإنسان، كورقةٍ في سياستها الخارجية. إلا أنها على صعيد التطبيق الفعلي، تعد الدولة الأخطر التي انتهكت وتنتهك حقوق الإنسان، على مر التاريخ. فكل هذا الإهتمام الأمريكي بحقوق الإنسان، كان ستاراً، أخفى خلفه نزعة التوسع والسيطرة وحكم الشعوب التي اتصفت بها السياسة الأمريكية منذ نشأة أمريكا. فكيف يتمثل الإنتهاك المنهجي لحقوق الإنسان في أمريكا؟ وكيف تزداد ردات الفعل الداخلية على التمييز العنصري بحق السود؟
أولاً: الإنتهاك المنهجي لحقوق الإنسان في أمريكا، صفة قديمة للسياسة الأمريكية:
المفكر الأمريكي ناعوم شومسكي ذهب بأقواله لحد أنه وصف قائلاً: "من وجهة النظر القانونية أن هناك ما يكفي من الأدلة لاتهام كل الرؤساء الأمريكيين منذ نهاية الحرب العالمية بأنهم مجرمو حرب، أو على الأقل متورطون بدرجة كبيرة في جرائم حرب" .
وتعتبر لغة الأرقام، دليلاً على هذا، لتثبت كيف أن أمريكا أنتهكت حقوق الإنسان، على الصعيد الخارجي والداخلي. فمنذ نهاية الحرب العالمية وإلى اليوم حصلت 75حرباً وتدخلاً عسكرياً أو دعماً لانقلابٍ عسكريٍ نفذتها امريكا في مناطق شتى من العالم، تحت عناويين الدفاع عن حقوق الإنسان، والمساعدة على نشر الديمقراطية للشعوب المغلوبة.
ومن يقرأ بعضاً من تاريخ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، يلحظ بكل وضوح زيف الشعارات التي بشرت بها العالم عقب الحرب العالمية الثانية، والنفاق الذي استخدمته، فهي التي لم تجد مشكلةً في أن تدوس على كل القيم التي نادت بها إذا ما تبين أنها تحول دون تحقيق مصالحها الذاتية. ففي عام 1944م قامت ثورة في جواتيمالا، وأسست حكومة ديمقراطية وبدت بشائر التنمية الاقتصادية المستقلة، فأثار ذلك زوبعةً هستيرية في واشنطن، ووصف الموقف في (جواتيمالا) عام 1952 بأنه معاد للمصالح الأمريكية، مما استدعى إنقلاباً عسكرياً دعمته إدارة كارتر، فسفكت الدماء، وسار الفساد في جواتيمالا لا لشيء إلا لأن المصلحة الأمريكية تقتضي ذلك. وكانت أمريكا اللاتينية، أو ما تسميه واشنطن بفنائها الخلفي، هي المسرح الرئيسي لحروب أمريكا (الديمقراطية)، فبعد 12 عاماً من الإنقلاب الدموي في جواتيمالا، هيَّأت إدارة كندي في عام 1964 لانقلاب عسكري في البرازيل، أدى لوأد التجربة الديمقراطية البرازيلية الواعدة في مهدها. كل ذلك من أجل عيون الشركات الأمريكية العملاقة المسيطرة على مقدرات البلاد، والتي تعود لإسرائيليين، وليعيش البرازيليون تحت خط الفقر رغم أن بلادهم تتمتع بثروة تمكنها من أن تكون من أغنى بلاد العالم. وبعدها يتحدث التاريخ عن أكثر من ذلك. ولكن ماذا على الصعيد الداخلي؟
ثانياً: الإنتهاك المنهجي لحقوق الإنسان في الداخل الأمريكي:
على الصعيد الداخلي تعتبر أمريكا من أكثر دول العالم انتهاكا لحقوق الإنسان. حيث يعيش المجتمع الأمريكي بعنصرية كبيرة وفقرٍ مدقع في مناطق السود والملونيين هذا بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الجريمة والإنحلال الخلقي بين جنبات المجتمع الأمريكي .
ولا تحتاج الأمور للكثير من الأدلة لتثبت ذلك. فالأحداث الأمريكية الأخيرة ضد السود والتي أصبح يحفظها العالم بأسره، كافية لتدل على ذلك. وهنا تأتي الإشارة الى الثورة النقابية التي تجري منذ فترة ليست بقصيرة في أمريكا، للمطالبة بحقوق العمال في أمريكا. فخلال شهر ديسمبر الماضي أقام إتحاد النقابات العالمي، مسيرة في العاصمة واشنطن، بالإنابة عن 90 مليون عامل منظم نقابياً حول العالم والذي يمثلهم الإتحاد، تعبيراً عن تضامنهم مع الطبقة العاملة والشعب الأمريكي ومطالبةً بالعدل من أجل ضحايا الإضطهاد العرقي. كما وطالب العشرات فى المدن الأمريكية الأخرى، بالعدل من أجل الضحايا الأمريكيين من أصول افريقية أفرو- أمريكان بسبب العنف الأمني فى مدينة فيرجسون بمقاطعة ميسوري في نيويورك.
لذلك فإن عمليات القتل في فيرجسون وأماكن أخرى وبراءات المذنبين إنما تضع في المقدمة مشكلة العنصرية في أمريكا والبلدان المتقدمة الأخرى. فالوحشية التي ارتكبت بواسطة الشرطة الأمريكية تعكس الظلم اللامتناهي للعِرق والطبقة في أمريكا، والظلم الأكثر وحشية تجاه الأفرو- أمريكان والمجتمعات الملونة الأخرى. فالطبقة العاملة والقطاعات الأكثر فقرا من السكان بصفة عامة هم الأكثر ضحايا للعنف الشُرطي. كما وأدان إتحاد النقابات العالمي، الهجمات والسياسات العنصرية المستخدمة بواسطة الوكالات القضائية التنفيذية في أمريكا. وإن الحركة النقابية النضالية الدولية قد ناضلت على الدوام لمناهضة العنصرية وأي أشكال أخرى من التفرقة بين الشعب العامل. مؤكدةً أن عنف الدولة ضد الطبقة العاملة وضد القطاعات الأكثر اضطهادا وغير المحصنة لن يدوم طويلاً.
إذاً، إنها أمريكا التي تشن الحروب لحماية حقوق الإنسان كما تدعي. لكن الديمقراطية الأمريكية المنافقة، لا تشعر بما يحصل في داخلها، بالإنتهاكات التي تقوم بها بحق شعبها. لكن الأهم من ذلك هو أن أمريكا اليوم، تتصدر لائحة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان منهجياً. فهل من سيبقى يراهن على الديمقراطية الأمريكية المدعاة؟