انتفاضة جديدة أشعلها الاسرى في سجون ومعتقلات الاحتلال الاسرائيلي عبر اطلاقهم جولة جديدة لمعركة الامعاء الخاوية والاضراب عن الطعام تحت عنوان “اضراب الحرية والكرامة”، وذلك رفضا للظلم وتنديدا بالممارسات الصهيونية داخل السجون وللمطالبة بتحسين اوضاعهم فيها في ظلم الانتهاكات المتواصلة لحقوق الاسير ولحقوق الانسان من قبل السجان الاسرائيلي.
وليس غريبا على الاسرى الوقوف بوجه المحتل حتى في اصعب الظروف لرفع صوت الحق بوجه هذا الحاكم الظالم، فالاسرى هم اولئك المناضلين الذين اتعبوا العدو الاسرائيلي في مختلف الميادين خارج المعتقل، وبالتالي هم خبراء في إرهاق العدو والتغلب عليه وقهره وهم داخل السجن، فالعدو لا بد انه سيرضخ امام المواجهات البطولية السلمية للاسرى الذين يملكون ما لا يملكه العدو من صبر وتحمل وارادات وعزيمة حركت العالم الحر والشارع الفلسطيني الذي بدأ يخرج نصرة للاسرى في الاراضي المحتلة وفي دول الشتات.
رسائل بالجملة..
وأصحاب الاضراب داخل السجون يوجّهون اليوم رسائل للعالم أجمع ان قضيتهم اي القضية الفلسطينية لن تموت ولا تموت طالما هم من حاملي راياتها، ولا يفيد بعد ذلك كل مبادرات الهرولة باتجاه العدو سواء كانت مبادرات عربية او غير عربية وسواء وافقت عليها بعد الاطراف الفلسطينية ام لم توافق، فالاسير الذي لا يأبه بالمحتل ولا بالقيود ولا بالتعذيب داخل السجن يقول لنا لما أنتم ساكتون عن فلسطين ويقول للفصائل الفلسطينية لما أنتم متباعدون، بينما نحن متحدون في معركة واحدة ضد المحتل وداخل الزنازين لا فرق بيننا بل تجمعنا فلسطين وتجمعنا مقاومة المحتل الواحد.
وهذا الأسير اليوم يطلق كلمة سر لكل فلسطيني في القدس وشوارعها وبيت لحم ورام الله وقطاع غزة وكل شبر محتل او محاصر ان المقاومة لا تعرف حدا ولا تنحصر بآلية او بأسلوب، إنما هي مباحة بكل الوسائل والطرق المشروعة من القتال المسلح الى استخدام السلاح الابيض وصولا للكلمة، بل حتى بالعمل السلبي يمكن ان تقاوم عندما تخبر العالم أنك تمتنع عن الاكل والشرب حبا لفلسطين ونصرة لقضيتك المحقة، والاسير اليوم يقول لكل فلسطيني اضرب عدوك وواجهه وقاطعه ولو بموقف فـ”الموقف سلاح” ولكن يجب ان تعرف كيف تستخدمه واين ومتى؟ وهذا الاسير يقول للفلسطيني لا تنشغل بما يريدك العدو ومن يدعمه ان تنشغل به على امتداد خارطة الامة من مسائل حياتية او معارك جانبية تدخلك في أتون الصراعات الطائفية او القومية او السياسية بل ركّز البوصلة لقتال العدو الحقيقي بهدف طرده من فلسطين التي احتلها وشرد شعبها.
والاسير الفلسطيني يقول لكل الشعوب العربية والاسلامية ولأنظمتها بشكل خاص، ماذا قدمتم لنا ولقضية فلسطين؟ ماذا فعلتم لمواجهة هذا المحتل؟ هل تراجعتم عن “مبادرات الذل” التي تقدمونها للعدو الذي يرفضها لانه يرغب بالقضاء على كل معالم القضية الفلسطينية؟ هل ما زالت هذه القضية موجودة في حسابات غالبية الحكام والانظمة العربية والاسلامية؟ هل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي سمعت بإضرابنا وهل تتذكر معنى تحرير فلسطين والمقدسات؟
عن التنسيق مع العدو.. والمصالحة الفلسطينية
الاسير الفلسطيني يسأل من المعتقل لماذا التنسيق الامني مع العدو ما زال موجودا وقائما من قبل السلطة الفلسطينية؟ ولماذا لا تنقطع كل سبل التواصل التي تفيد العدو فقط دون غيره؟ لماذا لا تتوحد الجهود بين الجميع من كل الفصائل والتيارات السياسية والعسكرية بما يخدم القضية الفلسطينية وتحقيق المطلب الاول بتحرير كامل الارض الفلسطينية؟ لماذا لا يتم تفعيل التعاون بين قطاع غزة ورام الله خدمة للمصلحة العامة؟
ورغم كل المعاناة داخل السجون تستفيد سلطات الاحتلال من كل هذا الصمت العربي والاسلامي لتزيد من ممارساتها التعسفية، فقد قامت إدارة مصلحة السجون الصهيوني بتنفيذ سلسلة اجراءات قمعية عبر عناصر خاصة تمثلت باقتحامات وتفتيشات مكثفة على أقسام الأسرى المضربين عن الطعام، عبر استخدام الكلاب البوليسية وصادرت بعض المواد الغذائية بالاضافة الى مصادرة نسخ من القرآن الكري، كما منعت سلطات الاحتلال الأسرى المضربين، من إقامة صلاة الجمعة وحرمتهم من الخروج إلى الاستراحة اليومية، كما قامت بوضع العديد من الاسرى في العزل الانفرادي ممن اعتبرت انهم يقودون او يقفون خلف اضراب “الحرية والكرامة” أمثال الاسير مروان البرغوثي الذي أعلن الاثنين عن تدهور حالته الصحية، كما قامت السلطات الاسرائيلية بحملة نقل للاسرى من سجن الى آخر، في محاولة منها لارباك حركة “الانتفاضة الاسيرة”.
وفي صورة بارزة للعدوانية الاسرائيلية، أطلقت العديد من التصريحات لمسؤولين صهاينة حرضت على الاسرى المضربين للطعام حتى وصل الامر الى حد التحريض على القتل، وفي هذا الاطار قال عضو الكنيست الاسرائيلي أورين حازان إن “السجون مليئة ولم تعد تتسع ولكن هناك مكان تحت الأرض”، بينما دعا رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو السلطة الفلسطينية الى وقف رواتب الاسرى وعدم تسليمها لعائلاتهم.
ارادة لن تنكسر..
وفي السياق، وجه عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” المناضل الاسير مروان البرغوثي، رسالة إلى البرلمانيين في مختلف أنحاء العالم ولأعضاء الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، حول إضراب الاسرى المفتوح عن الطعام، حيث قال “إذا كنتم تقرأون هذه الرسالة فهذا يعني أن الإحتلال الإسرائيلي قد اختار الاستمرار في سياساته القمعية والعقوبات الجماعية ضد الأسرى الفلسطينيين والتحريض ضدهم بدلا من تلبية مطالبهم الشرعية”، وتابع “استلامكم هذه الرسالة يعني أيضا أنني قد وضعت في العزل الإنفرادي مرة أخرى مع زملائي الآخرين المضربين عن الطعام ولكننا لن نصمت ولن نستسلم ولن تنكسر إرادتنا”، واضاف “لقد قام برلمانيون إسرائيليون بالتحريض على اعتقالنا ودعموه وشجعوه ها هم يجلسون بينكم في المحافل البرلمانية الدولية بينما يمنعوننا ويحرمون علينا ذلك”.
وبالتوازي تتواصل الفعاليات الوطنية والدولية الداعمة لإضراب الحرية والكرامة، هذا وأعلنت اللجنة الوطنية لإسناد الإضراب سلسلة فعاليات، من بينها معارض فنية ومهرجانات والتواجد في خيام الإعتصام التي نصبت في كل المدن في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر.
وكذلك في لبنان أقيمت عدة فعاليات تضامنية مع انتفاضة الاسرى في العديد من المخيمات الفلسطينية، منها الوقفة التي نظمتها “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” في مخيم مار الياس في العاصمة اللبنانية بيروت، وتحدث بالمناسبة عضو المكتب السياسي للجبهة علي فيصل حيث طالب “بتدويل قضية الاسرى ونقل ملفهم الى المحافل والمؤسسات الدولية لفضح الممارسات النازية للاحتلال وادارات سجونه المخالفة لكل القوانين الدولية واتفاقية جنيف الرابعة وابتداع اشكال من التوقيف المخالف للقوانين وهو ما يعرف بالتوقيف الاداري الذي يستمر لسنوات احيانا دونما ادانات وتهم محددة”، وشدد على ان “عملية الاعتقالات باطلة اصلا لان اسرائيل كيان احتلال يمارس احتلاله لاراضي الدولة الفلسطينية ويقوم بقمع ابناء هذه الدولة من ممارسة حقهم المشروع في مقاومة الاحتلال والاستيطان والتهويد والقضم وابتلاع الاراضي”.
وفيما طالب فيصل “السلطة الفلسطينية بتقديم شكوى لمحكمة الجنايات الدولية مدعومة بالادلة والقرائن بشأن عنصرية الاحتلال في التعاطي مع الاسرى التي ادت الى استشهاد المئات في السنوات الماضية”، دعا “لتوسيع دائرة التحرك الفلسطيني والعربي والدولي دعما للاسرى بما يؤدي الى انتفاضة شاملة داخل سجون الاحتلال تتأخى مع انتفاضة الشباب وتشكيل قيادة موحدة لها”.
الأكيد ان الاسرى بانتفاضتهم أحدثوا صدمة لمن يعنيهم الامر في هذه الامة، بهدف اعادة الانتباه لكل الغافلين ان قضية الاسرى هي حلقة من حلقات النضال في إطار القضية الاساس لتحرير فلسطين ومواجهة هذا العدو الاسرائيلي الذي يحاول إلهاء الامة بمعارك جانبية واختلاق اعداء جدد لها، إلا ان رسالة الاسرى واضحة “اسرائيل” هي العدو الاول والاخير للامة كلها.