بول كرايغ روبيرتس
كانت الإمبراطوريات العظمى كالإمبراطوريتين الرومانية والبريطانية تسمى الإمبراطوريات المستخرجة. فقد نجحت لأن قيمة الموارد والثروة المستخرجة من البلاد المحتلّة قد فاقت قيمة الفتوحات والسيطرة. ولم تكن الشجاعة العسكرية لدى القبائل الألمانية السبب في عدم توسّع الإمبراطورية الرومانية شرقاً باتجاه ألمانيا، بل لأن الجانب الروماني كان قد قدّر أنّ تكاليف الغزو ستتخطّى قيمة الموارد التي يمكن استخراجها من هناك.
وقد فشلت الإمبراطورية الرومانية لأن الرومان قد أرهقوا القوى العاملة واستنفدوا الموارد في الحروب الأهلية عندما كانوا يتصارعون في ما بينهم سعياً وراء السلطة. أما الإمبراطورية البريطانية فقد فشلت لأن البريطانيين قد أرهقوا أنفسهم في قتالهم الألمان في حربين عالميتين.
وفي كتاب "حكم الإمبراطوريات" الصادر عام 2010، يستبدل الكاتب "تيموثي بارسونز" أسطورة الإمبراطورية المتحضِّرة بحقيقة الإمبراطورية الإستخراجية. فيصف نجاحات كل من الرومان والخلافة الأموية في استخراج الموارد، فضلاً عما أنجزه الإسبان في البيرو ونابليون في إيطاليا والبريطانيون في الهند وكينيا.
ولا يدرس "بارسونز" الأمبراطورية الأميركية، إلا أنه يتساءل في مقدّمة كتابه عمّا إذا كانت الإمبراطورية الأميركية إمبراطورية حقيقية ذلك أن ما من دليل على استخراج الأميركيين أيّ فوائد منها. فبعد ثماني سنوات من الحرب على العراق ومحاولة احتلاله، لم تلقَ جهود واشنطن غير دين إضافي بلغ تريليونات الدولارات من دون الحصول على النفط العراقي. وبعد صراع دام عشر سنوات ضدّ حركة الطالبان في أفغانستان، وكلّف أيضاً تريليونات الدولارات، لم تحصل واشنطن على شيء يذكر سوى جزء من تجارة المخدّرات التي قد تكون ذات منفعة لتمويل العمليات السرية لوكالة الإستخبارات المركزية (سي.آي.إيه).
إن الحروب الأميركية مكلفة للغاية. والرئيسان بوش وأوباما قد ضاعفا الدين العام من دون أن يستفيد الأميركيون بأي شيء. لا أغنياء، ولا خبز، وعروض السيرك تتوالى أمام الأميركيين جراء الحروب التي تخوضها واشنطن. فماذا يعني ذلك كلّه؟
الجواب هو أن إمبراطورية واشنطن تستخرج الموارد من الشعب الأميركي لصالح القلة من المجموعات التجارية النافذة التي تحكم أميركا. فالمجمّع العسكري الأمني، ومنطقة "وول ستريت" المالية، والزراعة التجارية، واللوبي الإسرائيلي يستغلّون الحكومة لاستخراج الموارد من الشعب الأميركي بما يخدم نفوذهم ومصالحهم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدستور الأميركي قد استُخرج بناء على مصالح أمن الدولة، وأن مداخيل الشعب الأميركي قد حوّلت مسارها نحو جيوب الواحد بالمئة من الأميركيين. وعلى هذا المنوال تلعب الإمبراطورية الأميركية دورها.
ولكن الإمبراطورية الجديدة مختلفة لأنها نشأت من دون تحقيق أيّ من الفتوحات. فالجيش الأميركي لم يستطع فتح العراق بل وأرغم على الخروج بفعل القرار السياسي للحكومة التي كانت واشنطن قد شكلتها. ولم يكن ثمّة من نصر في أفغانستان، فبعد عقد من الزمن لم يواصل الجيش الأميركي سيطرته على البلاد.
وفي الإمبراطورية الجديدة أيضاً، لم يعد الإنتصار في الحروب موضع أهمية. فقد بات الإستخراج يتمثل بخوض الحروب. وقد تدفّقت مبالغ كبيرة من أموال الضرائب التي يدفعها الأميركيون نحو صناعة الأسلحة الأميركية، وعدد كبير من القدرات لخدمة الأمن القومي. فالإمبراطورية الأميركية تعمل على تجريد الأميركيين من الثروة والحرّية.
ولهذا السبب لا يمكن أن تنتهي الحروب، وإذا حدث وانتهت واحدة فستبدأ حرب أخرى. هل تتذكرون عندما تولى أوباما منصب الرئاسة وسئل عن مهمّة الولايات المتحدة في أفغانستان؟ أجاب أنه لا يعرف ما كانت المهمّة أصلاً، وأنّه يجب تحديدها.
ولم يعرّف أوباما المهمّة أبداً، بل وجدّد الحرب الأفغانية من دون ذكر الهدف من ذلك، إذ لا يمكنه أن يقول للأميركيين إن الهدف من الحرب هو بناء القوّة وجني المكاسب للمجمّع العسكري الأمني مهما كانت كلفتها التي سيدفعها الأميركيون.
ولا تعني هذه الحقيقة أن الهدف من العدوان العسكري الأميركي قد تفادى دفع الثمن. فهناك أعداد كبيرة من المسلمين الذين قصفوا وقتلوا ودُمّر اقتصادهم وبنيتهم التحتية، ولكن الهدف لم يكن استخراج الموارد من بلادهم.
والمضحك المبكي هو أن مواطني الإمبراطورية الجديدة يجرّدون من ثرواتهم وحرّياتهم بغية استخراج أرواح سكان البلاد الأجنبية المستهدفة. تماماً كما هي الحال في قصف المسلمين وقتلهم، لا شكّ أن الشعب الأميركي هو أيضاً ضحيّة هذه الإمبراطورية الأميركية.
*"بول كرايغ روبيرتس" كان محرّراً في صحيفة "وول ستريت جورنال"، ومساعداً لوزير الخزينة الأميركية. آخر كتبه "كيف ضاع الإقتصاد"، من منشورات "كاونتر بانش/ آي.كي برس".