قام مركز أبحاث الكونغرس الأمريكي بإعداد تقرير لمناقشة ما إذا كان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوقيع عليه في 14 يوليو/تموز 2015، بين طهران والدول العظمى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا "5+1"، والذي بدأ تطبيقه في 16 يناير/كانون الثاني 2016، يُعدّ أمراً قانونياً أم لا ولقد توقعت العديد من وسائل الإعلام الغربية وفقاً لتصريحات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الأخيرة، بأن الحكومة الأمريكية سوف تنسحب من الاتفاق النووي في غضون الأسابيع القليلة المقبلة وفيما يلي سنلقي الضوء أكثر على ما جاء في هذا التقرير الأمريكي.
أبرز الاعتبارات القانونية للانسحاب من الاتفاق النووي
إن الاتفاق النووي يركز على سلسلة من "الإجراءات الطوعية" التي تحتم على الدول العظمى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا "5+1"، إلغاء جميع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وقرارات مجلس الأمن ضد إيران ولكن يجب القول هنا بأنه لم يقم أحد من تلك الأطراف بالتوقيع على هذا الاتفاق النووي ولم يتضمن هذا الاتفاق أحكاماً نصّية بالموافقة عليه أو تنفيذه ولكن تلك الأطراف قامت بإلغاء بعض العقوبات على إيران في 16 يناير 2016، في اليوم الذي أطلق عليه "يوم التنفيذ".
لقد تعامل الجهاز التنفيذي التابع للولايات المتحدة مع هذا الاتفاق النووي الذي لم توقع عليه جميع الأطراف، كالتزام سياسي، مستنداً في ذلك إلى "تدابير طوعية" وليس إلى التزامات ملزمة له وهنا يتفق الكثير من الخبراء الأمريكيين مع التقييم الحالي الذي تقوم به الحكومة الأمريكية فيما يخص الاتفاق النووي ويعتقدون بأن الموافقة على هذا الاتفاق النووي في مجلس الأمن قد غير من وضعه القانوني.
وبقدر ما يمكن تصنيف "الاتفاق النووي" على أنه عبارة عن مجموعة من الالتزامات السياسية، فإن انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق وإعادة فرض العقوبات التي أقرتها القوانين الأمريكية ضدّ إيران لن يكون متناقضاً مع القانون الدولي ولكن من المحتمل أن يكون لذلك الانسحاب تبعات وآثار سياسية ومن غير المرجح أن يكون قرار الرئيس "ترامب" بانسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق النووي، يحتاج إلى موافقة الكونجرس الأمريكي أو مجلس الشيوخ.
لقد تم التباحث في مفاوضات الاتفاق النووي حول أن الولايات المتحدة ستقوم بتعليق "العقوبات الثانوية" التي فرضتها القوانين الأمريكية ضد إيران والفرق بين العقوبات الثانوية والعقوبات الأولية هنا هو أن العقوبات الأولية تحظر فقط إقامة تبادلات تجارية أو خدمية أو بناء علاقات اقتصادية مع دول أخرى وبالنسبة للعقوبات الثانوية فهي عقوبات نطاقها واسع جداً، حيث إنها تفرض قيوداً على الأفراد والشركات في البلدان الأخرى التي تتعامل بشكل أو بآخر مع البلد المستهدف.
وفي اليوم الذي تم فيه تنفيذ الاتفاق النووي، قام الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، بإصدار أمر تنفيذي لتعليق جميع الأوامر التنفيذية الخمسة السابقة المرتبطة بفرض عقوبات ثانوية على إيران ويمكن إلغاء أو إجراء هذه الأوامر التنفيذية وفقاً لتقديرات رئيس الجمهورية وبالتالي، فإن القوانين المحلية للولايات المتحدة لا يمكن لها أن تمنع رئيس الجمهورية من إعادة فرض العقوبات على إيران وبالطبع، يجب أن تكون هذه الأوامر أيضاً في إطار قوانين تسمح لرئيس الجمهورية بإصدار أوامر تنفيذية لفرض العقوبات على إيران.
وجزء آخر من العقوبات الثانوية، تم إلغاؤه بموجب تلك التزامات السياسية التي تم التباحث حولها في الاتفاق النووي والتي تم فرضها على الجانب الإيراني بإصدار أمر تنفيذي بموجب قوانين الكونغرس الأمريكي وليس بموجب أوامر تنفيذية ولكن قوانين الكونغرس تلك، تسمح لرئيس الجمهورية وللسلطة التنفيذية، بتعليق العقوبات بموجب شروط معينة وتسري هذه الإعفاءات لمدة تتراوح ما بين 120 يوماً إلى عام واحد (وفقاً للقانون المعني).
لقد استخدمت إدارة الرئيس الأمريكي السابق "أوباما" سلطتها في اليوم الأول من تنفيذها لهذا الاتفاق النووي وقامت بتعليق هذه الفئة من العقوبات وفي 15 ديسمبر 2016 كان آخر تعليق يقوم به الرئيس "أوباما" وبعد ذلك، لم تلتزم حكومة الرئيس "ترامب" بتلك الالتزامات السياسية ولم تقم بتعليق بعض من تلك العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، بل على العكس من ذلك قامت بالتهديد بالانسحاب من هذا الاتفاق النووي ولقد كان الموعد التالي لتعليق إدارة الرئيس "ترامب" للعقوبات ضد إيران هو في 12 مايو من العام الماضي وهنا تجدر الإشارة إلى أن الرئيس "ترامب" يمكنه استخدام صلاحياته وسلطته، لمنع تمديد رفع العقوبات ضد إيران وإعادة جميع العقوبات التي فرضتها القوانين الأمريكية عليها.
وهنا يكتنف الغموض المشهد حول ما إذا كانت حكومة "ترامب" تستطيع القيام بإلغاء تلك الإعفاءات التي أصدرتها إدارة الرئيس السابق "أوباما" قبل انتهاء صلاحيتها وذلك لأن القوانين الأمريكية لم تتطرق إلى ما إذا كانت الأوامر التنفيذية الجديدة تستطيع أن تقوم بإلغاء تلك الإعفاءات القديمة أم لا.
قرار مجلس الأمن رقم 2231
لقد تضمن "الاتفاق النووي"، بالإضافة إلى تعليق جميع العقوبات الأمريكية التي فرضتها على إيران، بنوداً تطالب برفع جميع قرارات العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي ولقد وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع على القرار رقم 2231 في 20 يوليو 2015 ولقد ألغى هذا القرار جميع قرارات العقوبات السابقة لمجلس الأمن التي كانت مفروضة ضد إيران وتم إلحاق هذا القرار بمعاهدة "الاتفاق النووي" وفي حين كان نص الاتفاق النووي قد كُتب على أساس "التدابير الطوعية"، إلا أن بعض العلماء اقترحوا بأن القرار رقم 2231، قام بتبديل الالتزامات السياسية الطوعية الواردة في الاتفاق النووي إلى التزامات قانونية مُلزمة تحت ميثاق الأمم المتحدة.
ففي القانون الدولي، يعتقد العديد من العلماء أن "القرارات" التي يوافق عليها مجلس الأمن بموجب المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة مُلزمة ولكن "التوصيات" التي يقرّها هذا المجلس في معظم الحالات لا تكون إلزامية وحول هذا السياق يرى العديد من المفكرين والمحللين السياسيين، بأن استخدام عبارات تدل على الأمر مثل "يجب"، تحتم على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالوفاء بالتزامات معينة، في حين أن المصطلحات الأخرى مثل "من المتوقع" أو "سوف" أو "يوصي" ليست ملزمة.
ويتضمن القرار 2231 توصيات غير ملزمة وقرارات ملزمة وليس هناك غموض حول استخدام مجلس الأمن عبارات الالزام لإلغاء قرارات العقوبات السابقة ضد إيران ولقد بدأت الفقرات المتعلقة بهذه البنود بعبارة "تقرر أن" ولكن ما إذا كان القرار 2231، يحتم على الولايات المتحدة الامتثال للقانون الدولي والالتزام بالاتفاق النووي، فإن هذا يعدّ مسألة معقدة وهنا تنص الفقرة 2 من هذا القرار الذي أقره مجلس الأمن: "ندعو جميع الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية والدولية إلى اتخاذ تدابير مناسبة لدعم عملية إجراء الاتفاق النووي، بما في ذلك اتخاذ إجراءات تتفق مع خطة تنفيذ هذا الاتفاق وهذا القرار والامتناع عن اتخاذ إجراءات تعقد وتمنع تنفيذ الالتزامات المتعلقة بذلك الاتفاق".
وبينما تدعو هذه العبارة جميع الأطراف إلى الالتزام بهذا الاتفاق النووي، إلا أن بعض الخبراء يعتبرون عبارة "يريد"، بأنها عبارة غير ملزمة وتدل فقط على التعقل عند اتخاذ بعض القرارات ويرى آخرون بأن نفس هذه العبارة تدل على ضرورة الالتزام الدولي والتمسك بهذا الاتفاق وهناك فئة ثالثة تقع بين هاتين المجموعتين، تعتقد بأن العبارة تم اختيارها عن قصد لتشكل غموضاً في ذلك الاتفاق.
على مر التاريخ، کان لدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تفسيرات مختلفة لمصطلح "يريد" في قرارات مجلس الأمن ولهذا السبب، فمن غير المحتمل أن يكون هناك إجابة قاطعة للسؤال حول ما إذا كان القرار 2231، سيلزم الولايات المتحدة قانونياً للاستمرار في الاتفاق النووي أم لا.