في يوم 25 من نيسان/ أبريل من كل عام تحتفل مصر بذكرى تحرير شبه جزيرة سيناء من الاحتلال الصهيوني، حيث أنه وطبقاً لاتفاقية كامب ديفيد، فقد تم الانسحاب الصهيوني من كامل الأرض المصرية عام 1982 ومن يومها تحتفل مصر بيوم التحرير.
وبعيداً عن الشجون المرتبطة باتفاقية السلام بين مصر والكيان الصهيوني عام 1979، فلنا أن نكتب قليلاً عن الأرض المصرية التي شهدت المعارك مع الكيان الصهيوني، من أول العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ثم حرب حزيران/ يونيو عام 1967، وحرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، ولا تزال دماء الشهداء في الأرض السيناوية تدلّ على أهميتها لمصر ولشعبها، ولا تزال دماء الشهداء في الحرب الكبرى التي تقودها مصر ضد الإرهاب تنادي بتطهير أرض الفيروز من الإرهاب العالمي المتمدّد في المنطقة العربية.
لقد شهدت سيناء عبر التاريخ موجات الهجرات إلى مصر، موجات الغزو، والفتوحات الإسلامية، وتشهد في السنوات الماضية أخطر حرب تقودها مصر ضد الإرهاب العالمي متعدّد الجنسيات، كما ذكرنا آنفاً.
تقع شبه جزيرة سيناء في غرب آسيا، في الشمال الشرقي لمصر، أي أن مصر تقع جغرافياً في قارتي أفريقيا وآسيا، وتشكّل سيناء 6% من مساحة مصر الإجمالية، وتحتل موقعاً جغرافياً مهماً، فهي حلقة الوصل بين آسيا وأفريقيا، وتشترك في حدودها الجغرافية الشرقية مع قطاع غزّة في فلسطين المحتلة وخليج العقبة، ومن الشمال البحر الأبيض المتوسّط، ومن الغرب خليج السويس وقناة السويس، ومن الجنوب البحر الأحمر.
إن سيناء أرض مقدّسة، ذُكرت في القرآن والتوراة، حيث تشهد كل بقعة بها بهذه القداسة، فقد مر عليها الأنبياء منذ عهد نبيّ الله إبراهيم عليه السلام، وجاء من أحد أبوابها نبيّ الله يوسف وأبوه نبيّ الله يعقوب وإخوته، داخلين آمنين مُطمئنين في بلد الأمن والأمان عليهم السلام.
وعاش بنو إسرائيل وهم أبناء نبيّ الله يعقوب أخوة يوسف الصدّيق في أرض "جاشان" فى وادي الطميلات الممتد من محافظة الشرقية إلى مدينة الإسماعيلية، في منطقة مدينة بلبيس الحالية، وخرجوا منها في رحلة خروجهم.
كما لجأت العائلة المقدّسة العذراء والمسيح، تطلب العائلة الأمان وباركت أرضها، من رفح إلى الفرما، شرق بورسعيد الحالية وأشرق على أرضها نور الحضارة الإسلامية، وقيل بأن النبي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، جاء جبل موسى في رحلة الإسراء والمعراج.
وأرض سيناء هي التي استقبلت قبائل بني إسرائيل بعد أن عبر بهم نبيّ الله موسى عليه السلام خليج السويس، ليعيشوا في أرض التيه 40 عاماً، عندما عبدوا العِجل الذهبي، وعندما لم يستجيبوا للنصائح الموسوية، والوصايا العشر الإلهية، التي أرسلها الله إلى موسى من فوق جبل الطور.
ولا يزال حتى اليوم ما يُعرف بـ"جبل المناداة"، وأيضاً "جبل المناجاة"، الأول عندما طلب موسى أن يرى الله، وعندما تجلّى الله، اندك الجبل، أما جبل المناجاة القريب من الطور، فهو مكان ظهور النار المقدّسة لموسى وهو عائد من أرض مدين.
وفي المنطقة البحرية بين خليجي العقبة والسويس حدث اللقاء بين موسى والخضر، وأرض التيه تقع في جنوب سيناء، قريباً من مدينتيّ الطور وشرم الشيخ، وقد ذكر الله سيناء في سورة التين، قال تعالى وهو يقسم"وطور سينين".
وفي سفر الخروج من العهد القديم، ورد إسم سيناء، فمن فوق جبل سيناء عاش موسى النبيّ 40 يوماً كان يسمع صوت الرب، وهو يُملي عليه الشريعة وكيفيّة العبادة ويُعطيه الوصايا العشر على لوحين من الحجر مكتوبة، ولكن بعد 40 يوماً قال الرب لموسى النبيّ "إذهب إنزل لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر، زاغوا سريعاً عن الطريق، صنعوا لهم عِجلاً مسبوكاً وسجدوا وذبحوا له وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر، فالآن أتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم".
وتركت الديانات آثارها على الأرض السيناوية، حيث توجد آثار مسيحية وإسلامية في سيناء، مثل دير سانت كاترين، وأول كاتدرائية في سيناء بوادي فيران، ودير الوادي في طور سيناء، وقلالي المتوحدين الأوائل في سيناء، منذ القرن الرابع الميلادي في وادي الأعوج بطور سيناء، والكنائس المُكتشفة على طريق العائلة المقدّسة في شمال سيناء، والآثار الإسلامية ومنها قلعة نخل في وسط سيناء، وقلعة الجندى برأس سدر، ونقش السلطان الغورى في طريق الحجّ القديم للقادمين من مصر وشمال إفريقيا إلى أرض الحجاز المقدّس.
كما تُعرف سيناء بأنها أرض الفيروز، لأنه يوجد فيها أفضل وأفخم أنواع الفيروز في العالم، حيث اكتشف المصريون القدماء الفيروز على أرضها وشرعوا باستخدامه في تزيين التماثيل والمعابد، كما إنها غنية بالثروات المعدنية المختلفة كالبترول، والحديد، والنحاس، والفوسفات، وقد ورد في بعض المصادر التاريخية أن شبه جزيرة سيناء كانت تُعرف قديماً باسم مدرّجات الفيروز.
أما إسم سيناء فتذكر بعض المصادر التاريخية أنه مشتقٌ من إسم الإله المصري القديم "سين"، وهو إله القمر، والذي انتشرت عبادته في غرب آسيا، والجدير بالذكر أن المنطقة قد قامت فيها حضارات مختلفة مثل الحضارة النُبطية، والحضارة الرومانية والحضارة الإسلامية، بالإضافة للآثار الفرعونية القديمة.
لكل ذلك تُعتبر سيناء مدينة مقدّسة، كما أنها من أهم المواقع المُرتبطة بالأمن المصري والأمن العربي والإسلامي بصفة عامة، والاحتفال بخروج آخر جندي صهيوني من سيناء، يُعتبر يوماً يستحق الاحتفال، ويأتي الاحتفال والدولة المصرية تخوض الحرب ضد جحافل الإرهاب المرتبط بالمخابرات الصهيونية العالمية، ودائماً ما تنتصر مصر في سيناء، ومن ثم سوف تنتصر في الحرب اليوم كما انتصرت بالأمس القريب والبعيد جداً على السواء..
علي أبو الخير كاتب مصري.