احتج آلاف الاردنيين اليوم الجمعة على اتفاقية المياه مقابل الطاقة مع الكيان الاسرائيلي والإمارات، ودعوا حكومتهم إلى إلغاء "اتفاق السلام" مع هذا الكيان، قائلين إن أي تطبيع يُعد خضوعا مذلا.
وانتشرت الشرطة بحضور كثيف حول منطقة في وسط العاصمة عمان تؤدي إلى المسجد الحسيني حيث خرج المتظاهرون في مسيرة بعد صلاة الجمعة. وردد المتظاهرون هتاف "لا لاتفاقية العار" وحمل بعضهم لافتات تحمل عبارة "التطبيع خيانة" في احتجاج شاركت فيه أحزاب معارضة ومجموعات قبلية ونقابات.
ووقع الأردن والكيان الاسرائيلي والإمارات على الاتفاق يوم الاثنين الماضي بحضور مبعوث المناخ الأمريكي جون كيري، وبحسب هذا الاتفاق ينتج الأردن 600 ميجاوات من الكهرباء المولدة بالطاقة الشمسية ويصدرها للكيان الاسرائيلي مقابل قيام الكيان بتزويد الأردن، الذي يعاني من ندرة المياه، بنحو 200 مليون مترمكعب من المياه المحلاة، على ان تبني الإمارات محطة الطاقة الشمسية في الأردن.
وبعد الإعلان عن الاتفاقية هذا الأسبوع، اندلعت مظاهرات متفرقة في الجامعات بأنحاء البلاد في تحد لحظر الاحتجاج. وردد مئات الطلاب شعارات مناهضة للكيان الإسرائيلي ودعوا الحكومة إلى قطع العلاقات معه وإلغاء المشروع.
وحذر المشاركون من خطورة مثل هذه الاتفاقيات وانعكاساتها على مستقبل الأردن، كونها تضع الاقتصاد الأردني ومقدراته وإرداته السياسية رهينة بيد الاحتلال، معتبرين أن اتفاقية "مقايضة الكهرباء بالماء" تعد بمثابة "احتلال" وتطبيع مجاني وتشكل وصمة عار في تاريخ وجبين الأردن لمن يوقّع عليها ويصمت عنها.
وانطلقت مسيرة اليوم من أمام المسجد الحسيني باتجاه ساحة النخيل وسط العاصمة عمان، بتواجد الأجهزة الأمنية بكثافة في المكان. وحمل المحتجون لافتات كتب عليها "اتفاقية الغاز والماء خيانة للأمة.. الدم ما بصير مي.. تسقط اتفاقية وادي عربة".
ومنذ يومين، أكّدت الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الإسرائيلي أنّ أصحاب القرار في الأردن انتقلوا من التطبيع السياسي إلى الفرض القسري للتطبيع على المواطنين، بعد توقيع اتفاقية تبادل الكهرباء والماء مع الكيان المحتل للاراضي الفلسطينية.
وجرى مساء الثلاثاء الماضي اعتقال نحو 37 ناشطا حراكيا من ضمنهم 17 طالبا جامعيا، بحسب ذويهم، بعد محاولتهم تنظيم اعتصام مفتوح على دوار الداخلية وسط العاصمة الأردنية عمّان.. إلا أن قوات الأمن حالت دون ذلك، وجرى اعتقالهم وتوقيفهم بمراكز الإصلاح على ذمة التحقيق، بعد توجيه جملة من التهم لهم، ورفضت السلطات الإفراج عنهم بكفالة.
سبق ذلك اعتصام نظمه طلبة الجامعة الأردنية الأحد الماضي احتجاجا على ندوة تعريفية نظمتها جامعة محمد بن زايد لتقديم منح للطلبة الخريجين والدراسات العليا بالذكاء الصناعي بالتعاون مع الجامعة العبرية في القدس ومعهد "وايزمان" (Weizmann) الإسرائيلي، معتبرينها "تطبيعا أكاديميا مرفوضا مع العدو الإسرائيلي"، وفق الطلبة.
ويرى عمرو منصور رئيس مجلس طلبة الجامعة الأردنية السابق أن الحراك الطلابي الرافض لهذه الاتفاقيات "مؤشر إيجابي، يعبر عن شباب جامعي واع ومتيقظ ورافض لأية اتفاقيات من شأنها أن ترهن الوطن ومصالحه الحيوية للاحتلال الصهيوني".
واللافت للانتباه في هذه الغضبة الطلابية على الاتفاقية والتطبيع الرسمي مع الاحتلال الإسرائيلي، وفق مراقبين، أنها "عفوية ودون تنظيم أو دعوات من أحزاب سياسية أو تيارات فكرية يسارية أو إسلامية معينة، إنما تنبع من شعور وطني لدى الطلبة".
مسيرة اليوم الجمعة رفع المشاركون فيها ايضا شعار "لاءات الشعب الأردني الثلاث، لا لاستمرار العبث بالدستور، لا لاتفاقيات الذل والعار، لا لتنفيذ صفقة القرن"، وهتفوا بـ"إلغائها والاعتذار للشعب الأردني، والوقوف سدا منيعا أمام التنفيذ الفعلي لصفقة القرن"، ونظمت قوى شعبية اعتصامات في عدد من محافظات المملكة.
ورأى مشاركون في المسيرة أن توقيع الاتفاقية يظهر تناقضا واضحا في المواقف الرسمية للدولة الأردنية الرافضة لـ"صفقة القرن" وبنودها خلال الفترة الماضية، بينما يجري تطبيق عملي لهذه الصفقة برضى وقبول من صانع القرار، واعبر بعضهم عن استهجانه من تصريحات وزير المياه الموقِّع على الاتفاقية التي قال فيها إن "التفاوض على المشروع تم خلال 24 ساعة فقط"، متسائلين عن كيفية رهن مستقبل الطاقة والمياه بيد الإسرائيليين بهذه الطريقة؟ ولماذا يقدم الأردن دعما اقتصاديا للكيان الصهيوني على حساب المشاريع الوطنية؟
وكان وزير المياه والري الاردني محمد النجار صرح لوسائل إعلام محلية أن فكرة المشروع المشترك بين الأردن والكيان الإسرائيلي جاءت بـ"طلب من شركة إماراتية، وجرى التفاوض بشأن المشروع خلال 24 ساعة فقط"..، ووفقا لهذا الوزير فإن إعلان النوايا شهد مفاوضات بشكل كبير على البنود والكميات كافة التي سيحصل عليها الأردن من المياه وتاريخ ومواعيد تنفيذ المشروع.
نيابيا، طالب نحو 80 نائبا رئاسة المجلس بعقد جلسة رقابية للبحث في إعلان النوايا الموقع بين عمان وتل أبيب وأبوظبي، وطالب نواب خلال الجلسة الماضية بالإفراج عن الطلبة والحراكيين المعتقلين بأسرع وقت، لكن هذا الحراك النيابي والاعتصامات الطلابية والمسيرات الشعبية، يقابلها غياب واضح للنقابات المهنية التي طالما كانت في مقدمة مؤسسات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق وحريات الأردنيين وكرامتهم، والوقوف في وجه كافة أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والانتصار للقضية الفلسطينية.
الحراك الساخن في الشارع، يقابله حراك أسخن على منصات التواصل الاجتماعي بعدما دشن نشطاء عواصف إلكترونية رافضة للاتفاقية تحت عدة هاشتاغات أبرزها وسم "الحرية لمعتقلي الرأي"، و"الحرية لطلبة الأردنية" و"ماء العدو احتلال" و"التطبيع خيانة" و"أردنيون ضد التطبيع"، نددوا من خلالها بأشد العبارات بهذ النوع من التطبيع، حتى ان بعض التغريدات طالت الملك الاردني نفسه، حيث قال احد المغردين ان خطابات الملك كلها عن دمج الشباب في العمل السياسي، واليوم يتم توقيع الشاب على كفالة 50 الف دينار لمنعه من المشاركة بأي وقفة احتجاجية ضد التطبيع.
وفي ظل كل هذه التطورات.. يبدو ان هذه الخطوة التطبيعية دقت اسفينا زاد من الفجوة الفاصلة بين الارادة الشعبية وصانعي القرار، ما ينذر بتطورات خطيرة في هذا البلد، الذي يجلس اصلا على صفيح ساخن.