يوما بعد يوم يتأكد للعالم أجمع، الحكمة البالغة التي كانت وراء اعلان الامام الخميني (ره)، اخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوما عالميا للقدس، فالقدس ليست جغرافيا، او مدينة عادية كباقي المدن، بل هي عقيدة وهوية وعنوان و بوصلة، لكل مسلم. ان ابعاد هذه الحكمة وان كانت قد تكشفت من خلال نقل القضية الفلسطينية من الدائرة العربية الى المحيط الاسلامي الارحب والاوسع، الا ان ما جرى خلال الايام القليلة الماضية في فلسطين والمنطقة، كشف عن ابعاد اخرى من هذه الحكمة التي إيقظت الامة.
ومن اجل ان نقف على مدى تأثير القدس، كبوصلة لا تخطىء للانسان الفلسطيني والعربي والمسلم، سنمر مرورا سريعا على رهانات الثنائي الامريكي الاسرائيلي، وهي رهانات بنى عليها كل مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية، وتفكيك محور المقاومة، واغراق المنطقة بالفوضى والنزاعات، والتي اصطدمت جميعها بجدار القدس العالي.
امريكا وخلال السنوت الماضية ، راهنت على تصفية القضية الفلسطينية بكل ما تملك من قوة وامكانيات ونفوذ، عبر الضغط على بعض الانظمة العربية للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي، ومحاولة تسويق الصراع مع الكيان الاسرائيلي ، على انه لا يعدو خلافات سياسية، مثلها مثل اي خلافات سياسية تعترض العلاقات بين الدول.
راهنت امريكا والكيان الاسرائيلي، على دق اسفين بين الضفة الغربية وقطاع غزة، للحيلولة دون توحد الفلسطينيين، بهدف الاستفراد بغزة.
راهن الكيان الاسرائيلي، على تشتيت الفلسطينيين، عبر تقسيمهم على اساس الجغرفيا ، كـ"عرب 48"، و المقدسيين، وسكان الضفة، واهالي غزة، وتسويق مزاعم مفادها ان لكل منهم قضايا ومشاكل وهموم خاصة بهم.
راهنت امريكا واسرائيل على اضعاف سوريا وتفكيكها، وحذفها من محور المقاومة، عبر فرض حرب كونية عليها.
راهنت امريكا والكيان الاسرائيلي على استنزاف حزب الله واضعافه، في سوريا، عبر شحن الجماعات التكفيرية من مختلف انحاء العالم ونقلها الى سوريا، وتحويل الحرب فيها الى صراع طائفي.
راهنت امريكا والكيان الاسرائيلي، على الفصل بين ساحات المقاومة في فلسطين والمنطقة، عبر تبريد ساحة هنا وتسخين ساحة هناك، وفقا لمخطط مدروس، للاستفراد بالساحات.
كل رهانات امريكا والكيان الاسرائيلي هذه، وغيرها الكثير، فشلت فشلا ذريعا، بفضل القدس حصرا، فتمادي الاحتلال في انتهاكاته للمسجد الاقصى ومحاولته الاعتداء على المقدسيين، لافراغ القدس من اهلها، بهدف تهويد اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى النبي الاكرم (ص)، والاعتداء على المعتكفين والمصلين فيه، حول الضفة الغربية الى درع للاقصى، و وحّد الضفة وغزة ، بل وحّد بين ساحات المقاومة في غزة والضفة والقدس ولبنان وسوريا والعراق وايران واليمن، وما الرد المقاوم المنطلق من ساحات مختلفة، على عدوان المحتل الاسرائيلي على الاقصى، الا بعض من بركات القدس، القدس التي كان يعتقد المحتل انه استفرد بها وأهلها، وانه لم يعد هناك من عقبة تحول بينه وبين تهويدها، فاذا بها تصفع نتنياهو على وجهه، فيضطر لاصدار الاوامر بمنع قطعان المستوطنين من التواجد في الاقصى خلال الايام العشرة الاخيرة من شهر رمضان المبارك، وقبل ذلك راى العالم كيف كان رده الضعيف والجبان على رد المقاومة عليه من مختلف ساحاتها.
بات واضحا الحكمة في اعلان الامام الخميني (ره) آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوما عالميا للقدس، فليس هناك من اختلاف بين المسلمين على ان الجمعة هي خير ايام الله، وان شهر رمضان هو خير شهور الله، وان قدسية المسجد الاقصى كقدسية الحرمين الشريفين عند الله، فاذا لم توحد مثل هذا الرموز المسلمين، فمن يوحدها؟.
أحمد محمد