نبيل الجبيلي
أوقع الهجوم الإسرائيلي على غزة مئات الضحايا وجلهم من النساء وأطفال
منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في السابع من الشهر الجاري، والحكومات الغربية وسائل إعلامها، يمارسون إزدواجية فاضحة في المعايير، تكاد تصل إلى حدود النفاق والرياء: انحياز إلى إسرائيل لا يُوصف، وتبنّي أكاذيب وتلفيق أخبار زائفة مع تناقل قصص عن قتل أطفال وقطع رؤوس وذبح واغتصاب إسرائيليات.. وكل ذلك من أجل تصوير إسرائيل على أنّها ضحية مظلومة، وقعت فريسة سهلة بين أنياب الفلسطينيين "المجرمين"!
خلال الصراع في أوكرانيا، اتهمت الدول الغربية، أولاً وقبل كل شيء، موسكو بممارسة (العدوان على دولة ذات سيادة)، فضلاً عن اتهامها باحتلال وقصف مرافق البنى التحتية
هذا الانحياز، دفع بالعديد من السياسيين والصحافيين العرب والأجانب وكذلك المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى رفع شعار "إزدواجية المعايير". فأجرى العديد من بين هؤلاء مقارنات بين أسلوب تعاطي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع حالات مشابهة ومنها مثلاً الحرب في أوكرانيا والمسارعة إلى اتهام موسكو زوراً بارتكاب الجرائم والضغط من أجل إعلاء معايير حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي.. وكيف أنهم أنفسهم يغضون الطرف اليوم، عن كل المخالفات الإسرائيلية لتلك القوانين والمعايير في قطاع غزة.
خلال الصراع في أوكرانيا، اتهمت الدول الغربية، أولاً وقبل كل شيء، موسكو بممارسة "العدوان على دولة ذات سيادة"، فضلاً عن اتهامها باحتلال وقصف مرافق البنى التحتية، من مستشفيات ومدارس ومنشآت للطاقة ومراكز حكومية مدنية، بلا أدلة ومن أجل أجندات سياسية باتت واضحة اليوم.
بينما تستهدف إسرائيل المنشآت المدنية، وتنفّذ هجمات واسعة النطاق على البنى التحتية المدنية في غزة، وكذلك في الضفة الغربية، الخالية من حركة "حماس" التي تتحجج بها إسرائيل من أجل قتل الفلسطينيين، وهذا يدل أنّ "حماس" لم تكن سوى حجة من أجل تنفيذ ما تطمح إليه إسرائيل، وهو تهجير الفلسطينيين من غزة، والتخلّص منهم إلى الأبد.
فوق ذلك، يقوم الجيش الإسرائيلي بـ"قصف عشوائي" شامل، لا يستثني الأفران ولا المدارس ولا حتى دور العبادة من مساجد وكنائس، ولم يكن آخر جرائمه إستهداف مستشفى المعمداني، ثم بعد أيام كنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس التي تُعدّ ثالث أقدم كنيسة في العالم، فأوقع الهجوم مئات الضحايا، وجلهم من النساء وأطفال.. وبرغم ذلك لم يرَ الغرب ولا إعلامه كل هذه الممارسات!
على مدى الأيام الـ19 لاندلاع الحرب في غزة، توسعّ استخدام مصطلح "إزدواجية المعايير"، فكانت الدوائر الروسية من بين أولى الجهات الرسمية التي نبّهت من مغبة ممارسة تلك الازدواجية.
عدد من الصحافيين العرب والأجانب وكذلك رواد التواصل الاجتماعي قد نشروا تصريحات لمسؤولين غربيين تفضح أكاذيبهم، وتكشف انحيازهم الأعمى إلى جانب إسرائيل، وذلك من خلال عرض مقاطع فيديو تظهر حماستهم المفرطة في الوقوف ضد روسيا، ثم دفاعهم عن إسرائيل في إبادة أهل غزة
ثم خرج ممثل فلسطين في مجلس الأمن ليتحدث عن تلك الإزدواجية وسلب فلسطين "حق الدولتين" الذي تنكر له الإسرائيليون منذ ما يقارب 75 سنة.
وكذلك فعل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي قال بعيد جلسة مجلس الأمن المنعقدة للبحث في حرب غزة، إن إسرائيل تبدو كأنها فوق القانون الدولي، وحث على إنهاء ما وصفها بـ"المعايير المزدوجة" في التعامل مع الصراع في غزة.
وقبل السياسيين، كان عدد من الصحافيين العرب والأجانب وكذلك رواد التواصل الاجتماعي قد نشروا تصريحات لمسؤولين غربيين تفضح أكاذيبهم، وتكشف انحيازهم الأعمى إلى جانب إسرائيل، وذلك من خلال عرض مقاطع فيديو تظهر حماستهم المفرطة في الوقوف ضد روسيا، ثم دفاعهم عن إسرائيل في إبادة أهل غزة، ومنها تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بداية الحرب في أوكرانيا.
في حينه أطلت فون دير لاين من كييف، واتهمت روسيا بقتل الأطفال وتفجير المدارس والمستشفيات والبنى التحتية، ودعت دول العالم إلى مواجهة ما اعتبرته في حينه "الإجرام الروسي"… ثم هي نفسها ظهرت قبل أيام في تل أبيب بمقطع فيديو وهي تعتمر خوذة، وتقف في صفّ الجهة القاتلة، وتقول: "نقدّم دعماً غير مشروط لإسرائيل من أجل الدفاع عن نفسها".
حتى إنّ موظفي الاتحاد الأوروبي لم يستطيعوا تحمّل هذه الازدواجية وتبرير القتل، فتوجهوا قبل أيام بكتاب إلى فون دير لاين (وقعه 842 مسؤولاً في المفوضية الأوروبية) واتهموها فيه بـ"إطلاق اليد لتسريع الجريمة في غزة"، كما انتقدوها على تهشيم مصداقية الاتحاد الأوروبي
على مدى تلك السنوات، أوجد الغرب لإسرائيل الحجج من أجل التمدّد استيطانياً، ثم اليوم يمنحونها الحق في "الدفاع عن النفس".. وكان آخر ذلك البيان المشترك المخزي، الذي وقعته كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا يوم الأحد الفائت
أمّا وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينك، فهو الآخر سقط في امتحان الحياد والموضوعية، حينما حضر على وجه السرع إلى تل أبيب معلناً وقوفه إلى جانب إسرائيل بصفته اليهودية قبل أن يكون وزيرَ خارجية الولايات المتحدة.
هذا الموقف المعطوف عن تبني البيت الأبيض بشكل متسرع روايات قتل الأطفال، ثم التراجع عنه بعد فضح الأكاذيب الإسرائيلية، أسقط صفة الولايات المتحدة كـ"وسيط نزيه ومحايد"، وجعلها طرفاً في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، مما وضعها بالمصاف نفسه مع إسرائيل حيال تحمّل مسؤولة الجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين في غزة.
على مدى تلك السنوات، أوجد الغرب لإسرائيل الحجج من أجل التمدّد استيطانياً، ثم اليوم يمنحونها الحق في "الدفاع عن النفس"… وكان آخر ذلك البيان المشترك المخزي، الذي وقعته كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا يوم الأحد الفائت، ومُنحت إسرائيل من خلاله المزيد من الموافقة على الاستمرار في إبادة الفلسطينيين، فكان أقوى غاراتها على قطاع غزة في اليوم نفسه.
أما اليوم، وبعد انقضاء قرابة 19 يوماً على بدء الحرب، بدأ العالم الغربي يعود شيئاً فشيئاً إلى رشده. بدأ يقتنع بأن العنف لا يولّد إلاّ العنف، خصوصاً بعد الإجرام المنقطع النظير الذي أظهرته إسرائيل في الردّ على عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر). استطاعت تلك "الردّة" الإعلامية، أن تكشف بعض الحقائق حول مقاربة الغرب للجرائم الإسرائيلية ومحاولة البحث لها عن مبررات، مقابل اتهام الفلسطينيين زوراً بـ"الإرهاب"