مما لا شكّ فيه انّ للصلاة كما هي الحال في سائر العبادات آثاراً إيجابية على الفرد نفسه وعلى المجتمع. فعلى الرغم من أنّ الصلاة تساهم في إشباع حاجة الدين والإرتباط بالمطلق
والتي تمثل إحدى الحاجات الأساسية للفرد والتي سبب إهمالها في عصرنا الحالي خواء روحياً واضحاً أثر في نظرة الفرد إلى المجتمع وإلى الحياة مما سبب في أزمات نفسية حادة هي التي كانت وراء تزايد نسبة الأمراض النفسية والإنتحار وغيرها.
إنّ قيام الفرد للصلاة بين يدي خالقه يساهم في توفير الإشباع الذاتي لحاجة الإنتماء الإجتماعي من خلال إحساسه بالإنتماء إلى العقيدة الدينية ومشاركته ملايين المسلمين في أداء الفريضة.
وهذا مما يساعد في زوال أمراض الشعور بالحقارة والنقص والتي قد تتولد لدى الفرد نتيجة مهنة حقيرة أو طبقة متدنية وغيرها، وهذا يساهم في رفد الشعور بالمساواة لدى الفرد الأمر الذي يزيد من تقبله لذاته ورضاه عن واقعه ويشجعه على البحث عن أسلوب التفاضل الواضح بين الناس ألا وهو التقوى.
فهنا الإنتماء الإلهي من خلال فريضة الصلاة وخاصة في صلاة الجماعة حيث يقف المسلمون سواسية كأسنان المشط دون فضل لعربي على أعجمي ولا أسود على أبيض إلا بالتقوى وهذا ساهم في تعزيز المعنويات ودفع الفرد نحو إستحصال مراتب إيمانية واضحة.
من ناحية أخرى يشعر المصلي بأنّه واحد من ملايين من البشر قد اتجهوا نحو مكان واحد لعبادة رب واحد وأداء عمل واحد هو الصلاة وهذا الشعور يقوي عنده الإحساس بالقوة والعزة.
وهذا الشعور بالقوة يذلل أمام الفرد المصلي الكثير من إحساسه بمواقع الضعف والجبن كما يجعله أمام بصيرة واحدة تقول انّ العزة لله جميعاً والعزة تأتي من التقوى والإيمان إذا كان الهدف من العبادات هو تقوية رابطة العبد بالله من خلال تركه لأمور الدنيا مهما بلغت قيمتها والتفرغ لعبودية الله تعالى في أوقات محدودة لم يخترها الإنسان لنفسه إنما أرادها الله تعالى بهذه الصورة الثابتة منذ 14 قرناً من الزمان.. فهذه التقوية الإيمانية تشجع صاحبها على ترك المنكرات والقيام بالواجبات وعلى السير في نهج الطاعة.
فمن خلال العبودية يستشعر الفرد مدى حاجته إلى المطلق ويدرك أيضاً نقصه الذاتي وعدم قدرته على مقاومة الشيطان والأهواء الا بالإلتجاء إلى حصن الله الحصين بمعنى ان تتحول الصلاة من مجرد طقوس وحركات جوفاء لا فائدة منها إلى عملية تطهير وغسل للقلب الداخلي من الخطايا والذنوب المتراكمة، وما لم تكن الصلاة هكذا فلا فائدة منها كما قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون/ 4-5).
وقال أيضاً: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة/ 54).
نفسياً: تعتبر الصلاة مدرسة سلوكية مهمة تعالج السلوك وتنفرد بنظامها الحركي والتعبدي لتصل إلى غاية أهدافها من إطمئنان النفس وإستقرار العاطفة والوجدان والإبتعاد عن الفحشاء والمنكر.. والصلاة هي الطريق نحو فقه التدين وهي الحافز نحو تعلم السلوكيات الصحيحة والفضائل المرغوبة، والإبتعاد عن الأخلاق السيِّئة والتمسك بالخلق الحسن.
ثمّ انّ الصلاة تعتبر واحدة من العلاجات السلوكية والمعرفية لأنماط كثيرة من الأمراض النفسية فهي تزيل الإكتئاب عن طريق تلاوة القرآن الكريم فيها وما يبعثه من الطمأنينة، ثمّ هي تخفف حدة التوتر بأسلوب إيجابي عن طريق تغير الحركات من ركوع وسجود وغيره ثمّ هي متكررة 5 مرّات في اليوم وهي تتخذ أوقات تصاعد الضغوط النفسية عبر محطات عديدة في اليوم وهذا ما يخفف هذه الأزمات القلبية والعصبية التي قد تهاجم المريض بسبب ضغوط نفسية شديدة.
لا ننسى انّ الإستعداد للصلاة هو أيضاً من عوامل تخفيف التوتر وتغيير الأجواء النفسية فالوضوء يقلل حدة الغضب ويخفف الإكتئاب والقلق وبالتالي فالإستعداد للصلاة بالوضوء مثلاً له أثر إيجابي نفسي بغض النظر عن الطهارة الواجبة.
وكثير من الأحيان يغير الفرد مكانه للصلاة وتغيير المكان في وقت واحد أيضاً يساهم في تقليل حدة الآثار الحاصلة أو المهيجات النفسية بسبب المكان ثمّ التوجه بعيداً عن الناس وعدم التكلم معهم للحظات هو أيضاً من عوامل الخلوة النفسية التي تجعل الفرد يراجع نفسه إزاء الظروف المواجهة والتحديات. والتوجه للقبلة ولمكان واحد ثابت خالد مع الأزمان هو أمان لأهل الأرض وهو مقدس لدى الجميع، هو أيضاً من عوامل تعزيز الشعور بالأمن النفسي الذي هو غاية مفقودة في زماننا تقريباً.
أيضاً تعتبر الصلاة من وسائل الضبط النفسي فربّما هو جائع ولكنه يؤجل حاجته لما بعد الصلاة، وربّما هو متوتر ويريد الدخول في عراك وخصام ولكن وقت الصلاة حان فيصلي فتكون الصلاة بمثابة عملية إسترخاء تساهم في تخفيف حدة الضغط النفسي.
وأيضاً لتواترها مرّات في اليوم فهي محطات إستراحة لنفس في آفاق هادئة آمنة، وادعة بعيدة كل البعد عن الوضع المتأزم الذي ينذر بالإختناق.
وقد يرى البعض انّه من الصعب عليه أن يلتزم بأمر الصلاة على أوقاتها أو بأمر الحفاظ على مستلزماتها من طهارة المكان والملبس وغيره وهذه تجعل الفرد يزداد حرصاً على تطبيق المفاهيم والشعائر الإسلامية مما يقوي عنده الإرادة، فربما إمرأة ضعيفة الإرادة ترى في ولدها الصغير حائلاً عن الصلاة بحجة التنجس وغيره وأخرى تحرص على أن تؤدي الصلاة رغم أن لها أطفالاً صغاراً وطبعاً في الأمر مشقة ربّما وعناء، ولكن هذه تقوي الإرادة وتزيد من الثبات كما انّها تساهم في تقوية بناء الشخصية وزيادة ثقتها بنفسها وقدرتها على الثبات أمام المتغيرات الموجودة حالياً وأمام الشدائد مستقبلاً. وبالتالي فهي تساهم في إيجاد صحة نفسية جيِّدة وصالحة للفرد تنبثق هذه من معرفة الله تعالى وهو لكنها الله (معرفة الله عزّوجلّ تمثل نقلة كبيرة في الصحة النفسية بل هي قمة القمم.. إذ انّ هدف الصحة النفسية هو الربانية والإطلاع على العظمة الإلهية وهو إدراك العجز عن إدراك كنه الذات الإلهية فالصحة النفسية في الإسلام إذن هي لحظات تأمل وتدبر وتفكر تورث في النفس إيماناً وصفاء ونقاء وقوة في اليقين.
الصحة النفسية هي الامعان والتدقيق والتمحيص الذي يورث معرفة الله عزّوجلّ فيصل إلى الفطنة والكياسة فينعم المرء بالسعادة في الدنيا والآخرة).