شريعة النبي محمد (ص) قبل البعثة النبوية (10)

قيم هذا المقال
(3 صوت)

شريعة النبي محمد (ص) قبل البعثة النبوية (10)

يدور حديثنا في هذه المقالة عن إيمان النبي (ص) قبل بعثته الشريفة. وفي هذا الإطار يطرح السؤال الأتي :"بماذا كان يؤمن النبي (ص) قبل البعثة؟." نحن نعتقد أن محمداً (ص) كان قبل أن يبعثه الله بالإسلام مؤمناً موحداً يعبد الله، لم يعبد وثناً قط ولم يسجد لصنم قط. وإيمان النبي (ص) وتوحيده والتزامه بشرع الله سبحانه وتعالى قبل أن يصبح نبياً يعدّ من المسلّمات التي لا نقاش ولا جدال فيها، لدى جميع المسلمين.

ولكن الجدال حصل في أنه هل كان ملتزماً بشريعة أحد من الأنبياء السابقين أم لا؟.. وهل كان ملتزما ومتعبدا مثلا بشريعة نوح أو إبراهيم أو موسى أو عيسى (عليهم السلام أجمعين)؟ !.. أم لم يكن ملتزما وعاملا بشرع أحد ؟!..

وقد نتج عن هذا الإختلاف عدة أراء من المؤرخين والمحدثين. نذكر منها رأين اثنين. أحدهما للعلامة المجلسي صاحب كتاب "بحار الأنوار"، والثاني لفريق من المحققين.

رأي السيد المجلسي : الرسول كان مؤيداً بروح القدس منذ البداية

الرأي الأول، هو للمجلسي (رحمه الله)، يرى بأن النبي (ص) كان قبل البعثة، ومنذ أكمل الله عقله في بداية عمره الشريف، كان نبياً مؤيداً بروح القدس، يكلمه الملك ويعلّمه ويرشده إلى شرع الله سبحانه ويسمع صوته من دون رؤية شخضه.

وبعدما بلغ سن الأربعين بعثه الله رسولا وكلمّه الملك جبرائيل مباشرة وجهاً لوجه ونزل عليه القرآن الكريم، وأمر بتليغ الرسالة إلى الناس جميعاً.

فالمجلسي يرى أن محمداً طيلة المدة قبل البعثة كان نبياً يوحى إليه عن طرق الملك الذي يسمع صوته ولا يراه، أو عن طريق المنام. ويعبد الله عز وجل طبقاً لما يوحى إليه عن هذا الطريق. ويلتزم بالأحكام والتشريعات الإلهية التي تصله عن هذا الطريق أيضاً ووفقاً لما أمر به الناس بعد البعثة.

وهذا يعني أن النبي (ص) كان ملتزماً وعاملاً قبل البعثة بالأحكام والتشريعات نفسها، التي جاء بها الإسلام فيما بعد. وتالياً لم يكن متعبداً أو عاملاً بشريعة أحد من الأنبياء السابقين أو تابعاً لهم. ولقد استدل العلامة المجلسي على اعتقاده هذا بأن الله جعل عيسى نبياً يوحى إليه منذ صغره. إذ قال سبحانه قصة عن عيسى (عليه السلام) قال :"إني عبدالله أتاني الكتاب وجعلني نبيا". كما أن الله سبحانه وتعالى أعطى الحكم ليحيى وهو صبي، كما أخبرنا القرآن الكريم أيضا بذلك.

إذ قال سبحانه :"وأتيناه الحكم صبيا". فإذا أضفنا إلى ذلك مضمون الروايات التي بأن الله لم يعط نبياً فضيلة ولا كرامة ولا معجزة إلا وأعطاها للنبي محمد (ص)، فإن النتيجة تكون هي أن الله عز وجل قد أعطى نبيه وخاتم رسله (ص) الحكم والنبوة منذ صغره، ثم بعثه رسولا إلى الناس جميعاً حين بلغ الأربعين من عمره الشريف.

لأنه لو لم يكن محمد نبياً منذ صغره لكان يحيى وعيسى أفصل منه مع أنهما ليسا كذلك. كما أن العلامة المجلسي (رحمه الله) يضيف على ذلك ويقول إنه استنتج هذا الرأي، أي نبوة محمد منذ الصغر، من الروايات الكثيرة، التي تلمح وتصرح بنبوة محمد قبل البعثة، بل منذ اكتمال عقله ووعيه.

وقد أشار إلى هذه الروايات في كتابه "بحار الأنوار"، في الجزء 18 منه. الإمام علي : ولقد قرن به من لدن كان فطيماً ومن هذه الروايات على سبيل المثال، ما روي عن الإمام علي (ع) في خطبه، وهي مروية في كتاب نهج البلاغة، وهو يتحدث عن رسول الله (ص) :"ولقد قرن الله به من لدن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره".

ولكن لا يمكن الحكم بمضمون هذه الروايات إلا بعد التأكد من أسانيدها ودلالتها على المطلوب، وثبوت ذلك بشكل قطعي وجازم.

وذلك لأنه يراد بها إثبات أمر اعتقادي بنبوة النبي (ص). والمطلوب في الأمور الاعتقادية هو الإثبات الذي يفيد القطع والجزم. ولأجل ذلك وغيره فإننا لا نستطيع تبني رأي المجلسي هذا قبل التثبت من صحة مستنده وأدلته.

الرسول على ملة النبي إبراهيم (ع)

ومن هنا يذهب بعض المحققين إلى رأي أخر. وهو إنما ما نستطيع أن نجزم به هو أن النبي (ص) قبل بعثته الشريفة وعلى مدى أربعين سنة قضاها من عمره قبل أن يصبح رسولاً كان مؤمناً موحداً يعبد الله ويلتزم بما ثبت له أنه من شريعة النبي إبراهيم (ع) باعتبارها الديانة والرسالة العالمية الممتدة إلى زمنه هو. كما أنه كان يعمل في تلك المدة بما يؤدي إليه عقله الفطري السليم باعتبار أنه أفضل الخلق وأكملهم خُلقا وخلقا وعقلا. وقد كان مؤيدا ومسددا من قبل الله.

وكان الملك يعلمه ويدله على محاسن الاخلاق والآداب، كما ورد في النص الذي ذكرناه عن أمير المؤمنين (عليه السلام). أضف إلى ذلك، ذكر المؤرخون بأن النبي (ص) كان يلتزم في تلك المرحلة بأمور لا تعرف إلا من خلال الشرع. فقد كان يصلي ويحجّ ويعتمر ويطوف حول الكعبة الشريفة، ويتجنّب أكل الميتة ويلتزم بالتسمية والتحميد على الذبيحة وغير ذلك مما كان معروفاً أنه من دين الحنيفية، ومن شرع إبراهيم الخليل (ع). ثمّ أننا نجد القرآن الكريم يصرّح بأن النبي (ص) شخصياً كان مأموراً باتباع شريعة إبراهيم، فقد قال سبحانه وتعالى :" وقد أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين".

وهذا المضمون وإن كان ظاهره يشي بأن النبي (ص) قد أمر باتباع دين إبراهيم (ع) بعد البعثة، لكنه يثبت أيضاً أنه لا مانع أنه كان يتعبّد ويلتزم قبل البعثة بما ثبت أنه من دين الحنيفية ومن شريعة إبراهيم. وليس في ذلك أي إشكال. وبعد كل ما ذكرناه نعلم أن كل ما ينسب إلى رسول الله (ص) من أمور تتنافى مع تسديد الله سبحانه له، ومع شرع الله واحكامه، على أنه فعلها قبل البعثة، كل هذا ليس له أساس من الصحة.

قراءة 6075 مرة