الصلاة عمود الدين

قيم هذا المقال
(1 Vote)
الصلاة عمود الدين

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنام، وخير خلقه، سيّدنا ونبيّنا محمّد المصطفى صلّى الله عليه وعلى أهل بيته الطّيبين الطاهرين المعصومين المكرّمين المنتجبين، وبعد:

فإنّ لكل أمر عظيمٍ عماداً، وعماد هذا الدين: الصلاة؛ إذ عليها بُني الإسلام، وهي نور المؤمن، والميزان الذي من أوفى به استوفى، وقربان كلّ تقي، وهي التي تسوّد وجه الشياطين، وتحصّن من سَطواتهم، وبها يتميّز المؤمن ويتّصل بربّه وخالقه الأعلى، وقد أفلح من أقامها خاشعاً لله مخلصاً له الدين، وقد خاب من أضاعها واستخفّ بها، واتّبع هواه، وأرضى غرائزه وشهواته.

وهي منهاج الأبنياء وآخر وصاياهم، ووجه الدين، وأحبذ الأعمال إلى الله عزّ وجل، وفيها مرضاة الربّ، وبها تُقبل الأعمال وتُردّ، وخير العمل، وأفضل الأعمال بعد المعرفة بالله، وهي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وكفّارة لما بينها من الكبائر، وهي الحسنات التي يذهبن السيّئات، وهي التي من أقامها ـ بشروطها ـ انصرف عنها كيوم ولدته أمّه، وهي أوّل ما يُسأل العبد عنه يوم القيامة ويُحاسب به([1]).

وجوب الصلاة
الصلاة واجبة بالكتاب والسنّة والإجماع ، قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الْصَّلاَةَ}([2]) وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ}([3]) وقال: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}([4]) وقال: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}([5]) وقال: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ}([6]) وقال: {إنّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}([7]) إلى غير ذلك من آيات القرآن الكريم.

الصلاة في بقية الأديان
الصلاة هي أقدم عبادة، لأنّها من مستلزمات الإيمان بالله تعالى، لذلك لم تخل منها شريعة من الشرائع السماوية، وقد جاء الحثّ على أدائها على ألسنة جميع الأنبياء والرسل، لما لها من الأثر العظيم في تهذيب النفوس والقربى من الله سبحانه.

فقد جاء في القرآن الكريم على لسان إبراهيم(ع) داعياً ربّه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ  الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي}([8]).

وأشاد الله تعالى بذكره إسماعيل(ع) في قوله: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ  وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً}([9]).

وقال تعالى ـ مخاطباً رسوله موسى(ع): {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}([10]).

نبذة من أسرار الصلاة
إن من أمعن النظر في أسرار تشريع الصلاة وما تضمنت من استعراض جميع من بلغ سن الرشد وصار بمستوى التكليف من بين أكثر من مليار مسلم ـ خمس مرات في كلّ يوم وليلة ـ في صفوف منتظمة بكلّ سكينة ووقار وخشوع؛ الرئيس إلى جانب المرؤوس، والأمير إلى جانب المأمور، والغني إلى جانب الفقير، والمخدوم إلى جانب خادمه، والقوي إلى جانب الضعيف، والسيّد إلى جانب المسود، لا يتميّز  الرفيع من الوضيع، والكل منكسر القلب، خاشع لله ربّ الأرباب دون ميزة لبعضهم على البعض، ولا فارق ولا أفضلية مادية فيما بينهم، وكلّهم مستقبل الكعبة المشرّفة، متّجه إلى بقعة أشرقت فيها شمس الهداية المحمّدية، يتلو النشيد الإلهي والسّبع المثاني، متوجّه بقلبه ونفسه إلى المبدأ الواحد، والإله الواحد، والإله القادر، وفي ذلك وحدة الشعور، وتوحيد المشاعر، والمفاداة في سبيل نصرة الحق والعدالة، والتمرين على النظام والطاعة والاتباع والانقياد للإمام، وفي جميع ذلك تعويد على اُسس العدل الاجتماعي: من المساواة، والحرية، والائتلاف، وصفاء النفس من كدر الشوائب، واتصافها بأكرم الخصال والمكارم، واُمّهات الفضائل، وعدم الاعتداء على أحدٍ في ماله وحقوقه وعرضه ونفسه. إنّ مَن ينظر إلى هذا كلّه يجده كافٍ للسلم العام وصلاح المجتمع، مضافاً إلى أنّ الخضوع والخشوع لله تعالى يزيلان الطمع وحبّ الدنيا ـ الذي هو رأس كلّ خطيئة ـ وحبّ المادة والأنانية، وحبّ الذات الذي هو منشأ الحروب والإبادة.

وممّا يجدر ذكره هنا: أنّ مقدمات الصلاة تكافح المبادئ الهدّامة، بالإضافة إلى أنّها تشيّد أسس النظافة والصحة والثقافة وشرف الإنسانية؛ إذ يتكرّر للمصلّي في كل صلاة أن من أهم شروط صحّة الصلاة: إباحة ماء الوضوء، وإباحة تراب التيمّم، وإباحة لباس المصلّي وساتره، وإباحة مكان الصلاة، وإباحة ما يسجد عليه، فإذا كان شيء من هذه الأمورمغصوباً بطلت الصلاة؛ إذ لا يجوز التصرّف في مال الغير وملكه ـ إلا بإذنه ـ فإنّه نتيجة عمله، ومحصول قواه وغرائزه، مثل اختصاصه بتلك القوى والغرائز، ولا يشاركه أحد في ذلك فيعتقد بحكم الحسّ واليقين بأنّ الاختصاص وملكية الفرد من الحقوق الطبيعية والفطرية للإنسان، وأن إنكارها خروج على ناموس الطبيعة والفطرة، والناس جميعاً متّفقون في مقتضيات الفطرة، ودين الطبيعة، قرّر في تعاليمه هذا الاختصاص الطبيعي، وجعل ملكية الفرد من أهم تعاليمه، وجعل انتزاع ملكه وماله منه بغير رضاه غصباً وحراماً مبطلاً للصلاة.

وبهذا يتبيّن معنى قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} ([11]).

فما أحوجنا اليوم إلى الإيمان والعمل بما يقوله الله تعالى والصلاة التي تؤدّي بنا إلى الوحدة والتآلف، والتآخي والتآزر، والعزّة والقوّة، واستعادة كرامتنا التي اُهينت، ومجدنا الذي هُدّم، وإنّ أمر هذه الأُمة لا يُصلح آخره إلا بما صلح به أوّله.

الصلاة مفتاح قبول جميع العبادات
لبيان أهمية الصلاة يكفي أن نشير إلى كتاب الإمام علي بن أبي طالب(ع) إلى عامله على مصر (محمّد بن أبي بكر): صَلِّ الصلاة لوقتها المؤقّت لها، ولا تعجّل وقتها لفراغ، ولا تؤخّرها عن وقتها لإشتغالٍ. واعلم أن كلّ شيء من عملك تبعٌ لصلاتك([12]).

وجاء في الروايات: إن قبلت (الصلاة) قبل ما سواها. إن ارتباط قبول سائر العبادات بقبول الصلاة يدل على أن الصلاة هي مفتاح العبادات.

لنتأمّل في هذا المثال: فلو طلب منا شرطيٌّ المرور إجازة السواق وقدمنا له هوية الأحوال المدينة أو أيّة وثيقة أخرى فلا يقبل بها فمجوز السياقة امتلاك اجازة السوق، ولا أثر لجميع الشهادات والوثائق الأخرى سواها. وللصلاة مثل هذا الدور أيضاً.

ترك الصلاة وعذاب البرزخ
في يوم القيامة تحدثُ تساؤلات بين أهل الجنة وأهل النار، ولقد صوّر القرآن مشاهد واضحة عن الحوار الذي يدور بينهما، وأحد هذه المشاهد ما ورد في سورة المدثر فيسأل أصحاب اليمين المجرمين... ما سلككم في سقر...؟

فيذكرون أربعة عوامل: أولها: { لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}.  والعامل الثاني عدم اطعام الجياع {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}. العامل الثالث: الخوض مع الخائضين: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضينَ}. والعامل الأخير: عدم الإيمان بيوم القيامة: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}.

الهوامش:

([1]) انتزعنا هذه المعاني بأجمعها من أحاديث النبي’(ص)؛ انظر: نهج الفصاحة: 396، وميزان الحكمة 5: 365 ـ 374 وغيرهما.
([2]) البقرة: 110.
([3]) البيّنة: 5.
([4]) الإسراء: 78.
([5])الحج: 77.
([6]) البقرة: 238.
([7]) النساء: 103.
([8])  إبراهيم: 40.
([9])  مريم: 55.
([10]) طه: 14.
([11]) العنکبوت: 45.
([12])  نهج البلاغة(صبح الصالح) رسائل أمير المؤمنين(ع) 27 من عهده(ع) إلى محمّد بن أبي بكر حين قلده مصر.

قراءة 3205 مرة