1 ـ فريضة الحجّ في الإسلام
تحظى فريضة الحجّ باهتمام المسلمين جميعاً، وتعتبر من الشعائر والعبادات التي يتفق على وجوب أدائها جميع المذاهب الإسلامية.
2 ـ الحجّ محور الوحدة ورمز القوّة وركن الدين
كما تعبّر هذه الفريضة عن وحدة الاُمة الإسلامية واستقلال كيانها.
وهي بعد ذلك كله: رمز قوتها وعظمة قدرتها واستمرار حيويّتها.
3 ـ الحجّ في القرآن الكريم
والقرآن المجيد قد كثّف الإضاءة على بيت الله الحرام، وشعائر الحجّ العظام، تاريخاً وتعظيماً وفلسفة وأحكاماً وعرفاناً، فجعله مركزاً للتوحيد وعتيقاً من براثن الشرك وقياماً للناس ومباركاً وهدىً للعالمين وأمناً للناس ومثابة لهم ومطهراً ومحلاً خاصاً للطائفين حول محور الوحدانية الحقيقية والعاكفين والركع السجود.. فهو التعبير الصادق عن إسلام الوجه لله والتسليم لإرادته العليا والمختبر الكامل للإنسان الطائع باتجاه الكمال اللائق به، والبوتقة التي تصهر شوائب الروح وتمحو ما علق بها من أدران خلال مختلف مراحل الحياة.
4 ـ أهل بيت الرسالة
إن أهل بيــت الرسالة بدءً بالرسول الأمين وانتهاءً بعترته المعصومين الذين قرنهم الرسول الأعظم بمحكم التنـزيل واعتبرهم عٍِِدلاً للقرآن العظيم، في حديث الثقلين الشهير([1]) وحديث السفينة([2]) وحديث النجوم([3]) وغيرها مما ورد في تفسير آيات الذكر الحكيم، التي تشير الى أنهم أهل الذكر وولاة الأمر والحافظون لحدود الله، وأنهم الروّاد الصادقون الاُمناء على شريعة جدّهم ورسالته، حيث عصمهم الله من الزلل وآمنهم من الفتن والمطهّرون الذين يتسنى لهم تفسير الكتاب، كما ينبغي واقتفاء أثره اقتفاءً يجعلهم الاُسوة الحسنة بعد رسول الله، والقدوة المثلى التي لا يطمع في ادراكها طامع.
ومن هنا كان من الطبيعي جداً أن يكون منهجهم في إرساء دعائم هذه الفريضة العظيمة، وتعظيم شعائر الله هو منهج القرآن المجيد، كل خطوة من خطاهم الى تثبيت قواعدها هي تبع لخطاه.
5 ـ الحجّ في سيرة أهل البيت
لقد كانت لسيرتهم الزاخرة بالعطاء العلمي والعملي والعرفاني كما كان لسعيهم الحثيث ـ لإرساء معالم الشريعة الإسلامية وقواعدها المحكمة ـ الدور الكبير والأثر البالغ في تألق الإسلام والمسلمين بشكل عام، وتجلية عظمة الشريعة الإسلامية بشكل خاص، وتركيز شعائر الحجّ بشكل أخصّ حتى ورد عنهم : «إن الدين لا يزال قائماً ما قامت الكعبة»، وأن ولاة الأمر مسؤولون عن رعاية هذه الشعائر في كل الظروف التي تمر بها الاُمة الإسلامية، وينبغي أن لا يحول بينهم وبين إقامتها أيّ ضعف ماليّ، أو أيّ خلل اقتصادي ينتاب الناس، حيث تخصص بعض ميزانية الدولة الإسلامية لإحياء هذه الشعائر على مرّ الدهور والأحوال.
نعم هذه هي مدرسة أهل البيت وهي تعطي صورة موجزة وملخّصة جداً من معالم نظريتهم وثقافتهم الربّانية بالنسبة الى الإسلام ككل، والى هذا الركن الإسلامي العظيم بشكل خاص.
6 ـ دور أهل البيت في إقامة فريضة الحجّ
ولم تستطع أيدي العابثين أن تعطّل هذه العبادة العظيمة بالرغم من سعيهم الحثيث لإفراغها من مضمونها ومحتواها الكبير، ويعود ذلك لأسباب منها: الدور الفاعل لأهل بيت الوحي بما فيهم سيد المرسلين، وأئمة المسلمين من أبناء الرسول العظيم، الذين تابعوا الرسول الكريم في خطاه الحكيمة، والقرآن العظيم في توجيهاته السديدة.
فسلكوا سبيل الهدى بكل ما اُوتوا من حول وقّوة وحكمة وشجاعة، حتى بيّنوا معالم وتفاصيل هذه العبادة المهمة بشعائرها المتنوعة([4])، وأرسوا دعائمها تشريعاً وتشجيعاً، وحثوا على أدائها كل من يرتبط بهم من قريب أو بعيد([5])، وجسّدوا كلّ ما قالوا في سلوكهم البنّاء([6])، ولم يكتفوا ببيان تاريخها العريق من لدن آدم الى خاتم الأنبياء([7]) ، وفضائلها وآثارها الدنيوية المادية وأجرها الاُخروي([8])، وإنّما عكفوا على بيان فلسفتها شعيرة شعيرة، وعملاً عملاً([9])، ونفذوا الى أعماقها ليصوّروا عرفانها، بالعمل قبل البيان، وبالجنان قبل اللسان.
لقد تميّزت مدرسة أهل البيت في نظرتها الى الحج وشعائره بمميّزات أعطت الحجّ، مضموناً خاصاً، وشكلاً متميزاً يُشار من خلاله الى أتباع هذه المدرسة بالبنان، وهو قد يثير لدى المسلمين عامة أسئلة شتى وقد يكشف عن الاُفق المعنوي والسياسي المتميز لحجّهم عمّن سواهم، اقتداءً بأئمة أهل البيت المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
7 ـ معالم الحجّ في مدرسة أهل البيت
ويمكن تلخيص هذه المعالم في عدة نقاط:
الاُولى: شدّة الاهتمام المتمثل بالقول والعمل معاً.
الثانية: الاهتمام المتميز بالشكل والمضمون معاً.
الثالثة: عدم اغفال البعدين السياسي والجهادي الى جانب البعد العبادي.
الرابعة: تعميق البعد العبادي والعرفاني بشكل ملفت للنظر.
الخامسة: عدم تجاوز نصوص ومقاصد الكتاب والسنة بالرغم من كثرة التفريع والتفصيل.
8 ـ حكمة تشريع الحجّ
حاول البعض أن يفسّر الحكمة في تشريع الحج بكونه «مؤتمراً عالمياً يعقده المسلمون على صعيد واحد، وفيه يتعارفون ويتشاورون».
إلاّ أن الزائر لتلك البقاع المقدسة في الموسم لا يجد صدىً كبيراً من ذلك المؤتمر العالمي، كما أن اللقاء والتعارف بين مختلف الشعوب الإسلامية، قلّما يترك أثراً واضحاً ومهمّاً، وفي الغالب فإن الأمر لا يتعدى أن يكون تعارفاً بسيطاً على أمل اللقاء في فرصة اُخرى. والزائر لتلك الديار، قلّما يفكر في هذا السبب على أنه الدافع وراء زيارته للأرض المقدسة، فلابد وأن هناك أسباباً أقوى، ووشائج تربط روح الزائر المسلم وتعلّقها بتلك الديار، فيهفو إليها كما يهفو الرضيع الى ثدي اُمّه، رغم أن الزائر قد لا يكون رأى تلك الديار أو زارها من قبل، ومع ذلك نجده يحنّ إليها حنين الإبل الى أعطانها.
فما هو ذلك السر الذي أودعه الله تبارك وتعالى في تلك الأرض، بهذا الشكل الذي يجعل فؤاد المؤمن والهاً إليها، ينظرها بعين خياله كما ينظر الضمآن الماء وقد حيل بينهما؟!
9 ـ رحلة الحبّ الإلهي
إن خير من فسّر لنا هذا السر العجيب، هو الإمام علي بن أبي طالب، إذ يبين لنا فلسفة هذا التعلّق لأداء هذه الفريضة المحبوبة بقوله: «وفرض عليكم حجّ بيته الحرام، الذي جعله قبلة للأنام، يردونه ورود الأنعام، ويألهون إليه ولوه الحمام»([10]).
فالإمام يكشف عن تعلق قلب المؤمن بتلك الديار الزكية فيردها كما ترد الأنعام العطشى حياض الماء، فتراه يتجهز لذلك السفر الميمون وقد أخذ الشوق بمجامع قلبه، ويرصد الأموال لها لينفقها في تهيئة الزاد والراحلة، وفي عصرنا الحاضر تجده يتنقل بين الدوائر الحكومية دون كلل حتى يهيء الأوارق الرسمية التي لابد من حلمها مع الترخيص لعبور حدود الدول، ثم يقف على تلك المشاهد المقدسة أشعث أغبر ويطوف حول البيت، ويسعى بين الصفا والمروة تحت سياط الشمس الحارقة، تلفح وجهه السموم رافعاً صوته بالتلبية والحمدلله، رافعاً يديه في ضراعة الى المعبود العظيم، تنحدر دموعه على وجنتيه وهو في تلك المناجاة الروحية التي تتجلى فيها أسمى معاني الحب المقرون بالاقرار بالعبودية الخالصة للمحبوب العظيم، ثم تراه ينكفيء الى ذلك القبر الشريف الذي يضم جثمان الحبيب الذي هداه الى الحبيب، فتراه يقف خاشعاً مختلجاً تنبض عروقه هيبة وإجلالاً لتلك الرفاة الطيبة، متلهفاً الى لقاء ذلك الحبيب وضمّه بين الجوانح واستنشاق عطر النبوة من حناياه.
إنّ تلك المشاق التي يكابدها المؤمن في تلك الرحلة، لهي أحب الى قلبه من نعيم الدنيا، وهل يمكن تفسير ذلك كلّه إلاّ بأنه الحب الإلهي الذي يجعل المحب يذوب جوىً في حب معشوقه، ويجد لذته في عذابه بحبه!
إنّ هذا الهيام هو الذي رمز إليه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، في تفسير ذلك الحب الذي يشبه حب الحمام الواله الى عشّه.
إنه ذلك الحب الذي استشعره خليل الله إبراهيم، يوم ناجى ربّه متضرعاً بقوله [فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم] ([11]).
فعبّر بميل الأفئدة الى ذلك المكان، والفؤاد هو مركز الاحساس بالحب، وفي نبضاته تتجلى أسمى معاني الوجد.
فهذا هو الدافع الذي بيّنه لنا أمير المؤمنين في فلسفة الحج، فالدافع النفسي هو القوة التي تنبعث في روح المؤمن ليغذّ السير الى اللقاء. وشتّان بين معرفة الإمام وادراكه لفلسفة تشريع الحج وأداء بعض مناسكه، وبين فهم الآخرين لذلك، كما يتبين من الرواية التي جاءت عن عابس بن ربيعة، عن الخليفة عمر بن الخطاب أنه جاء الى الحجر الأسود فقبّله، فقال: إنّي أعلم انّك حجر لا تضر و لاتنفع، ولولا أنّي رأيت رسول الله يقبّلك ما قبّلتك([12]).
فقال له علي بن أبي طالب: بلى يا أمير المؤمنين إنّه يضر وينفع. قال: ثم قال: في كتاب الله تبارك وتعالى. قال: وأين ذلك من كتاب الله؟ قال: قال الله عزّ وجل: [وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربّكم قالوا بلى] ([13]) خلق الله آدم ومسح على ظهره فقررهم بأنه الرب وأنهم العبيد واخذ عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك في رق وكان لهذا الحجر عينان ولسان، فقال له: افتح فاك، قال: ففتح فاه فألقمه ذلك الرق فقال: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، وأني أشهد لسمعت رسول الله يقول: يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلك يشهد لمن يستلمه بالتوحيد، فهو يا أمير المؤمنين يضر وينفع. فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لستَ فيهم يا أبا حسن([14]).
10 ـ تاريخ فريضة الحجّ وبيئة الحجّ
وخطب الإمام علي قائلاً: «ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم ـ صلوات الله عليه ـ الى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضرّ ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً، ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقل نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الأودية قطراً، بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خفّ ولا حافر ولا ظلف.
ثم أمر سبحانه آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزّوا مناكبهم ذللاً، يهللون لله حوله، ويرملون على أقدامهم، شعثاً غبراً له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، إبتلاءً عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله الله سبباً لرحمته، ووصلة الى جنّته.
ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام، بين جنات وأنهار، وسهل وقرار، جمّ الاشجار، داني الثمار، ملتفّ البنى، متّصل القرى، بين برّة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، وزروع ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء.
ولو كان الأساس المحمول عليها والأحجار المرفوع بها، بين زمرّدة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لخفّف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس، ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بألوان المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُـتُحاً الى فضله، وأسباباً ذُلُلاً لعفوه ([15]).
11 ـ من بركات الحجّ في نصوص أهل البيت
1 ـ قال رسول الله: «الحجّ جهاد الضعيف»([16])
«الحجّ ينفي الفقر»([17]) . «حجّوا تستغنوا»([18]) وقال رسول الله: «ليس للحجة المبرورة ثواب إلاّ الجنة»([19])
2 ـ وقال حفيده الإمام الصادق: «ما رأيت شيئاً أسرع غنىً ولا أنفى للفقر من إدمان حجّ البيت»([20]).
3 ـ وأما الإمام علي فقد قال: «.. وحجّ البيت والعمرة، فإنّهما ينفيان الفقر، ويكفّران الذنب، ويوجبان الجنة»([21]).
12 ـ الحجّ وتقوية رابطة الإخاء الإسلامية
إنّ تقوية روح المودّة والإخاء والوحدة بين المسلمين، هو أحد أهم أهداف الإسلام على الصعيد الاجتماعي إن لم يكن أهمها على الاطلاق، فإنّ التلاحم بين أفراد الاُمة الإسلامية مرتبط بعزّ الإسلام ومنعة المسلمين في الدنيا وفوزهم في الآخرة بامتثالهم لأوامر الله سبحانه وتعالى، وتعاليم نبيّه الكريم الرؤوف بهم، والذي ما فتيء يدعوهم الى الوحدة وجمع الكلمة ونبذ التفرّق والاختلاف، وترك الشحناء والبغضاء، حتى يعودوا وكأنهم جسد واحد إذا اشتكى منهم عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمّى السهر.
والنبي ينطلق من دعوته للوحدة بين المسلمين من مفاهيم القرآن الذي حثّ في كثير من آياته على مبدأ الوحدة ونبذ التفرق، فقال عزّ وجلّ: [واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا] ([22]). وبيّن لهم أن المؤمنين جزء واحد لا يتجزأ في قوله تعالى: [إنّما المؤمنون اُخوة]([23]) فالاُخوّة الإسلامية هي المثل الأعلى للخلق النبيل الذي يميّز الفرد المؤمن. والمصلّي يناجي ربّه بصيغة الجمع، حتى وهو يصلي منفرداً فيقول: [إيّاك نعبد وإياك نستعين* اهدنا الصراط المستقيم].
وقد أخبر النبي، وأهل بيته الأطهار عن فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد في عدد كبير من الأحاديث الشريفة، وماذلك إلاّ تأكيد على عمق الروابط الأخوية التي ينبغي أن تشد المسلمين بعضهم الى البعض.
والحج يمثل إحدى أبرز هذه الروابط، حيث يجتمعون في تلك الأيام المباركة، من شتى أقطار الأرض، لا تجمعهم ألسنة ولا ألوان ولا عادات اجتماعية واحدة، ولكن يجمعهم الإيمان ورابطة الاُخوة الإسلامية في أجلى مظاهرها، فتراهم لا فرق بين غنيّهم وفقيرهم، عربيّهم وأعجميهم، أسودهم وأحمرهم، يقفون بين يدي الله في ذلك التجمع العظيم، يرتدون ثياباً موحّدة، لا يمتاز أحدهم على الآخر، يلبّون إلهاً واحداً، وقلوبهم مفعمة بالاخلاص، لا يفرّقهم بلد ولا لون ولا جاه ولا مال، قد التحمت أرواحهم بأوثق عرى الاُخوة الإسلامية، يشهدون بقلوبهم على صدق مقولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: «فرض الله الحج تقربة للدين»([24]).
13 ـ الحجّ مظهر الإسلام
إن للإسلام قواعد ومباني قد بُني عليها، ولا يبق لـه بدونها إلاّ الاسم العاري، ومن أهم تلك المباني: الحج، لذا قال أمير المؤمنين: «فمن ترك الحج متعمّداً فقد هدم ركناً من أركان دينه الإلهي» ومن هدم ركناً أساسياً من أركان الإسلام فقد ارتكب إثماً عظيماً، لذا أشار القرآن الكريم بذلك في قوله تعالى بعد أمره الناس بالحج على قدر الاستطاعة: [ومن كفر فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين] ([25])
فالحجّ إذاً أحد مظاهر الإسلام وأعلامه، وأحد أركانه العظمى، فالتمسّك به وأداؤه إنّما هو تمسك بإحدى عرى الإسلام الوثيقة، وقد عبّر الإمام أمير المؤمنين عن ذلك بقوله: «وجعله سبحانه وتعالى للإسلام عَلماً»([26]).
14 ـ الحجّ ونزول الرّحمة الإلهية على الاُمة الإسلاميّة
الرحمة الإلهية هي أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده المستحقين لها، والتي يهفو لها قلب كل مخلوق، لسعتها وشمولها كما أخبر سبحانه عن ذلك، فهي ضالة الإنسان المؤمن والعاصي، إذ إن العاصي لا يتجرأ على المعصية إلاّ وهو يمنّي نفسه بالرحمة الإلهية.
والمؤمن ينطق بالرحمة الإلهية في كل عمل يقوم به من خلال نطقه بالبسملة فى قوله: بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا كانت الرحمة الإلهية هي الأمل المنشود، فالحج أحد أسباب نزولها وشمولها، حيث يُشهد الله ملائكته بأنه قد غفر لحجاج بيته الحرام، لذا قال أمير المؤمنين عن الحج: «جعله الله سبباً لرحمته ووصلة الى جنّته»([27]).
15 ـ الحجّ والتقرّب الى الله تعالى
لاشكّ، في أن مناسك الحج ذات مشقة بالغة يتحملها المؤمن وهو مفعم بالرضى، لأنه يدرك أن ما يتحمله من مشاق تقرّبه من الحبيب، فيتلقى كل ذلك بروح ملؤها السعادة والنشوة، فطبع المؤمن المحب لله تعالى يجعله يستنفذ كل جهد وطاقة له لإرضاء خالقه، فهو يتقلّب على فراشه كالعاشق المدنف، ولا يهجع إلاّ ويقوم ليقف بين يدي ربّه يتهجّد له ويدعوه متضرعاً خاشعاً، ويصوم نهاره محروماً من كل لذّة إلاّ لذّة الاحساس بالذوبان في جمال محبوبه، وكذلك هو حين يحج الى بيت الله الحرام وقد أذابه الشوق والحنين الى اللقاء. فالحج أحد طرق التوسل لنيل رضى الحبيب، ويعبر أمير المؤمنين، عن ذلك بقوله: «إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون الى الله سبحانه وتعالى: الإيمان به وبرسوله.. وحج البيت واعتماره».([28])
16 ـ الحجّ ونشر العلم والثّقافة الإسلامية
لقد أكّد القرآن الكريم في أكثر من آية على أهمية العلم، فنزلت أوّل آية على رسول الله لتدل على مفاتيح العلم، في قوله تعالى: [إقرأ باسم ربّك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربّك الأكرم* الذي علّم بالقلم* علّم الإنسان ما لم يعلم] ([29]).
وأقسم سبحانه وتعالى في مطلع إحدى السور بقوله عزّ من قائل: (ن والقلم وما يسطرون...)([30]) تأكيداً لدور العلم، فضلاً عمّا جاءت به الأحاديث الشريفة عن النبي، وعن أهل بيته في التأكيد على أهمية طلب العلم. والحجّ هو أحد الوسائل في نشر العلم، وقد أكد الإمام أمير المؤمنين على هذه الحقيقة في كتابه الى عامله قثم بن العباس الذي ناب عن أمير المؤمنين الموسم بقوله: «أما بعد، فأقم للناس الحج، وذكرهم بأيام الله، وأجلس لهم العصرين. فافتِ المستفتي، وعلّم الجاهل، وذاكر العالم»([31]).
فالإمام في كتابه هذا يبيّن الدور الذي يجب أن ينهض به أمير الموسم في تذكير الحاج بأيام الله، والإجابة على أسئلة من يستفتي في اُمور دينه، وتعريفه بالحلال والحرام، وبكل ما يتعلق باُمور دينهم، ويأمره بأن يقسم لهم من وقته، فيعلّم جاهلهم ما لم يعرفوه، ويُذكّر العالم، وفي ذلك عظة للعالِم وتذكير له لما قد نسي أو التبس عليه من الاُمور، فيكون ذلك سبباً لتعهّد علمه خوفاً من النسيان والإندراس، وفضلاً عن ذلك فإنّ على أمير الحج أن يذكّر الناس بأيام الله، بما فيه موعظة لهم ممن قد سبقهم من الاُمم ليتخذوا من ذلك عبرة، فيزداد ارتباطهم بالله أكثر فأكثر، ويزدادون له طاعة، ويبتعدون عن معصيته التي تسبب زوال النعم ونزول النقم. وعندما يتشرب الحجاج من تعاليم الإسلام، فإنهم يعودون الى أوطانهم ليكونوا بدورهم دعاة الى الخير والرشاد .
[1]ـ راجع ، مسند أحمد :ج3 ص14 ، 17، 26، 59 ، صحيح مسلم: ج4 ص1874،
ح37، سنن الترمذي : ج5 ص662، ح 3786.
[2]ـ ، حلية الأولياء : ج4 ص306، مجمع الزوائد : ج9 ص193، الجامع الصغير للسيوطي :
ج2 ص533 ، ح8162، ذخائر العقبى : ص20.
[3]ـ المعجم الكبير للطبراني : ج7 ص25 ط بغداد ، الرقم 6260 ، الحاكم في مستدركه : ج3
ص149، ذخائر العقبى للطبراني : ص17.
[4]ـ هذه هي الخطوة الأولى.
[5]ـ هذه هي الخطوة الثانية.
[6]ـ هذه هي الخطوة الثالثة.
[7]ـ هذه هي الخطوة الرابعة.
[8]ـ هذه هي الخطوة الخامسة.
[9]ـ هذه هي الخطوة السادسة.
([10]) نهج البلاغة: ج1 ص27 ، الخطبة الأولى تحقيق الإمام محمد عبده ، دار المعرفة ـ بيروت.
([14]) المستدرك للحاكم: 1/457، قال السيوطي في تنوير الحوالك: 338،
قال ابن عبدالبرّ، هذا الحديث مرسل وهو يستند من وجوه الصحاح، منها طريق الأزهري عن سالم عن أبيه، وذكر البزار إن هذا الحديث رواه عن عمر مسنداً أربعة عشر رجلاً، إنّما أنت حجر ـ زاد في رواية الصحيحين ـ لا تضر ولا تنفع.
([15]) نهج البلاغة: الخطبة 192. نتائق: جمع نتيقة وهي البقاع المرتفعة، ومكة مرتفعة بالنسبة لما انحطّ عنها من البلدان، الدمثة: اللينة ويصعب عليها السير والاستثبات منها، وتقول: دمث المكان إذا سهل ولان، ومنه دمث الأخلاق لمن سهل خلقه، الوشلة: كفرحة قليلة الماء، الخفّ: للجمال، والحافر: للخيل والحمار، والظلف: للبقر والغنم، وهو تعبير عن الحيوان الذي لا يزكو في تلك الأرض، ثنى عطفه إليه: مال وتوجه إليه. المنتجع: محل الفائدة، الرمل: بالتحريك ضربٌ من السير فوق المشيء ودون المجري وهو الهرولة، السرابيل: الثياب، واحدها سربال بكسر السين المهملة فسكون الراء، ملتف البنى: كثير العمران، البرّة: الحنطة والسمراء أجودها، الاعتلاج: الالتطام ومنه اعتلجت الأمواج إذا التطمت، والمراد زال تلاطم الريب والشك من صدور الناس، فتحاً وذللاً بضمتين، والاُولى بمعنى: مفتوحة واسعة، والثانية مذلّلة ميسّرة، كما عن هامش، البحار: 99/45 / 35 .
([18]) المحاسن 2/ 79 / 10203 .
([19]) سنن الترمذي 3/ 175 / 810.
([20]) أمالي الطوسي: 694/1478 .
([24]) نهج البلاغة: الحكمة 225 .
([26]) نهج البلاغة: ج1 ص27، الخطبة الاُولى.
([27]) نهج البلاغة: ج2 ص147، الخطبة 192.