تجليات الأمة الواحدة في مشاهد الحج

قيم هذا المقال
(0 صوت)

تجلّي الأمّة الواحدة وظهورها في الحج واحدة من أعظم منافع الحج {لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ}(1)، ولا نعرف مشهداً للأمّة الواحدة أعظم وأروع مما نشاهده الحج.

هنالك يشهد المسلم الأمة الواحدة بكل تجلياتها، من اسقاط الفوارق وملأ الفواصل والفجوات والوقوف جميعاً في موقف واحد وفي وقت واحد.

وهذه المشاهد التي تتكرر كلّ سنة، ويحضرها نخبة من المسلمين من كلّ فجّ عميق... تعتبر أفضل تجسيد للأمة الواحدة، التي تضيع أحياناً وتختفي بسبب تراكم الخلافات المذهبية والوطنية.

وأوّل ما يتجلّى هذا المشهد التوحيدي والوحدي العظيم في (الميقات) حيث ينتزعهم الميقات من أزيائهم الوطنية ويلبسهم لباساً موحداً في غاية البساطة، وبعيداً عن مظاهر الترف، ثمّ يوحّد الميقات خطابهم الرباني «لبّيك اللهم لبّيك، لبيك لا شريك لك لبّيك»، وهذا هو الخطاب التوحيدي والوحدوي الذي يرفعه الحجاج جميعاً في الميقات... يوحّد الميقات خطابهم الذي هو جوهر هذه العبادة وهي (التوحيد) ويوحّد مظهرهم، وينتزعهم من حالة التشتت في الخطاب، وتمايز المظاهر والأزياء، فيكون مثل الميقات مثل جداول متمايزة من أقاليم شتى، تدخل في الميقات وكأنه نهر عظيم من الحجاج، يقبلون على الله بمظهر واحد، وخطاب واحد، وغاية واحدة، حتّى يَصُبّ هذا النهر في بحر عظيم من الناس بجوار بيت الله الحرام، لا تكاد تميز فيه العراقي عن اليماني، واليماني عن الجزائري، والجزائري عن الإيراني، والتركي.

ثم يأتي دور الكعبة الشريفة في توحيد هذه الأمة وإخراجها إخراجاً واحداً.

وللكعبة المعظمة دوران في توحيد هذه الأمة (القبلة والطواف)، وكلّ واحد من هذين الدورين يوحّد جبهة هذه الأمة العظيمة، المتفرقة في بلاد شتّى من القارّات الخمسة.

إنّ (القبلة) ترمز في حياة المسلمين إلي أمرين علي أعلي درجات الأهمية، ترمز (القبلة) إلي توجيه الإنسان وجهه إلي الله في كل حالاته، {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والأَْرْضَ حَنِيفاً وما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2).

{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ومَنِ اتَّبَعَنِ} (3).

وعندما يوجّه الإنسان وجهه إلي نقطة معيّنة، فإنها سوف تحدّد مساره وخط حركته بشكل قطعي، كما كان يجعل أهل البادية في البر، والبحّارة في البحار النجوم بين أعينهم، ليحدّدوا بذلك خط حركتهم في البوادي والبحار، قبل أن يعرفوا نظام البوصلة.

فإذا جعل الإنسان (الله) تعالي وجهته، وتوجّه إليه بوجهه، وجعله غاية لحركته، فإنّ هذه النقطة الغائية في تحركه التي جعلها وجهته وفي قبالته سوف تحدّد له خط حركته ومساره في الحياة الدنيا، وهو الصراط المستقيم الذي يهديه إلي الله تعالي، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم من عباده: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.

وترمز (القبلة) ثانياً إلي توحيد جهة حركة المسلمين جميعاً إلي الله، بهذا الاتجاه، فإنّ (القبلة) توجّه عامة المسلمين إلي نقطة الكعبة في اليوم خمس مرات علي أقل التقادير.

إذن القبلة ترمز أولاً إلي توجيه الإنسان المسلم إلي الله في حركته، علي الصراط المستقيم.

وترمز ثانياً إلي توحيد المسلمين عامة في هذا الاتجاه الرباني في الحركة.

وخلاصة القول: إنّ القبلة ترمز إلي الاستقامة علي الصراط المستقيم إلي الله تعالي، وتوحيد حركة المسلمين جميعاً علي هذا الصراط.

ويرمز (الطواف) إلي حركة التوحيد علي وجه الأرض وفي التاريخ، كما يرمز إلي اجتماع الموحّدين لله، بهذا الاتجاه التوحيدي في التاريخ والمجتمع.

فإنّ هذه الحركة الاستداريّة حول مركز الكعبة ترمزـ والله العالم ـ إلي الحركة التوحيدية للإنسان.

فلا ينحرف الطائف عن مركز الكعبة، في كل دائرة الطواف، بکتفه الأيسر على امتداد هذه الدائرة، بينما يتحرك كتفه الأيمن في كل الاتجاهات، من دون إستثناء، والدائرة التي يطويها الكتف الأيمن للطائف0360، وهي دائرة كاملة لاتخرج عنها جهة من الجهات علي الاطلاق، وهي إشارة رمزية ـ والله العالم ـ إلي أنّ بإمكان الإنسان أن يحافظ علي توحيد الله بالعبادة، والاستعانة، والطاعة، والعبودية في كل حركته الواسعة في الدنيا، في كل حقول الحياة، في حركته، وخطابه، ومواقفه، وعمله، من دون استثناء، {إِنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيايَ ومَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} ليس فقط في صلاته ونسكه، وإنما في محياه ومماته أيضاً.

وفي نفس الوقت ترمز الكعبة إلي تجميع المسلمين علي توحيد الله تعالي في العبادة، والعبودية، والاستعانة، والاخلاص، والدين، والطاعة، والولاء.

وهكذا تتّصل تجلّيات الأمة الواحدة في مشاهد الحج الكبرى من الميقات إلى الطواف، ومن الطواف إلى السعي، ومن البيت الحرام إلى عرفة، حيث يجتمع ملايين المسلمين في وادي عرفة، توحّدهم عرفة، وتوجههم إلى الله تعالى بالدعاء والصلاة، وتصفيهم من كلّ ذنوبهم، بلا استثناء إلاّ الشرك، والقتل، وحقوق الناس، والبدعة في دين الله، فإنّها لا تغتفر.

ويفيض الحجاج من عرفة إلى المشعر الحرام، وقد تركوا وراءهم ركام ذنوبهم ومعاصيهم في هذا الوادي الشريف.

ثم مشهد المشعرالحرام ومشاهد رمي الجمرات في وادي منى، وهو يرمز إلى جهد جمعي من جانب الحجاج كلهم لإقصاء الشيطان عن حياتهم، ورجمه، وإبعاده منهم.

ثمّ يأتي في نهاية هذه الجولة الصعبة من الميقات إلى منى «العيد الأكبر» الذي يحتفل به الحجاج جميعاً في منى، وفي رحاب بيت الله، وهو عيد الأضحى المبارك.

يوحّدهم في فرحتهم بنجاحهم في إقامة هذه الفريضة الصعبة في هذا البلد الذي اختاره الله لبيته الحرام.

إنّ أبرز شيء في الحركة العظيمة من الميقات إلى منى أمران: (توحيد) الله تعالى بالعبادة؛ و(توحيد) حركة الأمة على خط توحيد الله؛ ولا يحسّ الإنسان بهذه الأمة المباركة العظيمة، كما يحسّ بها في مشاهد الحج العظيمة.

وكما يوحّد الحج خطاب هذه الأمة، وحركتها، ومظهرها، ومضمونها، كذلك يوحّد جهد هذه الأمة في مكافحة العوامل المعيقة، لوحدة الأمة، والفتن الطائفية التي تجعل من هذه الأمة الواحدة، أمماً شتى متقاطعة ومتنافرة، على خلاف ما يريده الله تعالى من عباده المؤمنين.

الإضاءات الثلاثة في طريق وحدة الأمة

إنّ مكافحة الفتن الطائفية، والسعي إلى التقريب، والتفاهم، والتضامن، والتعاون بين المسلمين، من ثوابتنا السياسية والحضارية والاقتصادية.

وتدخل في تكوين الأمة الإسلامية الواحدة، ومن دونه لا تتحقّق الأمة الواحدة التي جعلها الله أمة وسطاً، وشاهدة على سائر الأمم.

ويتوقف عليها، إنتصارنا في المعترك السياسي، والحضاري، والثقافي، والعسكري، ومن دونها لا يتحقق النصر الذي نسعى إليه في مسيرتنا السياسية والثقافية.

وتتوقف عليها حركتنا الثقافية والعلمية.. فإنّ التقاطع الطائفي، والعزلة والانكفاء على الذات، يؤدي بالضرورة إلى الضمور الثقافي والعلمي، وبعكس ذلك التواصل، واللقاء، والحوار الإيجابي، يؤدي إلى التكامل العلمي والثقافي في حوزاتنا وجامعاتنا العلمية.

إنّ هناك ثلاث قضايا رئيسية، لابد فيها من الوعي والوضوح:

ولابد من السعي لنشر وعي سياسي ـ ثقافي، تجاه هذه النقاط في أوساط الجمهور.

وهذه النقاط هي:

1 ـ الأمة الواحدة.

2 ـ الصراع الحضاري الذي تخوضه هذه الأمة.

3 ـ ضرورة الترافد الثقافي والعلمي في أوساط هذه الأمة.

و إليك الإيضاح السريع التالي لهذه النقاط الثلاثة:

1 ـ الأمة الواحدة

هذه الأمة أمة واحدة، وليست أمماً شتى.

وقد ورد هذا المعنى بصراحة في آيتين من القرآن يقول تعالى:

{إِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وأناَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (4).

{وَإِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأناَ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (5).

وليس معنى وحدة الأمة التطابق الكامل في الرأي والاجتهاد، فإنّ ذلك مما لا يكون.. وإنما معنى ذلك الاتفاق والتفاهم على الأصول والانسجام والتفاهم والتعاون على المواقف السياسية، وتوحيد الولاء والبراءة والطاعة والنصرة.

2 ـ الصراع الحضاري

سواءاً أردنا أم لم نرد، نحن ندخل اليوم في صراع حضاري عسير... والمواجهة العسكرية شكل من أشكال التعبير عن هذا الصراع.

وهذا الصراع صراع شرس.. وخصومنا في هذا الصرع جبهة واحدة، مهما تعددت توجهاتهم.

وليس من الصدفة أن تتفق أمريكا والاتحاد الأوربي على دعم إسرائيل في كل أعمالها العدوانية تجاه المسلمين، وأن تقف إلى جانبها من غير أن تأخذ بنظر الاعتبار حاجتها إلى المسلمين، وعلاقاتها الاقتصادية الواسعة بالعالم الإسلامي.

نحن نواجه اليوم صراعاً حضارياً، سياسياً، اقتصادياً، عسكرياً، من أشرس ما يكون الصراع، وإذا خسرنا الحرب في هذه المعركة المصيرية، فسوف نعود مرة أخرى إلى دورة جديدة من التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية للغرب التي طالتنا من بعد سقوط الدولة العثمانية إلى اليوم.

والانتصار والهزيمة في هذا الصراع ـ في كل أبعاده ـ قضية مصيرية في حضارتنا وتاريخنا؛ ولا نشك إننا نكسب هذا الصراع إذا واجهنا خصمنا أمة واحد، وصفاً واحداً، وموقفاً واحداً، وذلك أنّ يد الله تعالى مع الجماعة وعلى الجماعة، وإذا كانت يد الله معنا فلا يتخطانا النصر بإذن الله.

ولا نشك أنّا إذا واجهنا خصومنا مقتسمين على أنفسنا، متقاطعين في مواقفنا وإرادتنا، متخالفين في توجهاتنا، فلا نكسب هذا المعترك الحضاري الصعب.

3 ـ الترافد الثقافي

الترافد الثقافي من نتائج التقريب بين المذاهب الإسلامية ومن عوامله في نفس الوقت...

وقد كان علماء المسلمين وطلبة العلم يتوافدون على مدارس فقهية من مذاهب واتجاهات مختلفة، وكانوا يتبادلون الإجازات في رواية الحديث، فكان طلبة العلم من العراق، ومعظمهم من الشيعة يفدون إلى الحجاز ومصر والشام ومعظمهم من أهل السُنة، وكان يفد إلى العراق، على مدرسة الحلة، وهي حوزة شيعية عريقة، طلبة من الحجاز، ومصر، والشام، والمغرب العربي للدراسة، كما كان لعلماء المسلمين زيارات للأقاليم الإسلامية، وكان طلبة العلوم الدينية يلتمسون منهم أن يلقوا عليهم دروساً في الفقه والأصولَين (أصول الفقه وأصول العقائد).

واليوم تحتضن الحوزة العلمية في قم، وهي حوزة علمية عريقة تابعة لمدرسة أهل البيت (ع) طلبة العلوم الدينية من أكثر من مائة قُطْر في العالم من القارات الخمسة، وجملة من هؤلاء الطلبة الوافدين إلى هذه الجامعة من أهل السنة، ولايجدون حرجاً في الدراسة في حوزة شيعية، كما لا تجد هذه الحوزة حرجاً أن تحتضن طلبة من المدارس، والاتجاهات الفقهية الأخرى، وتجري دراسة فقه المذاهب الإسلامية الأربعة في هذه الحوزة كما تجري دراسة الفقه الإمامي.

ولهذا الترافد الثقافي والعلمي أثر بالغ في التكامل العلمي والثقافي في المراكز العلمية الإسلامية.

فإنّ الجهود العلمية، والثقافية المختلفة، عندما تلتقي مع بعض على صعيد موضوعي، علمي، غير متشنّج، يكون هذا اللقاء سبباً للإثراء والتكامل العلمي والثقافي لكل من هذه الروافد العلمية والثقافية، ويؤدي هذا الترافد إلى التقارب والتعارف بين المذاهب المختلفة، كما أنّ التقارب والتعارف بين هذه المذاهب يؤدي بالضرورة إلى الترافد العلمي والثقافي.

إنّ ظاهرة الترافد تؤدي إلى مكافحة وإبطال الفتن الطائفية.. والعكس أيضاً صحيح، فإنّ الفتن الطائفية تقلّل من فرص الترافد الثقافي، وتحوّل الثقافة والعلم إلى دوائر مغلقة غير مترابطة، وهذه الحالة من أسباب ضمور العلم والمعرفة دائماً.

وعلى كلّ حال، ظاهرة الترافد الثقافي ظاهرة مباركة في حياة هذه الأمة، يجب أن نستعيدها، ونجدّدها، ونشجعها، وندعمها، وهي من أفضل وسائل علاج الفتنة.

وفيما يلي سوف نتحدث إن شاء الله عن ثلاثة من أبرز النقاط التي تساهم في علاج الفتنة الطائفية وإخمادها، وهذه النقاط الثلاثة هي:

1 ـ الوعي والخطاب

2 ـ اللقاء والحوار

3 ـ العمل المشترك

وإليك تفصيل هذه النقاط:

 

أولاً: الوعي والخطاب

الفتنة الطائفية، كأية فتنة أخرى، تنشأ وتنمو في غياهب الجهل والجهالة.. والفتن في حياة الناس كثيرة، وكلها تتكون وتظهر وتنمو في ظلمات الجهل.

وأفضل العلاج لها ولأمثالها من الفتن هو المعرفة والوعي، فإنّ النور يكسح الظلمة، والمعرفة والوعي نور يزيل ما يعترضه من الظلمات، والفتن تراكم من الظلمات بعضها فوق بعض.

الوعي والتقوى

إنّ تحصين المجتمع من الفتن يتم بعاملين اثنين مع بعض، وهما عامل التقوى والمعرفة، فإذا اجتمعتا فأنهما يحصّنان المجتمع من أمثال هذه الفتن.

ومهما واجهنا فتنة من هذه الفتن التي تمحق دين الناس، وتثير الشغب والفوضى، وتحرق الأخضر واليابس، فلابدّ أن يكون من وراء هذه الفتنة عجز في (التقوى) أو (الوعي) أو فيهما معاً.

فهما يحصّنان المجتمع من كل فتنة، ويمنحان صاحبهما بصيرة وفرقاناً، إذا ادلهمت الخطوب والظلمات على الناس.

الوعي السياسي

ومن أهمّ وجوه الوعي اليوم الوعي السياسي، فإنّ عامل الاستكبار العالمي، والمخابرات، والمنظمات الجاسوسية العالمية، تكمن خلف هذه الفتن.

والمؤسسات الإعلامية (الصحف والفضائيات ودور النشر) تبثّ هذه الفتن بين الناس، وتقوم بتأجيج حرائق الفتنة الطائفية بين المسلمين.

وتجد أنظمة الاستكبار العالمي في هذه الفتن الطائفية، فرصة ذهبية لبسط نفوذها في العالم الإسلامي، وتمكّنها من أسواق المسلمين، ومصادر الثروة النفطية، والمعدنية، والمائية، والزراعية في العالم الإسلامي... وسوف نبسط الحديث في هذا الجانب إن شاء الله.

و الأداة المفضّلة لمواجهة هذه الفتن هي الوعي السياسي الذي يمكن الناس من معرفة خلفيات هذه الفتن وجذورها، والمنظمات الجاسوسية التي تخطط لها هناك في الغرب، عبر المحيطات.

ومن واجب العلماء والخطباء والمثقفين الإسلاميين نشر الوعي السياسي بين الناس، وتمكين الناس من إختراق الغطاء الإعلامي، وتمكينهم من الدرك الصحيح لما يحصل في الساحة العالمية من فنون اللعبة السياسية، وتحذير الناس من أن يكونوا ضحايا هذه اللعب، والخطط التي تنتجها باستمرار العقلية الغربية، تجاه العالم الإسلامي.

وعي الجمهور

ولست أعني بـ (الوعي السياسي) هنا وعي النخبة، ولست أنفي ضرورة الوعي السياسي عند النخبة، وأهميتها، ولكن وعي النخبة لا يغني عن وعي الجمهور، وإذا حلّ الوعي في الشارع الذي يتحرك فيه الجمهور، وتسلّح الجمهور بالوعي، لم تعد هذه اللعب السياسية، والفضائيات المضلّلة قادرة على تضليل الناس، وتفجير الفتن في وسط الناس، كالذي يحصل اليوم في العراق وفي باكستان وفي بعض الأقطار الإسلامية.

فإنّ الوعي عندما ينزل إلى مستوى الشارع ويثقف الجمهور يحصّنه من أمثال هذه الفتن... والجمهور الذي يمتلك درجة عالية من الوعي السياسي يمتلك درجة عالية من الحصانة تجاه العوامل الإعلامية والسياسية المضللة، وبالضرورة لاتحتوشه الفتن.

والجمهور غير الموجّه، وغير الراشد، هو الوسط الخصب، والتربة الصالحة لأمثال هذه الفتن؛ وعن طريق التوعية، والتثقيف السياسي، يمكننا أن نحافظ على سلامة الجمهور ورشده.

والجمهور كما هو تربة صالحة للفتن والضوضاء، كذلك هو وعاء صالح للوعي، والعقل، والسداد، والتقوى.. ويمتلك أعماقاً سليمة من الفطرة، لم ينفذ إليها الفساد، والقادة الحقيقيون هم الذين يدركون هذا العمق الفطري السليم للجمهور، ويقودون الجمهور إلى صراط الله المستقيم والتقوى، ويحذرونه من مغبّة الوقوع في أمثال هذه الفتن،ويفلحون في ذلك.

إنّ الثقة بالجمهور، وكفاءاته الكثيرة، وسلامة فطرته، هو رأس مال أولئك القادة الذين يعرفون كيف يخاطبون الجمهور، وكيف يكسبونه.. بعد الثقة بالله تعالى، والاعتماد عليه، والاطمئنان إلى وعده بالنصر، وتأييده للقلّة المؤمنة، في مواجهة أمثال هذه الفتن والتحديات.

الخطاب الإسلامي المعاصر

ولابدّ للوعي من خطاب، كما أنّ للتضليل السياسي خطاب، ولإثارة الفتنة بين الناس خطاب، ولتغرير الناس، وتجهيلهم، وتسطيح عقولهم خطاب، كذلك للوعي خطاب.

ولغة هذا الخطاب لغة العقل، وهي اللغة المفضّلة في خطاب الوعي... إنّ العاطفة جزء ضروري من خطاب الجمهور لاشك في ذلك، ولكن من الخطأ الاقتصار على العاطفة في خطاب الجمهور.. ولابد من استخدام لغة العقل في خطاب الناس، إلى جانب لغة العاطفة، ولابد أن تكون لغة العقل هي الحاكمة وهي الأصل، ولغة العاطفة تأتي في امتداد لغة العقل، ولإسناد العقل عندئذ يكون الخطاب العاطفي خطاباً صالحاً للجمهور... وأمّا عندما يتمحّض خطاب الجمهور في الخطاب العاطفي، فلا يكون مثل هذا الخطاب خطاباً راشداً أميناً غالباً، ولايكون قادراً على توجيه الجمهور إلى الوجهة الصحيحة...

إنّ مشكلة الخطاب الإسلامي المعاصر لدى أصحاب التوجهات الطائفية المعاصرة، هي الحالة العاطفية الطاغية على هذا الخطاب والحالة الشعارية، ورفض لغة العقل، وحالة الإنكفاء علي الذات، والانغلاق على الرأي الآخر، ورفض الطرف الآخر، رفضاً مطلقاً إلى حدود التكفير، واستباحة الدماء التي حرّمها الله تعالى إلاّ بحقها.

وقد يكون استجابة الجمهور أحياناً إلى الخطاب الشعاري والعاطفي أسرع من استجابتهم للخطاب العقلاني الرافض للعاطفة.. ولكن يبقى استخدام لغة العاطفة والشعار محضاً وحصراً في خطاب الجمهور، خيانة للجمهور مهما كانت استجابتهم لهذا الخطاب، واستخدام لغة العقل ومحكمات الدين في خطاب الجمهور هو الموقف الناصح الأمين من الجمهور، وإن واجهه الجمهور أحياناً بالرفض.

وعلى علماء المسلمين أن يتقوا الله في الخطاب، ولا يبتغوا مرضاة الناس في ذلك، فقد يكون في الناس من يستجيب للشعار والعاطفة، وقد يكون الخطاب العاطفي والشعاري أسرع قبولاً في وسط الجمهور.. ولكنّه على كل حال خيانة، يجب أن يحذرها العلماء الراشدون.

والجمهور الذي يتثقف من خلال الخطاب العقلائي أكثر ثباتاً وصلابة في الموقف، والجمهور الذي يتلقى الخطاب العاطفي الشعاري جمهور متقلّب في الرأي، لا يثبت على موقف ورأي، ومسؤولية هذه الحالة المتقلّبة على عهدة الخطاب العاطفي والشعاري الذي يتلقاه هذا الجمهور من حملة الخطاب الطائفي المتشنّج.

منطلقات الخطاب الديني

وكما يجب الاهتمام بلغة الخطاب في حياتنا الثقافية والسياسية المعاصرة، كذلك يجب الاهتمام بمنطلقات الخطاب الإسلامي... هناك خطابات سياسية وثقافية كثيرة معاصرة صادرة من (الولاءات) المنتحلة الوهمية، كالولاء للقوم، والوطن، والأحزاب، والعشيرة، وهي ولاءات منتحلة كاذبة في مقابل الولاء لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وللمؤمنين، وهو الولاء الراشد الصحيح الذي جاء به الوحي من عند الله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(6)...

وهذا هو الولاء الحق الذي جاء به رسول الله (ص) من عند الله، وهو الولاء الذي يوحّد صف المسلمين، ويجعل منهم أمة واحدة في صف مرصوص، مقابل أعداء هذه الأمة.

وللقضاء على هذا الولاء، بادر أعداء هذا الدين إلى طرح ولاءات أخرى، في مقابل الولاء لله، ولرسوله، ولأولياء الأمور، وللمؤمنين، كالولاء للقوم والوطن والعشيرة، وبذلوا أموالاً طائلة لتثبيت هذه الولاءات في ثقافة المسلمين المعاصرة، من خلال المدرسة، والصحافة، والإذاعة، والتلفاز، وإحياء المآثر الفرعونية والبابلية والكسروية والفينيقية.. إلى غير ذلك.

من خلال هذه الثقافات عملوا على زرع ولاءات وهمية، قومية، ووطنيه.. مقابل الولاء لله ولرسوله.

ونحن عندما نتحدث عن الخطاب السياسي الذي نلقيه إلى جمهورنا يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار منطلقات هذا الخطاب... هذا الخطاب يجب أن ينطلق عن الولاء لله ولرسوله في قوله تعالى:

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}(7).

وقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(8).

وقوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}(9).

وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(10).

وقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاء بَعْضٍ} (11).

وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ} (12).

وقوله تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (13).

وقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} (14).

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاء بَعْضٍ} (15).

أمّة واحدة، وطاعة واحدة، وولاء واحد.

إنّ لكل ولاء خطاب، وخطاب كل ولاء يختلف عن الخطاب الآخر، ونحن ولاؤنا لله ولرسوله ولأولياء الأمر وللمؤمنين وليس للوطن والقوم والعشيرة.. ولهذا الولاء خطاب يختلف عن خطاب الولاء للقوم والوطن.

ونحن لا نرفض الارتباط بالقوم والوطن إلاّ أن هذا الارتباط من الانتماء وليس من الولاء، والولاء يحكم الانتماء.. فقد حارب المسلمون صدر الإسلام أهلهم وآباءهم وإخوانهم من مكة في الله.

وخطابنا إلى جمهور أمتنا ـ في السراء والضراء ـ يجب أن ينطلق من هذا المصدر، وهو الخطاب الذي يجمع الشمل، ويزرع المحبة والمودة في القلوب، ويؤسس التفاهم والتعاون في الأفكار والأعمال.

الصدق والنصح في الخطاب

ويجب أن يكون الخطاب صادقاً ناصحاًً.. وفي خطابنا المذهبي الطائفي المعاصر الكثير من الكذب والافتراء.. ومن يقرأ بعض أدبيات الفتنة الطائفية المعاصرة، يجد نماذج كثيرة من هذا الافتراء والكذب، ومن أمثلة هذا الافتراء: الافتراء على الشيعة الإمامية بأنهم يقولون بتحريف القرآن، وهم ينفون عن أنفسهم هذه التهمة، ويصرّحون ويكتبون عن صيانة القرآن عن التحريف.

ولو أنك سبرت بلاد المسلمين في كل العالم لا تجد غير هذا القرآن قرآناً يتلوه الناس، ويتعبدون به في مشارق الأرض ومغاربها.

وكم يتبادل المسلمون من المذاهب المختلفة، الافتراءات فيما بينهم من غير هدى ولا بيّنة.

ولا يقتصر أمر هذه الافتراءات فيما بين الشيعة والسنة، وإنما يتم بين الشيعة أنفسهم، والسنة أنفسهم بما لا يقلّ عما يجري بين الشيعة والسنة...

وهذا الخطاب الطائفي الاستفزازي، ينقصه الصدق والنصح..

ينقصه الصدق، لأنّ علماء المسلمين من جميع المذاهب يكتبون ويعلنون ويصرّحون أن ليس لله على وجه الأرض كلها قرآن غير هذا القرآن، الذي يتلوه المسلمون صباحاً ومساءاً.

وينقصه النصح، لأنّ المسلم الذي يهمّه أمر وحدة المسلمين وانسجامهم، والذي يأمر الله تعالى به ورسوله لا ينال مذاهب المسلمين بهذا اللون القاسي من الجرح والتشهير والتسقيط، من دون تثبت علمي، بل مع إعلانهم البراءة عما ينسب إليهم من الافتراء.

الشجاعة والصراحة في الخطاب

إنّ مواجهة ظروف الفتنة الطائفية اليوم تستدعي شجاعة وصراحة في الخطاب وما لم يمتلك حَمَلَةُ الخطاب الإسلامي هذه الشجاعة والصراحة لا يتمكنون من مواجهة الفتنة الطائفية المعاصرة واستئصالها.

إنّ الحالة التكفيرية المعاصرة، واستباحة دماء المسلمين بغير الحق، عودة للحالة الخارجية التي ظهرت صدر الإسلام في حرب صفين والنهروان في أيام خلافة أمير المؤمنين (ع) ، وولادة جديدة لنفس الحالة.

وهذه الحالة آخذة بالتوسع والنفوذ إلى داخل الحركة الإسلامية المعاصرة.. ولابد أن يمتلك تجاه هذه الحالة، علماء المسلمين الجرأة، والشجاعة، والصراحة الكافية في بيان موقف الإسلام من هذه الجماعة، ومن هذه الحالة التي تُعدّ انزلاقاً خطيراً للحركة الإسلامية المعاصرة.

والتردد والتريث في مثل هذا البيان والخطاب، يؤدّي إلى استشراء هذه الحالة وتوسعها، وإلى حدوث انزلاقات خطيرة في الحركة الإسلامية المعاصرة بهذا الاتجاه.

وقد حرّم الإسلام دم المسلم وماله إذا كان يشهد بالتوحيد لله والنبوة لرسول الله قولاً واحداً بين فقهاء المسلمين.

روى مسلم في الصحيح في فضائل علي (ع) : عندما دعا رسول الله (ص) علياً في فتح خيبر فأعطاه الراية وقال له: «امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، قال: فسار علي (ع) شيئاً ثم وقف ولم يلتفت فصرخ:

يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس؟

قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم»(16).

وفي الصحيحين بالإسناد إلى مقداد بن عمرو: أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار، فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، فأقتلْه يا رسول الله بعد أن قالها، فقال رسول الله (ص) : «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال»(17).

و أخرج البخاري في بعث علي (ع) وخالد إلى اليمن: أنّ رجلاً قام، فقال: يارسول الله: اتق الله، فقال (ص) : «ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله»، فقال خالد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه، فقال (ص) : «لا، لعله أن يكون يصلي»(18).

وعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: «قال رسول الله (ص) : اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد حرم عليّ دماءهم وأموالهم»(19).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) :

«اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها وحسابهم على الله»(20).

وعن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: «الإسلام يُحقن به الدم»(21).

وعنه (ع) أنه قال: «شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله (ص) ، به حُقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث»(22).

وعن رسول الله (ص) أنه قال: «من وحّد الله وكف بما يعبد من دونه حَرُم ماله ودمه وحسابه على الله»(23).

وعن أبي عبد الله الصادق (ع) أيضاً عن رسول الله (ص) أنه قال: «أيها الناس إنّي أمرت أن أقاتلكم حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله، فإذا فعلتم ذلك حقنتم بها أموالكم ودماءكم إلاّ بحقّها وكان حسابكم على الله»(24).

وروي الدارمي عن رسول الله (ص) أنه قال: «إنّي أمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها حرمت عليّ دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقّها، وحسابهم على الله»(25).

عن أبي سعيد الخدري قال: وجد قتيل على عهد رسول الله (ص) ، فخرج مغضباً حتى رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «يقتل رجل من المسلمين لا يُدرى من قتله، والذي نفسي بيده لو أنّ أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مؤمن أو رضوا به لأدخلهم الله في النار»(26).

وروى مسلم في (الصحيح) روايتين عن رسول الله (ص) نعرف منهما عظيم حرمة «لا إله إلا الله» وحرمة القائل بها، ولو كان القائل بها قد تظاهر بها ليحمي نفسه من القتل، وأنّ هذه الكلمة تعطي قائلها وحاملها من الحرمة ما لا يجوز لأحد انتهاكها إلاّ بحقه.

روى مسلم أنّ رسول الله (ص) بعث بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإنّ رجلاً من المسلمين قصد غفلته، قال: وكنا نحدّث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلاّ الله فقتله، فجاء البشير إلى النبي (ص) ، فسأله فأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله قال: >لِمَ قتلته؟ قال: يا رسول الله اوجع في المسلمين، وقتل فلاناً وفلاناً وسمّى له نفراً، وإنّي حملت عليه فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله، قال رسول الله (ص) :أقتلته؟ قال: نعم، قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة، قال:يا رسول الله استغفر لي، قال: وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة، قال: فجعل لا يزيد على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة»(27).

وروى مسلم أيضاً عن أسامة بن زيد أنه قال:

«بعثنا رسول الله (ص) في سرية فصبحنا الحرقات(28) من جهينة فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي (ص) فقال رسول الله (ص) : أقال لا إله إلاّ الله وقتلته! قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فمازال يكررها عليَّ حتى تمنّيت أني أسلمت يومئذ»(29).

ورغم أنّ القتيل كان مقاتلاً يقاتل المسلمين في صفوف الكافرين حتى اللحظة الأخيرة، ونطق بكلمة التوحيد في اللحظة الأخيرة عندما وجد السيف على رأسه، وواضح من كل القرائن أنّ الرجل شهد بـ لا إله إلاّ الله خوفاً من القتل، وليس عن إيمان، كما قال أسامة بن زيد.. إلاّ أنّ رسول الله (ص) غضب غضباً واضحاً، وأنكر على أسامة بشدة وقوة، وكرّر إنكاره على أسامة حتى تمنى أسامة أن يكون قد أسلم في ذلك اليوم، حتى يكون الإسلام قد جبَّ من ذنوبه ما سبق.

خطبة رسول الله (ص) بمنى

وهذه الخطبة ألقاها رسول الله (ص) في جموع المسلمين الغفيرة بيوم النحر بمنى، وقد روى هذه الخطبة ثقاة المحدثين بألفاظ متقاربة، ونحن ننقل الخطبة برواية الإمام أبي عبد الله الصادق (ع) ، ويغنينا اشتهار روايتها بين حفاظ الحديث النبوي عن ذكر مصادرها: عن زيد الشحّام عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: «إنّ رسول الله (ص) وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجة الوداع فقال: أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم، واعقلوه عني، فإني لا أدرى لعليّ لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا، ثم قال: أيُّ يوم أعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم، قال: فأيّ شهر أعظم حرمة؟ قالوا هذا الشهر، قال: فأيّ بلد أعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد، قال: فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم، قال: اللّهم اشهد، ألا من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لايحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسكم، ولا ترجعوا بعدي كفّاراً»(30).

 

ثانياً: الجماعة، واللقاء، والحوار

هذه ثلاثة عناوين يحبها الله تعالى، وهي أساس التقريب والتفاهم وجمع الشمل وهي:

(الجماعة) و(الاجتماع واللقاء) و(الحوار والتفاهم).

وهذه الثلاثة هي الأداة المفضلة في دين الله لمكافحة الفتن الطائفية، وإزالة التقاطعات، والوصول إلى الانسجام والتفاهم والتعاون.

وسوف نشرح هذه الثلاثة، ونقف وقفات قصيرة عند كل واحد منها:

الجماعة (الأمّة)

نقصد بالجماعة: الأمّة الإسلامية الواحدة، وتتميز هذه الأمّة من سائر الأمم في العقيدة والشريعة والرسالة، ورسالتها التعاون والتضامن الاجتماعي، علي أداء هذه الرسالة، والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}(31).

{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(32).

{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}(33).

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاء بَعْضٍ يَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(34).

هؤلاء، جماعة هذه الأمة، يحملون هماً واحداً، ومسؤولية واحدة، هي الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم أسرة واحدة، متعاونة ومتفاهمة ومتعاطفة {بَعْضُهُمْ أوْلِيَاء بَعْضٍ}، وهم يؤمنون جميعاً بالله ورسوله، ويطيعون الله ورسوله؛ فإنّ الدعوة إلى الله ورسوله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لايكون إلاّ مع الإيمان بالله ورسوله، وطاعة الله ورسوله.

إذن هذه الجماعة تحمل ثلاث خصال:

1 ـ الإيمان بالله ورسوله، وطاعة الله ورسوله.

2 ـ الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة..

3 ـ التفاهم والتعاون والتعاضد والتواصي بالحق والصبر فيما بينهم.

{إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(35).

وعليه فإنّ مفهوم (الجماعة) بهذا التوضيح يلتقي مفهوم (الأمة)، ويتحد معه.

وهذه الأمة أمة واحدة، وليست أمماً شتى، لا ريب في ذلك.

{إِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(36).

{وَإِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}(37).

وهذه الأمة بعرضها العريض أمّة واحدة، لها عقيدة واحدة، وشريعة واحدة، ومنهاجاً واحداً، ودعوة واحدة، وسبيل واحد، ورسالة واحدة، يؤدّونها مجتمعين.

وهذه الوحدة والاجتماع في الأداء، وتحمّل المسؤولية، والوحدة في العقيدة والشريعة والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي التي تجعل من هذه الأمة جماعة واحدة.

وقد ورد التأكيد على هذا الاجتماع، والوحدة في الأداء، والوحدة في الموقف والعمل في آيات عديدة من القرآن.

منها قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا} فإنّ الآية الكريمة تحمل معنيين:

الاعتصام بحبل الله، وهذا هو المعنى الأول، وأن يكون هذا الاعتصام من قبل الجميع (جميعاً) وهذا هو المعنى الثاني.

ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً}(38).

والآية الكريمة كذلك تحمل معنيين:

1 ـ الدخول في السلم.

2 ـ وأن يكون هذا الدخول من قبل الجميع، (كافة).

وقد ورد التأكيد في أحاديث كثيرة متضافرة على لزوم الجماعة، منها ما رواه الفريقان عن رسول الله (ص) في الخطبة التي خطبها في مسجد (الخيف) بمنى عام حجة الوداع، وإليك هذا الخطاب النبوي الشريف: «نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، وبلغها من لم تبلغه، فربّ حامل فقه ليس بفقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لائمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون أخوة تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواه، يسعى بذمتهم أدناهم»(39).

وهذا خطاب شريف يتضمن ثلاث دعوات، وأية دعوات؟

1 ـ الإخلاص في العلاقة بالله.

2 ـ والنصيحة في العلاقة بأئمة المسلمين وأولياء الأمر (ع) .

3 ـ واللزوم لجماعة المسلمين في العلاقة بالأُمة.

وسلامة الفرد والمجتمع بسلامة هذه العلاقات الثلاثة:

1 ـ العلاقة بالله.

2 ـ والعلاقة بأئمة المسلمين.

3 ـ والعلاقة بجماعة المسلمين.

فإذا سلمت علاقة الفرد بهذه المحاور الثلاثة، يسلم الفرد، وتسلم الأمة.

اللقاء والاجتماع

ورد في النصوص الإسلامية التأکيد علي اللقاء والاجتماع والنهي عن الاختلاف والتفريق والتقاطع داخل الجماعة المسلمة، والنهي عن الخروج عن جماعة هذه الأمة والشذوذ عنها.

عن رسول الله (ص) : «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة»(40).

وعنه (ص) : «اثنان خير من واحد وثلاثة خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة. فعليكم بالجماعة، فإنّ يد الله مع الجماعة، ولم يجمع الله أمتي إلاّ على هدى، واعلموا أنّ كل شيطان (البعيد من الحق) هوى في النار»(41).

وعنه أيضا (ص) : «لا يجمع الله أمر أمتي على ضلالة أبداً، اتبعوا السواد الأعظم، من شذّ في النار»(42).

وعن أمير المؤمنين (ع) : «ألزموا السواد الأعظم، فإنّ يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة، فإنّ الشاذ من الناس للشيطان، كما أنّ الشاذ من الغنم للذئب، فلا تكونوا أنصاف الفتن، وأعلام البدع، وألزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، وبنيت عليه أركان الطاعة»(43).

وعن الإمام الصادق (ع) انه قال: «إنّ قوماً جلسوا عن حضور الجماعة، فهمّ رسول الله (ص) أن يشعل النار في دورهم حتى خرجوا وحضروا الجماعة مع المسلمين»(44).

وقد جعل الله تعالى في لقاء المؤمنين رحمة وبركة وخيراً كثيراً، وجعل اللقاء والحوار من منازل رحمته وبركاته...

كما أنّ الشيطان يجعل من التباعد سبباً للنفور والقطيعة والخلاف.

واللقاء لا يتمّ من غير حوار عادة، فهما متلازمان من ناحية اللقاء، وقد رأينا بركات كثيرة في اللقاءات الأخيرة المعاصرة التي تمت في إيران بعد قيام نظام الجمهورية الإسلامية... بين المذاهب الإسلامية فقد كانت هذه اللقاءات مصدر خير كثير في حياة هذه الأمة، تعارف خلالها بعضهم على بعض، وتحاببوا، ووجدوا فرصاً واسعة للتفاهم والتعاون، لم يكونوا يعرفوها من قبل... في هذه اللقاءات إرتفع كثير من اللبس والغموض الذي كان ينظر من خلاله بعضهم إلى بعض من قبل، واكتشفوا مساحات مشتركة واسعة جداً في الفكر والثقافة والمعرفة، كانوا يعدونها من قبل مما ينفرد بها بعضهم عن بعض.

(الجماعة) و(الجمعة)

إنّ اجتماع المؤمنين واللقاء بينهم أمر يحبّه الله تعالى، وما يحبّه الله يجعل فيه البركة والخير، ويجعله من منازل رحمته.

وهذا اللقاء، وما يستتبعه من الحوار يدخل في صلب التشريع.. فقد شرَّع الله في هذا الدين للمسلمين (الجماعة) و(الجمعة) و(الحج)..

ويدخل في (الجمعة) صلاة العيدين الفطر والأضحى.

وهذه الثلاثة (الجماعة، والجمعة، والحج) تجمعات إسلامية ثلاثة تجمع المسلمين من مختلف الأقاليم والقوميات والمذاهب والاتجاهات والاجتهادات.. ولاشكّ أنّ الحالة العبادية والذكر في الصلاة والحج جزء لا يتجزأ من هذه الثلاثة... إلاّ أن حالة اللقاء والاجتماع أمر مقصود في هذه التشريعات الثلاثة من دون شك.

ورغم أن الإنسان يُقبل على صلاته في الخلوات أكثر من الإقبال عليها في الاجتماعات... مع ذلك كله يفضّل الإسلام إقامة الفرائض اليومية جماعة على الصلاة بالانفراد، وذلك نظراً لأهمية التقاء المؤمنين وتواجدهم في ساحة واحدة.

وقد بلغ من اهتمام الإسلام بالجماعة أنّ رسول الله (ص) هدد أقواماً كانوا مقاطعين لصلاة الجماعة في المدينة بأن يحرق بيوتهم، كما في الرواية.

روى الشيخ الطوسي في التهذيب عن الصادق (ع) : أنّ أناساً كانوا على عهد رسول الله (ص) ابطئوا عن الصلاة في المسجد، فقال رسول الله (ص) : «ليوشك قوم يدعون للصلاة (يَدَعون الصلاة ظ) في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم النار فنحرق عليهم بيوتهم»(45).

وكذلك الاهتمام بأمر (الجمعة) في الإسلام وتحشيد المؤمنين من كل منطقة في جامع عام لإقامة الجمعة، وقد روي عن الإمام الباقر (ع) : «صلاة الجمعة فريضة، والاجتماع إليها فريضة مع الإمام، فإنّ ترك رجل من غير علة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض، ولا يدع ثلاث فرائض، من غير علة إلاّ منافق»(46).

واجتماع الحج هو الاجتماع الأوسع للأمة كلها، تجتمع في موعد واحد ومكان واحد، لإقامة هذه الفريضة، وهو أوسع اجتماع يعرفه الناس على وجه الأرض.. يقيمه المسلمون في كل عام تلبية لأذان أبيهم أبي الأنبياء إبراهيم (ع) {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}(47).

الجماعة والجمعة تجمعان كل الشرائح والمذاهب

وقد حرص الإسلام أن يحضر المسلون بكل مذاهبهم واتجاهاتهم هذه الاجتماعات الثلاثة لأداء الفريضة اليومية وصلاة الجمعة وفريضة الحج مجتمعين.

وكان أئمة أهل البيت (ع) يؤكدون لشيعتهم حضور الجماعات والجمعات لأهل السنة.

عن الإمام الصادق (ع) : «من صلّى خلفهم كان كمن صلّى خلف رسول الله (ص) ».

وفي حديث آخر عنه (ع) : «إذا صليت معهم غُفِرَ بعدد من خالفك في قراء البسملة وحضر الصلاة في المسجد».

وذلك أنّ الأحناف من أهل السنّة يلغون البسملة في القراءة، على خلاف مذهب أهل البيت (ع) في اعتبار البسملة جزءاً من كل سورة، إلاّ سورة التوبة.

ويشكو أحد الرواة إلى الإمام الصادق (ع) حاله في حضور صلوات جماعة أهل السنّة يقول: إنّ لنا إماماً مخالفاً، وهو يبغض أصحابنا كلهم، فقال (ع) : «ما عليك من قوله، والله لئن كنت صادقاً لأنت أحق بالمسجد منه، فكن أنت أول داخل وآخر خارج، وأحسن خلقك مع الناس، وقل خيراً».

ويقول الإمام الصادق لإسحاق بن عمار: «يا إسحاق أتصلي معهم في المسجد؟ قال: قلت نعم، قال: صلّ معهم فإنّ المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله».

* * *

إنّ من الضروري تعبئة الجماعات والجمعات بحضور الشرائح الإسلامية المختلفة من كل المذاهب والطوائف الإسلامية، وكسر الحواجز الطائفية والمذهبية فيهما.

ومن الضروري أن يكون خطاب أئمة الجمعات والجماعات، خطاباً تقريبياً، وحدوياً، توحيدياً، يكسب كل الفرق والطوائف الإسلامية، ولا يفرّقهم ولايُنَفِّرُهم.

ومن الضروري تعبئة الحج بالحوار الهادف الموجّه بين المسلمين في شؤونهم السياسية والثقافية والاقتصادية.

 

مساحات اللقاء والحوار

أهم مساحات اللقاء والحوار، هي المساحة الثقافية، والمعرفية، والمساحة السياسية، والمساحة الاقتصادية، والاختلاط العائلي بالتزاوج والمصاهرة.

المساحة الثقافية والمعرفيّة

اللقاء، والحوار الموجّه في شؤون الثقافة والمعرفة، يؤدي إلى تقريب وجهات النظر من المذاهب الإسلامية في شؤون المعرفة والعلم، كالفقه واُصول الفقه والكلام والتفسير.

ويؤدي إلى اكتشاف مساحات مشتركة بين المذاهب الإسلامية في مختلف أبواب المعرفة، ويتبين لهم أنّ الخلاف في ما بين المذاهب الإسلامية في هذه المسائل لم يكن إلاّ خلافاً لفظياً، وهم متفقون على جوهر هذه المسائل.

كما يؤدي إلى التكامل والتلاقح العملي لدى الجميع.

وقد كانت هذه الطريقة مألوفة لدى العلماء، وطلبة العلوم من المذاهب الإسلامية المختلفة، في التردد على المدارس، والحوزات العلمية المختلفة لتلقي العلم، رغم اختلاف المذاهب.. وكان لهذا الترافد العلمي والثقافي أثر كبير في إثراء المعرفة والثقافة الإسلامية، وتكامل العلوم والمعارف لدى المسلمين.

المساحة السياسية

المساحة السياسية مساحة واسعة... وهذه المساحة اليوم أصبحت مساحة لهواة السياسة، والإنتهازيين، واللاعبين الدوليين في السياسة، وأنّ للسياسة لاعبين، يلعبون في هذه المساحة كما يلعب اللاعبون من هواة الشعبذة والمسرح.. ويقيسون العمل السياسي ويفهمونه ويقيّمونه بنفس المقاييس التي يفهم فيها الناس العاب التمثيل السينمائي.. يكذبون ويُكَذّبون حتى يصدقهم الناس، ويستخدمون بيوت أموال المسلمين بسخاء لكسب آراء الناس، ويبطلون الحقائق، ويحققون الزيف والكذب والباطل، بأدوات الكذب والتضليل والتغرير.

وللأسف أنّ المساحة السياسية في العالم اليوم تحكمها هذه العصابات، إلاّ ما ندر وشذّ، ولا نطيل في هذا الحديث، وسوف يطول موقفنا بين يدي الله تعالى يوم السؤال الأكبر والمحاسبة الكبرى {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}(48) تجاه هذه القضية.

فقد عرف الناس الظالمين، وسكتوا عنهم، وجاوروهم وتعاونهم معهم، ولم يحرّكوا ساكناً، ولم يزعجوهم بموقف أو كلمة، وتركوهم يمرحون ويلعبون بمصالح هذه الأمة وقضاياها الكبرى، وينهبون ثرواتها، ويمكّنون أنظمة الاستكبار العالمي من بلاد المسلمين، إلاّ القليل النادر، الذين نهضوا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجابهوهم بكلمة الحق، وكسروا كبريائهم وأذلوا غرورهم.. وهؤلاء قلة في هذه الأمة، ولكنّها قلة مباركة.

والسبيل الوحيد إلى طرد هذه العصابات السياسية الانتهازيّة من الساحة الإسلامية السياسية هو حضور جمهور المسلمين في هذه الساحة، حضوراً مُوحّداً بالإيمان والوعي والعطاء.

إنّ حضور الجمهور في الساحة يغيّب هذه العصابات، ويسلب منهم الأضواء التي يتألّقون بها، وتكشفهم وتعرّيهم.

وهذا الحضور عبادة، بمستوي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنّه يطرد حملة المنكر من الساحة، ويفتح المجال للمعروف والعاملين به.

وهذا الحضور عبادة، كما أنّ الصلاة والصيام عبادة، وهو من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

شريطة أن يكون هذا الحضور عن وعي وبصيرة، وليس حضوراً غوغائياً انفعالياً، وبشرط أن يحمل هذا الحضور خصلة المقاومة والعطاء، وليس حضوراً واهياً ضعيفاً انفعاليّاً، تفرّقه طلقات من الرصاص والغازات المسيلة للدموع.

وبشرط أن يكون هذا الحضور حضوراً وحدوياً، تتجسّد فيه وحدة الصف.

ويتم الحوار فيه على أساس مصلحة الإسلام الكبرى، ويتعامل الجمهور في هذه الساحة من منطلق (الأمة الواحدة)، ويتفقون فيها على موقف واحد ورأى واحد.

إنّ مثل هذا الحضور واللقاء والحوار عندما يعمّ الساحة الإسلامية، وينتشر في العواصم والحواضر والمراكز الإسلامية، يكون له دور كبير في توجيه قضايانا السياسية... ولست أريد أن أشُطَّ في الخيال وأقول: إنّ حضور الناس في المساحة سوف يؤدي إلى تغيير شامل لأوضاعنا السياسية الفاسدة في العالم الإسلامي، ولكنني أقول إنّ هذا الحضور الواحد الشامل سوف يُعدّل كثيراً من قرارات الأنظمة السياسية الكبرى، مثل قرار (التطبيع)، وتبادل السلام بالأرض في فلسطين، والموقف من الإحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان والموقف من المسألة النووية الإيرانية، والموقف السلبي الذي اتخذته الأنظمة العربية من (حماس) في خلافها مع (منظمة التحرير الفلسطينية)، تبعاً للموقف الأميركي ـ الأوربي ـ الإسرائيلي، والموقف من التأييد الأمريكي لإسرائيل والرفض الأمريكي للمقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين (حزب الله وحماس والجهاد)، وضرورة التفكيك بين (المقاومة) و(الإرهاب)، واحترام الأول وتبنّيه، ونبذ الثاني ورفضه...

إنّ مثل هذا اللقاء والحوار في الساحة الإسلامية العريضة من أهم ضرورات المرحلة، شريطة أن نحصّن هذا اللقاء والحوار من نفوذ الأنظمة واختراقاتها، فإنّ الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي، تملك من وسائل إختراق الساحة ما يهدّد وحدة الساحة ووعيها، ويؤدي إلى تفريقها وتضليلها، وقد شاهدنا في حياتنا السياسية المعاصرة نماذج كثيرة من هذا الاختراق والتضليل والتجهيل والتفريق.

شروط اللقاء والحوار

ولكي يكون هذا اللقاء والحوار نافعين يجب أن يتوفر فيهما الشروط التالية:

1 ـ تقديم مصلحة الإسلام العليا..

فقد تتدافع الأطراف الإسلامية فيما بينها، ولا يصلون إلى قناعة مشتركة، عند ذلك يجب عليهم أن يقدّموا المصلحة الإسلامية العليا على كل مصلحة.. وقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قدوة لكل المسلمين في ذلك.. يقول (ع) فيما جرى عليه من بعد رسول الله (ص) في تقديم الآخرين عليه في أمر الولاية والخلافة، وتنحيته عن حقّه في هذا الأمر: «فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي أن العرب تُزعج هذا الأمر من بعده (ص) عن أهل بيته، ولا أنهم مُنَحُّوهُ عني من بعده، فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي (عن البيعة)، حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يَدْعُون إلى محق دين محمد (ص) ، فخشيت إنْ لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة بها عليّ أعظم من فوت ولايتكم»(49).

2 ـ حسن الظن في التعامل والحوار

إنّ سوء الظن إذا استولى على الناس في علاقة بعضهم ببعض أفسد اللقاء، وكانت نتائج اللقاء سلبية.. وإنّ سوء الظن آفة كل لقاء وحوار وعمل مشترك... وقد نهانا الله تعالى عن سوء الظن في دائرة العلاقات التي تربط المسلمين بعضهم ببعض: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}(50).

إنّ تعاطي سوء الظن في العلاقة يفسد العلاقة ويلغيها.

3 ـ العقلائية في اللقاء والحوار:

عندما نكون في منعطف تاريخي حساس، كالمنعطف الذي تعيشه الأُمّة الإسلامية اليوم.

وعندما تكون الأمة الإسلامية ناهضة، وتخوض صراعاً مريراً في مواجهة الأنظمة المرتبطة بعجلة الاستكبار العالمي وأنظمة الاستكبار العالمي التي تقف خلف هذه الأنظمة.

وعندما تُحشّد أنظمة الاستكبار العالمي كل إمكاناتها لمواجهة التيار الإسلامي العظيم، الذي يعمّ كل العالم الإسلامي، وكان الموقف بيننا وبين الاستكبار العالمي موقفاً تاريخياً مصيرياً فاصلاً...

أقول عند ذلك فإنّ من أفدح الأخطاء في ظروف صعبة وعسيرة مثل هذه الظروف، أن تغلب العاطفة والانفعال والشعار على مواقفنا السياسية، ولقاءاتنا، وخطابنا لجماهيرنا، وحواراتنا المتبادلة داخل البيت الإسلامي الكبير.

إنّ لغة العاطفة والانفعال والشعار، كما هو نافع في إثارة الهمم وإنهاض الجمهور، يُمكنُ أن يتحول في بعض الحالات إلى ألغام سريعة الانفجار تُحَوّل الساحة إلى ساحات للسجال والجدال العقيم الضار.

ونتمنى، لو أنّ طرفاً أو جهة أو شخصاً أراد أن يستخدم هذه اللغة في إثارة التشنج في صفوف المسلمين، ويعكر صفو العلاقات الإسلامية داخل الصف الإسلامي... من أيّ مذهب، وأيّة طائفة، نتمنى أن يواجهه الآخرون بالعقلانية الإسلامية، والدعوة إلى ما يأمرنا الله تعالى به من الاعتصام بحبل الله {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ} والنهي عن التفرقة {وَلاَ تَفَرَّقُواْ}.

4 ـ الوعي السياسي

إنّ الحالة السياسية والإعلامية في العالم، والعلاقات السياسية والاقتصادية بين أنظمة الاستكبار العالمي، والأنظمة التابعة لها في العالم الإسلامي، والعلاقة بين السياسة والإعلام... حالات معقدة شديدة التعقيد، ويدخل في تكوينها عوامل غير مرئية كثيرة، وما يظهر على السطح من التصريحات والعلاقات لا يعبّر عن كل شيء...

أذكر في المصالحة التي تمت بين نظام عربي وإسرائيل بالوساطة الأمريكية... فتصافح زعيمان من الطرفين أمام أضواء الكاميرات في حضور الرئيس الأمريكي فاجأ الرئيس الأمريكي المسؤول العربي بالسؤال التالي:

منذ كم كانت لكم علاقة وارتباط ولقاءات مع المسؤولين في إسرائيل؟

فقال المسؤول العربي الكبير مأخوذاً بهذه المفاجأة ممتعضاً من هذا الإحراج: منذ عشرين عاماً.

إنّ هذا السؤال والجواب يكشف عن الاحتقار الأمريكي لجملة من زعماء الأنظمة العربية الذين تحميهم أمريكا نفسها، ويحمون مصالحها، كما تكشف عن عمق الفساد السياسي في طائفة من الأنظمة العربية.

منذ عشرين عاماً يتعامل مع إسرائيل، ويتعاطى معها، ويلتقي بقادتها في لندن وواشنطن.. ولا يعرف الناس على سطح الإعلام السياسي عنه إلاّ لغة الشجب والتهديد لإسرائيل..!!

إنّ هذه الأنظمة السياسية، بين الواقع والتصريحات التي يقدمونها للإعلام، تشبه الكتل الثلجية العائمة على مياه البحار، تسعة أعشار منها غاطسة في الماء لا تُرى، وعُشْرٌ منها فقط تظهر على سطح الماء...

إنّ هذه الأنظمة بين واقعها الغاطس في مستنقع العلاقة بأنظمة الاستكبار العالمي، والشطر الظاهر المسموع والمرئي منها في الإعلام، تشبه هذه الكتل الثلجية.. ومن أفدح الخطأ أن نتعامل مع هذه الأنظمة من خلال الإعلام المرئي والمسموع، ومن خلال الخطب والتصريحات السياسية التي يطلقوها بين حين وآخر.

إنّ لقاءاتنا السياسية، وخطابنا السياسي، يجب أن يمتلك خلفية غنية من الوعي السياسي، والإحاطة بالظروف السياسية المعقدة، والمعرفة بالخلفيات السياسية التي تقع خلف المواقف والقرارات والتصريحات السياسية.

ومن دون هذا الوعي السياسي سوف يقع جمهورنا وساحتنا في تخبّط سياسي واسع... ونحن قد تحدثنا عن ضرورة الوعي السياسي وأهميته الكبيرة في هذه المرحلة... وعلى علماء المسلمين، وخطبائهم، ومثقفيهم، والحركات الإسلامية، إشاعة الوعي السياسي ونشره، في الأوساط الإسلامية الشعبية.

5 ـ الحوار بالتي هي أحسن

قد ينقلب الحوار إلى جدال عقيم، بل ينقلب إلى عائق يعيق حركة الأمة، وحجاب يحجب المسلمين بعضهم عن بعض، وقد يكون الحوار جسراً للتفاهم والتعاون والتلاقي في المساحات المشتركة السياسية والثقافية والاقتصادية لهذه الأمة، وذلك عندما يكون الحوار بالأسلوب الذي علّمنا الله تعالى بـ (التي هي أحسن، وأقوم للعلاقة الحسنة والتفاهم بين المسلمين)، يقول تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(51).

ويقول تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ}(52).

ولا سبيل لدفع (نزغ الشيطان) في العلاقة بين أطراف هذه الأمة إلاّ أن يخاطب بعضنا بعضاً بأحسن ما نستطيع عليه من القول.

6 ـ تحصين اللقاء والحوار:

إنّ علينا أن نحصّن هذه اللقاءات والحوارات الإسلامية من نفوذ الأنظمة التي تقع تحت سلطان أنظمة الاستكبار العالمي واختراقها، فإنّ هذه الأنظمة تملك من وسائل الإعلام والاستخبار ما يمكّنها من اختراق هذه اللقاءات والحوارات، وإحباطها وإفسادها... ولكي نتمكن من تفعيل هذه اللقاءات واستثمارها يجب علينا أن نحصّن هذه اللقاءات من نفوذ هذه الأنظمة واختراقاتها.

أحاديث أهل البيت (ع) في ضرورة اللقاء والحوار

كان أهل البيت (ع) يوجهون شيعتهم واتباعهم دائماً إلى اللقاء والاجتماع بأهل السنة، والحضور معهم في جوامعهم، واجتماعاتهم، ومجالسهم، وندواتهم، وينهونهم عن الابتعاد عنهم، ويؤكدون لهم بضرورة التواجد في الساحة الإسلامية العامة، وحضور الجمعات والجماعات، وتوحيد المواقف في الحج، ولم يردنا ـ ولا حديث واحد ـ عن انفراد أئمة أهل البيت (ع) في موقف من مواقف الحج عن الموقف العام الذي كان يحدده الحكام في تلك البرهة، لعامة المسلمين.

وقد تصدى بعض المنحرفين عن أهل البيت (ع) للدسّ في أحاديثهم (ع) لعزلهم وعزل شيعتهم عن الوسط الإسلامي الكبير.. وكانت هذه الأحاديث على أنحاء، منها أحاديث الغلوّ، ومنها أحاديث التحريف، ومنها أحاديث فيها تخليط في الفقه، ومنها أحاديث فيها انتقاص وتسقيط لأهل البيت (ع) ، ومنها أحاديث في الطعن واللعن على خصومهم.

وكانوا يعملون لإشاعة هذه الأحاديث عنهم (ع) ، وقد روي عن الإمام الصادق (ع) في هذا المعنى: «إنا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذّاب يكذب علينا، فيسقط صدق كلامنا بكذبه»(53).

وعنه (ع) أيضاً: «إنّ المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتقوا الله، ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبيّنا»(54).

وروي عن يونس عن أبي الحسن الرضا (ع) ، قال: «إنّ أبا الخطاب كذّب على علي بن أبي طالب (ع) ، لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب، يدسّون من هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله (ع) فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن»(55).

وعن أبي الحسن الرضا (ع) في حديث إلى ابن أبي محمود: «يابن أبي محمود، إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا، جعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلوّ، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا»(56).

وقد كان أئمة أهل البيت (ع) يعملون لكسر هذا الطوق عنهم وعن شيعتهم بتكذيب هذه الأحاديث، وفضح الوضّاعين الذين كانوا يضعون عليهم من الحديث ما لم يتحدثوا به والتأكيد على رفض كل حديث يروى عنهم يخالف القرآن.

فكانوا يقولون: «فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبينا»، «فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن»(57).

وكانوا يطلبون من فقهاء شيعتهم، ورواة أحاديثهم، أن يتحرّوا الأحاديث الصادقة المروية عنهم (ع) ويحذروا ما وضعه النواصب، والمنحرفون عنهم، عليهم من الأحاديث المنتحلة، وكانوا يضعون لهم الأصول والقواعد العلاجية لمعرفة الأحاديث الصادقة من الأحاديث المتعارضة، والأحاديث الضعيفة، وكانوا يَدْعُون شيعتهم للتعايش مع سائر الطوائف الإسلامية، والانفتاح عليهم، والتعاطي العلمي والثقافي معهم وحضور اجتماعاتهم وصلواتهم.

وكانوا لا يرضون لشيعتهم أن يعتزلوا الوسط الإسلامي العام، فهم جزء من هذه الأمة الكبيرة، واختلافهم عن أهل السنة في بعض الفروع والأصول، ومقاطعتهم للحكام الظلمة الذين كانوا يحكمون المسلمين في العصر الأموي والعباسي لم يكن يحمل معنى الاعتزال عن الساحة والانقطاع عنها.

وقد كان أئمة أهل البيت (ع) يعيشون معهم وفي أوساطهم، ويجتمع إليهم المسلمون من كافة المذاهب والاتجاهات، ويحضرون مجالسهم، ويأخذون منهم العلم، ولو أحصينا أهل العلم الذين أخذوا العلم عن الإمامين الباقر والصادق (ص) ، لوجدناهم اُمة كبيرة من أهل العلم، وكانت مجالسهم ومحاضرهم عامرة بفقهاء المسلمين، وحملة الحديث النبوي، وأهل العلم من كل اتجاه ومن كل بلد... وهذه الحالة يعرفها جيداً من يعرف حديث أئمة أهل البيت (ع) وسيرتهم، وهي تعبّر عن حالة الانفتاح والتعايش المذهبي الإيجابي السليم لكل الاتجاهات والمذاهب الإسلامية. في الوقت الذي كان أهل البيت (ع) يرسمون ويوضحون لشيعتهم وللمسلمين عامة الخط الفكري الصحيح في الاُصول والفروع بوضوح وصراحة وبشكل دقيق.

وفي أحاديث أهل البيت (ع) دعوة واضحة وصريحة إلى هذا الانفتاح مع المسلمين والتعايش الإيجابي، والتواصل، والتعاطف، والتعاون معهم، وإليك نماذج من أحاديث أهل البيت (ع) في هذا الشأن:

روى محمد بن يعقوب الكليني بسند صحيح في الكافي عن أبي اُسامة زيد الشحّام قال: قال أبو عبد الله (ع) : «أقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم، ويأخذ بقولي السلام، أوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد( (ص) ). وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برّاً أو فاجراً، وأنّ رسول الله( (ص) ) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط.

صِلُوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث وأدّى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفري، فَيسُرّني ذلك ويدخل عليّ منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر، والله لحدثني أبي (ع) إنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ فيكون زينها، أدّاهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، واليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول: من مثل فلان أنّه أدّانا للأمانة، وأصدقنا للحديث»(58).

وأيضاً بسند صحيح عن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (ع) : كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا، وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟ قال: فقال (ع) «تؤدون الأمانة إليهم وتقيمون الشهادة لهم وعليهم، وتعودون مرضاهم، وتشهدون جنائزهم»(59).

وأيضاً بسند صحيح عن معاوية بن وهب قال: قلت له (الصادق (ع) ): كيف ينبغي أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ومن ليسوا على أمرنا فقال: «تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فوالله إنهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة لهم»(60).

وفي رواية اُخرى للكليني في الكافي بسند صحيح عن حبيب الحنفي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (ع) يقول: «عليكم بالورع والاجتهاد، وأشهدوا الجنائز، وعودوا المرضى، وأحضروا مع قومكم مساجدهم، وأحبّوا للناس ما تحبون لأنفسكم، أما يستحي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حقّ جاره»(61).

وبسند صحيح عن مرازم قال: قال أبو عبد الله الصادق (ع) : «عليكم بالصلاة في المساجد، وحسن الجوار للناس، وإقامة الشهادة، وحضور الجنائز، إنه لابدّ لكم من الناس، أنّ أحداً لا يستغني عن الناس في حياته، والناس لابدّ لبعضهم من بعض»(62).

 

ثالثاً ـ الأعمال والمشاريع المشتركة

قرأنا فيما سبق أنّ النقاط الثلاثة التالية من أفضل المناهج لمكافحة الفتنة الطائفية.. وهذه الثلاثة هي:

1 ـ الوعي والخطاب.

2 ـ اللقاء والحوار.

3 ـ العمل المشترك.

وقد تحدثنا فيما مضى عن النقطة الأولى والثانية، وها نحن نتحدث إن شاء الله عن النقطة الثالثة، وهي العمل المشترك، سواءً كان العمل في المجال العملي والثقافي أم في مساحة العمل السياسي، أم في المساحة الاقتصادية.

والتجارب العديدة التي مارسها المسلمون في الآونة الأخيرة في المشاريع الاقتصادية والفقهية تؤكّد هذا المعنى.

ونظراً للتحديات العظيمة التي يواجهها المسلمون اليوم لابدّ من مواجهة هذه التحديات بالمشاريع الإسلامية السياسية، والاقتصادية، والثقافية، التي يشترك فيها عامّة المسلمين من كل المذاهب والشرائح الإسلامية، فلم تعد الأعمال الفردية، والتي تقوم بها طائفة من المسلمين كافية لمقابلة هذه التحديات، فإنّ التحديات التي تواجهنا في ساحتنا أكبر من أن نقابلها بمثل هذه المشاريع.

إنّ مشاريعنا السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية يجب أن تكون بحجم الأمة كلها.. عندئذ تكون يد الله مع هذه المشاريع، وعليها، إن شاء الله تعالى.

وعندئذ تكون هذه المشاريع والأعمال قادرة على مقابلة التحديات القويّة التي تواجهنا في ساحة عملنا.

جدلية الشرعية والواقع:

وسوف أتحدّث عن واحدة من هذه التحدّيات التي تواجهنا في حياتنا السياسية والثقافية، ولايتأتّى لنا مقاومتها وإحباطها إلاّ ضمن مشروع سياسي وثقافي كبير، وبتضامن إسلامي واسع على قدر سعة هذه الأمة.

أمامنا قضيتان متخالفتان ومتقاطعتان، في ساحة حياتنا ويجب علينا أن نتعامل معها بالضرورة، وليس بوسعنا التشكيك في أي منهما، وليس بوسعنا الإعراض عن أي منها أو كليهما ومقابلته باللامبالاة.

القضية الأولى: وحدة الأمة الإسلامية، وليس بوسع أحد أن يشك في هذه الحقيقة، وقد تلوت عليكم قريباً قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأنَا ربُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.

وقوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وأنَا ربُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.

وهذه حقيقة من حقائق الوحي.

ووحدة الأمة بوحدة ولائها وبراءتها، من غير شك ولا ترديد، وإذا تعددت الولاءات والبراءات تتعدد الأمة، ولا تبقى الأمة واحدة، كما تخبرنا بها سورة (الأنبياء) و(المؤمنون).

ولا يمكن فصل القيادة السياسية والنظام والقرار السياسي عن مسألة الولاء.

كما لايمكن فصل التقاطعات والصراعات السياسية والعسكرية بين الأنظمة عن مسألة البراءة...

أقول إنّ وحدة الأمة بوحدة ولائها وبراءتها، فإنّ الولاء للقيادة السياسية الصالحة للأمة تأتي في امتداد الولاية لله ولرسوله ولأولي الأمر.. يقول تعالى: {أطِيعُواْ اللّهَ وأطِيعُواْ الرَّسُولَ واُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}(63).

ووجود ولائين أو أكثر من ذلك ـ في عرض بعض ـ ينافي وحدة الأمة... فضلاً عما إذا كانت هذه الولاءات متعارضة فيما بينها، كما هو حاصل عادة في الأنظمة السياسية المتعددة الواقعة على خطوط سياسية متعددة.

أما الولاءات السياسية الطولية (التي يقع بعضها في امتداد بعض) فلا تنافي وحدة الأمة مهما تعددت وكثرت.

إذن لهذه الأمة، طبقاً لهاتين الآيتين الكريمتين من سورتي الأنبياء والمؤمنون قيادة واحدة صالحة.. وهذه هي الحالة الشرعية التي نطلبها في نظام الحكم والقيادة السياسية للعالم الإسلامي.

هذه هي القضية الأولى: (الشرعية).

القضية الثانية: قيام أنظمة متعددة من الحكم في طول العالم الإسلامي وعرضها...

وهذه الأنظمة ـ في الأغلب ـ لا تمثّل الحالة الشرعية لأنها غير صالحة، وغير مؤتمنة على دين الناس ودنياهم، وغير منتخبة من قبل الناس، وإنما تُفرض على الناس بآليات عسكرية، أو عبر وسائل أنظمة الاستكبار العالمي... وهذه الأنظمة تفرض طاعتها والالتزام بقراراتها على الناس بالنار والحديد والعنف.. والتغرير والتجهيل الإعلامي.

ولابدّ للناس من الالتزام بقرارات هذه الأنظمة: وهذا هو (الأمر الواقع) اللاشرعي.

وبين هذا (الأمر الواقع) و(الشرعية) تقاطع شديد ولكل منهما ثقافة، وسياسة، وقوانين، وأنظمة، وآليات، وقوة للتنفيذ.

هذه هي الجدلية القائمة بين (الشرعية) و(الأمر الواقع).

ما هو تكليف المسلم تجاه هاتين القضيتين (الشرعية المحظورة) و(الواقع المفروض).

(فلا يجوز) الاستسلام للأمر الواقع المفروض، وإلغاء الحالة الشرعية، و(لايمكن) تجاوز الأمر الواقع المفروض بالقوة من قبل الأنظمة..

هذه هي الجدلية بين (ما لا يجوز) و(ما لا يمكن) وهي جدلية قديمة في التاريخ الإسلامي.

فما هو موقف (الفقه الإسلامي) تجاه هذه الجدلية الصعبة.

منهج أهل البيت (ع) الفقهي

إنّ منهج أهل البيت (ع) الفقهي تجاه هذه الجدلية في الفترة الطويلة التي عاشوها في العصر الأموي والعباسي، تتلخص في ثلاث نقاط:

1 ـ النهي عن إسناد هذه الأنظمة ودعمها، وتحريم (التعاون مع الظلمة)، فلايجوز للمسلم أن يقوم بأيّ عمل فيه إسناد ودعم لهذه الأنظمة غير الصالحة بأي شكل، ولو كان ذلك بإعداد ليقة دواة للحاكم الظالم.. وقد وردت روايات كثيرة عن أهل البيت (ع) في هذا المعنى(64).

2 ـ الأمر بمعايشة الواقع السياسي الاجتماعي لأنّ الانفصال عنه بمعنى الخروج من ساحة الحياة والانتحار السياسي والاقتصادي.

ولا مناص للمسلمين من أن ينتظم أمر معاشهم ومعادهم ضمن هذا الواقع، ولامناص لهم من أن يعايشوا هذا الواقع، لتستقيم لهم أمور معاشهم ودينهم.. حتى لو يتطلب الأمر أن ينضمَّ المؤمنون إلى مواقع المسؤولية من هذه الأنظمة الفاسدة، ولكن لا لغاية إنعاشها ودعمها، وإنما لغاية تحقيق الضمان لمعيشة المؤمنين وخدمة الناس في معايشهم ومكاسبهم(65).

فلا يستغني الناس عن المدارس والجامعات، وجهاز الشرطة، والمستشفيات، والمؤسسات الخدمية وغيرها، وكل هذه المؤسسات مؤسسات قائمة ضمن هذه الأنظمة الفاسدة... لاحيلة للناس عنها، فيجوز الدخول في هذه المؤسسات لخدمة الناس، ويجوز الاستفادة من هذه المؤسسات، ومن دون ذلك تتعطل حياة الناس، والله تعالى لا يريد تعطيل حياة الناس.

وبين الأمر الأول (المحظور)، والأمر الثاني (السائغ) فرق واضح.

3 ـ العمل على تحويل هذا الواقع الفاسد إلى نظام صالح، وقيادة صالحة وقوانين وتشريعات صالحة.

وهذه النقطة الأخيرة تختلف من مجتمع إلى مجمع، فقد يتم ذلك عن طريق ثورة مسلحة، وقد يكون ذلك عن طريق الترحيل الثقافي والتبليغي للناس، وقد يكون بالوسائل الديمقراطية الحديثة، التي تمكّن الأكثرية الصالحة من الوصول إلى مواقع الحكم وتغيير الحكم إلى نظام صالح، وقيادة صالحة، بصورة سليمة، أو غير ذلك من الوسائل والآليات(66).

وهذه ثلاثة مشاريع عمل إسلامية سياسية، تتطلب مشاركة عامة من المسلمين، من كل المذاهب والفرق والشعوب الإسلامية التي تعاني من سلطة الحكومات الظالمة:

1 ـ مقاطعة الأنظمة الفاسدة وتحريم دعمها وإسنادها، ووجوب عزل هذه الأنظمة عن الأمة والتشهير بها وتسقيطها.

2 ـ المشاركة الإيجابية في كل مسالك الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفوذ إلى مواقع مختلفة من الحكم بهذه الذهنية، ولهذه الغاية.

3 ـ مشاريع أسلمة الأنظمة، وإقامة الدولة الإسلامية، على أسس شرعية، وترحيل الحالة السياسية إلى قيام حكومة عالمية إسلامية صالحة، كما وعدنا الله تعالى في كتابه.. وهذا المشروع يختلف من بلد إلى بلد، ومن حالة سياسية إلى حالة أخرى، ولا يخضع لوصفة سياسية أو حركية واحدة.

 

المشروع السياسي الإسلامي

الأنظمة في العالم الإسلامي ـ في الغالب ـ غير صالحة، ولا يمكن الاعتماد عليها في تقرير الموقف الإسلامي من القضايا السياسية الكبرى في العالم الإسلامي.. ومن الواضح أنّ المواقف الرسمية للأنظمة تجاه القضايا الكبرى تبقى خاضعة لتأثير الدول الكبرى، وليس بوسع هذه الأنظمة أن تتجاوز الخطوط الحمراء التي ترسمها دول الاستكبار العالمي...

نعم، هناك مساحات صفراء يتحرك عليها هؤلاء الحكام.. وقد تكون هذه الحركة مخالفة لقرارات الدول الكبرى...

أما الخطوط الحمراء، فليس بوسع هذه الأنظمة تجاوزها، مهما كان الثمن الذي تدفعها هذه الأنظمة.. مثل النفط، فليس بوسع هذه الأنظمة أن تستخدم «النفط» في قضايا الأمة السياسية، والعكس حاصل فعلاً، فانّ الدول الكبرى، ومجلس الأمن يستخدمان العامل الاقتصادي سلاحاً قاطعاً في قراراتها السياسية، وفي عقوبة الأنظمة التي تتجاوز الخطوط الحمراء، في حين لا يجرأ حُكّامنا، أو لايملكون في أكثر مناطق العالم الإسلامي، تجاوز الخطوط الحمراء، فيما يتعلق بأنظمة الاستكبار العالمي.

ومهما يكن السبب، فإنّ الساحة الإسلامية الواسعة، لاتمتلك اليوم مقومات القرار، والموقف السياسي الراشد الإسلامي، إلاّ ما يصدر بصورة عفوية من مواقف وقرارات، يتبناه جمهور المسلمين في مختلف أقاليم العالم الإسلامي، كما رأينا ذلك في التعاطف الشديد لمواقف المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان (حزب الله)، من جانب جماهير المسلمين في كل أقاليم العالم الإسلامي، وفي المهاجر الغربية.

ورغم أنّ الأنظمة العربية ـ في الغالب ـ كانت ممتعضة من انتصار المقاومة، وماسجلتها من انتصارات باهرة خلال 33 يوماً إلاّ أنّ تيار التضامن والتعاطف الإسلامي مع حزب الله كان أقوى من أن تعاكسها الأنظمة، وأدواتها الإعلامية المسخّرة لخدمة مواقفها السياسية... ولكن هذه الأنظمة تمكّنت أخيراً من إبراز كراهيتها لانتصار حزب الله، في الاصطفاف الواسع الذي قامت به إلى جانب فؤاد السنيورة، وجعجع، والحريري، وجنبلاط، في إفشال مشروع حكومة الوحدة الوطنية التي دعت إليها المعارضة.. وفي مقدمتها حزب الله؛ ولولا التصرف العقلائي لحزب الله في هذا الموقف المعارض لاستئثار الأقلية بالحكم في لبنان، لكانت العاقبة حرباً أهلية واسعة في لبنان، إلاّ أنّ (حزب الله) آثر ممارسة الاعتراض، بصورة سلمية، حتى عندما كانت الحكومة تقابل المعارضة بالعنف.. وكفى الله اللبنانيين القتال.

ومهما يكن من أمر فلابدّ للساحة الإسلامية الكبرى من أدوات نابعة من إرادة الأمّة، ومن عمق الساحة لتنضيج القرار السياسي الذي يهم الأمة ـ كلها ـ ولتوحيد الرأي، والموقف السياسي في القضايا الكبرى، وتعميمها على كل الساحة الإسلامية، وتحشيد الرأي العام الإسلامي لإسناده، والوقوف إلى جانبه، وتفعيله في الساحة من خلال المسيرات، والاحتجاجات، والهتافات، والإعلاميات، والآليات المشاعة التي يمتلكها الشارع، للتعبير عن موقفه، ورأيه، واعتراضه، واحتجاجه، وحبّه، وبغضه.

ومن دون وجود مشروع سياسي ـ مثل هذا المشروع ـ ينضّج الرأي السياسي الراشد الناضج الموحّد، تبقى الساحة معرّضة لأمواج الفتن السياسية، وضغوط وسائل الإعلام الرسمية التي تجعل من الحق باطلاً ومن الباطل حقاً، وتقرّب البعيد، وتبعّد القريب.

وتبقى الساحة الإسلامية تتخبط بين اختلاف الآراء والمواقف، والفتن، والضغوط الإعلامية.

ولكي تسلم الساحة الإسلامية الكبرى من هذا التخبّط، لابدّ من مشروع سياسي إسلامي كبير، خارج حوزة نفوذ هذه الأنظمة، تمارس هذه المسؤولية في تنضيج القرار، والموقف الإسلامي، وتوحيده، وتعميقه، وتفعيله في الساحة.

ولابدّ أن يمثّل هذا المشروع السياسي كل الشرائح والمذاهب والأقاليم الإسلامية تمثيلاً صادقاً حقيقياً، ليكون لرأي هذا التجمع الإسلامي، النفوذ والتأثير الفعلي على كل الساحة الإسلامية.

ويكون هذا التجمّع مركزاً لتنضيج القرار الإسلامي الراشد الذي تتبناه الساحة الإسلامية كلها، في المسائل الأمّ الكبرى في العالم الإسلامي، مثل قضية القدس والمسجد الأقصى، والقضية الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي لأجزاء واسعة من أراضي الوطن الإسلامي من سوريا ومصر والأردن ولبنان؛ ومثل المشكلة الصومالية، وتدخل القوى المتعددة الجنسيات في دارفور؛ والمشروع الإيراني النووي السلمي؛ والاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق؛ والموقف الأمريكي المعادي للقضية الفلسطينية، والداعم لإسرائيل؛ والموقف البريطاني، بل الاتحاد الأوروبي من دعم المرتد سلمان رشدي؛ والموقف الروسي المتعنت من الولايات الإسلامية كالشيشان، وقضية الصحراء المغربية، واضطهاد الأنظمة في العالم الإسلامي لأبناء الحركة الإسلامية، كما في الجزائر وتونس ومصر، وكما في العراق في عهد الطاغية، ومثل الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني بين حماس وفتح، والدعم الإسرائيلي والأوربي والأمريكي والعربي لفتح، وتضييق الحصار على غزة وحماس إقتصادياً وسياسياً، وعزل حماس عزلاً سياسياً كاملاً... وأمثال ذلك، والتخريب الواسع الذي قامت به إسرائيل للبنان، انتقاماً لانتصار حزب الله عليها في الحرب التي دارت بينها وبين حزب الله في جنوب لبنان، وسكوت الدول الغربية ـ الأوروبية والأمريكية ـ برمّتها تجاه هذا العدوان السافر على لبنان، ودعم الموقف الإسرائيلي بشكل مطلق، بكل أشكال الإسناد والدعم... وأمثال ذلك.

وقد يتساءل أحد عن الصيغة العملية لهذا المشروع السياسي... فأقول: إنني لست بصدد عرض صيغة محددة لهذا المشروع السياسي... يمكن أن يكون على هيئة مؤتمر دوري لأهل الحل والعقد من المسلمين، ويمكن أن يكون بصيغة أخرى... وأيّاً ما تكون الصيغة العملية لهذا المشروع، فهو مركز سياسي، يمثل الأمّة الإسلامية، بعرضها العريض، في تنضيج القرارات، والتوصيات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، وغيرها، وبلورتها وتقديمها، في الأمور التي تهمّ الأمّة، ويكون هذا المركز في مقابل مراكز القرار الرسمية للأنظمة، يعبّر عن إرادة الناس وانتمائهم، وهويتهم الإسلامية... وهو أمر قائم فعلاً، في بعض الحدود، ولكن يحتاج إلى تثبيت، وتطوير، وتوسعة، وتعديل، وتقنين، وتبني من قبل المسلمين.

تساؤلات حول هذا المشروع

وقد يثير أحد حول هذا المشروع التساؤلات التالية:

1 ـ أين يمكن إقامة هذا المشروع السياسي المستقل، عن الإرادة الأمريكية ـ والدول الغربية، وأمريكا تقول اليوم للسحاب: أينما تذهبين فإنّك تمطرين في مساحة نفوذي وسلطاني.

2 ـ ما جدوى رأي هذا المركز السياسي إذا كان لا يملك آلية التنفيذ في مقابل قرارات الأنظمة التي ينفذها أصحابها بالإرهاب والإعلام.

3 ـ وكيف يمكن عزل رأي هذا المركز أو توصياته عن تأثير ونفوذ الأنظمة ودول الاستكبار العالمي، في هذه الدنيا المتشابكة المتداخلة.

والجواب عن السؤال الأول:

إنّ ارض الله واسعة، ونحن لدينا مناقشات جوهرية في صدقية النفوذ الأمريكي الكوني المطلق، ليس هنا مجال بسط الكلام فيها.

وعن السؤال الثاني:

أقول إنّ رأي هذا المشروع وتوصياته، يكون مدعوماً بالرأي العام الإسلامي، وسوف يكون له دور واضح في تعديل القرارات السياسية للأنظمة إن لم تكن قادرة على إلغائها.

وعن التساؤل الثالث:

لا ننفي إمكانية نفوذ الأنظمة ومن ورائها أنظمة الاستكبار العالمي إلى صلب هذا المركز وآرائه وتوصياته، ولكنه على كل حال إمكانية محدودة وليست مطلقة، ولايمكن أن يحقق أي مشروع سياسي في هذه الدنيا المتداخلة المتشابكة غايته بصورة مطلقة.

وبعد فإننا نرى أنّ أمثال هذه المشاريع طموحات سياسية واقعية، يمكن أن نسعى إليها وليست ضرباً من أحلام اليقظة في واقعنا السياسي المعاش.

المرجعية السياسية للعالم الإسلامي:

نحن اليوم أمة فاعلة قوية على وجه الأرض؛ ولهذه الأمة ثقل كبير في المعادلات السياسية، وحضور واسع في القضايا السياسية ذات الشأن بالحالة الإسلامية خصوصاً، وبالحالة الكونية عموماً.

ورغم أنّ أكثر الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي تعمل لتشتيت هذه القوة الكبرى على وجه الأرض، لكن تبقى الأمة الإسلامية التحدي الأكبر للغرب؛ والذين يقرءون التاريخ والمستقبل من المنظّرين في الغرب يفهمون هذه الحقيقة، وينذرون أنظمة الاستكبار الغربي من هذا العملاق الذي بدأ ينهض من سباته في القرن العشرين.

وفي ضوء هذا الفهم نقول:

1 ـ إنّ الحقائق المتقدمة في نهضة الأمة بعرضها العريض لايمكن أن تخفى على مراكز الرصد الاستكباري في الغرب.

2 ـ ولابدّ أن تلقى هذه الأمة تحديات صعبة من ناحية الغرب لإحباط المشروع الإسلامي الكوني الكبير.

3 ـ ولاتخصّ هذه التحديات إقليماً، أو قوماً ومذهباً من المذاهب، وإنما تعم الأمة الإسلامية برمّتها، لأنّ هذه الأمة هي التربة الصالحة للمشروع الكوني الذي يخبرنا به الله تعالى في كتابه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبوُرِ مِن بعْدِ الذِّكْرِ أنّ الأرضَ يَرثُهَا عِبَادِيَ الصَّالحوُن} والذي يتنبّأ به المنظرون في الغرب.

4 ـ إذن المسلمون جميعاً في مواجهة صراع حضاري، وعسكري، وسياسي، وثقافي قاس، من أقسى ما يعرفه تاريخ الإنسان من الصراعات الحضارية السياسية، والعسكرية، شئنا ذلك أم أبينا.

والمطالبة بالمعايشة السلمية، وشجب الحروب والصراعات، لايعفينا من هذه المعركة.. ولسنا نحن الذين ندفع الغرب إلى مثل هذا الصراع، وإنما العكس هو الصحيح، الغرب هو الذي يدفعنا إلى مثل هذه المعركة... فإنّ الكيانات السياسية، والعسكرية، والثقافية في الغرب، يرون أنهم قد وصلوا إلى نهايات التاريخ، والعاقبة التي آل إليها أمر الاتحاد السوفيتي ليس ببعيد عنهم، والقوانين والسنن التي آلت إلى سقوط الاتحاد السوفيتي هي التي تؤول بهم إلى تلك العاقبة؛ وهم يدافعون عن أنفسهم في معركة مصيرية بالنسبة لحضارتهم، وكيانهم الاقتصادي، والسياسي، والعسكري، ومن الطبيعي أن يكون هذا الصراع أشرس صراع يعرفه الإنسان، لأنه صراع على الموت والحياة.

5 ـ ومن أفدح الخطأ أن ندخل هذا الصراع من غير الإعداد المكافئ لهذه المعركة الحضارية، ومن غير الإعداد لآليات هذا الصراع.. والدخول في مثل هذه المعركة من غير الإعداد المكافئ لها يعادل الفشل والهزيمة فيها... يقول تعالى: {وَأعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}(67) وليست القوة كلها في السلاح، وإن كان السلاح من مقومات ساحة القتال، إلاّ أنّ دائرة الإعداد الذي يأمرنا به الله تعالى أوسع من السلاح.

6 ـ ومن أهم الآليات التي تُعِدُّ هذه الأمة لدخول مثل هذه المعركة التي نتوقعها كل حين، بل نعايشها اليوم، دون أن ننتبه لها.. في مقدمة هذه الآليات: (المرجعية السياسية الواحدة للأمة الإسلامية)... فليس من الممكن أن تدخل هذه الأمة صراعاً سياسياً، وحضارياً واسعاً، وتواجه تحديات كثيرة، دون أن تمتلك الأمّة (مرجعية سياسية)، توحّد قرارها، وموقعها، وصفّها.

إنّ وحدة الأمة، ووحدة القرار السياسي، لاتتحقق إلاّ من خلال الآليات التي أعدّها الله تعالى لذلك، وفي مقدمة هذه الآليات المرجعية السياسية التي يسميها الفقهاء بـ (ولاية الأمر).

يقول تعالى: {أطِيعُوا اللّهَ وَأطِيعُواْ الرَّسُولَ واُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.

7 ـ و(الموقع الأول) و(الموقع الثاني) الذين تحدّثنا عنهما مؤسستان إسلاميتان للأمة الإسلامية كلها تتكاملان، يؤدي الأولى دور الشورى وتنضيج القرار السياسي الذي تشير إليه آية الشورى {وَأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(68) وتقوم الثانية بدور (الولاية السياسية) في حياة المسلمين.. تنفيذاً لقوله تعالى:

{أطِيعُوا اللّهَ وَأطِيعُواْ الرَّسُولَ واُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(69).

في المساحة الاقتصادية

إنّ عملاً واسعاً يجري اليوم لإلحاق أسواق العالم الإسلامي، ومصادر ثرواته الطبيعية بشبكة العولمة الاقتصادية، وهو أمر حاصل بالفعل في بعض الحدود، ولكن الحركة التي تقوم بها الأنظمة في العالم الإسلامي هي إلحاق أسواقنا في العالم الإسلامي وثرواتنا الطبيعية بشبكة العولمة الاقتصادية بشكل كامل.. وهذا الأمر إذا تمّ يجعل من حركتنا الاقتصادية حركة تابعة لاقتصاد الدول الصناعية الكبرى، وتجعل من أسواقنا معرضاً ومحلاً لاستهلاك ما تنتجه المصانع في الدول الصناعية الكبرى، وتجعل مصادرنا الطبيعة للثروة مثل النفط، والكبريت، والصلب، والحديد، والقطن، وقصب السكر، والمطاط، والتمور، مصدراً لتموين المعامل والمصانع في الغرب.

ونتحول من موقع الإنتاج والاكتفاء الاقتصادي إلى مركز لتموين المصانع في الدول الصناعية الكبرى بالمواد الخام التي تحتاجها هذه المصانع، ومحلاً لاستهلاك ما تنتجه هذه المعامل.

وهذه العاقبة، أسوأ عاقبة اقتصادية للعالم الإسلامي، وتؤدي هذه التبعية الاقتصادية إلى تبعية سياسية خالصة، وانهيارات اقتصادية واسعة كما حصل لجنوب شرق آسيا قبل سنين، وتفقدنا حالة الاكتفاء الذاتي في الاقتصاد، بشكل كامل.

وكما يستخدم الغرب الآلة الصناعية والاقتصادية في تحقيق (التبعية السياسية) في العالم الإسلامي، بشكل واسع، كذلك يستخدم الغرب المقاطعة الاقتصادية والحظر الاقتصادي لإخضاع أنظمة العالم الإسلامي لإرادتها السياسية، كما حصل ذلك لإيران وليبيا وسوريا والسودان... عندما امتنعت من تنفيذ إرادتها.

وقد كان بوسع العالم الإسلامي أن يستخدم الآلة الاقتصادية، مثل تصدير النفط في تعديل بعض المواقف الغربية المتطرفة عموماً، والأمريكية خصوصاً، تجاه العالم الإسلامي، مثل الجنوح المتطرف إلى جانب إسرائيل، والوقوف إلى جانب إسرائيل في كل مراحل عدوانها على فلسطين ولبنان؛ والتشديد على إيران بسبب محاولاتها لتخصيب اليورانيوم، والوصول إلى مرحلة استخدام الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء وسائر الغايات السلمية، والسكوت عن إسرائيل ومفاعلاتها النووية وترساناتها التي تختزن أكثر من200 رأساً نووياً جاهزاً للتفجير والعدوان، كما يقول بعض المؤسسات العسكرية.

لو أنّ المسلمين كانوا يستخدمون الآلة الاقتصادية في تعديل المواقف السياسية الغربية المتطرفة تجاه العالم الإسلامي لتغيّر وجه العلاقات الإسلامية ـ الغربية، ولم يتمكن الغرب من أن يمارس هذا النفوذ الواسع في العالم الإسلامي، ولم يسع الغرب أن يستهتر بهذه الصورة بكل القيم الدبلوماسية، والسياسية، في علاقاتها بالعالم الإسلامي.

ولكن ما الحيلة إذا كان حكام العالم الإسلامي في الغالب لا يجرءون على التطوّل على الإرادة السياسية الغربية، وبشكل خاص الإرادة السياسية الأمريكية، ولا يمتلكون الشجاعة الكافية لاتخاذ أي قرار سياسي أو اقتصادي يعارض مصالح أنظمة الاستكبار العالمي، ويتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة لهم؟!

إنّ حركة غاضبة عفوية قامت بها جماهيرنا في مقاطعة البضائع الدنماركية، عندما أساءت صحيفة دانمركية إلى رسول الله (ص) ، وامتنعت الدانمارك من الاعتذار إلى المسلمين ومعاقبة الصحيفة، كان لها تأثير كبير في تعديل موقف الحكومة الدانمركية والحكومات الاسكندنافية، التي وقفت إلى جانب الدانمارك في حينه.

إنّ الموقف الصحيح في هذه المسألة الخطيرة هو الحضور المليوني الموحّد في الساحة، والهتاف بمقاطعه العولمة الاقتصادية الزاحفة إلى العالم الإسلامي، والمطالبة باستخدام الآلة الاقتصادية في قضايانا السياسية الأُم، والمناداة بتحرير أسواقنا من سيطرة البضاعة التي تصدرها إلينا الدول الصناعية الكبرى؛ والدعوة إلى تحرير مصادرنا الطبيعية للثروة وإنتاجنا الزراعي والحيواني من نفوذ الدول الكبرى، والمناداة بالوصول إلى حالة الاكتفاء الذاتي، والتشهير بالأنظمة والحكام الذين يستخدمون مواقعهم في الحكم لتمكين النفوذ الاقتصادي الغربي والشرقي (الاستكباري) من أسواقنا ومصادرنا الطبيعة، ودعوة الجمهور إلى استخدام المقاطعة الاقتصادية عندما يتطلب الأمر، ويتقاعس الحكّام، ويجبنون عن اتخاذ القرار الاقتصادي المناسب.

إنّ الحضور الواعي القوي للأمة في الساحة الإسلامية، في كل المراكز والحواضر والعواصم الإسلامية يؤدي بالضرورة إلى تعديل قرار كثير من الأنظمة، والحكام الذين يحكمون العالم الإسلامي، كما يؤدي إلى تعديل القرارات الاقتصادية والسياسية لدول الاستكبار العالمي تجاه العالم الإسلامي، وتخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية عليه.

الشيخ محمد مهدي الآصفي

 


(1 ) الحج: 28.
(2 ) الأنعام: 79.
(3 ) آل عمران:20.
(4 ) الأنبياء: 92.
(5 ) المؤمنون: 52.
(6 ) المائدة: 55.
(7 ) المائدة: 55.
(8 ) الأنبياء: 92.
(9 ) المؤمنون: 52.
(10) آل عمران: 103.
(11) التوبة: 71.
(12) الحجرات: 10.
(13) الأنفال: 46.
(14) النساء: 59.
(15) الأنفال: 72.
(16) صحيح مسلم 4: 1871 ـ 1872 كتاب فضائل الصحابة.
(17) صحيح البخاري 4: 1581 ح4094 وصحيح مسلم 1: 95 كتاب الإيمان ح155 عدى الجملة الأخيرة.
(18) صحيح البخاري 4: 1581 ح 4094 ومسند احمد 4: 10 ـ 11.
(19) بحار الأنوار 68: 242.
(20) مشكاة المصابيح ج12 ـ 14.
(21) المحاسن: 285؛ وبحار الأنوار 68: 243.
(22) الكافي 2: 25؛ وبحار الأنوار 68: 248.
(23) مسند أحمد بن حنبل 3: 472.
(24) المحاسن: 284، بحار الأنوار 68: 282.
(25) سنن الدارمي 2: 218، ورواه بلفظ قريب منه عن رسول الله (ص) البخاري في 1: 57 من الصحيح في فضل استقبال القبلة، وأبو داود في السنن 2: 41 ـ 42 باب على ما يقاتل المشركون، واحمد بن حنبل في المسند 3: 199، و2: 445، 3: 339، و4: 8 ـ 9، وابن ماجة في السنن 2: 1285 ـ 1286، والنسائي في السنن 8: 109
(26) بحار الأنوار 75: 150.
(27) صحيح مسلم 1: 68 ـ 69.
(28) الحرقات بضم المهملة والراء وقاف بعدها من جهينة، هم بنو حميس بن عمرو بن ثعلبة بن مودوعة بن جهينة، كما في جمهرة ابن حزم: 446.
(29) صحيح مسلم 1: 67.
(30) روى هذه الخطبة جمع غفير من الحفاظ والمحدّثين من الفريقين ولشهرتها نعرض عن ذكر مصادر الخطبة.
(31) يوسف: 108.
(32) آل عمران: 104.
(33) آل عمران: 110.
(34) التوبة: 71.
(35) العصر: 3.
(36) الأنبياء: 92.
(37) المؤمنون: 52.
(38) البقرة: 208.
(39) بحار الأنوار 27: 69 ح7.
(40) ميزان الحكمة 1: 765.
(41) كنز العمال 1: 205 ح1025.
(42) ميزان الحكمة 1: 406.
(43) نهج البلاغة: الخطبة 127.
(44) مستدرك الوسائل 6: 450.
(45) التهذيب 3: 25، ووسائل الشيعة 5: 376، نقلاً عن ميزان الحكمة 5: 410.
(46) وسائل الشيعة 5: 4 نقلاً عن ميزان الحكمة 5: 426.
(47) الحج: 27.
(48) الصافات: 24.
(49) نهج البلاغة: كتاب رقم 62.
(50) الحجرات: 12.
(51) النحل: 125.
(52) الإسراء: 53.
(53) رجال الكشي: 305 الرقم 549.
(54) المصدر السابق: 195 ترجمة المغيرة بن سعيد.
(55) رجال الكشي: 224 الرقم 401.
(56) عيون أخبار الرضا (ع) 1: 303.
(57) بحار الأنوار 2: 250 ح62.
(58) وسائل الشيعة 8: 398، كتاب الحجّ آداب أحكام العشرة، الباب الأوّل، ح1.
(59) المصدر السابق، ح2.
(60) المصدر السابق، ح3.
(61) وسائل الشيعة 8: 399، كتاب الحجّ آداب أحكام العشرة، الباب الأوّل، ح4.
(62) المصدر السابق، ح5.
(63) النساء: 59.
(64) راجع أبواب: (حرمة التعاون مع الظلمة) في مباحث المكاسب المحرمة، وكتاب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، في وسائل الشيعة وسائر كتب الحديث والفقه.
(65) راجع الروايات الواردة في مستثنيات التعاون مع الظلمة وأبواب التقية.
(66) راجع روايات باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبواب الجهاد.
(67) الأنفال: 60.
(68) الشورى: 38.
(69) المائدة: 55.

قراءة 3136 مرة