وقبل أن تدخل في الموضوعات الكونية والفلكية التي وردت في متن الصحيفة السجادية الكريمة، وهي موضوعات علمية وفكرية متينة لا يمتلكها أي فرد دون أن يمتلك مقومات العلم والفكر والمؤهلات اللازمة، لابد من أن نتحدث ولو باختصار عن أهمية الإمام السجاد وقدراته العلمية والفكرية وقابلياته الأدبية والبلاغية، ولابد أيضا أن نذكر أو نتحدث عن طبيعة وأهمية صحيفته السجادية الكريمة المليئة بالعطاء والعلم والفكر…
لذا سنتحدث باختصار عن نقطتين:
١- الإمام السجاد عليه السلام والعلم والمعرفة.
۲- الفكر العلمي والفلكي في الصحيفة السجادية.
١- الإمام السجاد عليه السلام والعلم والمعرفة.
الذي يقرأ عن الإمام السجاد عالية فهو يقرأ شخصية كبيرة ومهمة، كاملة متكاملة تجمع بين الدين والعلم والفكر والأدب ومميزات فريدة ومهمة ومتنوعة.
فهو إمام ابن إمام ابن إمام، وينتسب إلى أشرف بیت في الوجود، ينتسب إلى بيت النبي الأكرم محمد بن عبد الله رسول الله .
فأبوه الإمام أبو عبد الله الحسين بن علي سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة، وعمه الإمام الحسن المجتبی سبط رسول الله، وجده الإمام الهمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي رسول الله، وجدته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين )سلام الله عليهم أجمعين).
إنه الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام جميعا) الملقب بالسجاد و زین العابدين، لكثرة سجوده وعبادته لربه تعالی.
ولد الإمام السجاد عالية في الكوفة وقيل في يثرب كما يرجح الشيخ باقر القرشي، ولد سنة 38 هجرية وتوفي سنة 94 هجرية ودفن في البقيع بالمدينة المنورة.
ولست هنا في صدد الحديث عن تفاصيل حياة هذا الإمام الكريم وسيرته العطرة، وإنما أردت أن استعرض أهمية الإمام العلمية والفكرية والاجتماعية والأدبية في عصره ومرحلته الزمنية الصعبة، وقدرته الكبيرة على أداء واجبه الديني والإنساني أكمل أداء، من خلال منهجه الفذ وقدرته الفائقة والناجحة في التعامل مع عصر ووضع صعبين للغاية.
وفي ظروفه الصعبة هذه اتجه الإمام السجاد عليه إلى القيام بشؤون الإمامة الروحية كالعبادة ونشر الأحكام والأخلاق وتفقد الفقراء والمساكين وما إلى ذلك، وأسس مدرسة الفقه والحديث التي كانت تضم الكثير من الموالي والتابعين، وقد أحصى الشيخ الطوسي في رجاله وغيره من المؤلفين في الرجال أكثر من مائة وستين شخصا من التابعين والموالي كانوا ينهلون من معينه ویروون عنه في مختلف المواضيع، وعدوا منهم سعيد بن المسيب وابن جبير وجبير بن مطعم والقاسم بن محمد بن أبي بكر وجابر بن عبد الله الأنصاري ويحيى بن أم الطويل وأمثال هذه الطبقة من أعلام التابعين .
وإذا أردنا أن نذكر الذين اثنوا عليه وذكروا علمه وفقهه وأهميته والأقوال الكثيرة في ذلك فسنخرج من الموضوع، ولكن يكفي أن نذكر:
– ابن سعد في طبقاته حيث قال: «وكان علي بن الحسين ثقة مأمونة كثير الحديث عالية رفيعة ورعا».
– حتی مخالفوه اعترفوا بدينه وعلمه، فهذا عبد الملك بن مروان المعاصر للإمام قال له بالحرف الواحد: «ولقد أوتيت من العلم والدين والورع مالم يؤته أحد مثلك قبلك إلا من مضى من سلفك».
ويمكن أن نعرف أهمية الإمام السجاد والقيمة الاجتماعية والشعبية والدينية له من خلال مناسبة حج الإمام وطوافه الذي صادف مع حج و طواف هشام بن عبد الملك، وكيف انفرجت الجماهير لاستلام الإمام الحجر الأسود، وعدم قدرة هشام بن عبد الملك على استلامه (الحجر) والقصيدة العصماء المعروفة التي قالها الشاعر الفرزدق في ذلك الموقف بحق الإمام السجاد، وهي:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
والقصة مذكورة في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني .
ومن خلال تلك القصيدة العصماء نعرف الكثيرعن أهمية الإمام وقيمته العلمية والدينية والاجتماعية.
وحول أهمية الإمام السجاد علي وقيمته العلمية والدينية يقول الشهيد محمد باقر الصدر: «وعاش حوالي سبعة وخمسين عاما، قضي بضع سنين منها في كنف جده الإمام علي عليه ثم نشأ في مدرسة عمه الحسن وأبيه الحسين عن سبطي الرسول، و تغذى من نمیر علوم النبوة واستقى من مصادر آبائه الطاهرين.
وبرز على الصعيد العلمي والديني إماما في الدين ومنارة في العلم ومرجعا في الحلال والحرام ومثلا أعلى في الورع والعبادة والتقوى، وآمن المسلمون جميعا بعلمه واستقامته وأفضليته، وانقاد الواعون منهم إلى زعامته وفقهه ومرجعيته .
ومن كان منبع علمه النبوة والإمامة، فأي علم سيضم صدره»!
۲– الفكر العلمي والفلكي في الصحيفة السجادية.
خلف لنا الإمام السجاد عالية تراثا كبيرة من خطب ورسائل ووصايا، وغيرها، ومن بين ما خلف أثرين مهمين وأساسيين هما (رسالة الحقوق) المشهورة، وقد ضمنها الحقوق المترتبة على المسلمين، وهي خمسون حقا، ورسالة أخرى هي الصحيفة السجادية) الشهيرة وهي مجموعة أدعية للإمام.
والذي يهمنا في موضوعنا هذا هو (الصحيفة السجادية) الكريمة.
لكن هذه الصحيفة ليست مجرد مجموعة أدعية إلهية تقرب بين الإنسان وربه، وإنما هي إضافة إلى ذلك: مادة علمية وفكرية قيمة.
أو هي مجموعة من العلوم والأفكار والمعارف والمعاني السامية، قل نظيرها في عالم الأدعية والنصوص العلمية والفكرية في التراث الإسلامي.
ومن يقرأ عناوين الصحيفة السجادية يجدها سلسلة من الأفكار والمعلومات القيمة والمتنوعة تشمل أفكار التوحيد والرسل والعرفان والمواعظ والأدب والعلم و مسائل دینية وحياتية متنوعة.
فمثلا هناك عناوین (التحمید لله عز وجل) و(الصلاة على محمد وآله) والصلاة على حملة العرش) و (الصلاة على مصدقي الرسل). وهناك : (الدعاء في طلب الحوائج) و(الدعاء في الظلامات) و(الدعاء عند المرض) و(الدعاء في الاستسقاء) و(الدعاء في مكارم الأخلاق). وهناك أيضا: (الدعاء إذا نظر إلى الهلال) و(الدعاء لدخول شهر رمضان) و(الدعاء لوداع شهر رمضان) و(الدعاء لعيد الفطر).
وهناك (الدعاء في يوم عرفة) و(الدعاء في يوم عيد الأضحى والجمعة) وهناك أخرى غيرها، راجع محتويات الصحيفة السجادية على اختلاف طبعاتها وفي كل تلك الأدعية والمعاني تجد مادة علمية وفكرية متنوعة قيمة جدا.
وعلى أساس القيمة الإلهية والدينية للصحيفة والتنوع في موضوعاتها والمادة العلمية والفكرية المختلفة، أكب العلماء والباحثون والأدباء والفقهاء على دراسة موضوعاتها بالبحث والشرح والتقصي لاستخراج مكنوناتها العلمية والفكرية المتنوعة.
ومن بين ما حملت الصحيفة السجادية الكريمة من مادة علمية ومعرفية حملت مادة كونية وفلكية وآفاقية ليست قليلة، حملتها بمعانيها العامة الإجمالية، وضمن الأسلوب الأدبي والبلاغي الذي نهجه الإمام السجاد عليه في أدعيته الإلهية المتنوعة.
وأول ما يطالعك من الصحيفة، هو الحديث عن الخالق المبدع الذي لا أول له ولا آخر، والذي خلق الكون ومعه كل شيء. أبدعه وأبدع كل شيء على غير مثال سابق.
وإذا تسلسلت مع الصحيفة السجادية ستجد الحديث عن السماء والسماوات وعن سكان السماوات، والحديث عن الأرض والأرضين والليل والنهار والقمر والهلال وما يتعلق بهذه الأمور من معان مناسبة.
إضافة إلى ذلك ستجد بين ثنايا الصحيفة . إضافة إلى المواد الكونية والفلكية المذكورة آنفا – مواد أو مصطلحات كونية وفلكية منها: محاق، سعد، نحس انسلاخ، شهور، أيام، هواء، فلك، منازل، طلوع، أفول، کسوف، جبال، برق، رعد، وغيرها مما يتعلق بالسماء والفلك والكون.
وعلى هذا الأساس سیکون بحثنا في الصحيفة، بالأخص البحث حول المواد الفلكية الأساسية الواردة في هذه الصحيفة الكريمة.