السيدة فاطمة الزهراء (س)؛ نموذج المرأة القيادية في المجتمع

قيم هذا المقال
(0 صوت)
السيدة فاطمة الزهراء (س)؛ نموذج المرأة القيادية في المجتمع

أن البيت الرفيع الذي يبنى على أساس الايمان بالله ويمتلأ بعبق ذكر الله، له دور كبير ليس فقط في النشء الواعد وانما أيضا في توفير أفضل الفرص لكل المنتمين اليه، كما على الرجل كذلك على المرأة كل الواجبات الإلهية الا ما استثناه الشرع بالنص كالقتال، او ما يتنافى ودورها في إدارة البيت الرسالي.

وتوعية المرأة بتلك المهام كما توعية المجتمع بها من اشد الضرورات لنهضة شاملة في الأمة، ولإنفاذ احكام الرب في الأرض، ونهضة الامة الرشيدة لن تتحقق الا بتكاتف كل الايادي والطاقات وحينما تنهض المرأة تعطي زخما مماثلا لنهضة الامة لأن دورها الرسالي لا يقتصر على جيلها، وانما أيضا على الجيل الواعد عبر تربية وقيادة الجيل القادم.

وعلينا اليوم ان نقود نهضة عارمة حتى نستطيع إعادة المرأة الى الميدان القيادي، وذلك عبر تذكيرها بأروع نموذج قيادي قدمه التاريخ لنا، اذ كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) الى جانب القيام بمهام البيت ورعاية شؤون اسرتها تشارك في عملية نشر الرسالة الإسلامية، فتقوم بعملية نقل وتعليم ما تسمعه عن ابيها رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) الى المسلمين.

وما وصلنا من اخبار عن فاطمة يصورها بصورة المعلمة الاولى للمسلمات اللواتي يقبلن على بيتها فاهمات متعلمات فتفيض عليهن بما وعته من علم وتثقفهن بثقافة العصر وتشجعهن على طلب العلم والمعرفة، وهكذا كان بيتها المدرسة الاولى في الإسلام للمرأة، اذ تمكنت من قيادة المجتمع وبالأخص الشريحة النسوية من بيتها.

وخير دليل على عمق دور التربية والتثقيف الذي كانت تمارسه فاطمة الزهراء (عليها السلام) هو ما ورد في الروايات عن جاريتها فضة التي ما تكلمت الا بالقران لمدة تزيد عن عشرين عاما.

ولم تقتصر الزهراء (عليها السلام) على تثقيف الافراد بل انها انصرفت الى توعية الجماهير عندما تطلبت الرسالة المحمدية ذلك، والشاهد على ذلك خطبتها في مسجد رسول الله امام حشد من المهاجرين والانصار، وفيها دعوة الى مقاومة الظلم والاستبداد والتمسك بتعاليم الله وتعاليم رسوله، فكانت خطبتها سياسية اجتماعية وعقائدية، بمعنى اخر كانت خطبة شاملة عامة أحاطت بكل متطلبات الظروف التي كانت تمر بها الأمة الإسلامية حينذاك.

ومواقف قيادية أخرى للزهراء (عليها السلام) في محاولاتها لتثقيف الأمة ونشر الوعي بين افرادها، حين كانت تدور على بيوت المهاجرين والانصار في محاولة هز ضمائرهم ليتحركوا في الوقوف بجانب الحق ونصرة الدين.

وهكذا تجسد الزهراء (سلام الله عليها) دور المرأة القيادية المسؤولة عن تبليغ الرسالة الإلهية للناس اجمع، والمستعدة دائما لمواجهة كل الظروف وتحمل كل المسؤوليات التي يتطلبها المجتمع الإسلامي.

وان الاصطفاء الإلهي الذي يعني وجود أفراد من البشر يجسدون المبادئ والقيم في حياتهم، ويبلغون مستوى الطهارة والكمال، ويكونون قدوات وهداة، لبني الإنسان على امتداد التاريخ، لم يجعله الله تعالى رتبة خاصة بالرجال دون النساء، بل اصطفى عينات من النساء كما اصطفى من الرجال، مما يدل على قابلية المرأة واهليتها لأعلى درجات الكمال، وأن تكون في موقع الريادة والاقتداء، وفي مستوى التفوق والامتياز على سائر بني البشر نساءً ورجالاً.

وتقدم السيدة الزهراء كرمز وقدوة للأمة الإسلامية جمعاء، وبالطبع فإن معنى ارتباط رضى الله برضاها، وغضب الله بغضبها، يدل على عصمتها ونزاهتها وكمالها، وأن سلوكها وممارساتها، بل وحتى مشاعرها وعواطفها منسجمة مع القيم الإلهية، لا تحيد عنها قيد شعرة، وإلا فكيف يرتبط رضى الله تعالى وغضبه بمن يصح عليه الرضى والغضب النابع من الهوى والانفعال؟

وبناء على ذلك فإن ما يصدر عن السيدة الزهراء من قول أو فعل أو موقف فإنه يكون كاشفاً عن الأمر والتشريع الإلهي. فهي حجة شرعية على جميع الناس، وهي (عليها الصلاة والسلام) حجة على كل أولادها الأئمة الطاهرين ولذا قال الإمام الحسن العسكري: "وهي حجة علينا" وقال الإمام الحجة: "وفي ابنة رسول الله لي أسوة حسنة" وقد قال الإمام الحسين: "أمي خير مني" .

ان دراسة شخصية الزهراء عليها السلام تمتد إلى مجالات ذات أبعاد كثيرة ومحاولاتنا لازالت مستمرة في تسليط الضوء على الجانب القيادي للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والذي لعب دورا كبيرا في بناء وتدعيم قواعد الدين الإسلامي وتثبيت أركانه سواء من المنظور السياسي او الاعلامي.

وذلك في سبيل تصحيح بعض المفاهيم التي تحفظ سلامة واستمرار النمو السوي لكيان العقيدة الإسلامية في المنطقة، وتجديد قدرتها الفاعلة في المجتمع، لأن صحة الأمة الإسلامية ترتبط باطراد التوسع الثقافي الذي يحقق المصالح والأهداف المشتركة بين الرجل والمرأة، مع وجود المعادلات الاتجاهية التي تحقق الأثر الإيجابي في الدور القيادي الذي تتحلى به المرأة في المجتمع.

من خلال الكشف عن الجانب القيادي عند احد أركان الدعوة الإسلامية المهمة وهي بضعة الرسول الأكرم محمد (صل الله عليه واله وسلم) كونها احد الأثقال المهمة والمؤثرة في كيان الحضارة الإنسانية وأيضا أول صناع المفهوم القيادي للمرأة المسلمة على مر التاريخ، من خلال الإشارة الى أدوارها القيادية في نشر الرسالة الإسلامية، ووقوفها بجنب الرسول في مواجهة المصاعب التي واجهت نشر الرسالة الإسلامية، وموقعها المهم في الحصار الذي تعرض اليه المسلمين، إضافة الى الموقف السياسي الصعب الذي واجهته بكل قوة، بعد استشهاد والدها الرسول الأعظم، من خيانة وهتك... وبروز الجانب الإعلامي في كشف المرتدين والظلمة، فهذه المواقف تبين قوة شخصيتها، وقيادتها العظيمة وجهدها الكبير في توعية النساء ونشر الإسلام جنباً بجنب الرسول الاكرم (صل الله عليه واله وسلم) وزوجها علي بن ابي طالب (عليه السلام).

وكانت الزهراء (سلام الله عليها) في المستوى الارقى من تلك الأحاديث اصطفاءً واستحقاقاً ومنزلةً واجتباءً، وارتفعت بموضعيتها عن العاطفة المجردة وتباعدت عن الإحساس بالمداراة شأن الآباء مع الأبناء وانما هو الإيحاء المرتبط بكيان مجدد في منزلة خاصة ستتجلى اثارها قطعا بعد حين.

وهذا الإيحاء الرفيع يعبر في إشارة دقيقة بتلاحم هذا الوليد مع ابيه في شؤون مستقبلية خطيرة، لم يقدر لغيره ان يحتلها في اندماج روحي تام لا يمكن الفصل بين ركنيه في حال من الأحوال وهو تعبير ثان عن الاجلال والاكبار حاليّاً ومستقبلياً، لتكون الفطرة لهذا الوليد نظرة شمولية غير خاضعة للاستثناء في شيء ما لأنها استثناء فوق العادة، ولعل السر في هذا وذاك هو توطيد الأرضية الصالحة في نظر عقلي بعيد المدى لهذا الوليد في المكانة ذات القيمة والأهمية التي يومي اليها الرسول الاكرم (صل الله عليه واله وسلم) لئلاّ يجرأ أحد فيما بعد على النيل منه، او الاستهانة به، او الاعتداء عليه، او المضايقة له في شيء ما مهما ضؤل وصغر، وذلك في مخائل النبوة دون ادنى شك، فالنبي ينظر بنور الله، وهو يقرأ بعلم الغيب من قريب وبعيد، يقول النبي (صل الله عليه واله وسلم): "وأمّا ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين، وهي بضعة مني وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية" .

وهذا المنطق جامع مانع كما يقول أهل المنطق الارسطي، فقد صرح بأنها سيدة نساء العالمين، وهذا من خصائصها، وأبان موقعها منه بين الروح والجسد والجوارح، وإنها الحوراء...

وفي هذا المنظور تقدم الزهراء لنا الانموذج الراقي للمربية الواعية التي تكفلت بتربية اطفالها أحسن تربية، واعتنت بزوجها أفضل عناية، وتمكنت من توفير الأجواء الاسرية الحميمة على الرغم من انشغالها بأمور عملية أخرى كتعليم النساء والمساهمة في نشر الرسالة المحمدية وهداية المجتمع...الخ، ومن هنا نستدل من السيدة الجليلة بأن قيادة الاسرة والمنزل تفوق أهمية قيادة المجتمع، لأن اللبنة الأساسية التي تساهم في بناء الامة تنبع من التربية الصالحة والاسرة المتحابة على الخير والصلاح.

وعوداً على بدء، فقد عاشت الزهراء ونشأت تحت ظلين، ظل أبيها وظل حليلها، وعانقت ريحانين، الحسن والحسين ذرية لرجلين نبي وامام، وعانقت رهافتين رهافة الجسم ورهافة الحس، واختبرت عصرين عصر الجاهلية وعصر الانبعاث، واحبت اباها حبين، حب النبوة وحب الأمومة، وصهرت بصهرين، صهر الفقدان، وصهر الحرمان" .

وتتابع الايام فيما بعد لدى وفاة أبيها الذي تضمخت بطيب قارورته، وتنسمت الرحمة والرأفة في أنفاسه، لتصدم في صميم الاحداث الجديدة، بجنان ثابت يتقاسمه الكمد من جانب والثورة المضادة وقيادتها الفذة من جانب اخر.

وقد استشهدت الزهراء (عليها السلام) مظلومة ليلة الأحد لثلاث خلون من شهر جمادى الثانية من العام الحادي عشر من الهجرة، ولها من العمر ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر، أي بعد وفاة والدها بثلاثة أشهر..

هكذا جاء في بعض الروايات... وفي بعضها الآخر: انها (عليها السلام) استشهدت في 13 جمادى الأولى وهناك روايات أخرى.

وبالرغم من أنها (عليها السلام) فارقت الحياة في عمر قصير، ولكنها باقية إلى ما شاء الله مدرسة للأجيال، ومشعل نور يكشف عن الزيف والاستبداد، ويقارع الطغاة الظالمين، ويقف بوجه كل من يريد طمس معالم هذا الدين الحنيف.
         
فالأمة تستلهم الدروس والعبر من مواقفها (عليها السلام) وبطولاتها كما تستلهم الدروس والعبر من مواقف أبنائها المعصومين (عليهم السلام) ببطولاتهم وحملهم هموم الإسلام، حيث مثلوه خير تمثيل..        

فقد كان لسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) دور كبير في بناء وتدعيم قواعد الدين الإسلامي وتثبيت أركانه، فقد تخصصت بالوقوف جنبا بجنب الرسول الاكرم في إتمام الدعوة الإسلامية ونشرها على اتم وجه، وساهمت مساهمة كبيرة في توجيه النساء وارشادهن الى سبل الإسلام من خلال تربية مجتمع نسوي فذ يمتلك جميع المقومات التي يؤهله لبناء جيل واعٍ يمتلك القوة الكافية للحفاظ على الهيكل الإسلامي للأمة.

ونستطيع ان نقول بأن السيدة الزهراء (عليها السلام) سلطت الضوء على أهمية وجود المرأة في حياة الرجل، ومدى تأثيرها العميق في الحياة الاسرية سواء كانت في موضع الفتاة او الزوجة او الأم.

فنشاهد مواقفها العظيمة مع الرسول الاكرم في أيام الحصار وايام نشر الدعوة الإسلامية، بالإضافة الى دورها الكبير جنبا بجنب زوجها امير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) في أيام المعارك والعوز، وعند تكاتف الظالمين عليه بعد وفاة الرسول (صل الله عليه واله وسلم).

وهكذا يقدم الإسلام المرأة في مقام ريادي، وموقع قيادي، ليؤكد قابليتها واستعدادها للكمال والتفوق، تماماً كما هو الحال بالنسبة للرجل.

واليوم يعيش العالم العربي حالة من التطور الفكري الكبير، حيث شملت اركان عديدة وواسعة من الثقافة والعلم، ولعل النقطة المهمة التي كان لها نصيبا كبيرا في هذه العملية التقدمية هو التركيز حول مكانة المرأة وضرورة تقويم دورها القيادي في المجتمع.

وعلى أساس ان الله خلق كل شخص لهدف وغاية سامية، وان من واجب كل انسان وخصوصاً المرأة تقديم الرسالة الإلهية على اتم وجه، سواء من الناحية الدينية او العلمية والإنسانية، إضافة الى انها تعتبر اللبنة الأساسية لبناء المجتمع اذن هنالك مسؤوليات وامور كثيرة تترتب عليها، وبلا شك لإنجاز هذه النقاط المهمة عليها ان تتحلى بطموحات كبيرة تساعدها في اكمال المسيرة التي كلفت بها من اجل خدمة البشرية.

وتواجه المرأة المسلمة في هذا الزمن تحديات كبيرة، جعلت افكارها التي تؤمن بها بكل بساطة موضع اختبار، وعرضت شخصيتها الإسلامية الى محاولات شتى من التمزيق والتشويه، وبمقدار التحدي لا بد أن تكون الأعباء، التي ربما ينوء بها كاهل المرأة المسلمة، وهي في هذا مجال رد التحدي وحمل أعبائه تحاول فرض وجودها في قبال الموجودات الزائفة، والايقونات المشوهة التي صنعها اعلام الغرب الوهمي، ويجب ان تسعى المرأة المسلمة بعقلها وقيادتها الفذة على تذويب هذه الرتوش الوهمية التي تحاول صنع نماذج سلبية للجيل القادم، فهي حرب عنيفة وهائلة يتعرض لها الجيل برمته، ومن واجب النساء المسلمات القياديات رد الاعتبار الإسلامي وتعديل الانحراف الذي لحق الشخصية المسلمة في الساحة العالمية عن طريق زيادة الوعي وتنوير المسلمين وتسليط الضوء على القدوات المسلمات اللاتي تركن بصمة كبيرة في التاريخ والسعي في السير على نهجهن بخطوات ثابتة وركيزة.

وتبقى إرادة المرأة في تحدي الصعوبات والوصول الى المبتغى الالهي هو العامل المساعد الاكبر لتحقيق ذاتها، فإذا ارادت المرأة شيئاً وآمنت به وبقدراتها لا يمكن لأي حاجز ان يحد من سقف طموحاتها او يقف حاجزا بينها وبين حلمها، خصوصاً اذا كان الهدف سامياً وقربة الى الله تعالى، وبلا شك حينها ستتحول كل المصاعب بالصبر الى حلاوة، وسيزهر الله طريق الخير بالورد والياسمين وستزهر الأمة بوجود نماذج قيادية قدوتهنَّ الزهراء (سلام الله عليها) يسرنَّ على خطاها في اثبات الحق والمساهمة في بناء هيكل إسلامي قوي يزرع اصوله في ربوع العالم.

قراءة 266 مرة