المأمون رجل ذكي، وهذا ما يمكن أن نفهمه من إسناد ولاية العهد للإمام عليه السلام، وحقاً يجب القول أن سياسة المأمون كانت تتمتع بتجربة وعمق لا نظير له، لكن الطرف الآخر الذي كان في ساحة الصراع كان الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام وهو نفسه الذي كان يحول أعمال وخطط المأمون الذكية والممزوجة بالشيطنة إلى أعمال بدون فائدة ولا تأثير لها وإلى حركات صبيانية كما سنرى في الكلام عن ولاية العهد وهناك عدة شواهد على هذه الشيطنة، ففي عصره كان يتم ترويج العلم والمعرفة بحسب الظاهر، وكان العلماء يدعون إلى مركز الخلافة، ويبذل المأمون الهبات والمشجعّات للباحثين وذلك لإعداد الأرضية لانجذابهم نحوه، وعلاوة على هذا فقد حاول جذب الشيعة وأتباع الإمام إليه من خلال القيام ببعض الأعمال، فمثلاً كان يتحدّث عن عدة أمور منها:
- أن علياً عليه السلام أكثر أهلية وأولى بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله.
- جعل لعن معاوية وسبه أمراً رسمياً.
- أعاد للعلويين ما غصب من حق السيدة الزهراء عليها السلام في فدك.
وبالنتيجة كان يبذل قصارى جهده لإرضاء الناس حتى يستطيع بسهولة الاستقرار على مركب الخلافة2.
ولاية العهد أهدافها، أسبابها ونتائجها:
بعد مقتل الأمين استلم المأمون الخلافة سنة 198ه، وأسند ولاية العهد للإمام عليه السلام سنة 201 للهجرة، وكان وراء هذا العمل عدة أهداف منها:
1- التهدئة للأوضاع الداخلية:
بعد استلام المأمون الخلافة بسنة واحدة أي 199ه، اندلعت ثورات عظيمة وحركات تمرد واسعة قادها العلويون، حيث خرج أبو السرايا السري بن منصور الشيباني بالعراق ومعه محمد بن إبراهيم ابن إسماعيل الحسني، فضرب الدارهم بالكوفة بغير سكة العباسييّن، وسير جيوشه إلى البصرة وقد توزعت الثورة على عدة جبهات:
جبهة البصرة بقيادة العباس بن محمد بن عيسى الجعفري.
وجبهة مكة بقيادة الحسين بن الحسن الأفطس.
وجبهة اليمن بقيادة إبراهيم بن موسى بن جعفر عليه السلام.
وجبهة فارس بقيادة إسماعيل بن موسى بن جعفر عليه السلام.
وجبهة الأهواز بقيادة زيد بن موسى.
وجبهة المدائن بقيادة محمد بن سليمان([1]).
ولذلك كان الهدف الأول من دعوة الإمام عليه السلام إلى خراسان تحويل ساحة المواجهة العنيفة والملتهبة إلى ساحة مواجهة سياسية هادئة.
2- سلب القداسة والمظلومية عن الثورة:
الشيعة لم يكونوا يعرفون التعب أو الملل في المواجهة ولم تكن ثورتهم لتقف عند حد. وهذه المواجهات كان لها خاصيتين
الأولى: المظلومية.
الثانية: القداسة([2]).
المظلومية التي كانت تتمثل بانتزاع الخلافة والاضطهاد والقتل الذي تعرض له أئمة أهل البيت عليهم السلام من عهد مولانا الإمام علي عليه السلام إلى عهد مولانا الرضا عليه السلام وما بعده.
أما القداسة: فهي التي يمثلها الإمام المعصوم من خلال ابتعاده عن أجهزة الحكم وقيادة الناس وفقاً لمنهج الإسلام المحمدي الأصيل.
إن المأمون العباسي حاول من خلال ولاية العهد أن يسلب هذه القداسة والمظلومية اللتان تشكلان عامل النفوذ الثوري في المجتمع الإسلامي.
لأن الإمام عندما يصبح ولي عهد سينضم حسب تصور المأمون إلى أجهزة الحكم وينفذ أوامر الملك في التصرف بالبلاد إذن فهو لم يعد لا مظلوماً ولا مقدساً.
3- إضفاء المشروعية على الخلافة العباسية:
إنَّ بيعة المأمون عليه السلام وقبول الإمام بذلك يعني حصول المأمون على اعتراف من العلويين، على أعلى مستوى بشرعية الخلافة العباسية وقد صرح هو بذلك " فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا".
لأن هذه البيعة تعني بالنسبة للمأمون: أن الإمام يكون قد أقر بأن الخلافة ليست له دون غيره، ولا في العلويين دون غيرهم ولذلك إن حصول المأمون على هذا الاعتراف ومن الإمام عليه السلام خاصة، يعتبر أخطر على العلويين من الأسلوب الذي انتهجه أسلافه من أمويين وعباسيين ضدهم، من قتلهم وتشريدهم، وسلب أموالهم([3]).
وهناك أهداف كثيرة ذكرت في الكتب للبيعة كأن يكسب المأمون سمعة معنوية وصيتاً بالوقار والتقوى، وأن يتحول الإمام إلى حامي ومرشد للنظام إلى غيرها من الأهداف.
([1]) تاريخ الإسلام، المنظمة العالمية للحوزات، ج3، ص161 160.
([2]) راجع: الخامئني، السيد علي، الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت عليه السلام، ص 191 190(بتصرف).
([3]) الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام، (م. س)، ص 238 - 239.
2024-05-17