نصرة المسلمين على ضوء مدرسة أهل البيت(ع)

قيم هذا المقال
(1 Vote)

نصرة المسلمين على ضوء مدرسة أهل البيت(ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين.

 

تحدّيات خطيرة في ساحة المسلمين

في العقود الأخيرة من القرن العشرين بدأت بوادر نهضة إسلامية تحررية في أرجاء مختلفة من العالم ـ وخصوصاً في أعقاب انتصار الثورة الإسلامية في إيران ـ وأخذت تلك النهضة والصحوة تشق طريقها في أوساط المسلمين وغيرها.

في المقابل أخذت القوى الوضعية «المعسكر الشرقي ـ المعسكر الغربي» بالتراجع غير أنها ما لبثت أن وثبت لتستعيد قوّتها بشتى الوسائل، أخذت تخطط في الخفاء وفي العلن لإحكام قبضتها الاستعمارية والاستغلالية، وبعد حين من الدهر تبدّى في واقع المسلمين تحديات خطيرة طلع قرنها على شكل خلافات غير مببرة بين المسلمين، ومواقف هزيلة من بعض القوى الرسمية، ومآسي فرضت نفسها على واقع المسلمين; ففي فلسطين يعيش أهلها في حصار وقتل ودمار، ويسعى الكيان الصهيوني الغاصب لمنح الفلسطينيين وطناً أصغر من حبّة قمح، ويقوم الآن بتهويد المعالم الإسلامية في القدس وغيرها و.. و...

وفي أفغانستان تتحرك جيوش الغرب في هذا البلد بزعامة أمريكا، وتقتل مَن تشاء بغير حساب، ومنذ أكثر من تسعة أعوام وتلك الجيوش تعيش فساداً في هذا البلد المسلم.وسعت تلك القوى الغربية الاستعمارية لنقل نفوذها وسيطرتها إلى باكستان بذريعة محاربة الإرهاب المزعوم والموهوم; وبالفعل انتهكت سيادة البلد، وقُتِلَ الكثير من أبنائه بشكل عشوائي.

وأخيراً نزلت بهذا البلد السيول فأتت على ما يكون وأهلكت الحرث وبعضاً من النسل فأصبحوا في حالة من الحرمان والبلاء، وهم بحاجة الى مَن يمدّ لهم يد العون والمساعدة.

أمّا في العراق فما أن وطئت جيوش الغرب أرض هذا البلد حتّى أخذت الفوضى والنزاعات والقتل بالانتشار، وأخذت الأُمور بالإنحدار والتدحرج من سيء إلى أسوأ.

نعم إنّهم يديرون فوضى تعود أرباحها الى تلك القوى القادمة من بعيد.

وفي الصومال لازال هذا البلد نهباً لصراعات حادة تسير به إلى شفير الهاوية.

وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ كشف الجمهورية عن الوجه القبيح للغرب حيث أنّهم وقفوا موقفاً سياسياً استعمارياً في وجه المفاعل النووي السلمي ، إذ أنهم قاموا بتعريف هذا المفاعل على أنه مفاعل لتصنيع الأسلحة النووية، وجعلوا الاعلام الغربي كلّه يطبّل في هذا الاتجاه في حين أنه مفاعل مدني وسلمي، وأكد المسؤولون في الجمهورية الإسلامية لمرات وكرّات أنه مفاعل مدني وسلمي وسمحوا للمفتشين التابعين لمنظمة الطاقة النووية بالتفيش ، وكانت التقارير ايجابية، غير أنّهم لا يريدون الاعتراف بذلك فحوّلوه الى مجلس الأمن للدول التي تتهم الجمهورية الإسلامية بأنّها لديها مشروع عسكري ، ومن باب العلم أنّ إيران تعلم جيداً أنّ مشروعها النووي واستخداماته يدخل في مئات المشاريع الصناعية المدنية ، غير أنهم يصرّون على أنه لصنع قنبلة نووية من غير دليل.

وأما في اليمن فقد بدأت فتن جديدة في هذا البلد بالنهوض من مرقدها لزعزعة استقراره وأمنه.

وفي السودان ابتدعوا له مشكلة الجنوب وأردفوها بدارفور، ثم أثاروا الغبار حول حكومته وشعبه.

وفي بلاد أُخرى وأخرى من أرض الإسلام صنعوا لها وصفة خاصة في مطابخهم طبقاً لوضعها وقالبها، ولازالت تلك المؤامرات مستمرة على هذه الأُمة.

وفي بلاد الغرب قدّمت الماكنة الإعلامية تعريفاً للمسلم بأنّه مرادف للإرهاب فأصبح كثير من الغربيين ينظرون للمسلم نظرة مختلفة وفرضوا عليهم قوانين غير أخلاقية من قبيل منع ارتداء الحجاب، ومنع الهجرة، وهدم المنائر، وإتهام كثير منهم بأنّ لهم إرتباط بالإرهاب، وفق كل ذلك فإنّ أذهان المجتمع الغربي أصبحت مهيأة لإلصاق أي تفجير في بلادهم بالمسلمين.

وأساء الغرب استخدام الحرية فأساء بعض منهم إلى معتقدات المسلمين ووفّر الحماية لهم تحت غطاء حرية التعبير، ونشروا الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لشخص الرسول(ص)، وحرق بعضهم نسخاً من القرآن و.. و..

نعم توجد في البين مصلحة مشتركة، وتفكير مشترك يدفع بالقوى المادية في أن تحمل كل هذه الحملة، وتتداعى على الأُمّة الإسلامية، وتلك المصلحة هي نهب تلك الخيرات الوفيرة في الشعوب «الضحية»، تماماً على شاكلة عالم الحيوان حيث يفترس القوي ضحيته ويأخذ نصيبه منها، ومن ثم تأتي الحيوانات الأضعف لتأكل ما بقي من تلك الفريسة، ويكون ذلك على شكل إتفاقيات غير متكافئة يكون السهم الأوفر للدولة الأقوى، ثم تأتي نوبة باقي الدول الأخرى.. إنّها مأدبة دسمة فتحت شهية تلك القوى الشرهة، في حديث ثوبان مولى رسول الله(ص) قال: قال رسول الله: «يوشكُ أن تُداعى عليكم الأُمم من كلّ أُفق كما تداعى الأكلةُ على قصعتها، قال قلنا: يا رسول الله أمن قلّة بنا يومئذ، قال(ص): أنتم يومئذ كثيرٌ، ولكن تكونونَ غَثاءً كغثاء السّيل، تُنتزعُ المهابةُ من قلوب عدوّكم، ويجعل في قلوبكم الوهن»(1).

أصفق أعداء الأُمّة الإسلامية في التحالف ضدّنا، قضايانا، واجتمعت كلمتهم على تشطير أُمّتنا وتشظيتها. من أجل هذا تتجلّى أهمية نصرة المسلمين في حياتنا من خلال تسليط الضوء على بحث أهم ركائز النصرة ومعالمها، وفيما يلى بيان ذلك:

 

ركائز نصرة المسلمين

تقوم وتستقيم نصرة المسلمين عند توفّر ثلاث مرتكزات أساسية، وهي:

أوّلاً: الاهتمام بأُمور المسلمين

المسلمون تغمر وجودهم عاطفة قوية،وحس اجتماعي مرهف يبزغ نوره من خلال إظهار الاهتمام بشؤون المسلمين فقد ورد عن الرسول الأعظم(ص): «مَن أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم»(2).

إنّ المسلم يصبح وهمّه منصرف إلى شؤون المسلمين، ويتردّد فكره في عرصاتهم، ويستولي على وجدانه ذلك الهمّ الإنساني النبيل في كيفية ترجمته الى الواقع العملي.

نعم إنّه الودّ والمحبّة الإلهية للمسلم من أخيه المسلم وقد تعهّد نمو تلك المودة وديمومتها تلك الأحاديث الشريفة التي تبعث في النفس الحياة والأمل وتنتشر بين بني البشر.

جاء عن أبي جعفر(ع) قال: «قال رسول الله(ص): ودّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، ومن أحبّ في الله، وأبغض في الله، ومنع في الله فهو من أصفياء الله»(3).

المؤمنون يتردّدون على ساحات العمل، ويتسابقون في الخيرات، ويؤلمهم أن تقصر يدهم عن سد حاجة لأخ منهم في الدين أو نظير لهم في الخلق، فيشغلهم ذلك الهم الرهيف، ويرقن ذلك في صحائفهم، ويتفضّل الله تعالى عليهم بمنّه فيدخهلم الجنّة لما داخلهم من الهمّ; عن أبي جعفر(ع) قال: «إنّ المؤمن ترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون نده فيهتمّ بها قلبه، فيدخله الله تبارك وتعالى بهمّه الجنّة»(4).

لقد أراد الإسلام من المسلم أن يكون له شغل يشغله بأخيه المسلم أينما يكون، ودون فرق في عرق أو نحلة ينتحلون. إنّه الإسلام العظيم الذي يعلو على تلك الأُطر المصطنعة، يناشد المسلمين سواسية للإهتمام ببعضهم.

 

ثانياً: وجود مجتمع متماسك

سعى الرسول الأعظم لبناء مجتمع تحكمه علاقات اجتماعية رصينة، فآخى بين المسلمين بعد أن كانت تتجاذبهم الخلافات وتتحكّم بمصائرهم النزاعات، وما كان لأحد أن يؤلّف بين تلك القلوب المتنافرة لولا الله تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَاأَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللّهَ ألَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(5).

وانتقل أولئك المسلمون من أشتات متفرقين إلى إخوة متحّابين: {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}(6).

فالإسلام أقام صرح علاقات إنسانية بين المسلمين، وأسّس فيهم بنيان الإخوّة ـ التي لا تقبل التنابذ والتخاصم ـ بغرس الإيمان في نفوسهم، وجعله أساساً في علاقاتهم مع بعضهم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(7).

وفي نفس الاتجاه والشطر الذي حدّدته بوصلة الآيات الإلهية، نثر الرسول الكريم لئاليء وحيه وعلمه، فرسم لهم لوحة الإخوّة المرجوّة كمثل الجسد الواحد; فقال(ص): «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمّى»(8).

إنّه تمثيل رائع للوشائج الاجتماعية التي تصبغ المؤمنين في بنائهم الداخلي، ويعكس هذا التمثيل النبوي مدى التماسك الاجتماعي وأيضاً مدى قوة الجبهة الداخلية في ساحة المسلمين، وتلاحمهم المصيري فهم يشكّلون جبهة إسلامية متنوّعة ومتماسكة الأجزاء {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(9).

وفي أحاديث أهل البيت(ع) وردت كثير من الروايات في باب الإخوّة لها نفس المضمون الذي أشار له الرسول(ص) ; عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبدالله(ع): «إنّما المؤمنون إخوة بنو أب وأُمّ وإذا ضرب على رجل منهم عِرقٌ سهر له الآخرون»(10).

وعن جابر الجعفي قال: تقبضت بين يدي أبي جعفر(ع) فقلت: جعلك فداك ربّما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتّى يعرف ذلك أهلي في وجهي، وصديقي، فقال: «نعم يا جابر إنّ الله عزّ وجلّ خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجري فيهم من ريح روحه، فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأُمّه. فإذا أصاب روحاً من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزن، حزنت هذه لأنّها منها»(11).

نعم يوجد إرتباط عميق فيما بين المؤمنين فيحزن لحزن الآخر الذي هو في مكان آخر، إنّه رباط الاُخوة ووثاق الإيمان ينزل الى قلوب المؤمنين فيصنع منهم أُمّة متوحّدة متماسكة يشدّ بعضها بعضاً.

 

ثالثاً: المثابرة نحو العمل

حثّ سبحانه وتعالى المؤمنين على العمل الصالح في كثير من آياته الكريمة: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...}(12)، وقوله سبحانه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ...}(13)، وقوله تعالى: {إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ...)(14)، وقوله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً}(15) و..

والعمل الصالح قرن بالإيمان في كثير من الآيات: {إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً}(16)، وقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}(17) وغيرها من الآيات الكريمة.

وهذا أمير المؤمنين علي(ع) يؤكّد على العمل الصالح، وأثره في ميدان الحياة الإسلامية، فيقول: «العمل العمل، ثم النهاية النهاية، والاستقامة الاستقامة، ثم الصبر الصبر، والورع الورع. إنّ لكم نهاية فانتهوا الى نهايتكم.. واخرجوا الى الله بما افترض عليكم من حقّه، وبيّن لكم من وظائفه...»(18).

إنّ العمل الذي يحمل صفة الاستقامة فيه نظرة إلى أفق بعيد وهو نهاية الإنسان وآخرته، ويحتاج تجسيده الى ذخيرة من الصبر على طريق الاستقامة، وتحمل لتبعات ذلك العمل الذي ربّما طويت فيه محن. ولذا نجد أمير المؤمنين يحثّ المسلمين الى العمل بوظائفهم، فاليوم يحتاج المسلمون منّا العمل والتنفيذ ولا وقت للإنتظار، فكم من مسلم يَئِنّ تحت وطأة الحصار والدمار كما في أهلنا في غزة التي تستغيث ولا مغيث، وكم من مسلمة حسروا رأسها، ووضع عنها حجابها، لأنّ مظهرها العفيف لا ينسجم وطبيعة القيم الغربية المتحلّلة، {قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوط مِن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}(19).

ثمّ انظروا الى ما نزل بأهلنا في باكستان فقد خسروا أنفسهم وأموالهم من جراء ذلك السيل العرم، والمطر المنهمر عليهم، واستغاثوا ممّا أصابهم فكانت المساعدات دون المستوى المتواضع... وغيرهم الكثير..

ونحن نسأل أبناء أُمّتنا، هل أنّ هذا العمل والعطاء من المسلمين يتناسب مع ما منحنا الله تعالى من رزقه العميم الكريم؟

وهل أن «اعملوا» حدودها تقتصر على المساعدات المادية أم غير ذلك؟

 

معالم نصرة المسلمين

تتبدّى معالم نصرة المسلمين، في الأخذ بالخطوات التالية، وأهمّها:

1 ـ تقديم النصح للمسلمين

على المسلم إسداء النصح الى إخوانه المسلمين، قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}(20)، وقال أمير المؤمنين(ع): «ولا تدّخروا أنفسكم نصيحة»(21) ولايمنع نفسه عن نصيحة، فإن النصيحة مركباً لوطئ الجادة الصحيحة.

لقد علّمنا الرسول الأعظم(ص): «الدين النصيحة»(22) فينبغي إيصال النصيحة والإرشاد الى الجميع وأن يكون ذلك النصح والقول سديداً، ففي وصية أمير المؤمنين لولديه الحسن والحسين(ع) قال: «وقولا بالحقّ، واعملا للأجر...»(23).

وورد عن أبي عبدالله عن آبائه عن علي(ع) قال: «قال رسول الله(ص): أنسك الناس نسكاً أنصحهم حبّاً، وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين»(24).

إنّ العبادة ونسكها يترشّح منها النصح الى المسلمين بقلب سليم ملئه الحبّ والرحمة بهم جميعاً، فهو مجبول على مودّتهم، ومصقول على نصحهم.

وما أحرى بالمسلمين اليوم من التواصي بالحقّ والتواصي بالصبر من خلال الإعلام المقروء والمسموع والمرئي في نصرة بعضهم وإسعادهم بالنطق والنصيحة، وإظهار مظلوميتهم وكيفية رفعها، أو التخفيف من عبئها، لا سيّما ما يجري على المسلمين في فلسطين والتي دعا الإمام الخميني الراحل+ في أكثر من مناسبة لنصرتهم كما دعا الدول الإسلامية: أن تلزم الجدّية في هذا الصراع المقدّس، وأن¬ تقوّي إرادتها، وتستقيم وتصمد في نهجها، وأن لا تغفل عن التواصي بالحقّ والتواصي بالصبر الذي يعتبر من الأوامر الإلهية للمسلمين(25).

 

2 ـ الدفاع عن المسلمين

المسلمون يدٌ واحدة في مقابل أعدائهم، وعليهم تقع مسؤولية الدفاع عن بعضهم البعض، فلو تعرّض واحد منهم الى تظلّم كان حقيقاً عليهم نصره ومؤازرته وقد ورد عن أمير المؤمنين قال: «قال رسول الله(ص) من ردّ عن قوم من المسلمين عادية ماء أو نار وجبت له الجنّة»(26).

وكان الإمام علي(ع) قد وصّى بنيه الحسن والحسين‘ يقول: «وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً..»(27).

إنّه يدفع بولديه نحو مقارعة الظلم والوقوف بوجه كلّ تجاوز وتعدّي على الآخرين بغض النظر عن هويتهم الدينية والقومية، فأمير المؤمنين(ع) لم يقل: «وللمسلم عوناً» بل قال: «وللمظلوم عوناً» إنّها نصرة للإنسان من أخيه الإنسان في وجه الظلم.

ومعلوم أن النصرة لا تقتصر على القول وحسب، بل تتعدى الى مجالات أخرى كالجود بالنفس، أو التبرّع بالدم أو المال وما الى ذلك.

ولاشك إنّ المسلمين عندما يكون بعضهم لبعض ظهيراً فإنّ يد الطامعين والظالمين والمستعمرين سوف لا تمتدّ إليهم، أمّا إذا كان المسلمون لكلّ امريء منهم شأن يغنيه، فإنّ هذا الإنكفاء سوف تكون له مردودات سلبية كبيرة على واقع المسلمين، وقد نبّه أمير المؤمنين(ع) على هذا الشرّ المستطير بقوله: «أيّها النّاس لو لم تتخاذلوا عن نصرة الحقّ، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقو من قوي عليكم»(28). إذن لا مجال للنكوص عن نصرة الحقّ وأهله، ولا فسحة عيش كريم إلا بالاعتصام بحبل الإخوّة والنصرة فيما بيننا في وجه كلّ معتد أثيم.

 

3 ـ رعاية حقوق المسلمين

للمسلمين سلوك يجسّد في مفصل منه رعاية حقوق الآخرين في كثير من مفردات الحياة، ففي الحديث عن علي(ع) قال: «قال رسول الله(ص) للمسلم على أخيه المسلم ثلاثون حقّاً لا براءة له منها إلا بأداء العفو يغفر زلّته، ويرحم عبرته، ويستر عورته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته ويردّ غيبته.. ولا يسلّمه ولا يخذله...»(29).

فالمسلم له مكانة في قلب المسلم، وقد حدّد الرسول الأعظم(ص) للمسلمين ما بينهم من الحقوق، وجعل لهم إطاراً نورياً يمشون به في الناس فمنهم في حصانة منيعة، ومكانة رفيعة بما أوتوه من الحقوق ; حتّى أن¬ّ الله تعالى ينظر الى تلك الحقوق التي بين عباده بعين رحمته، ويكون قريباً من عبده عندما يرعى تلك الحقوق أو يهتم بها، فقد ورد عن الرسول(ص) أنّه قال: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال ياربّ كيف أعودك وأنت ربّ العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنّك لو عدته لوجدتني عنده. يابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا ربّ وكيف أطعمك وأنت ربّ العالمين؟ قال: أما علمت أنّه استطعمتك عبدي فلاناً فلم تطعمه أما علمت أنّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. يابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال ياربّ وكيف أسقيك وأنت ربّ العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلاناً فلم تسقه أما أنّك لو سقيته وجدت ذلك عندي»(30).

ذكر ابن شهر آشوب نقلاً عن الزهري: لما مات زين العابدين فغسّلوه وجد على ظهره محل فبلغني أنّه كان يستسقي لضعفة جيرانه بالليل. وفي حليّة الأولياء قال عمرو بن ثابت: لما مات علي بن الحسين فغسّلوه جعلوا ينظرون الى آثار سواد في ظهره وقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطي فقراء أهل المدينة. وفي روايات أصحابنا: أنّه لما وضع على المغتسل نظروا الى ظهره وعليه مثل ركب الإبل مما كان يحمل على ظهره الى منازل الفقراء.

وكان(ع) إذا انقضى الشتاء تصدّق بكسوته، وإذا انقضى الصيف تصدّق بكسوته، وكان يلبس من خز اللباس، فقيل له: تعطيها مَن لا يعرف قيمتها ولا يليق به لباسها فلو بعتها فتصدّقت بثمنها، فقال: «أنّي أكره أن أبيع ثوباً صلّيت فيه»(31).

هذه الأحاديث وغيرها تدعو المسلمين الى الاهتمام بحقوق الآخرين وتفعيلها في حياتهم العملية. وما أجدر بالمسلمين اليوم في تقديم شتى أشكال الدعم رعاية لتلك الحقوق، وما أشدّ حاجة المسلمين اليوم الى إرسال التجهيزات الطبية والمعونات العلاجية والمادية، أو زيارتهم وعيادتهم ومواساتهم بالإلتفات إليهم و.. و..

 

4 ـ تقديم الخدمة والمنفعة للمسلمين

هناك خدمات يقدّمها المسلمون من باب كسب الأجر والتقرب الى الله تعالى ونفع المسلمين كالخدمات المجّانية في مساعدة الآخرين كما هو في إقراض الآخرين، قال تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}(32).

فالمسلمون اليوم بحاجة الى القيام بخطوة عملية في تأسيس صندوق نقد إسلامي يتكفّل بمساعدة المتضرّرين من المسلمين من جرّاء الحوادث الإنسانية أو الكوارث الطبيعية، وهم بهذا يقدّمون خدمة لبعضهم، وسيضاعف الله لهم العمل والأجر والثواب ويجعل في ذلك البركة، عن جميل بن دراج قال: سمعته يقول: «المؤمنون خدم بعضهم لبعض، قلت: وكيف يكونون خدماً بعضهم لبعض؟ قال: يفيد بعضهم بعضاً...»(33).

كما أنّ المسلمين اليوم بحاجة الى تأسيس فضائيات وقنوات إعلامية مشتركة تحت رعاية المسلمين أنفسهم، أو بعض الدول الإسلامية وتتولّى الدفاع عن قضايا المسلمين وتهتمّ بأمر الوحدة وبشكل خاص فيما بين المسلمين من أجل إرشادهم نحو الصراط السوي السليم; فقد جاء عن أبي عبدالله(ع) قوله: «إن¬ّ المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله»(34).

 

5 ـ الإيثار لمصالح المسلمين

الإيثار من المفاهيم الأخلاقية والتربوية التي رافقت حياة المسلمين، وقد ذكر الله تعالى للمؤمنين إيثارهم بقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}(35).

فهذا الإيثار يعبّر عن روح التضحية، والتخطّي للحدود الذاتية الى الحدود الإنسانية العالية، وهذا المبدأ يعبّر أيضاً عن عمق الإيمان في إيثار مصلحة الآخرين على مصلحته، عن أنس أن النبي(ص) قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه»(36).

وفي الرواية عن أبان بن تغلب جاء إليه أحد أصحابه في حاجة وكان أبان برفقة الإمام الصادق(ع) فقال له الإمام(ع): «يا أبان تقاسمه شطر مالك، ثم نظر إليَّ فرأى ما دخلني، فقال: يا أبان أما تعلم أن¬ّ الله عزّ وجل قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟ قلت: بلى جعلت فداك، فقال: أما إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد، إنّما أنت وهو سواء إنّما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر»(37).

إنّ مفهوم الإيثار لو تم تطبيقه بين المسلمين لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم بما كانوا يعلون ويؤثرون.

أمّا إذا لم يلتزم كثير من المسلمين بمبدأ التضحية والإيثار فذلك لا يعني سقوط التكليف عنهم بل هم مطالبون بالعمل به أو بما يستطيعون فعله، فهذه الآية والأحاديث التي تحثّ المسلمين على الإيثار تبقى قائمة وشاهدة على النّاس حتى لو تنصّل فريق منهم عن العمل بها. وعليه فمن باب التذكير بمبدأ الإيثار ـ الذي عمل به صدور هذه الأُمّة فأفلحوا ـ فإنّ له فاعلية في توثيق الصلة بين المؤمنين وترسيخ الإيمان في ساحتهم وتقوية الفقراء في مقاومة شدّة الفقر، وشد أزر المعوزين بما تجود به أنفس المؤمنين من إيثار.

 

الخاتمة

يواجه المسلمون اليوم تحدّيات خطيرة من جميع الاتجاهات، وكلّ تلك التحدّيات إن لم يتداركها المسلمون بالنصح والوحدة والعمل فسوف ينعكس ذلك سلباً على أُمتهم وحياتهم.ولا يمكن للأُمّة أن تنهض من جديد إلا بالتمسّك بقيمها الأصيلة، وتقديم الحلول الصحيحة من خلال دراسة أوضاعها وتحديد مكامن الضعف والخلل فيها، وتقوية نقاط القوّة في هذه الأُمّة المتأثرة والمنفعلة بما يلقى إليها.

إنّ من معالم نصرة المسلمين إسداء النصح الخالص الصحيح لهم، والدفاع عنهم وعن حقوقهم في المحافل الدولية سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية وغيرها.

نعم إنّ خدمة المسلمين تعد هدفاً مقدّساً من خلال بذل الخدمات المتعددة له في بلاد الله العريضة، ويجب أن تكون لدينا آليات للتواصل مع بعضنا وتقديم الخدمات اللازمة للمتضرّرين والجلوس معهم في خندق المواجهة والصمود.

نعتقد أنّ المسلم الواقعي هو الذي يؤثر مصلحة المسلم على نفسه بل مصلحة المسلمين وتقديمها على مصالحه الخاصّة، وقد عمل صدور هذه الأُمّة بتلك المبادئ السامية فكانوا كما وصفهم الباري تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(38).

محمد عيدان العبادي

 

الهوامش:

(1) مسند أحمد 5: 278، حديث ثوبان.

(2) الكافي 2: 163، باب الاهتمام بأُمور المسلمين والنصيحة لهم، ح1.

(3) المحاسن 1: 263.

(4) الكافى 2: 196، باب السعي في حاجة المؤمن، ح14.

(5) الأنفال: 63.

(6) آل عمران: 103.

(7) الحجرات: 10.

(8) صحيح البخاري 7: 77، كتاب الأدب.

(9) الصف: 4.

(10) الكافي 2: 16، باب اُخوّة المؤمنين بعضهم لبعض، ح1.

(11) الكافي 2: 165، باب اُخوّة المؤمنين بعضهم لبعض، ح2.

(12) التوبة: 105.

(13) فاطر: 10.

(14) الأنعام: 135.

(15) سبأ: 13.

(16) الشعراء: 227.

(17) سورة ص: 24.

(18) نهج البلاغة: الخطبة 176.

(19) النمل: 56.

(20) العصر: 3.

(21) نهج البلاغة: الكتاب ، 51.

(22) صحيح البخاري 1: 20، كتاب الإيمان.

(23) نهج البلاغة: الوصية رقم 47.

(24) مشكاة الأنوار: 318.

(25) نداء الإمام الخميني(قده) الى الدول والشعوب الإسلامية، في رمضان سنة 1393 هـ . ق.

(26) الكافي 5: 55.

(27) نهج البلاغة: الوصية 47.

(28) نهج البلاغة: الخطبة 166.

(29) كنز الفوائد: 141.

(30) صحيح مسلم 8: 14، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن.

(31) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب 3: 294، وانظر: سير أعلام النبلاء 4: 393، البداية والنهاية 9: 133 وغيرها من المصادر.

(32) البقرة: 245.

(33) الكافي 2: 167، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض، ح9.

(34) المصدر السابق 2: 166، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض، ح8.

(35) الحشر: 9.

(36) المعجم الأوسط 8: 167.

(37) الكافى 2: 171، باب حقّ المؤمن على أخيه وأداء حقّه، ح8.

(38) عمران: 110.

 

فهرس المصادر

1 ـ البداية والنهاية، ابن كثير الدمشقي (ت 774 هـ)، تحقيق علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت ط1 ـ 1408.

2 ـ سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي (ت 748 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9 ـ 1413 هـ .

3 ـ صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ)، دار الفكر، بيروت، سنة الطبع 1401 هـ .

4 ـ صحيح مسلم، مسلم النيسابوري (ت361 هـ)، دار الفكر، بيروت.

5 ـ الكافى، محمد بن يعقوب الكليني الرازي (ت 329 هـ)، تحقيق علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط 4 ـ 1365 ش.

6 ـ كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي (ت 449 هـ)، مكتبة المصطفوي، قم، ط2 ـ 1369ش.

7 ـ المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 274 هـ)، دار الكتب الإسلامية، طهران، سنة الطبع 1370 هـ.

8 ـ مشكاة الأنوار، علي الطبرسي، دار الحديث، قم، ط 1 ـ 1418 هـ.

9 ـ مسند أحمد، الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ)، دار صادر، بيروت.

10 ـ مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (ت 588 هـ)، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، سنة الطبع 1376 هـ / 1956م.

11 ـ المعجم¬الأوسط، الطبراني (ت 360 هـ)، دار الحرمين للطباعة، سنة الطبع 1415 هـ .

12 ـ نهج البلاغة، الإمام علي(ع)، شرح محمد عبده، دار الذخائر، قم، ط 1 ـ 1412 هـ .

13 ـ نداء الإمام الخميني(ره) الى الدول الإسلامية، في رمضان سنة 1393 هـ. ق.

قراءة 5025 مرة