سيرة‌ جناب "حفصة"

قيم هذا المقال
(1 Vote)

هي السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزي، وامها زينب بنت مظعون شقيقة الصحابي الجليل عثمان بن مظعون.

ولدت السيدة حفصة بنت عمر في العام الذي قام فيه بنو قريش بإعادة بناء الكعبة، وكانت تلك الواقعة قبل خمس سنوات من البعثة النبوية الشريفة. اي عندما وضع الرسول الاعظم (ص) حدا بتدبيره وبصيرته الفائقين لخلافات قريش ونزاعاتها حول إعادة وضع الحجر الاسود في مكانه على ركن الكعبة.

زواجها من خُنَيس:

وبعد بلوغها سن الرشد والتكليف اقترنت السيدة حفصة بأحد الشباب المسلمين الملتزمين يدعى خُنَيس بن حذافة. وما ان دخل الزوجان بيت الزوجية تضاعفت إيذاءات مشركي قريش لصحابة النبي الاكرم(ص) حتى انه اشار على اصحابه بالهجرة الى الحبشة للإبتعاد والتخلص من كل تلك التحرشات والإيذاءات. وكان من جمله المهاجرين الى الحبشة الصحابي خنيس زوج حفصة بنت عمر بن ا لخطاب . وما ان عاد خنيس الى مكة ثانية تصاعدت ايذاءات مشركي قريش له ثانيهة الامر الذي حمل الرسول الاكرم (ص) ليشر عليه وزوجته حفصة وبعض اصحابة بالهجرة الى يثرب(المدينة المنورة). فلبث خنيس وزوجته فيها الى جانب باقي انصار الرسول، و مع التحاق النبي الاكرم والركب الذي رافقه بالانصار الى المدينة شعر خنيس واصحابه بالراحة والاطمئنان في المدينة اكثر من ذي قبل.

استشهاد خنيس وترمل السيدة حفصة:

لقد دافع مجاهدوا الصدر الاول للاسلام عن دينهم بكل ما يملكون من قوة وعدة في غزوة بدر الكبرى ونصروا دين الله فأثابهم الله بالنصر المؤزر رغم قلتهم وكثرة عدد المشركين. وكان الصحابي خنيس بن حذافة زوج حفصة بنت عمربن الخطاب من بين اولئك المجاهدين المنتصرين الا انه كان تحمل جراحات كثيرة جعلته جليس الدار بعد عودته مع باقي المجاهدين والجرحى الى المدينة المنورة، الا انه استشهد متأثرا بالجراح بعد فترة من ذلك لكثرة جراحاته. وقد حضي بخدمة الرسول الاكرم (ص) ليقوم بتجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه الى جانب قبر عثمان بن مظعون في مقبرة جنة البقيع الغرقد.

زواج حفصة من رسول الله:

بعد استشهاد خنيس بن حذافة بعيد غزوة بدر، احس عمر بن الخطاب بالمتاعب والمصاعب التي تحملتها ابنته حفصة بعد استشهاد زوجها فما ان اكملت عدتها حتى تقدم بنفسه ليختار زوجا آخر لها، فقصد ابا بكر واقترح عليه قضية زواجه من ابنته حفصة، إلا انه رفض الفكرة فراح عمر الى عثمان بن عفان وكان بدوره على نفس الطريقة وقال لم يكن في مخيلتي الزواج في مثل هذه الايام.

فتأثر عمر من موقف ابي بكر وعثمان وراح ينقل ما حدث للرسول(ص). فلما سمع النبي ما نقله عمر عن قصة ابنته قال:"يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة)ومضت بضعة ايام حتى تقدم الرسول الاعظم (ص) لخطبة حفصة من ابيها عمر بن الخطاب وكان ذلك في شهر شعبان من السنة الثالثة للهجرة النبوية الشريفة. وبذلك تشرفت حفصة بصحبة النبي(ص) والزواج منه ثم اقدم عثمان على الزواج من ام كلثوم ثاني بنات النبي بعد ان توفيت زوجته الاولى رقية بنت رسول الله.

عادات وتعاملات نسوية:

من الواضح ان المنافسة والحسد كانا يطفحان على تعامل زوجات الرسول(ص)، لكنه كان يدبر الموقف ويعالجه بالحكمة والعطف والرأفة. فعلى سبيل المثال كان للرسول (ص) جارية تدعى ماريا القبطية، وهبها له عظيم مصر قيصر ملك الاقباط، وقد حظيت بصحبة النبي والزواج. وماريا هذه كانت غالبا ما تصبح عرضة لحسد ومنافسة بعض زوجات الرسول حتى ان الصحابي انس بن مالك يروي ان عائشة وحفصة كانتا تسعيان ليبعد النبي الاكرم ماريا عن حياته ويحرمها على نفسه، حتى نزلت الآية ا لاولى من سورة التحريم لتقول: " بسم الله الرحمن الرحيم يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضات ازواجك والله غفور رحيم. (التحريم1)

حتى ان بعض الاحاديث تؤكد بأن الرسول (ص) ذات مرة طلق حفصة وابعدها عن حياته لشدة تعاملاتها غير المناسبة لشخصية النبي، إلا ان رحمته شملتها مرة اخرى واعادها ثانية الى حياتها الزوجية وتنازل عن طلاقها... الامر الذي جعل حفصة تندم على فعلتها وتبقى طائعة لتوجيهات وارشادات النبي الاكرم(ص).

حتى عرف عنها بأنها تصوم النهار وتقوم الليل، وبالعبادة لله لتكسب رضى النبي بذلك، كما اخذت عن الرسول الفقه والعلم ونقلت عنه بعض الاحاديث.

علم و فقه السيدة حفصة:

كانت السيدة حفصة حافظة للقرآن، كما نقلت الكثير من الاحاديث عن الرسول الاكرم(ص)، حيث يقال انها روت ستين حديثا عن الرسول (ص) جاء ثلاثة منها بشكل دقيق في صحيحي البخاري ومسلم. فيما انفرد مسلم في نقل ستة احاديث عنها ايضا.

واشتهرت حفصة بمكانتها العلمية والفقهية اضافة الى تقواها حتى اضحت محط اهتمام الخلفاء إبان فترة الخلافة الراشدة. خاصة في زمن خلافة ابيها عمر بن الخطاب حيث كان يرجع اليها في الكثير من الآراء والنظريات الفقهية. كما انها تمتعت بمكانة مهمة لتكون مصدرا للحديث النبوي، لدى الكثير من الصحابة. حتى قيل ان شقيقها عبدالله بن عمر كان كثيرا ما يرجع اليها ويأخذ العلوم منها. ولما تم تدوين القرآن وتوحيد كتابته على عهد الخليفة الاول ابي بكر، تم اختيار السيدة حفصة لتكون الراعية والمحافظة على القرآن الكريم.

ويقال انها كانت تزهد في امور الدنيا حتى ان حياتها لم تتغير في عهد خلافة ابيها عمر وظلت حياتها بسيطة. وما ان اغتيل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، اشارت عليها عائشة بالخروج لثأرعثمان فطاوعتها وايدتها الا ان شقيقها عبدالله بن عمر منعها من الخروج الى جانب عائشة، وظلت حفصة ملتزمة الدار طيعة لرأي اخيها رغم انها عُرفت قبل ذلك بتقديم النصيحة له اكثر من مرة.

ومضت الايام والسنون حتى شاخت وهرمت السيدة حفصة وضعفت قواها، ثم مرضت بالمرض الذي وافتها المنية اثره وهي في تمام العقد السادس من العمر. وكان امير المدينة آنذاك المروان بن الحكم الذي صلى عليها و واكب تشييع جثمانها الى مقبرة جنة البقيع الغرقد، حيث دفنت الى جانب اخويها عبدالله وعاصم ابنا عمر بن الخطاب.

قراءة 5337 مرة