ولادة الإمام علي بن موسى الرضا (ع) (11/ ذي القعدة / السنة 148 هـ)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ولادة الإمام علي بن موسى الرضا (ع) (11/ ذي القعدة / السنة 148 هـ)

الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا(ع)   ([1]) ثامن أئمة أهل البيت، ولد في المدينة المنورة في الحادي عشر من ذي القعدة سنه (148 هـ)، أبوه الإمام موسى بن جعفر(ع)   ، وأمه خيزران، وقيل نجمة، وتكنَّى بأم البنين، وقيل غير ذلك، استشهد (ع)    بطوس متأثراً بسّم دسه إليه المأمون في نهاية صفر سنه (203 هـ) على المشهور، أو في السابع عشر منه كما في خبر آخر، وقضى أكثر عمره في مدينة جده، إلى أن استدعاهُ المأمون سنة (200 هـ) إلى خراسان، ليكون ولياً للعهد وخليفة من بعده، فعاش فيها ثلاث سنوات من عمره الشريف، إلى أن توفي ودفن فيها، ولم يترك الإمام (ع)    إلا ولداً واحداً هو الإمام الجواد(ع)   ، بناءً على (الإرشاد) للشيخ المفيد وله أربع بنون وبنت واحدة على رواية (كشف الغمة) للأربلي.

إمامة الإمام الرضا(ع)   :

قام الإمام الرضا(ع)    بعد أبيه بإمامة المسلمين عشرين سنة، قال الشيخ المفيد: كان الإمام بعد موسى بن جعفر: «ابنه علي بن موسى الرضا(ع)    فضله على جماعة إخوته وأهل بيته وظهور علمه وحلمه، وورعه، واجتماع الخاصة والعامة على ذلك منه، ومعرفتهم به، ولنص أبيه (ع)    على إمامته من بعده وأشار إليه بذلك دون إخوته وأهل بيته»([2])، وبالإضافة إلى النصوص العامة على إمامة الأئمة الاثني عشر من النبي(ص) ، فلقد كان كل إمام ينص على الإمام من بعده ويُبّينُه للمسلمين وشيعته، حتى لا يدَّعي الإمامة أحد من بعده.

من خصائص الإمام الرضا(ع)وصفاته:

لابد وأن يكون الإمام المعصوم، جامعاً لجميع العلوم والمعارف الإلهية والطبيعية، والفضائل والمكارم الأخلاقية، ليكون مناراً يهتدى به، وأسوة لجميع الناس يقتدى به، لأنّه حجة اللّه في أرضه على خلقه، ويجب أن يكون في جميع هذه الخصائص والصفات أعلى من غيره لتتم الحجة.

والإمام الرضا(ع) كجده المصطفى (ص)  وآبائه الأئمة البررة، قد اتصف بجميع تلك الخصال والصفات الحميدة، ولم تكن صفة يسمو بها الإنسان نحو الكمال إلاّ وهي موجودة فيه.

أما أخلاقه؛ فيقول إبراهيم بن العباس الصولي: «ما رأيت أبا الحسن الرضا(ع) جفا أحداً بكلمة قط، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما ردَّ أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مد رجله بين يدي جليس له قط، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط، ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط، بل كان ضحكه التبسم، وكان إذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه، وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول: ذلك صوم الدهر، وكان (ع) كثير المعروف والصدقة في السّر، وأكثر ذلك منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه»([3]).

وأما علمه: فقد أحاط الإمام بجميع العلوم، وكان أعلم أهل زمانه، وذلك مما اشتهر وهو الشيء البارز في شخصية الإمام (ع) لا يستطيع أن ينكره أحد، وقد لقّب بعالم آل محمد، وقد اعترف المأمون بنفسه أكثر من مرة، وهو من العلماء البارزين، وفي مناسبات عديدة أن الإمام الرضا(ع) أعلم أهل الأرض.

ومن مظاهر علم الإمام ومعرفته التامة؛ إخباره عن كثير من الملاحم والأحداث قبل وقوعها، ومن جملة ما أخبر يحل بهم، وقتل الأمين على يد أخيه المأمون، وقتل المأمون له، وقد تحقق كل ما اخبر به.

ومن مظاهر علم الإمام (ع) مناظراته في البصرة، والكوفة وخراسان مع علماء اليهود والنصارى، والمسلمين، والتي اعترف له فيها جميع هؤلاء العلماء بالفضل والعلم والتفوق عليهم([4]).

أقوال العلماء وأهل السنة في الإمام الرضا(ع):

قال محمد بن عمر الواقدي (ت: 207هـ): «سمع علي الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم، وكان ثقة يفتي بمسجد رسول الله(ص)  وهو ابن نيف وعشرين سنة، وهو الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة»([5]).

وقال الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241هـ)، معلّقاً على سند فيه الإمام الرضا(ع): «لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنونه»([6]).

وجاء في كتاب (الثقات) لابن حيان (ت: 354هـ): «وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبي الحسن، من سادات أهل البيت وعقلائهم، وجلة الهاشميين ونبلائهم.. ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته..

وقبره بسناباد خارج النوقان مشهور يزار، قرب قبر الرشيد، قد زرته مراراً كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا استجيب لي وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جرّبته مراراً فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين»([7]).

وهكذا تحدث الحاكم النيسابوري (ت: 405) في تاريخه، ونقل قوله ابن حجر في تهذيب التهذيب([8])، وأثنى عليه الحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (ت: 597هـ)([9])، ومدحه عبد الكريم بن محمد السمعاني (ت: 562هـ) فقال في الأنساب: «والرضا كان من أهل العلم والفضل مع شرف النسب»([10]).

وقال الفخر الرازي (ت: 604هـ) عند تفسيره الكوثر: «والقول الثالث في الكوثر، أولاده: فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم على مر الزمان، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثم أنظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا..»([11]).

 

([1]) ورد عن الإمام الجوادA في وجه تسميته بهذا اللقب انه: «رضى به المخالف من أعدائه كما رضى به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحد من آبائهA فلذلك سمي من بينهم الرضاA (عيون أخبار الرضا 1: 13) ويقال إنّ المأمون هو الذي لقبّ الإمام بهذا اللقب.

([2]) الإرشاد للمفيد: 304

([3]) عيون أخبار الرضاA 2: 180.

([4]) راجع عيون أخبار الرضاA 2: 180 وبحار الأنوار 49: 95.

([5]) تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي: 315.

([6]) أورده ابن حجر في صواعقه المحرقة: 310.

([7]) الثقات 8: 456- 457.

([8]) تهذيب التهذيب لابن حجر 5: 746.

([9]) المنتظم 10: 120.

([10]) النساب 3: 74.

([11]) تفسير الرازي مجلد 16: 32/125.

قراءة 4253 مرة