عندما خلق الله الشمس.. اضاءت كل ماحولها، وبددت الظلام، ليحل محله النور، وهكذا كان خلق مريم ابنة عمران، اشارة الأذن بظهور ضياءها المتمثل بالمسيح في حياة البشرية، اذ كان عيسى عليه السلام ظل الله في الارض.. وفي كل مرة يخلق الله فيها نبي او رسول او وصي فان نور المرأة الام يكون اذن لبشارة جديدة، وهكذا كانت آمنة بنت وهب أذن بشارة لنور محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حياة البشرية، وهو الفجر الصادق، والصادق الامين.. واذا بهذا النور ينتقل الى ابنته فاطمة الزهراء ويمتزج بنور علي بن ابي طالب عليه السلام ويولد من نورهما احد عشر نورا كل منها يمثل مصباحا وقمرا منيرا.. فأولهم الحسن عليه السلام، وآخرهم المهدي المنتظرعليه السلام.
لقد مثلت السيدة الزهراء عليها السلام صفحة خاصة في حياة الامة، ولم تكن صفحة هامشية، فهي مستودع العلوم ورمز الطهارة، وكانت عليها السلام عالمة فاهمة مفهمة.. وكانت قريبة من الوحي وغير بعيدة عنه.. ففي بيت النبوة كان مهبط الوحي، بل كانت قريبة من الوحي نفسه بما خصها الله سبحانه وتعالى وأهل بيت النبوة بآية التطهير.
وعلى الرغم من مكابرة المكابرين الذين حاولوا التقليل من شانها وأنى لهم التقليل اظهرت تلك السيدة الجليلة قدراتها يوم اهتزت الخلافة بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعت الامة الى انتهاج سبيل الحق وذكرتهم بما وصاهم به الرسول.
ولم تنته اضاءة الزهراء بمجرد موتها الجسدي لكن حياتها استمرت نورا في حياة الامة يهدي الى الحق.. فهي نور من نور. ولدت انوارا منيرة. فكيف لمثل هذا النور ان يأفل وهل يعقل ان ينتهي نورها بمجرد موتها الجسدي! فأن صدق ذلك لمات كل الانبياء والرسل!.. فهل مات الرسل او الانبياء بمجرد موتهم الجسدي ام ان ذكرهم لازال مستمرا خالدا بخلود الدهر.. نعم لازال نور آدم باقيا، ولازال نور نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد ونور كل الانبياء والرسل يضيء ويضيء ولايزالون احياء بيننا، ولايزالون أحياء عند ربهم يرزقون. وهذا هو الايمان الذي عرفناه ولن يتزعزع هذا الايمان الثابت في نفوسنا والراسخ كرسوخ الجبال.
لقد اولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عناية خاصة بالسيدة الزهراء ليس لانها ابنته لكن لانها كانت سيدة ذات خصوصية خاصة كما كان لمريم ابنة عمران خصوصية خاصة، بل ان خصوصية الزهراء عليها السلام اعظم. اذ انها سيدة نساء عالمين زمانها وغير زمانها، كما انها كانت تحمل سلسلة الانوار التي تجسدت بالرموز الخالدة خلفاء النبي الاكرم الاثني عشر بأبيهم الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه وعليهم افضل الصلاة والسلام.
والزهراء وهي ام الائمة المعصومين أدخر الله عز وجل فيها هذه السلسلة الطاهرة التي آخرها الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو الامام الثاني عشر من ائمة اهل البيت عليهم السلام والذي سيملئ الله به الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
والزهراء عليها السلام كانت عالمة بمستقبل الامة وتعلم جيدا الى من سيؤول امر هذه الامة ومن سيخلف امرها آخر المطاف، وتعلم ماسيقع على ابناءها بعد وفاتها، لذلك حملت الزهراء في نفسها هموم وآلام ابناءها وهموم وآلام الامة.
ولقد بكت الزهراء عليها السلام اباها وعمها الحمزة بن عبد المطلب وهي تعلم يقينا انهما في الجنة. ولكن هو ألم الفراق، وألم الاحساس بالظلم فقد مرت عليها السلام بأدوار عصيبة حملت في نفسها ألما لايخففه اي شئ سوى اللحاق بأبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
فإلى الزهراء عليها السلام نهدي باقة ورد، والى زوجها امير المؤمنين وابنائهما المعصومين باقات من الورود ونسأل الله شفاعتهم يوم لاينفع مال ولابنون الا من اتى الله بقلب سليم.