ولادته :
قال عليّ (ع): «فإنّي ولدتُ على الفطرة وسَبقتُ إلى الإيمان والهجرة»(1).
ولِد الإمام عليّ (ع) بمكّة المشرّفة داخل البيت الحرام وفي جوف الكعبة في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة(2)، ولم يولد في بيت الله الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته.
روي عن يزيد بن قعنب أنّه قال: كنت جالساً مع العباس بن عبدالمطلب وفريق من بني عبدالعزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين (ع)، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: ياربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جديّ إبراهيم الخليل (ع) وإنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الّذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الّذي في بطني إلاّ ما يسّرت عليَّ ولادتي.
قال يزيد: فرأيت البيت قد انشق عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله عزّ وجلّ، ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)(3).
وأسرع البشير إلى أبي طالب وأهل بيته فأقبلوا مسرعين والبِشر يعلو وجوههم، وتقدّم من بينهم محمّد المصطفى (ص) فضمّه إلى صدره، وحمله إلى بيت أبي طالب ـ حيث كان الرسول في تلك الفترة يعيش مع خديجة في دار عمه منذ زواجه ـ وانقدح في ذهن أبي طالب أن يسمّي وليده «عليّاً» وهكذا سمّاه، وأقام أبو طالب وليمةً على شرف الوليد المبارك، ونحر الكثير من الأنعام(4).
كناه وألقابه :
إن لأمير المؤمنين عليّ (ع) ألقاباً وكنىً ونعوتاً يصعب حصرها والإلمام بها، وكلّها صادرة من رسول الله (ص) في شتى المواقف والمناسبات العديدة التي وقفها (ع) لنشر الإسلام والدفاع عنه وعن الرسول.
فمن ألقابه (ع): أمير المؤمنين، ويعسوب(5) الدين والمسلمين، ومبير الشرك والمشركين(6)، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ومولى المؤمنين، وشبيه هارون، والمرتضى، ونفس الرسول، وأخوه، وزوج البتول، وسيف الله المسلول، وأمير البررة، وقاتل الفجرة، وقسيم الجنّة والنار، وصاحب اللواء، وسيّد العرب، وخاصف النعل، وكشّاف الكرب، والصدّيق الأكبر، وذو القرنين، والهادي، والفاروق، والداعي، والشاهد، وباب المدينة، والوالي، والوصيّ، وقاضي دين رسول الله، ومنجز وعده، والنبأ العظيم، والصراط المستقيم، والأنزع البطين(7).
وأمّا كناه فمنها: أبو الحسن، أبو الحسين، أبوالسبطين، أبو الريحانتين، أبو تراب.
الإعداد النبويّ للإمام عليّ (ع) :
كان النبيّ (ص) يتردّد كثيراً على دار عمّه أبي طالب بالرغم من زواجه من خديجة وعيشه معها في دار منفردة، وكان يشمل عليّاً (ع)بعواطفه، ويحوطه بعنايته، ويحمله على صدره، ويحرّك مهده عند نومه إلى غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية(8).
وكان من نِعَم الله عزّ وجلّ على عليّ بن أبي طالب (ع) وما صنع الله له وأراده به من الخير أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله (ص) للعبّاس ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ : «يا عبّاس، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة، فانطلق بنا، فلنخفّف عنه من عياله، آخذُ من بيته واحداً، وتأخذ واحداً، فنكفيهما عنه»، قال العباس: نعم.
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له: إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ماشئتما، فأخذ رسول الله (ص) عليّاً (ع) فضمّه إليه وكان عمره يومئذ ستة أعوام، وأخذ العبّاس جعفراً، فلم يزل عليّ بن أبي طالب مع رسول الله (ص) حتى بعثه الله نبيّاً، فاتّبعه عليّ(ع) فآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه(9).
وقد قال رسول الله (ص) بعد أن اختار عليّاً (ع): «قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليّاً»(10).
وهكذا آن لعليّ (ع) أن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محمّد رسول الله (ص) حيث نشأ وترعرع في ظل أخلاقه السماويّة السامية، ونهل من ينابيع مودّته وحنانه، وربّاه (ص) وفقاً لما علّمه ربّه تعالى، ولم يفارقه منذ ذلك التأريخ.
وقد أشار الإمام عليّ (ع) إلى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن اُستاذه ومربّيه النبيّ الأكرم (ص) ومداها وعمق أثرها، وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة: «وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة(11)، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جَسده، ويشمّني عَرْفه(12)، وكان يمضع الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولاخطلة(13) في فعل». إلى أن قال: «ولقد كنت أتّبعه اتباع الفصيل(14) أثر اُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً(15)، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء(16)، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله(ص) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة الشيطان(17) حين نزل الوحي عليه(ص) فقلت: يارسول الله، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان آيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أ نّك لست بنبيّ، ولكنّك وزير، وأ نّك لعلى خير»(18).
أُسرة الإمام عليّ (ع)
نسبه الوضّاء :
هو الإِمام أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطلب ابن هاشم بن عبدمناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إياس بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان.
جدّه الكريم :
عبدالمطّلب شيبة الحمد، وكنيته أبو الحرث، وعنده يجتمع نسبه بنسب النبيّ (ص)وكان مؤمناً بالله تعالى، كما كان يعلم بأنّ محمداً سيكون نبيّاً(19).
ولمّا حضرت عبدالمطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب، فقال له: يا بني! قد علمت شدّة حبّي لمحمّد(ص) ووجدي به أُنظُر كيف تحفظني فيه؟.. قال أبو طالب: يا أبه! لا توصني بمحمّد فإنّه ابني وابن أخي(20).
والده (مؤمن قريش) :
اسمه عبد مناف، وقيل: عمران(21)، وقيل: شيبة، وكنيته أبو طالب، وهو أخو عبدالله والد النبيّ (ص) لاُ مّه وأبيه.
ولد أبو طالب بمكّة قبل ولادة النبيّ (ص) بخمس وثلاثين سنة، وانتهت إليه بعد أبيه عبدالمطلب الزعامة المطلقة لقريش ، وكان يروي الماء لوفود مكّة كافّة لأنّ السقاية كانت له، ورفض عبادة الأصنام فوحّد الله سبحانه، ومنع نكاح المحارم وقتل الموؤدة والزنا وشرب الخمر وطواف العراة في بيت الله الحرام.
ولمّا توفّي عبدالمطلب; تكفّل أبو طالب رعاية رسول الله(ص) فكان أبو طالب يحبّه حبّاً شديداً لا يحبّه ولده، وكان لا ينام إلاّ إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وكان يخصّه بالطعام دون أولاده(22).
وروي أنّ أبا طالب دعا بني عبدالمطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّد(ص) وما اتّبعتم أمره، فاتّبعوه وأعينوه ترشدوا. وما زالت قريش كافّة عن رسول الله (ص) حتى مات أبو طالب(ع)(23).
توفّي أبو طالب(ع) قبل الهجرة بثلاث سنين وبعد خروج بني هاشم مع النبيّ (ص) من الشِعب وعمره بضع وثمانون سنة(24)، وكان للنبي (ص) تعلّق شديد بأبي طالب(ع)، فقد عاش في كنفه 43 عاماً منذ الثامنة من عمره الشريف حينما توفّي جدّه عبدالمطلب.. وقد ثبت أنّ أبا طالب كان موحّداً مؤمناً بالله ومعتقداً بالإسلام أرسخ الاعتقاد، وبقي على حاله هذه حتى وافاه الأجل، وإنّما أخفى إيمانه ليتمكّن من حماية رسول الله(ص) أن يكون له شأن واتّصال مع كفّار مكّة، ليطّلع على مكائدهم ومؤامراتهم، فكان يعيش حالة التقيّة، وكان مثله كأصحاب الكهف في قومهم، وهو ممّن آتاهم الله أجرهم مرّتين لإيمانه وتقيّته(25).
أُمّه :
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف، تجتمع هي وأبو طالب في هاشم. أسلمت وهاجرت مع النبيّ(ص) وكانت من السابقات إلى الإيمان وبمنزلة الاُمّ للنبيّ (ص)(26) ربّته في حجرها، ولمّا ماتت فاطمة بنت أسد; دخل إليها رسول الله (ص) فجلس عند رأسها وقال: «رحمك الله يا اُمّي، كنت اُمّي بعد اُمّي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله والآخرة».
وغمّضها، ثمّ أمر أن تغسل بالماء ثلاثاً، فلمّا بلغ الماء الّذي فيه الكافور سكبه رسول الله (ص) بيده، ثمّ خلع قميصه فألبسه إيّاها وكفّنت فوقه ودعا لها اُسامة بن زيد مولى رسول الله (ص) وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطّاب وغلاماً أسود فحفروا لها قبرها، فلمّا بلغوا اللّحد حفره رسول الله (ص) بيده، وأخرج ترابه ودخل رسول الله (ص) قبرها فاضطجع فيه، ثمّ قال: «الله الّذي يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، اللّهمّ اغفر لاُمّي فاطمة بنت أسد بن هاشم، ولقّنها حجتها، ووسّع عليها مدخلها بحقّ نبيّك والأنبياء من قبلي، فإنّك أرحم الراحمين» وأدخلها رسول الله (ص) اللحد والعباسُ وأبو بكر(27).
فقيل: يارسول الله رأيناك وضعت شيئاً لم تكن وضعته بأحد من قبل: فقال (ص): «ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة، واضطجعت في قبرها ليخفّف عنها من ضغطة القبر، إنّها كانت من أحسن خلق الله صُنعاً إليّ بعد أبي طالب رضي اللّه عنهما ورحمهما»(28).
انطباعات عن شخصيّة الإمام عليّ(ع)
لقد عاصر الإمام عليّ (ع) حركة الوحي الرسالي منذ بدايتها حتى انقطاع الوحي برحيل رسول الله(ص)، وكانت له مواقفه المشرّفة التي يغبط عليها سواء في دفاعه عن الرسول أو دفاعه عن الرسالة طيلة ثلاثة وعشرين عاماً من الجهاد المتواصل والدفاع المستميت عن قيم الإسلام الحنيف، وقد انعكست مواقفه وإنجازاته وفضائله في آيات الذكر الحكيم ونصوص الحديث النبويّ الشريف.
قال ابن عباس: قد نزلت ثلاثمائة آية في عليّ (ع)(29). وما نزلت: (يا أيّها الذين آمنوا) إلاّ وعليّ أميرها وشريفها. ولقد عاتب الله أصحاب محمّد في آي من القرآن وما ذكر عليّاً إلاّ بخير(30).
ولكثرة ما نزل في علي (ع) من الآيات المباركة; خصّص جمع من المتقدّمين والمتأخرين كتباً جمعت ما نزل فيه (ع). ونشير إلى بعض الآيات التي صرّح المحدّثون بنزولها في حقّه:
1 ـ جاء عن ابن عباس: أنه كان مع عليّ بن أبي طالب أربعة دراهم لا يملك غيرها، فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سرّاً وبدرهم علانيةً، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَهُمْ يَحْزَنُونَ} (31)(32).
2 ـ وعن ابن عباس أيضاً: أنّ عليّاً (ع) تصدّق بخاتمه وهو راكع، فقال النبيّ(ص) للسائل: من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع، فأنزل الله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (33)(34).
3 و 4ـ وقد اعتبرت آية التطهير(35) عليّاً (ع) من أهل بيت الوحي المطهَّرين من كلّ رجس، واعتبرته آية المباهلة(36) نفس النبي (ص).
5 ـ وشهدت سورة الإنسان بإخلاص عليّ وأهل بيته وخشيتهم من الله، وتضمّنت الشهادة الربّانية لهم بأنّهم من أهل الجنّة(37).
وعقد أرباب الصحاح وغيرهم من المحدّثين فصولاً خاصّة بفضائل عليّ(ع) في أحاديث رسول الله(ص)، ولم تعرف الإنسانية في تأريخها الطويل رجلاً أفضل من عليّ (ع) بعد رسول الله (ص)، ولم يسجّل لأحد من الفضائل ما سجّل لعليّ بن أبي طالب بالرغم من كلّ ما اُكيل له من سبّ وشتم على المنابر طوال حكم بني اُميّة وما تداوله مبغضوه. وهم جادّون في انتقاصه حتى لم يجدوا للعيب موضعاً فيه، حتّى قال عمر بن الخطّاب أنّ رسول الله (ص) قال: «ما اكتسب مكتسب مثل فضل عليّ، يهدي صاحبه إلى الهدى ويردّه عن الردّى»(38).
وقيل لعليّ (ع): ما لك أكثر أصحاب رسول الله (ص) حديثاً؟ فقال: «إنّي كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكتّ ابتدأني»(39).
وعن ابن عمر: أنّ النبيّ (ص) يوم آخى بين أصحابه جاء عليّ وعيناه تدمعان فقال النبيّ(ص) لعليّ(ع): «أنت أخي في الدنيا والآخرة»(40).
وعن أبي ليلى الغفاري أنّه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: «سيكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب فإنّه أول من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الاُمّة، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين»(41).
واعترف الخلفاء الذين نافسوه على الخلافة جميعاً بأنّ عليّاً أعلم الصحابة وأقضاهم، وأنّه لولا عليّ; لهلكوا حتى صارت مقولة عمر مضرب الأمثال: لولا عليّ لَهَلَك عمر(42).
وعن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّه قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغض عليّ بن أبي طالب(43).
ولمّا بلغ معاوية مقتل عليّ(ع) قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب(44).
وقال الشعبي: كان عليّ بن أبي طالب في هذه الاُمّة مثل المسيح بن مريم في بني اسرائيل، أحبّه قوم فكفروا في حبّه، وأبغضه قوم فكفروا في بغضه(45).
وكان أسخى الناس، وكان على الخلُق الذي يحبّه الله: السخاء والجود، ماقال: «لا» لسائل قطّ(46).
وقال صعصعة بن صوحان لعليّ بن أبي طالب (ع) يوم بويع: والله يا أمير المؤمنين لقد زيّنت الخلافة وما زانتك ورفعتها وما رفعتك، ولَهي إليك أحوج منك إليها(47).
وعن ابن شبرمة: أنّه ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر: «سلوني» غير علي بن أبي طالب(48).
وقام القعقاع بن زرارة على قبره فقال: رضوان الله عليك يا أمير المؤمنين، فوالله لقد كانت حياتك مفتاح الخير، ولو أنّ الناس قبلوك; لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنّهم غمطوا النعمة وآثروا الدنيا(49).
وقال «المسيحي» جورج جرداق في كتابه «الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانية»: إنّ عليّ بن أبي طالب من الأفذاذ النادرين، إذا عرفتهم على حقيقتهم بعيداً عن الصعيد التقليدي عرفت أنّ محور عظمتهم إنّما هو الإيمان المطلق بكرامة الإنسان وحقّه المقدّس في الحياة الحرّة الشريفة، وبأنّ هذا الإنسان منظور أبداً، وبأن الجمود والتقهقر والتوقّف عند حال من أحوال الماضي أو الحاضر ليست إلاّ نذير الموت ودليل الفناء(50).
وقال شبلي شميل: الإمام عليّ بن ابي طالب، عظيم العظماء، نسخة مفردةٌ لم يرَ لها الشرق ولا الغرب صورةً طبق الأصل لاقديماً ولا حديثاً(51).
وبقدر ما بقي عليّ رمزاً وقيادةً عمليةً معاً، ملتزماً مع جيل الصحابة الكبار بالمفهوم الأوّل للإسلام كهداية وتضحية من أجل إصلاح العالم ودفعه إلى طريق الحقّ والعدل، أي بمفهوم الدين كثورة دائمة ومستمرّة. كان معاوية يبرز من خلال صراعه مع عليّ ... ممثلاً لجيل المسلمين الجديد الذي وضعته الفتوحات في قمّة السلطة من جهة، وفرضت عليه أن يرى الاُمور أيضاً من وجهة نظر الحفاظ على المكتسبات المادية... وفي مثل هذه المواجهة العنيدة القاسية الممزّقة المدمّرة فقد كان معاوية يستطيع أن يولّد المشاعر الدنيويّة القويّة ويمزّق وحدة المسلمين ويشقّ وعيهم، وينتزع للسياسة السلطانية والدولة في مواجهة الروح الرسالية والثورية أرضاً جديدة من أملاك الدين الشامل(52).
وكتب الأُستاذ هاشم معروف: لقد كان الإمام عليّ بن أبي طالب حدثاً تأريخياً غريباً عن طباع الناس وعاداتهم منذ ولادته وحتى النفس الأخير من حياته، فقد أطلّ على هذه الدنيا من الكعبة... فكانت ولادته في ذلك المكان حدثاً تأريخياً لم يكن لأحد قبله ولم يحدث لأحد بعده، وكما دخل هذه الدنيا من بيت الله فقد خرج منها حين أقبل عليه الموت من بيت الله...
وقال: ولم يحدث لإنسان غيره ما حدث له، فقد وضعه من لا يؤمنون به إيمان شيعته ومحبّيه في طليعة قادة الفكر وعباقرة العصور، ووصفه المعتدلون من محبّيه إلى جانب الأنبياء والمرسلين، والمغالون منهم في مستوى الآلهة(53).
مظاهر من شخصية الإمام عليّ (ع)
إجتمع للإمام عليّ بن أبي طالب (ع) من صفات الكمال، ومحمود الشمائل والخِلال ، وسناء الحسب وعظيم الشرف، مع الفطرة النقيّة والنفس المرضيّة ما لم يتهيّأ لغيره من أفذاذ الرجال.
تحدّر من أكرم المناسب وانتمى إلى أطيب الأعراق، فأبوه أبو طالب عظيم المشيخة من قريش، وجدّه عبدالمطّلب أمير مكّة وسيّد البطحاء، ثمّ هو قبل ذلك من هامات بني هاشم وأعيانهم(54).
واختصّ بقرابته القريبة من الرسول (ص)، فكان ابن عمّه وزوج ابنته وأحبّ عترته إليه، كما كان كاتب وحيه، وأقرب الناس إلى فصاحته وبلاغته، وأحفظهم لقوله وجوامع كلمه.
أسلم على يديه قبل أن تمسّ قلبه عقيدة سابقة، أو يخالط عقله شوبٌ من شرك ، ولازمه فتىً يافعاً في غدوّه ورواحه وسلمه وحربه حتى تخلّق بأخلاقه واتّسم بصفاته، وفقه عنه الدين وتفقّه ما نزل به الروح الأمين، فكان من أفقه أصحابه وأقضاهم وأحفظهم وأدعاهم وأدقّهم في الفتيا وأقربهم إلى الصواب، حتى قال فيه عمر: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن(55).
فكان العالم المجرّب الحكيم والناقد الخبير، وكان لطيف الحسّ، نقيّ الجوهر، وضّاء النفس، سليم الذوق، مستقيم الرأي، حسن الطريقة، سريع البديهة، حاضر الخاطر، عارفاً بمهمّات الاُمور(56).
عبادته وتقواه(ع):
اشتهر عليّ بن أبي طالب بتقواه التي كانت علّة الكثير من تصرّفاته مع نفسه وذويه والناس... وفيما ترى العبادة لدى المعظم رَجْع أصداء الضعف في نفوسهم أحياناً، ومعنىً من معاني التهرّب من مواجهة الحياة والأحياء أحياناً اُخرى، وهوساً موروثاً ثمّ مدعوماً بهوس جديد مصدره تقديس الناس والمجتمع لكلّ موروث في أكثر الأحيان... تراها تشتهر عند الإمام أخْذاً من كلّ قوّة ووصلاً لأطراف الحلقة الخلقية التي تشتدّ وتمتدّ حتى تجمع الأرض والسماء، ومعنىً من معاني الجهاد في سبيل ما يربط الأحياء بكلّ خير، وهي على كلّ حال شيء من روح التمرّد على الفساد يريد محاربته من كلّ صوب، ثمّ على النفاق وروح الاستغلال والاقتتال من أجل المنافع الخاصّة.. وعلى المذلّة والفقر والمسكنة والضعف، ثمّ على سائر الصفات التي تميّز بها عصره المضطرب القلق.
إنّ من تبصّر في عبادة الإمام تبيّن له: أنّ عليّاً متفرّدٌ في عبادته وتقواه، كما هو متفرّد في اُسلوبه في السياسة والحكم، ففي عبادته افتتان الشاعر يقف في هيكل الوجودالرحب صافي النفس ممتلئ القلب، حتى إذا انكشفت له جمالات هذا الكون; تجاوبت وما في كيانه من أصداء وأظلال وموازين، فأطلق هذه الكلمة الرائعة التي نرى فيها دستوراً كاملاً لتقوى الأحراروعبادة عظماء النفوس(57): «وإنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار»(58).
إنّ عبادة الإمام ليست شيئاً من سلبيّة الخائف الهارب أو التاجر الراغب كما هي الحال عند الكثيرين من المتعبّدين، بل هي شيء من إيجابية الإنسان العظيم الواعي نفسه والكون على أساس من خبرة المجرّب وعقل الحكيم وقلب الشاعر.
وبهذا المفهوم للتقوى والعبادة كان عليّ يوجّه الناس إلى أن يتّقوا الله في سبيل الخير الإنساني العام، أو قل: في سبيل أمر أجلّ من رغبة تجّار العبادات في نعيم الآخرة، كان يوجّههم إلى التقوى لعلّ فيها ما يحملهم على أن يعدلوا وينصفوا المظلوم من الظالم فيقول: «عليكم بتقوى الله.. وبالعدل على الصديق والعدوّ»(59). ولا خير في التقوى في نظر الإمام; إلاّ إذا دفعتك إلى أن تعترف بالحقّ قبل أن تشهد عليه، وألاّ تحيف على من تبغض ولا تأثم، والحياة ـ بهذا المعنى للعبادة ـ لا تبتغى لمتاع ولا تُرجى للذّة عابرة.
زُهده (ع):
لقد زهد عليّ في الدنيا وتقشّف، وكان صادقاً في زهده كما كان صادقاً في كلّ ما نتج عن يمينه أو بَدَر من قلبه ولسانه، زهد في لذّة الدنيا وسبب الدولة وعلّة السلطان وكلّ ما يطمح لبلوغه الآخرون، ويَرَوْن أنّه مرتكز وجودهم، فإذا هو يسكن مع أولاده في بيت متواضع تأوي اليه الخلافة لا المُلك، وإذا هو يأكل الشعير تطحنه امرأته بيديها فيما كان عمّاله يعيشون على أطايب الشام وخيرات مصر ونعيم العراق، وكثيراً ما كان يأبى على زوجته أن تطحن له، فيطحن لنفسه وهو أمير المؤمنين، ويأكل من الخبز اليابس الذي يكسره على ركبته، وكان إذا أرعده البرد واشتدّ عليه الصقيع لا يتّخذ له عدّة من دثار يقيه أذى البرد، بل يكتفي بما رقّ من لباس الصيف إغراقاً منه في صوفيّة الروح.
روى هارون بن عنترة عن أبيه، قال: دخلتُ على عليّ بالخورنق، وكان فصل شتاء، وعليه خلق قطيفة هو يرعد فيه، فقلت: يا أمير المؤمنين! إن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيباً وأنت تفعل ذلك بنفسك؟ فقال: «والله ما أرزؤكم شيئاً، وما هي إلاّ قطيفتي التي أخرجتها من المدينة»(60).
وأتى أحدهم عليّاً بطعام نفيس حلو يقال له: الفالوذج، فلم يأكله عليّ ونظر إليه فقال: «والله إنّك لطيّب الريح حسن اللون طيّب الطعم، ولكن أكره أن اُعوّد نفسي ما لم تعتد»(61).
ولعمري إنّ زهد عليّ هذا ليس إلاّ معنىً ومزاجاً من معاني فروسيّته ومزاجها وإن بدا للبعض أنّهما مختلفان.
وقد حملت هذه السيرة الطيّبة عمر بن عبدالعزيز ـ أحد خلفاء الاُسرة الاُموية التي تكره عليّاً وتختلق له السيّئات وتسبّه على المنابر ـ على أن يقول: أزهد الناس في الدنيا عليّ بن أبي طالب(62).
والمشهور أنّ عليّاً أبى أن يسكن قصر الإمارة الذي كان معدّاً له بالكوفة، لئلاّ يرفع سكنه عن سكن اُولئك الفقراء الكثيرين الذين يقيمون في خِصاصهم البائسة، ومن كلامه هذا القول الذي انبثق عن اُسلوبه في العيش انبثاقاً: «أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا اُشاركهم في مكاره الدهر؟!»(63)
إباؤه وشهامته (ع):
مثّل عليّ بن أبي طالب الفروسيّة بأروع معانيها وبكلّ ما تنطوي عليه من ألوان الشهامة. والإباء والترفّع وهما أصلان من اُصول روح الفروسيّة، فهما إذن من طبائع الإمام، لذلك كان بغيضاً لديه أن ينال أحداً من الناس بالأذى وإن آذاه، وأن يبادر مخلوقاً بالاعتداء ولو على ثقة بأنّ هذا المخلوق يقصد قتله.
وروح الإباء والترفّع هذه هي التي ارتفعت به عن مقابلة الاُمويين بالسباب يوم كانوا يرشقونه به.. بل إنّه منع أصحابه أن ينالوا الاُمويين بالشتيمة المقذعة حتى قال لهم: «إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم; كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم: اللهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتّى يعرف الحقّ مَن جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان مَن لهج به»(64).
مروءته (ع) :
إنّ مروءة الإمام أندر من أن يكون لها مثيل في التأريخ، وحوادث المروءة في سيرته أكثر من أن تعدّ، منها أنّه أبى على جنده ـ وهم في حال من النقمة والسخط ـ أن يقتلوا عدوّاً تراجع، كما أبى عليهم أن يكشفوا ستراً أو يأخذوا مالاً، ومنها: أنّه حين ظفر بألدّ أعدائه الذين يتحيّنون الفرص للتخلّص منه; عفا عنهم وأحسن اليهم وأبى على أنصاره أن يتعقّبوهم بسوء وهم على ذلك قادرون(65).
صدقه وإخلاصه (ع):
وتتماسك هذه الصفات الكريمة في سلسلة لا تنتهي; وبعضها دليلٌ على بعض، ومن أروع حلقاتها: الصدق والإخلاص، وقد بلغ به الصدق مبلغاً أضاع به الخلافة، وهو لو رضي عن الصدق بديلاً في بعض أحواله; لما نال منه عدوّ ولا انقلب عليه صديق.. لقد رفض أن يقرّ معاوية على عمله وقال: «لا اُداهن في ديني ولا اُعطي الدنيّة في أمري»(66)؟. ولمّا ظهرت حيلة معاوية; أطلق عبارته التي صحّت أن تكون صيغة للخلق العظيم: «والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر; لكنت من أدهى الناس»(67). وقال مشدّداً على ضرورة الصدق مهما اختلفت الظروف: «الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك ، على الكذب حيث ينفعك»(68).
شجاعته (ع):
إن شجاعة الإمام هي من الإمام بمنزلة التعبير من الفكرة وبمثابة العمل من الإرادة، لأنّ محورها الدفاع عن طبع في الحق وإيمان بالخير، والمشهور أنّ أحداً من الأبطال لم ينهض له في ميدان.. فقد كان لجرأته على الموت لا يهاب صنديداً، بل إنّ فكرة الموت لم تجل مرة في خاطر الإمام وهو في موقف نزال، وأنّه لم يقارع بطلاً إلاّ بعد أن يحاوره لينصحه ويهديه(69).
وكان عليّ(ع) مع قوته البالغة يتورّع عن البغي أيّاً كان الظرف، وأجمع المؤرّخون على أنّه كان يأنف القتال إلاّ اذا حُمِل عليه حملاً، فكان يسعى أن يسوّي الاُمور مع خصومه.. على وجوه سلميّة تحقن الدم وتحول دون النزال.
وطبيعة التورّع عن البغي أصل من اُصول نفسيّة عليّ وخلق من أخلاقه، وهي متّصلة اتّصالاً وثيقاً بمبدئه العام، الذي يقوم بمعرفة العهد وصيانة الذمّة والرحمة بالناس حتى يخونوا كلّ عهد ويقسوا دون كلّ رحمة.
وما كان لعليّ أن يستنجد الصداقة على العداوة; لولا ذلك الفيض العظيم من الوفاء والحنان الذي تزخر به نفسه ويطغى على جنانه.
ولكنّ صاحب المودّات لم يرعَ أصدقاؤه له مودّة، لأنّهم لم يكونوا ليطمعوا بأن يحولوا بينه وبين نفسه، فيطلق أيديهم في خيرات الأرض دون سائر الخلق، يقول عليّ (ع): «والله لو اُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلُبها جَلبَ شعيرة ما فعلتُ، وإنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة»(70) وليس عليّ في هذا المجال قائلاً ثمّ عاملاً، بل هو القول يجري من طبيعة العمل الذي يُعمل والشعور الذي يُحَسّ... فعليّ أكرم الناس مع الناس، وأبعد الخلق عن أن ينال الخلق بالأذى، وأقربهم إلى بذل نفسه في سبيلهم على أن يقتنع ضميره بضرورة هذا البذل، أوَليست حياته كلّها سلسلة معارك في سبيل المظلومين والمستضعفين، وانتصاراً دائماً للاُ مّة دون من يريدونه آلة إنتاج لهم من السادة ورثة الأمجاد العائلية، أولم يكن سيفاً صارماً فوق أعناق القرشيّين الذين أرادوا استغلال الخلافة والإمارة للسلطان والجاه وتكديس الأموال ؟! أَلمْ يَضع الخلافةَ والحياةَ على الأرض لأنّه أبى مسايرة أهل الدنيا في استعباد إخوانهم الضعفاء والفقراء والمظلومين ؟
عدله (ع):
ليس غريباً أن يكون عليٌّ أعدل الناس، بل الغريب أن لا يكونَهُ، وأخبار عليّ في عدله تراثٌ يشرّف المكانة الإنسانية والروح الإنساني.
وكان الإمام يأبى الترفّع عن رعاياه في المخاصمة والمقاضاة، بل إنّه كان يسعى إلى المقاضاة إذا وجبت لتشبّعه بروح العدالة.
وتجري في روحه العدالة حتى أمام أبسط الاُمور، ووصايا الإمام ورسائله للولاة تكاد تدور حول محور واحد هو العدل، وقد انتصر العدل في قلب عليّ وقلوب أتباعه وإن ظُلِموا وظُلِم.
تواضعه (ع):
إنّ من اُصول أخلاق الإمام أنّه كان يعتمد البساطة ويمقت التكلّف. وكان يقول: «شرّ الإخوان من تُكُلِّف له»(71). ويقول: «إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه»(72) ويقصد بالاحتشام مراعاته حتى التكلّف.
وكان لا يتصنّع في رأي يراه أو نصيحة يسديها أو رزق يهبه أو مال يمنعه. وكانت هذه الطبيعة تلازمه حتى يسأم أصحاب الأغراض من استرضائه بالحيلة. وإذا هم ينسبون إليه القسوة والجفوة والزهو على الناس، وليس صدق الشعور وإظهاره زهواً وليس جفوة، بل إنّه كان يمقت الزهو والعجب.. ولطالما نهى ولدَه وأعوانه وعمّاله عن الكبر والعجب قائلاً: «إيّاك والإعجاب بنفسك، واعلم أنّ الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب»(73). وكره التكلّف في محبّيه الغالين كما كره التكلّف في مبغضيه المفرطين فقال: «هلك فيّ اثنان: محبٌ غال ومبغضٌ قال»(74).
لقد كان يخرج إلى مبارزيه حاسر الرأس ومبارزوه مقنَّعون بالحديد، أفعجيب أن يخرج إليهم حاسر النفس وهم مقنَّعون بالحيلة والرياء؟.
نقاؤه (ع):
وتميّز عليّ بسلامة القلب، فهو لا يحمل ضغينة على مخلوق ولا يعرف حقداً على ألدّ أعدائه ومناوئيه ومن يحقدون عليه حسداً وكرهاً.
كرمه (ع):
وكان من خلقه أ نّه كان كريماً ولاحدود لكرمه، ولكنّه الكرم السليم باُصوله وغاياته لا كرم الولاة الذين «يكرمون» بأموال الناس وجهودهم. وهذا الكرم لم يعرفه عليٌّ مرّة في حياته، وإنّما كرمه هو الذي يعبّر عن جملة المروءات، ففيما كان يزجر ابنته زجراً شديداً إذ هي استعارت من بيت المال قلادة تتزيّن بها في عيد من الأعياد. كان يسقي بيده النخل لقوم من يهود المدينة حتى تمْجلَ يده فيتناول اُجرته فيهبها لأهل الفاقة والعوز ويشتري بها الأرقّاء ويحرّرهم في الحال.
وقد شهد معاوية على كرم عليّ قائلاً: لو ملك عليّ بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لأنفد تبره قبل تبنه(75).
علمه ومعارفه(ع) :
قال ابن أبي الحديد: «وما أقول في رجل تُعزى اليه كلّ فضيلة، وتنتمي اليه كلّ فرقة، وتتجاذبه كلّ طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عُذْرِها، وسابق مضمارها، ومجلّي حَلْبتها، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى.
وإنّ أشرف العلوم ـ وهو العلم الالهي ـ من كلامه (ع) أُقتبِسَ وعنه نقل واليه انتهى ومنه ابتدأ... وعلم الفقه هو أصله وأساسه وكلّ فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه... وعلم تفسير القرآن عنه اُخذ ومنه فُرّع.. وعلم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوّف . إنّ أرباب هذا الفنّ في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون، وعنده يقفون.. وعلم النحو والعربية قد علم الناس كافة أنّه هو الذي ابتدعه وأنشأه، وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعَه واُصولَه...».
ثم قال: «وأمّا الفصاحة فهو (ع) إمام الفصحاء وسيّد البلغاء، وفي كلامه قيل: (دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين)، ومنه تعلّم الناس الخطابة والكتابة.. فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره، ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالةً على أنّه لا يجارى في الفصاحة ولا يُبارى في البلاغة...»
ثم قال: «وأمّا الزهد في الدنيا فهو سيّد الزهّاد، وبدل الأبدال، وإليه تشدّ الرحال، وعنده تُنْفَضُ الأحلاس، ما شبع من طعام قطّ، وكان أخشنَ الناس مأكلاً وملبساً».
وأمّا العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاةً وصوماً، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة، وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على وِرده أن يُبسَط له نِطَعٌ بين الصفّين ليلةَ الهرير(76) فيصلّي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وتمرّ على صِماخيه يميناً وشمالاً، فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته... وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله وما يتضمّنه من الخضوع لهيبتهِ والخشوع لعزّته والاستخذاء له; عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمت من أيّ قلب خرجت، وعلى أيّ لسان جَرَت. وقال عليّ بن الحسين وكان الغاية في العبادة: «عبادتي عند عبادة جدّي كعبادة جدّي عند عبادة رسول الله(ص)».
وأمّا قراءته القرآن واشتغاله به فهو المنظور إليه في هذا الباب; اتّفق الكلّ على أنّه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله (ص)، ولم يكن غيره يحفظه، ثمّ هو أوّل من جمعه. وإذا رجعت إلى كتب القراءات وجدت أئمّة القرّاء كلّهم يرجعون إليه.
وما أقول في رجل تحبّه أهل الذمّة على تكذيبهم بالنبوّة، وتعظّمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملّة، وتصوِّر ملوك الإفرنج والروم صورته في بِيَعها وبيوت عباداتها، حاملاً سيفه! وما أقول في رجل أحبّ كلُّ واحد أن يتكثّر به، وودّ كلُّ أحد أن يتجمّل ويتحسّن بالانتساب إليه!
وما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى.. لم يسبقه أحد إلى التوحيد إلاّ السابق لكلّ خير محمد رسول الله (ص)(77)!
* * *
تراث الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)
إنّ أوّل عمل اهتمّ به الإمام (ع) بعد وفاة الرسول (ص) ـ وقد كان بوصيّة منه (ص) ـ هو جمعه للقرآن الكريم، وامتاز باشتماله على ترتيب النزول وتضمّن معلومات فريدة عن شأن النزول والتفسير والتأويل الذي تحتاجه اُمّة محمّد (ص)، وقد عرضه على الخليفة الأوّل فردّ عرض الإمام(ع) قائلاً: لا حاجة لنا به، وعقّب على جواب الخليفة بما يفيد أنّهم سوف لا يحصلون عليه بعد ذلك اليوم، وهكذا كان، والمعروف أنّه عند أهل البيتعليهم السلام ويتوارثه الأئـمّة من أبنائه.
واُثر عن الإمام ما سمّي بالصحيفة التي تضمّنت أحكام الدّيات، وقد روى عنها البخاري ومسلم وابن حنبل، كما اُثر عنه ما سمّي بالجامعة التي تضمّنت أو جمعت كلّ ما يحتاج إليه الناس من حلال وحرام، ووصفها الإمام الصادق(ع) بأنّ طولها سبعون ذراعاً، وليس من قضية إلاّ وهي فيها حتى أرش الخدش.
وتضمّن كتاب الجفر ما يرتبط بحوادث المستقبل وصحف الأنبياء السابقين، وقد يشبهه مصحف فاطمة وهو ما أملته عليه فاطمة الزهراء عليها السلام بعد وفاة أبيها ممّا كانت تُلهم به من اُمور(78). وكلّ هذه الكتب تعتبر من مواريث الإمامة التي يتناقلها الأئـمّةعليهم السلام إماماً بعد إمام.
وقد تصدّى عددٌ من علماء الاُمّة إلى جمع ما اُثر عن الإمام (ع) من خطب ورسائل وكلمات، وسمّيت بأسماء تتناسب مع أغراض جامعيها، وأوّلها وأشهرها ما سمّي بـ (نهج البلاغة) للشريف الرضي المتوفى (404 هـ )، وقد انطوى على روائع فكر الإمام في شتى المجالات العقائدية والأخلاقية وأنظمة الحكم والإدارة والتأريخ والاجتماع وعلم النفس والدعاء والعبادة وسائر العلوم الطبيعية والإنسانية، وهو ما اختاره الشريف الرضي من خطبه ورسائله ووصاياه وكلماته البليغة. ومن هنا فقد تصدّى علماء آخرون لجمع ما لم يجمعه الشريف الرضي وسمّي بمستدركات نهج البلاغة.
وجمع النسائي المتوفى (303 هـ ) ما رواه الإمام عليّ عن رسول الله (ص) وسمَّاه بــ (مسند الإمام عليّ (ع)).
وجمع الآمدي ( المتوفّى بين 520 و 550 هـ ) قصار كلماته الحكمية وسمّاها بــ (غرر الحكم ودرر الكلم).
وجمع أبو إسحاق الوطواط ( المتوفّى بين 553 و 583 هـ ) من كلامه ما سمّاه بـ (مطلوب كلّ طالب من كلام عليّ بن أبي طالب). واُثرت عن الجاحظ المتوفى (255 هـ ) (مائة كلمة) للإمام عليّ (ع) و(نثر اللئالي) جمع الطبرسي صاحب مجمع البيان، وكتاب صفّين لنصر بن مزاحم اشتمل على مجموعة من خطبه وكتبه. و(الصحيفة العلوية) وهي مجموعة من الأدعية التي اُثرت عنه (ع).
في رحاب نهج البلاغة :
إذا كان (القرآن الكريم) هو معجزة النبوة; فإنّ (نهج البلاغة) معجزة الإمامة... فليست هذه العقلية العظيمة المتجلّية بذلك الاُسلوب العلوي الواضحة في كلّ فقرة من فقرات (النهج) وفي كلّ شذرة من تلك الشذور إلاّ غرس ذلك النبيّ العظيم المستمدّ من وحي الله تعالى، فما من موضوع يطرقه الإمام إلاّ وترى نور الله يشعّ أمامه وهدي الرسول ينير له الطريق»(79).
وقال الشريف الرضي قدس سره: كان أمير المؤمنين (ع) مشرّع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولّدها، ومنه (ع) ظهر مكنونها وعنه اُخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كلّ قائل خطيب، وبكلامه استعان كلّ واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصّروا، وقد تقدّم وأخّروا، لأنّ كلامه (ع) الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبويّ(80).
وإليك مجموعة مختارة من قصار كلماته وبيّنات حكمه في عدة محاور مختارة:
1 ـ في رحاب العقل والعلم والمعرفة :
قال(ع) :
1 ـ لا غنى كالعقل ولا فقر كالجهل، والعقل ينبوع الخير وأشرف مزيّة، وأجمل زينة.
2 ـ العقل رسول الحقّ. العقل أقوى أساس. والإنسان بعقله. وبالعقل صلاح كلّ أمر.
3 ـ العلم غطاء وساتر والعقل حسام قاطع، فاستُر خلل خُلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك. والفكر مرآة صافية.
4 ـ العقل صاحب جيش الرحمن، والهوى قائد جيش الشيطان، والنفس متجاذبة بينهما فأيّهما غلب كانت في حيّزه.
5 ـ أفضل حظّ الرجل عقله، إن ذلّ أعزّه، وإن سقط رفعه، وإن ضلّ أرشده، وإن تكلّم سدّده.
6 ـ إنّ أفضل الناس عند الله من أحيا عقله وأمات شهوته وأتعب نفسه لإصلاح آخرته.
7 ـ على قدر العقل يكون الدين. ما آمن المؤمن حتى عقل. قيمة كلّ امرئ عقله.
8 ـ وعرّف العقل وبيّن وظائفه بما يلي:
أ ـ إنّما العقل التجنّب من الإثم والنظر في العواقب والأخذ بالحزم.
ب ـ العقل أصل العلم وداعية الفهم.
جــ العقل غريزة تزيد بالعلم وبالتجارب.
د ـ للقلوب خواطر سوء والعقول تزجر عنها.
هــ غريزة العقل تأبى ذميم الفعل.
و ـ العاقل من يعرف خير الشرّين.
2 ـ في رحاب القرآن الكريم والسنّة النبويّة المباركة :
1 ـ قال (ع): «وأنزل عليكم الكتاب تبياناً لكلّ شيء وعَمَّر فيكم نبيّه أزماناً حتى أكمل له ولكم ـ فيما أنزل من كتابه ـ دينه الذي رضي لنفسه.
2 ـ ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق، ولكن اُخبركم عنه، ألا إنّ فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم، و ينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، ولا يختلف في الله ولا يخالف بصاحبه عن الله، ولا يَعوَجُّ فيقام ولا يزيغ فيستعتب... ولا تخلقه كثرة الردّ وولوج السمع... لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به.
وفيه ربيع القلب... وما للقلب جلاء غيره.. فهو معدن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره ورياض العدل وغدرانه، وأثافيّ الإسلام وبنيانه، وأودية الحقّ وغيطانه، وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون.. جعله الله ريّاً لعطش العلماء وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجَّ لطرق الصلحاء... وعلماً لمن وعى، وحديثاً لمن روى، وحكماً لمن قضى.. وشفاءً لا تخشى أسقامه.. ودواءً ليس بعده داء... فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لاَوائكم; فإنّ فيه شفاءً من أكبر الداء. وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال».
وأما سُنَّةُ رسول الله (ص) فقد دعا الإمام(ع) إلى العمل بها، وبيَّن موقع الأئمّة المعصومين وموقفهم المشرّف في إيصال السنّة الصحيحة إلى الاُمّة وإحياء ما أماته المبطلون من سنّة رسول الله (ص) وأسباب انحراف من انحرف عن مدار السُّنة.
قال (ع): «اقتدوا بهدي نبيّكم فإنّه أفضل الهدي، واستنّوا بسنّته فإنّها أهدى السنن.
وقال (ع):أحبّ العباد إلى الله المتأسّي بنبيّه (ص) والمقتصّ أثره. وقال (ع): إرض بمحمّد (ص) رائداً والى النجاة قائداً.
وقال (ع): إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً وعامّاً وخاصّاً ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً ووهماً، ولقد كذّب على رسول الله (ص) على عهده حتى قام خطيباً فقال: «من كذّب عليّ متعمّداً فليتبوأ; مقعده من النار».
وقال (ع): لا يُقاس بآل محمّد (ص) من هذه الاُمّة أحد.. هم عيش العلم وموت الجهل.. لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه.. هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحقّ في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته. عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية. هم موضع سرّ رسول الله (ص) وحماة أمره وعيبة علمه وموئل حكمه وكهوف كتبه وجبال دينه، هم مصابيح الظلم وينابيع الحِكمَ ومعادن العلم ومواطن الحلم.
وقال (ع): وإنّي لعلى بيّنة من ربّي ومنهاج من نبيّي، وإنّي لعلى الطريق الواضح ألفظه لفظاً»(81).
3 ـ في رحاب التوحيد والعدل والمعاد:
قال (ع) في مجال إثبات وجوده تعالى: «الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه وبمحدث خلقه على أزليته وباشتباههم على أن لا شبه له.
وقال: عجبت لمن شكّ في الله وهو يرى خلق الله.. بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم».
وحين سُئل (ع): هل رأيت ربّك؟ أجاب: «وكيف أعبد ربّاً لم أره؟ ثمّ قال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان.. عظم عن أن تثبت ربوبيّته بإحاطة قلب أو بَصَر».
وجاء في دعائه المعروف بدعاء الصباح: «يا من دلّ على ذاته بذاته، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته، وجلّ عن ملائمة كيفياته. يا من قرب من خطرات الظنون وبَعُد عن لحظات العيون، وعلم بما كان قبل أن يكون...» .
لقد شحن الإمام خطبه العلوية بآيات القدرة الإلهية السماوية والأرضية، وأطنب فيها إطناب الخبير البصير، ففصّل آيات القدرة والعظمة تفصيلاً يعطي للمطالع إيماناً وخشوعاً لله وخضوعاً لعظمته، بحيث يلمس السامع لخطبه (ع) أنّه كما قال: «والله لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً».
وقدّم الإمام تصويراً دقيقاً لصفاته تعالى بحيث صار معياراً للبحوث الفلسفية الدقيقة ومفتاحاً للدخول إلى مثل هذه البحوث التي تضلّ فيها الأفكار لولا الهداية الربّانية الموجّهة.
قال (ع): «وكمال توحيده الإخلاص له. وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومَن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه... كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كلّ شيء لا بمقارنة وغير كلّ شيء لا بمزايلة».
وقال (ع): مستدلاً على وحدانيته: «واعلم يا بني، أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، واعلم يا بُني أنّ أحداً لم ينبئ عن الله سبحانه كما أنبأ عنه الرسول (ص) فارض به رائداً».
وقال عن عدله تعالى: «وارتفع عن ظلم عباده وقام بالقسط في خلقه وعدل عليهم في حكمه وعدل في كلّ ما قضى. وقال: فإنّه لم يأمرك إلاّ بحسن ولم ينهك إلاّ عن قبيح وإنّ حكمه في أهل السماء والأرض لواحد. وما كان الله ليدخل الجنّة بشراً بأمر أخرج به منها ملكاً».
4 ـ في رحاب النبوّة والإمامة (القيادة الإلهية)
إنّ الهداية الإلهية عبر القادة المهديّين الذين اختارهم الله لهداية عباده هي سنّة الله الدائمة لخلقه الذين زوّدهم بالعقل والعلم وسلّحهم بسلاح الإرادة والاختيار.
وتبدأ هذه السُنّة لهذه البشرية باختيار آدم خيرة من خلقه..قال(ع) : «فأهبطه بعد التوبة ليعمر أرضه بنسله وليقيم الحجّة به على عباده، ولم يخلهم بعد أن قبضهم ممّا يؤكد عليهم حجّة ربوبيّته ويصل بينهم وبين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحمّلي ودائع رسالاته قرناً فقرناً... فاستودعهم في أفضل مستودع، وأقرّهم في خير مستقر، تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام.. حتى أخرج آخرهم نبيّنا محمداً (ص) من أفضل المعادن منبتاً وأعزّ الاُرومات مغرساً، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتجب منها اُمناءه».
ووصف الإمام (ع) زهد الأنبياء وشجاعتهم وتواضعهم ورعاية الله لهم وتربيته لهم بالاختبار والابتلاء وتعريضهم للأذى في سبيل الله، وبيّن وظائفهم المتمثّلة في التبليغ والدعوة إلى الله سبحانه والتبشير والإنذار وإقامة حكم الله في الأرض وهداية الناس بإخراجهم من الجهل والضلالة ومجاهدة أعداء الله.
وتستمرّ مسيرة القادة الهداة الربّانيين على مدى العصور إلى يوم القيامة، «فلا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مستوراً لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته»... وحيث خُتمت النبوة بمحمّد(ص) لم تتقطع الهداية الإلهية بل انتهى أمر الهداية إلى عترته التي هي: «خير العتر، إن نطقوا صدقوا وإن صمتوا لم يسبقوا، وهم شجرة النبوّة ومحطّ الرسالة ومختلف الملائكة ومعادن العلم وينابيع الحكم، والأعظمون عند الله قدراً.. يحفظ الله بهم حججه وبيّناته.. بهم عُلِم الكتاب وبه عُلموا، فيهم كرائم القرآن وكنوز الرحمن، فهم الراسخون في العلم... يخبركم حلمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم وصمتهم عن حكم منطقهم، لايخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وهم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحقّ إلى نصابه وانزاح الباطل عن مقامه، فهم أساس الدين وعماد اليقين، إليهم يفي الغالي وبهم يلحق التالي، لهم خصائص حقّ الولاية وفيهم الوصية والوراثة».
لقد أكّد الامام على موقف أهل البيت القيادي ـ الفكري والسياسي ـ وأدان زحزحة القيادة عن موقعها الرفيع الذي عيّنه رسول الله (ص) وخصَّ بها أهل البيتعليهم السلام واعترض على خطّ الخلفاء جملةً وتفصيلاً، بالرغم من اضطراره للتنازل عن حقّه واجتهد وأخلص في تقديم الاُطروحة النبويّة للقيادة بعد الرسول بشكل ناصع، وجاهد من أجل إحقاق الحقّ بشكل حكيم واُسلوب كان ينسجم مع حساسية الظرف الذي كانت تمرّ به الدولة والاُمّة الإسلامية حينذاك، واستطاع أن يقدّم النظرية كاملة ويعدّ العدّة لتطبيقها حينما تسمح له الظروف(82).
5 ـ في رحاب الإمام المهدي (ع) :
إنّ التبشير بقضيّة الإمام المهدي(ع) لتحقيق العدل الإلهي المنتظر من القضايا الأساسية التي اهتمّ بها القرآن الكريم والنبيّ العظيم والإمام المرتضى عليّ بن أبي طالب(ع) على الرغم من التشتّت الذي كان يعيشه ذلك المجتمع الناشىء بعد رحيل الرسول(ص)، ويصوّر الإمام بعض معالم مجتمع الإمام المهدي(ع) لهم ولنا بقوله: «ألا وفي غد ـ وسيأتي غدٌ بما لا تعرفون ـ يأخذ الوالي من غيرها عمّالَها على مساوئ أعمالها، وتُخرج له الأرض أفاليذ كبدها، وتلقي إليه سِلْماً مقاليدَها، فيريكم كيف عدلُ السيرة، ويُحيي ميِّت الكتاب والسُنّة».
إنّها رؤية دقيقة ومضيئة وواضحة المعالم عن دولة إسلامية تقوم بإدارة المجتمع الإنساني فى الأرض كلّها، تعتمد العدل أساساً في مسيرتها ومنهجها معتمدة على الكتاب والسنّة اللذين أماتهما الظالمون، وقال (ع) عن قائدها: «يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي»(83).
وقد تصدّت مؤسّسة نهج البلاغة لجمع الأحاديث التي وردت عن الإمام عليّ (ع) حول الإمام المهدي(ع) وقد بلغ مجموعها (291) حديثاً، أربعة عشر منها عن اسم المهدي وصفاته ودعائه وسبعة وسبعون منها عن نسب الإمام وأنّه من قريش وبني هاشم ومن أهل البيت ومن ولد عليّ، وأنّه من ولد فاطمة، بل من ولد الحسين وهو أحد الأئمّة الاثني عشر، وخمسة وأربعون منها ترتبط بالمهدي في القرآن ونهج البلاغة وشِعر أمير المؤمنين(ع)، وثلاثة وعشرون منها حول أنصار الإمام المهدي(ع) والرايات السود، واثنا عشر منها حول السفياني والدجّال، وستة وعشرون منها عن غيبة الإمام المهدي ومحن الشيعة عند الغيبة وفضيلة انتظار الفرج، وخمسة وسبعون منها حول الفتن قبل ظهور المهدي وعلائم الظهور وما بعد الظهور ودابّة الأرض ويأجوج ومأجوج، وتسعة عشر منها ترتبط بفضل مسجد الكوفة وخروج رجل من أهل بيته عليهم السلام بأهل المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر حتى يقولوا: والله ما هذا من ولد فاطمة.. ثم يبيّن حكم الأرض عند ظهور القائم (عج) وحكومته وكيفية ختم الدين به.
وقال (ع): «يا كميل، ما من علم إلاّ وأنا أفتحه، وما من سرّ إلاّ والقائم (عج) يختمه.. يا كميل، لا بدّ لِماضيكم من أوبة، ولابدّ لنا فيكم من غلبة...(84).
بنا يختم الدين كما بنا فُتح، وبنا يستنقذون من ضلالة الفتنة كما استنقذوا من ضلالة الشرك، وبنا يؤلّف الله قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة كما ألّف بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشِرك(85). ولو قد قام قائمنا; لأنزلت السماء قطرها وأخرجت الأرض نباتها، وليذهب الشحناء من قلوب العباد، وأصلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة من العراق إلى الشام لا تضع قدمها إلاّ على النبات وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه»(86).
6 ـ في رحاب نظرية الحكم في الإسلام ونظامه:
لقد قدَّم الإمام (ع) نموذجاً عمليّاً فريداً في الحكم الإسلامي بعد عصر الرسول (ص) وقد قرن ذلك بنظرية كاملة منسجمة الأبعاد والجوانب تمثّلت في كتابه وعهده المعروف لمالك الأشتر حين ولاّه مصر، وقد اهتمّ الاجتماعيون بهذا العهد شرحاً وتعليقاً وتبييناً ومقارنةً بأنظمة الحكم الاُخرى، ويعتبر هذا النصّ دليلاً من أدلّة إمامته (ع) وبه تتميّز مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن سائر الاتّجاهات التي حملت عنوان الإسلام والخلافة الإسلامية، وبالإضافة إلى هذا النصّ المعجز نجد في نهج البلاغة وغيره من النصوص التي وصلتنا عنه (ع) ما يعيننا على كشف نظرية الإمام ونظرية الإسلام الفريدة عن الحكم بدءً بفلسفة الحكم وأهدافه وخطوطه العريضة وانتهاءً بنظامه اُصولاً وفروعاً، ونشير إلى الخطوط العريضة لنظام الحكم فى نصوص الإمام(ع) بإيجاز.
1 ـ الحكم ضرورة اجتماعية
قال(ع) :
* لابدّ للناس من أمير بَرٍّ أو فاجِر.
* الإمامة نظام الاُمّة.
* العدل قوام البرية.
* دولة العادل من الواجبات.
2 ـ الحكم مختبر الحياة
قال(ع) : سنة تختبر بها عقول الرجال: المصاحبة والمعاملة، والولاية والعزل، والغنى والفقر.
* القدرة تظهر محمود الخصال ومذمومها.
3 ـ الحكم عرض زائل
قال(ع) : * الدولة كما تقبل تدبر.
* الملك المنتقل الزائل حقير يسير.
4 ـ قيمة الحكم الأمثل:
قال(ع) : * دولة الأكارم من أفضل المغانم.
* اللّهم انّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسةً في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك، فيأمن، المظلومون من عبادك، وتُقام المعطلة من حدودك.
5 ـ مهامّ الدولة المثلى ـ والخطوط العريضة لنظام الحكم الإسلامي
1 / 5 ـ إقامة العدل:
قال(ع) : * العدل نظام الإمرة.
* العدل قوام الرعيّة.
* الرعيّة لا يصلحها الاّ العدل.
* في العدل الاقتداء بسنّة الله وثبات الدول.
2/5 ـ تثقيف الاُمّة:
قال(ع) : * على الإمام أن يعلّم أهل ولايته حدود الإسلام والإيمان.
3/5 ـ حماية الدين:
قال(ع) : * الملوك حماة الدين.
* في حمل عِباد الله على أحكام الله استيفاء الحقوق وكلّ الرفق.
* كل دولة يحوطها الدين لا تغلب.
* من جعل ملكه خادماً لدينه انقادله كل شيء.
4/5 ـ الاجتهاد في النصيحة:
قال(ع) : * ليس على الامام إلّا ما حمّل من أمر ربّه: الابلاغ في الموعظة والاجتهاد في النصيحة.
5/5 إقامة الحدود:
قال(ع) : * وإقامة الحدود على مستحقّيها.
6/5 ـ توفير الفيء:
قال(ع) : * أحسن الملوك حالاً من حسن عيش الناس في عيشه.
* فأمّا حقّكم عليّ فالنصيحة لكم وتوفير فيئكُم عليكُم.
7/5 ـ تربية المجتمع:
قال(ع) : * وتعليمكم كي لا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا.
8/5 ـ الدفاع عن استقلال وكرامة الامّة:
قال(ع) : * وتعاهد ثغورهم وأطراف بلادهم.
9/5 ـ توفير الأمن الداخلي:
قال(ع) : * لا بدّ للناس من أمير برّ أو فاجرِ، يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو، وتأمن به السُبُل.
10/5 ـ نصرة المستضعفين:
قال(ع) : * ويؤخذ للضغيف من القويّ حتى يستريح برّ ويستراح من فاجر.
11/5 ـ إغاثة الملهوفين:
قال(ع) : * زكاة السلطان إغاثة الملهوف.
12/5 ـ الاهتمام بالعمران:
قال(ع) : * فضيلة السلطان عمارة البلدان.
6 ـ صفات الحاكم الأمثل وعوامل ثبات الحكم
1 /6 ـ الانقياد للحقّ :
قال(ع) : * من اتخذ الحقّ لجاماً اتّخذه الناس إماماً.
* أجلّ الامراء من لم يكن الهوى عليه أميراً.
* من ساس نفسه أدرك السياسة.
* إذا نفذ حكمك في نفسك تداعت أَنفُسُ الناس الى عَدلك.
* العقل منزّه عن المنكر آمر بالمعروف.
2/6 ـ تفهّم الأمور:
قال(ع) : * أعقل الملوك من ساس نفسه للرعية بما يُسقط عنه حجّتها، وساس الرعية بما تثبت حجّته عليها.
* يحتاج الامام إلى قلب عقول.
3/6 ـ سطوع البيان:
قال(ع) : * ولسان قؤول.
4/6 ـ الشجاعة في إقامة الحق:
قال(ع) : * وجنان على إقامة الحقّ صؤول.
5/6 ـ حسن النيّة:
قال(ع) : * أصلح سريرتك يصلح الله علانيتك.
* أفضل الملوك من حسن فعله ونيته وعدل في جنده و رعيّته.
6/6 ـ الإحسان الى الرعيّة:
قال(ع) : * من أحسن الى رعيّته نشر الله عليه جناح رحمته، وأدخله في مغفرته.
* من لم يحسن في دولته خذل في نكبته.
* من أحسن الكفاية استحق الولاية.
7/6 ـ عفّة النفس:
قال(ع) : * أفضل الملوك أعفّهم نفساً.
* السيّد من لا يصانع ولا يخادع ولا تغرّه المطامع.
8/6 ـ عموم العدل:
قال(ع) : * ملاك السياسة العدل.
* من عدل نفذ حكمه.
* من كثر عدله حمدت أيّامُه.
* من عدل في سلطانه استغنى عن أعوانه.
* من عمل بالعدل حصّن الله ملكه.
* أفضل الملوك سجيّةً من عمّ الناس بعدله.
9/6 ـ الاقتصاد والتدبير:
قال(ع) : * لن يهلك من اقتصد.
* حسن السياسة يستديم الرياسة.
* حسن التدبير وتجنّب التبذير من حسن السياسة.
10/6 ـ الإنصاف:
قال(ع) : * الإنصاف زينُ الإمرة.
* زكاة القدرة الإنصاف.
11/6 ـ الرفق:
قال(ع) : * رأس السياسة استعمال الرفق.
* نعم السياسة الرفق.
12/6 ـ الحلم:
قال(ع) : * الحلم رأس السياسة.
* آلة الرئاسة سعة الصدر.
* إضرب خادمك إذا عصى الله واعفُ عنه إذا عصاك.
* العفو زكاة القدرة.
* سياسة العدل في ثلاث: لين في حزم، واستقصاء في عدل، وإفضال في قصد.
13/6 ـ الدفاع عن الدين:
قال(ع) : * صيّر الدين حصن دولتك، والشكر حرز نعمتك فكلّ دولة يحوطها الدين لا تغلب وكلّ نعمة يحرزها الشكر لا تسلب.
14/6 ـ كثرة الورع:
قال(ع) : * استعن على العدل بحسن النيّة في الرعيّة، وقلّة الطمع، وكثرة الورع.
15/6 ـ الشعور بالأمانة:
قال(ع) : * إنّ السلطان لأمين الله في الأرض.
* انّ هذا المال ليس لي ولا لك وانما هو للمسلمين.
* إنّ عملك ليس لك طعمة.
16/6 ـ اليقظة:
قال(ع) : * من أمارات الدولة التيقّظ لحراسة الأُمور.
* من لم يستطهر باليقظة لم ينفع بالحفظة.
* من النبل أن تتيقظ لإيجاب حقّ الرعية إليك، وتتغابى عن الجناية عليك.
17/6 ـ التكليف بما يطاق:
قال(ع) : * إذا أردت أن تطاع فأسأل ما يستطاع.
18/6 ـ عدم الاغترار بالقدرة:
قال(ع) : * ذو الشرف لا تبطره منزلةٌ نالها وإن عظمت والدنيّ تبطره أدنى منزلة.
19/6 ـ توزيع العمل وتعيين مسؤولية كل فرد:
قال(ع) : * الأعمال تستقيم بالعمّال.
* اجعلْ لكلِّ إنسان من خدمك عملاً تأخذه به فإنّ ذلك أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك.
20/6 ـ البذل:
قال(ع) : * من بذل معروفه استحقّ الرئاسة.
* من بذل جاهه استحمد.
* الجود رياسة.
* زين الرياسة الإفضال.
الهوامش
(1) نهج البلاغة 1: 106 / خطبة 57 مع الخوارج، إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 340 باب 3 الآيات والدلالات المؤيدة إمامته(ع)، بحار الأنوار 38: 255 وج 39: 325 / ح27، تفسير ابن عربي 2: 345 في تفسير آية {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 54.
(2) المقنعة للمفيد:461، كتاب الأنساب، باب 5، خصائص الأئمة للرضي: 39 خصائص أميرالمؤمنين(ع)، روضة الواعظين: 76 مجلس في مولد أمير المؤمنين(ع)، المناقب لابن شهر آشوب 3/ 353 فصل في حليته وتواريخه(ع)، مروج الذهب للمسعودي 2: 349 فصل ذكر خلافة أمير المؤمنين(ع)، الفصول المهمة لابن الصباغ: 29 فصل 1 ذكر أمير المؤمنين(ع).
(3) أمالي الصدوق: 194 ـ 195 / ح 206، أمالي الطوسي: 706 ـ 707 / ح1511، روضة الواعظين للنيسابوري: 76 ـ 77 مجلس في ذكر أمير المؤمنين(ع)، الثاقب في المناقب: 197 ـ 198 / ح173، بحار الأنوار 35: 35 ـ 36 / ح37.
(4) بحار الأنوار: 35 / 18.
(5) اليعسوب: يقصد به هنا سيّد قومه.
(6) المبير: المهلك.
(7) راجع المناقب لابن شهر آشوب 3: 321 ـ 334 (فصل في ألقابه على حروف المعجم) كشف الغمة 1: 66 ـ 70 باب كناه وألقابه(ع). وقد وردت ألقاب اُخرى عديدة لأمير المؤمنين في مصادر الرواة والمحدّثين منها: صحيح الترمذي والخصائص للنسائي والمستدرك للحاكم النيسابوري وحلية الأولياء للأصفهاني واُسد الغابة لابن الأثير وتأريخ الإسلام للذهبي وغيرهم.
(8) بحار الأنوار: 35 / 43.
(9) علل الشرائع للصدوق 1: 169، باب 132، ح1، روضة الواعظين للنيسابوري: 86 مجلس إسلام أمير المؤمنين(ع)، بحار الأنوار 38: 237 ـ 238 / ح8 ، السيرة النبوية لابن هشام 1: 162 ذكر إسلام عليّ(ع)، المستدرك على الصحيحين 3: 576 (باب كفالة النبي لعيال أبي طالب)، الكامل في التاريخ 2: 58 (ذكر الإختلاف في أوّل من أسلم).
(10) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 15 ، نقلاً عن البلاذري والإصفهاني.
(11) الخصيصة: الخاصة.
(12) عرفه (بالفتح): رائحته، وأكثر استعماله في الطيب.
(13) الخطلة: الخطأ ينشأ من عدم الرؤية.
(14) الفصيل: ولد الناقة.
(15) عَلَماً: فضلاً ظاهراً.
(16) حراء: جبل قرب مكّة.
(17) رنّة الشيطان: صوته.
(18) نهج البلاغة 2: 157 ـ 158 / خطبة 192 (القاصعة)، بحار الأنوار 14: 475 ـ 476 / 37.
(19) الطبقات الكبرى 1: 118 فصل ذكر ضم عبدالمطلب رسول الله(ص).
(20) المناقب لابن شهر آشوب 1: 62 فصل في منشئه(ص)، بحار الأنوار 3: 86 / ح30.
(21) بحار الأنوار 35: 138، الإصابة لابن حجر 7: 196 (ترجمة أبو طالب تحت رقم 1075).
(22) راجع الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 41 ـ 42 (الباب الأوّل: «أبو طالب(ع)»)، الإصابة لابن حجر 7: 196 (ترجمة أبي طالب تحت رقم 1075).
(23) الطبقات الكبرى 1: 123 و124 ذكر أبي طالب وضمه رسول الله(ص).
(24) الطبقات الكبرى 1: 125 ذكر أبي طالب وضمّه رسول الله(ص)، الكامل في التاريخ 2: 90 (ذكر وفاة أبي طالب).
(25) بحار الأنوار: 35 / 72. وانظر: منية الطالب في إيمان أبي طالب للشيخ الحجة محمّد رضا الطبسي، وأباطالب مؤمن قريش للشيخ عبدالله الخُنيزي وموسوعة التاريخ الإسلامي: 1/514 ـ 517 و 596 ـ 601.
(26) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 30 ـ 31 ذكر فاطمة بنت أسد (عليها السلام).
(27) المناقب للخوارزمي: 47 ـ 48 / ح 10 فصل 2 بيان نسب عليّ(ع) من قبل أبيه وأُمّه(عليهما السلام)، مجمع الزوائد 9: 256 ـ 257 (باب مناقب فاطمة بنت أسد)، سبل الهدى والرشاد 11: 287 باب 10 في بعض فضائل عليّ(ع).
(28) الفصول المهمة لابن الصباغ: 31، وفي فرائد السمطين: 1 / 379: «صنعت شيئاً لم تصنعه بأحد» وروى إسلام فاطمة بنت أسد وهجرتها وحنانها ورعايتها للرسول ووفاتها وما قال النبي (ص) في فضلها كثير من الحفّاظ والمؤلّفين في كتبهم كابن عساكر وابن الأثير وابن عبدالبرّ ومحب الدين الطبري ومحمد بن طلحة والشبلنجي وابن الصبّاغ والبلاذري وغيرهم.
(29) تاريخ بغداد 6: 219، في ترجمة إسماعيل بن محمّد تحت رقم 3275، تاريخ مدينة دمشق 42: 364، ترجمة الإمام عليّ(ع) تحت رقم 4933، الصواعق المحرقة لابن حجر: 127، باب 9 فصل 3 في ثناء الصحابة عليه(ع) .
(30) تفسير العياشي 2: 352 / 91، تفسير فرات الكوفي: 50 / ح9، شواهد التنزيل للحسكاني: 30 / ح13، وص68 ح77 .
(31) البقرة (2): 274.
(32) الاختصاص للمفيد: 166 / ح99، بحار الأنوار 41: 33 / ح4، شواهد التنزيل للحسكاني 1: 140 / ح155، تفسير البحر المحيط للأندلسي 2: 344 / في تفسير الآية أعلاه.
(33) المائدة (5): 55.
(34) الطرائف لابن طاووس: 49 / ح42 (باب سبب نزول الآية)، بحار الأنوار 35: 185 / ح4، العمدة لابن البطريق: 123 / ح162، الدر المنثور للسيوطي 2: 293 في تفسير الآية.
(35) الآية 33 من سورة الأحزاب. وقد أورد هذه الرواية كثير من علماء ورواة المسلمين الثقات منهم الكليني في الكافي 1: 287 / ح1 (باب ما نصّ على الأئمة واحداً واحداً)، أمالي الصدوق: 559 / ح746، مسند أحمد 1: 331 (ما أسند عن عبدالله بن عبّاس)، صحيح مسلم 7: 130 (كتاب الفضائل، باب فضائل زيد بن حارثة).
(36) الآية 61 من سورة آل عمران. وقد روى الحديث علماء المسلمين ورواتهم ومفسريهم . راجع روضة الواعظين: 164 (مجلس في ذكر إمامة السبطين)، الطرائف لابن طاووس: 43 ـ 44 / ح38 (في آية المباهلة)، شواهد التنزيل للحسكاني 1: 160 ـ 161 / ح 172، الدر المنثور للسيوطي 2: 39 في تفسير الآية.
(37) راجع التبيان للطوسي 10: 204 وما بعدها في تفسير الدهر، الطرائف لابن طاووس: 107 وما بعدها، ح160 نزول سورة (هل أتى)، تفسير البيضاوي 5: 426 (في تفسير سورة الإنسان).
(38) ذخائر العقبى: 61 (ذكر أنه ما اكتسب مكتسب مثله)، المعجم الصغير للطبراني 1: 241 (باب من اسمه عبدالرحمن)، مجمع الزوائد 1: 121 (كتاب العلم، باب فضل العلم).
(39) الطبقات الكبرى 2: 338 ذكر عليّ بن أبي طالب(ع)، أنساب الأشراف للبلاذري: 98 / ح26 ترجمة أمير المؤمنين(ع)، تاريخ مدينة دمشق 42: 379، ترجمة الإمام عليّ(ع)، رقم 4933.
(40) مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 1: 325 / 246، الطرائف لابن طاووس: 64 / ح66 باب إنّ عليّاً أخو النبيّ(ص)، بحار الأنوار 38: 344، سنن الترمذي 5: 30، باب 85، مناقب عليّ(ع)، ح3804، مستدرك الحاكم 3: 14 ذكر مؤاخاة الرسول(ص)، نظم درر السمطين: 94 مناقب الإمام أمير المؤمنين(ع).
(41) بشارة المصطفى: 241 / ح24، الأربعون لمنتجب الدين: 64 ـ 65 / ح33، بحار الأنوار 38: 217 / ح22، الاستيعاب 4: 1744 / ترجمة رقم 3157، أُسد الغابة 5: 287 ترجمة أبي ليلى الغفاري، الإصابة لابن حجر 7: 294 / ترجمة رقم 10484.
(42) الكافي 7: 424 / ح6 (باب النوادر)، الطرائف لابن طاووس: 255 / ح 354، الاستيعاب 3: 1103 / ترجمة 1855 ترجمة أمير المؤمنين(ع)، الوافي بالوفيات للصفدي 21: 179 في ترجمة من اسمه عليّ.
(43) المناقب للكوفي 2: 480 / ح978 باب حبّه وبغضه(ع)، الطرائف لابن طاووس: 77 / ح104، بحار الأنوار 36: 178 / ح171، تاريخ مدينة دمشق 42: 287 (ترجمة أمير المؤمنين رقم 4933)، الاستذكار لابن عبدالبر 8: 446 / ح 1776، باب 5، العمدة لابن البطريق: 216 / ح336، فصل 26.
(44) العدد القوية للحلي: 250 / ح1 باب مناقبه(ع)، بحار الأنوار 33: 171 ـ 172 / ح451، الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1108 (ترجمة عليّ(ع) رقم 1855 باب العين)، الجوهرة في نسب الإمام عليّ(ع): 74 (باب فضائل عليّ ومواعظه).
(45) العقد الفريد 2: 194 فصل فضائل عليّ(ع)، نهج الإيمان لابن جبر: 491 بعض خصائص عليّ(ع).
(46) كتاب الأربعين للشيرازي: 417 باب أفضلية أئمتنا(عليهم السلام)، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 22 القول في نسب الإمام عليّ(ع).
(47) مناقب أمير المؤمنين للكوفي 1: 415 / ح329 (كلام صعصعة)، تاريخ اليعقوبي 2: 79 أيام خلافة عليّ(ع).
(48) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7: 46 (شرح خطبة 92) وعنه في بحار الأنوار 40: 190.
(49) تاريخ اليعقوبي: 2 / 213 «أيام خلافة عليّ بن أبي طالب(ع)».
(50) الإمام علي صوت العدالة الإنسانية: 1 / 14 ضمن مقدمته.
(51) المصدر السابق: ص35.
(52) نقد السياسة، الدولة والدين، برهان غليون: ص78 ، الطبعة الثانية 1993، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
(53) سيرة الأئمة الاثني عشر: 1 / 141 ـ 142.
(54) مقدمة شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 3 ـ 4 للمحقق محمّد أبو الفضل إبراهيم.
(55) الإرشاد للمفيد 1: 204 باب ما جاء من قضاياه(ع)، بحار الأنوار 40: 149 / ح54، أنساب الأشراف للبلاذري: 100 / ح 29 (قول عمر لا أبقاني)، المناقب للخوارزمي: 97 / ح98 فصل 7 في بيان غزارة علمه(ع).
(56) راجع: مقدمة شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.
(57) الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانية، جورج جرداق: 85 ، تلخيص حسن حميد السنيد .
(58) نهج البلاغة 4: 53 الحكمة 237.
(59) تحف العقول: 88 وصيته(ع) لابنه الحسن(ع)، بحار الأنوار 74: 236 / ح1، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 61 / ح42.
(60) كشف الغمة 1: 172 (في وصف زهده(ع) في الدنيا)، بحار الأنوار 40: 334 / ح15، تاريخ مدينة دمشق 42: 477 / ترجمة أمير المؤمنين(ع) تحت رقم 4933، الكامل في التاريخ 3: 400 (ذكر حوادث سنة 40 هـ ).
(61) حلية الأولياء 1: 81 في زهده وتعبده(ع)، كنز العمّال 13: 184 / ح36549 باب فضائل عليّ(ع).
(62) كشف الغمة 1: 162 (فصل في زهده(ع) في الدنيا)، المناقب للخوارزمي: 117 / ح128 فصل 10 في بيان زهده(ع).
(63) نهج البلاغة 3: 72، (كتاب 45 إلى عثمان بن حنيف).
(64) نهج البلاغة 2: 185 / خطبة 206.
(65) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 22 ـ 23 (فصل القول في نسبه(ع) وذكر لمع يسيرة من فضائله).
(66) الفصول المهمة لابن الصباغ: 64 (في ذكر وقعة الجمل).
(67) نهج البلاغة 2: 180 / خطبة 200.
(68) نهج البلاغة 4: 105 / حكمة 458.
(69) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 20 ـ 21 (فصل القول في نسبه(ع) وذكر لمع يسيرة من فضائله).
(70) نهج البلاغة 2: 218 / خطبة 224.
(71) نهج البلاغة 4: 110 / حكمة 479 قصار الحكم.
(72) نهج البلاغة 4: 110 / 480.
(73) نهج البلاغة 3: 46 / كتاب 31 وصيته(ع) لولده الحسن(ع).
(74) نهج البلاغة 4: 28 / حكمة 117 قصار الحكم.
(75) كشف الغمة 2: 48 فصل في مناقب شتى له(ع)، كشف اليقين: 475 (مبحث 36 في أخبار أوردها الزبير بن بكار)، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 22 (فصل في نسبه(ع) ولمع يسيرة من فضائله)، الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري 1: 101 (ذكر قدوم ابن أبي محجن على معاوية).
(76) هي أشد ليلة مرّت على الجيشين في معركة صفّين، راجع مروج الذهب : 2 / 389 .
(77) من مقدمة ابن أبي الحديد لشرح نهج البلاغة 1 / 16 ـ 30 تحقيق محمد أبي الفضل ابراهيم.
(78) اُصول الكافي: الجزء الأول باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة. وراجع: سيرة الأئمّة الاثني عشر: 1 / 96 ـ 99 و274 ـ 294.
(79) حياة أمير المؤمنين في عهد النبيّ: 402، تأليف: محمّد صادق الصدر.
(80) نهج البلاغة 1: 11 (مقدمة الشريف الرضي)، الصراط المستقيم للعاملي 1: 221 (باب 7، فصل 19).
(81) راجع المعجم الموضوعي لنهج البلاغة: 42 ـ 53 و101 وتصنيف غرر الحكم: 109 ـ 117.
(82) راجع المعجم الموضوعي لنهج البلاغة: 87 ـ 116 و374 ـ 445.
(83) نهج البلاغة 2: 21 / خ138.
(84) عن بشارة المصطفى: 51 و 54 / ح43 (ذكر وصيته(ع) لكميل).
(85) شرح الأخبار للمغربي 3: 384 / ح1258، الملاحم والفتن لابن طاووس: 177 (ذكر ما نقله عن كتاب ابن حماد باب 192 وص318 (ما نقله من كتاب الفتن لأبي يحيى زكريا) باب 19.
(86) الخصال للصدوق: 626 / ح10 (حديث الأربعمائة)، تحف العقول: 115 (ما روي عن أمير المؤمنين(ع)في آدابه لأصحابه).