تمهيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد(ص)، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين عليهم السلام.
مع إطلالة شهر جمادى الأولى تطلّ علينا أحداث ومناسبات مفرحة ومحزنة مهمة في الإسلام.
ففي اليوم الخامس منه للسنة الخامسة للهجرة يوم ولادة أسوة الصبر والجهاد وبطلة الطف والفداء السيدة زينب الكبرى عليها السلام ، فينبغي الاهتمام بهذه الذكرى العطرة من إقامة الاحتفالات ومجالس الفرح.
ومن الحوادث المهمّة التي جرت في هذا الشهر أيضاً واقعة مؤتة وشهادة جعفر الطيار، ومعركة حطين والجمل، وغيرها من المناسبات..
وفي اليوم الثالث عشر من هذا الشهر ذكرى وفاة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام على إحدى الروايات المشهورة، فينبغي على الإنسان المسلم المؤمن أن يهتم بهذا اليوم فيحضر المجالس التي تقام بهذه المناسبة لكي يتعرف على هذه الشخصية العظيمة ويشارك النبي(ص)، وأهل البيت عليهم السلام في هذا المصاب الجلل، وهو أكبر مصيبة وأكثر حزن بعد فقد النبي(ص)، .
ونحن إذ نقدّم هذه الباقة من سلسلة المناسبات الإسلامية للقرّاء الأعزّاء نرجو من العلي القدير أن تكون هذه البحوث قد كشفت جزءاً من تراثنا الإسلامي القيّم، وذلك من أجل التعرّف على بعض من هذا التراث العظيم، والله الموفّق والمسدّد، وهو من وراء القصد.
وقعت هذه الواقعة عام (8 هـ)، ومؤتة قرية من قرى البلقاء في الكرك، من بلاد الأردن، وسببها؛ أن رسول الله(ص)، بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى حاكم بصرى، وهي قصبة من أعمال الشام، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغسّاني وهو من كبار بلاط قيصر فقتله، وبلغ ذلك رسول الله(ص)، فاشتد عليه، وندب الناس فأسرعوا وخرجوا فعسكروا بالجرف، فأتى(ص)، الجرف وعرض الجيش، وكان يعدّ ثلاثة آلاف مقاتل ثم عقد لهم راية بيضاء، وأسند الإمارة إلى جعفر بن أبي طالب، ثم قال (ص)، : Sفإن أصيب جعفر فزيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فعبد الله بن رواحة، فإن أصيب عبد الله فليرتض المسلمون بينهم رجلاً فليجعلوه عليهمR.
وكان بعض اليهود حاضراً فقال: يا أبا القاسم، إن كنت نبياً فسيصاب من سمّيت قليلاً كانوا أو كثيراً، إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا لو سمّوا مئة أُصيبوا جميعاً.
ثم أوصاهم رسول الله(ص)، إذا بلغوا حيث قتل الحارث أن يدعوا الكفار إلى الإسلام فإن أبوا فليحاربوهم، ومضى المسلمون حتى قاربوا مؤتة، فلما بلغ شرحبيل مقدمهم استنجد بالقيصر فأمدّه بجيش قوامه مئة ألف أو أكثر.
كان المسلمون طلاّب شهادة، فلم يسترهبوا كثرة الأعداء ولم يهنوا ويضعفوا لكثرة جموعهم، واصطفّ الجيشان، ونادى جعفر في الناس: أن ترجّلوا عن رواحلكم، وقاتلوا رجالا.ً وكان هذا التدبير ليشعر المسلمين أنهم لا يستطيعون الفرار، وأن عليهم أن يقاتلوا بصدق، ثم نزل عن فرس له شقراء فعقرها، ثم رفع الراية وتقدّم، واحتدمت المعركة وأقدم جعفر على القتال، وقد أنشد يقول:
يا حبّذا الجنة واقترابها |
|
طيبة وبـارد شـرابها |
عليّ إذا لاقيتها ضرابها |
فقاتل قتالاً شديداً والكفار يتعاقبون كالموج فوجاً إثر فوج، وأحاطوا بجعفر كالحلقة، ثم أهووا عليه بالسيوف فقطّعوا يمناه، فأخذ الراية بيسراه فقاتل حتى أصيب مقبلاً بخمسين جراحة، ثم قطعوا يسراه فأخذ الراية بين عضديه، فضربوه في وسطه فوقع شهيداً.
ثم أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى شاط في رماح القوم فقاتل قتالاً عظيماً حتى قتل فأخذ الراية عبد الله بن رواحة فتردد بعض التردّد ثم قال يخاطب نفسه:
أقسمت يا نفس لتنزلنّه |
|
طائعة أو لا لتُكرهنه |
إن أجاب الناس وشدّوا الرنة |
|
مالي أراك تكرهين الجنة |
قد طال ما كنت مطمئنة |
|
هل أنت إلا نطفة في شنة |
وقال أيضاً:
يا نفس إن لم تقتلي تموتي |
|
هذا حمام الموت قد صليت |
وما تمنيت فقد أعطيت |
|
إن تفعلي فعلهما هديت |
وإن تأخرت فقد شقيت |
ثم نزل عن فرسه وأتاه ابن عم له بعرق لحم فأكل منه، ثم سمع الحطمة في ناحية العسكر، فقال لنفسه: وأنت في الدنيا ثم ألقاه وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ورجع بالناس. قالت أسماء بنت عميس زوجة جعفر(ع): أتاني رسول الله(ص)، في اليوم الذي أصيب فيه جعفر وقد فرغت من أشغالي وغسلت أولاد جعفر، ودهنتهم فضمهم وشمهم، وجعل يمسح على رؤوسهم وذرفت عيناه بالدموع فبكى. فقلت: يا رسول الله(ص)، بلغك عن جعفر شيء؟ قال: نعم قتل اليوم. فصحت، واجتمع إليَّ النساء، فقال: ألا أبشرك؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي. قال: إنّ الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة.