جواب:
من أجل التعرّف على معنى لفظ من الألفاظ، يُمكننا دراسته من جهتين رئيسيّتين:
ألف. التعرّف على المعنى اللغوي لذلك اللفظ؛
ب. التعرّف على معناه الاصطلاحي.
فللتعرّف على المعنى اللغوي للفظ، ينبغي الرجوع إلى المعاجم والقواميس، ومن أجل التعرّف على معناه الاصطلاحي، يلزم البحث حول استعمالاته بحسب الاصطلاح الخاصّ بكلّ علم، لنكتشف ذلك المعنى الاصطلاحي من خلال الأخذ بعين الاعتبار للقرائن والشواهد المتوفّرة.
وأمّا فيما يخصّ المعنى اللغوي للعترة، فواضح وجليّ، إذ المراد من عترة الرجل «أخصّ أقربائه وعشيرته ورهطه الأدنون». (1)
ويبقى الخلاف قائماً حول المعنى الاصطلاحي للعترة الوارد في حديث الثقلين، بمعنى أنّه ينبغي علينا أن نرى هل استُعملت كلمة العترة في حديث الثقلين بنفس معناها اللغوي والعامّ (لتشمل بذلك جميع أقارب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم)، أم أنّها مختصّة ـ بحسب اصطلاح هذه الرواية ـ بأشخاص معيّنين؟
ونُطالع في حديث الثقلين: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ». (2)
ففي هذا الحديث، عُدّ كلّ من كتاب الله (أي القرآن) وأهل البيت (أي عترة الرسول صلى الله عليه وآله) بمثابة التراث القيّم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. فالمراد من القرآن واضح ومحدّد، فيبقى علينا أن نرى ـ والحال هذه ـ من هم المقصودون من العترة وأهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم؟ وهل يشمل ذلك جميع أقارب الرسول أم أنّ المراد منه هم أقارب معيّنون؟
بالنظر إلى الروايات المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم التي عيّنت المراد من العترة وأهل البيت، يعتقد الشيعة بأنّ المراد منهم هم الأئمّة المعصومين عليهم السلام، وأنّ مصداق العترة التي جُعلت ـ وفقاً لحديث الثقلين ـ في عرض كتاب الله تعالى، وعُدّ التمسّك بها سبباً للنجاة من الزيغ والضلال هم خصوص الأئمّة المعصومين عليهم السلام؛ لأنّه كما يلزم من التمسّكُ بالقرآن عدم تحريفه وعصمته عن ذلك، يلزم كذلك من التمسّك بالعترة أن تكون معصومة عن الخطأ والمعصية، وبالتالي، فلن تشمل العترةُ جميع أقارب النبيّ (لعدم عصمتهم بأسرهم)، بل ستشمل البعض منهم فقط؛ وهم مصاديق آية التطهير(3)، والذين وُضعت طاعتُهم ـ بحسب آية أولي الأمر (4) ـ إلى جانب طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم.
وقد اعترف بهذه المسألة ـ علاوةً على علماء الشيعة ـ بعض المنصفين من أهل السنّة، كما هو الأمر بالنسبة للمناوي الشافعي الذي يقول في (فيض القدير) عند تفسيره لمعنى العترة:
«هم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً». (5)
ويقول السهمودي:
«الّذين وقع الحثّ على التمسّك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة: هم العلماء بكتاب اللَّه عزّ وجلّ، إذ لا يحثّ صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم على التمسّك بغيرهم، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق، حتّى يردا الحوض. ولهذا قال: لا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا». (6)
ويتّضح من هذا الكلام (ومن الكلام الذي قبله) أنّ المراد من العترة في حديث الثقلين ليس هم عموم الأقارب، بل ينبغي أن يتوفّر هؤلاء الأقارب ـ لكي يدخلوا في العترة ـ على مجموعة من الشروط والمواصفات، من جملتها العلم والعصمة.
وختاماً، نذكر حديثاً حول هذا الموضوع، لكي يتبيّن المراد من العترة في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بشكل أوضح.
ففي كتاب فرائد السمطين، نُعاين الإمام علي عليه السلام وهو يقول في إحدى مناشداته:
«أنشدكم باللّه، أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قام خطيباً ـ لم يخطب بعد ذلك ـ فقال: يا أيّها الناس إنّي تارك فيكم كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي فتمسّكوا بهما لن تضلّوا، فإنّ [الله] اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فقام عمر بن الخطاب ـ شبه المغضب ـ فقال: يا رسول اللّه، أكلّ أهل بيتك؟ فقال: لا ولكن أوصيائي منهم، أوّلهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمّتي ووليّ كلّ مؤمن بعدي، هو أوّلهم ثمّ ابني الحسن ثمّ ابني الحسين ثم تسعة من وُلد الحسين واحد بعد واحد، حتّى يردوا عليّ الحوض، شهداء اللّه في أرضه وحججه على خلقه وخزّان علمه ومعادن حكمته، من أطاعهم فقد أطاع اللّه، من عصاهم فقد عصى اللّه؟! فقالوا كلّهم: نشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ذلك». (7)
الهوامش:
1. الجزري، ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، المكتبة العلميّة ـ بيروت، 1399هـ ـ 1979م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ـ محمود محمد الطناحي، ج 3، ص 385؛ ابن منظور، لسان العرب، بيروت، دارالفكر، 1414 هـ ق، ج 4، ص 538.
2. الشيخ الحرّ العاملي، وسائل الشيعه، مؤسّسة آل البيت، سنة 1409 هـ. ق، ج 27، ص 34. وتمّ كذلك نقل حديث الثقلين بعبارات مشابهة في كلّ من صحيح مسلم وسنن الترمذي، راجع: النيشابوري القشيري، أبو الحسين مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بدون تاريخ، ج 4، ص 1873؛ الترمذي، سنن الترمذي، مصر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1395 ق، ج 5، ص 662.
3. {إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً}، الأحزاب (33)، الآية 33.
4. {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللَّهَ وأَطيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكم}، النساء (4)، الآية 59.
5. المناوي القاهري، فيض القدير شرح الجامع الصغير، مصر، المكتبة التجاريّة الكبرى، 1356، ج 3، ص 14.
6. الحسيني الميلاني، علي، تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات، قمّ، الحقائق، 1382، ج 1، ص 129، نقلاً عن جواهر العقدين.
7. الجويني، محمد بن إبراهيم، فرائد السمطين، بيروت، مؤسسة المحمودي، 1978 م، ج 1، ص 317.