قد يقال ان طول العمر بهذه المدة مستبعد وغير واقع عادة , وقد مضى عليه الآن مايزيد عن الف سنة.
وهنا نقول : ان الاستبعاد ليس دليلاً, وقد قامت الادلة العقلية والنقلية على ولادته وغيبته في محلها, فهل يجوز ان تدفع بالاستبعاد ؟ مع انه لا استبعاد في ذلك بعد نص القرآن العظيم على مثله في نوح وانه قال (فَلَبِثَ فيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسينَ).
وفي رواية عن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه عاش الفاً واربعمائة وخمسين سنة , وعاش آدم تسعمائة وثلاثين سنة كما هو مذكور في التوراة , وعاش شيث تسعمائة واثنتي عشرة سنة .
وجاءت الروايات ببقاء الخضر الى الآن . قال الطبرسي في (اعلام الورى) : (اجمعت الشيعة واصحاب الحديث , بل الامة بأسرها على ان الخضر موجود في هذا الزمان , حي كامل العقل , ووافقهم على ذلك اكثر اهل الكتاب), إنتهى .
وكذلك الياس وادريس . ونص القرآن الكريم على بقاء عيسى عليه السلام ورفعه الى السماء . وجاءت الروايات المتفق عليها بين الفرقين على انه ينزل عند خروج المهدي عليه السلام ويصلي خلفه , فكيف جاز بقاء المأموم طول هذه المدة وحياته وامتناع بقاء الامام , هذا مع ماصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : (كل ماكان في الامم السالفة يكون في هذا الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة).
وجاءت روايات الفريقين بحياة الدجال وهو كافر معاند مضل وبقائه الى خروج المهدي عليه السلام فيقتله المهدي عليه السلام, فكيف امتنع في ولي الله ماوقع مع عدو الله ونسبة معتقده الى الجهل وسخافة العقل.
ونص الكتاب العزيز على بقاء ابليس الى يوم القيام وهو غاو مضل ؟ وقد صنف ابو حاتم السجستاني كتاباً خاصاَ بالمعمرين .
وقد نص القرآن الكريم على بقاء اصحاب الكهف احياء وهم نيام, فلبثوا في رقدتهم الاولى ثلثمائة سنين وازدادوا تسعاً كما نطق به القرآن العظيم . فايهما اعجب واغرب وابعد بقاء رجل يأكل ويشرب ويمشي وينام ويستيقظ ويبقى مدة طويلة ؟ ام بقاء اشخاص نيام في مكان واحد لايأكلون ولايشربون؟ وقد نص القرآن الكريم على اماته عزير مائة عام ثم احيائه وطعامه لم يتنسه ولم يتغير, فايهما اعجب هذا ام بقاء المهدي عليه السلام ؟
وقد شاهدنا في زماننا بقاء الاجسام بعد الموت محفوظة بالادوية إلوفاً من السنين، فالملك الذي اخرج من صيدا وهو في تابوت مغموراً بالماء لم يفقد من جسمه شيء , ونقل بتابوته الى القسطنطينة في عهد السلطان عبد الحميد العثماني , وتاريخه قبل المسيح عليه السلام , وشاهدنا في مصر اجسام الفراعنة محنطة باقية من عهد موسى عليه السلام او قبله باكفانها والتماسيح المحنطة والمعزى والحنطة والخبز وغير ذلك . وبهذه السنين استخرج في مصر احد الفراعنة المسمى (توت عنخ آمون) وجسمه لم يبل ومائدته امامه عليها الفواكه , فاذا جاز على الله تعالى ان يلهم عباده معرفة الادوية الحافظة لأجسام الموتى والحيوانات وغيرها ألوفاً من السنين , اما يجوز عليه ان يطوّل عمر شخص ويبقيه حياً زماناً طويلاً؟
وقد ضرب السيد ابن طاووس في كتاب (كشف المحاجة) مثلاً لرفع استبعاد بقاء المهدي حياً بين الناس مدة طويلة وهم لا يعرفونه حين حصلت بينه وبين بعض علماء بغداد من اهل السنة مناظرة في ذلك , فقال : لو ان رجلاً حضر الى بغداد وادعى انه يستطيع المشي على الماء وضرب لذلك موعداً اترى ان احداً من اهل بغداد كان يتخلف عن ذلك الموعد ؟ لاشك انه لايتخلف احد , او يتخلف النادر، واذا قال انه في اليوم الثاني يريد ان يفعل ذلك فلا شك انه لايحضره الا القليل, واذا تكرر ذلك منه كثيراً لاينظر اليه احد ولايستغرب منه ذلك , فكذلك أمر المهدي عليه السلام.
واقول : انه في زماننا ونحن بدمشق جاء خبر بان طيارة عثمانية تريد المجيء الى دمشق ولم تكن الناس رأت الطائرات, فلم يبق بدمشق احد الا خرج للنظر اليها , فلما جاءت ثانياً وثالثاً قل المتفجرون الى ان صارت الطائرات اليوم بمنزلة الطيور لاينظر اليها احد ولايستغرب امرها .
السيد محسن الامين العاملي قدس سره