نشر على صفحات موقع (( كسر الصنم)) مقالا ، بقلم عبد الملك الشافعي بعنوان: إلى صناديد الإمامية: إنهيار استدلالكم العقلي على العصمة المطلقة بآية إمامة إبراهيم عليه السلام.
وقد ناقش فيه الكاتب إستدلال علماء الشيعة بآية إمامة إبراهيم عليه السلام وهي قوله تعالى: { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } ( البقرة / 124)
وقال: وجدتهم يحاولون (جاهدا، كذا) اشتراط العصمة في الإمام مدى الحياة، وليس وقت إمامته فقط.
وحاصل استدلالهم إنّ الناس إلى الظلم على أقسام أربعة :
1- من كان طيلة عمره ظالماً.
2- من كان طيلة عمره طاهراً ونقياً.
3- من كان ظالما في بداية عمره وتائبا في آخره.
4- من كان طاهرا في بداية عمره وظالما في آخره.
عند ذلك يجب أن نقف على أنّ إبراهيم عليه السلام الذي سأل الإمامة لبعض ذريته أراد أي قسم منها ؟
حاشا لإبراهيم عليه السلام أن يسأل الإمامة للقسم الأوّل والرابع من ذريته لوضوح أن الفارق في الظلم من بداية عمره إلى آخره أو الموصوف به أيام تصديه للإمامة لا يصلح لأن يؤتمن عليها فبقي القسمان الآخران أعني الثاني والثالث، وقد نصّ سبحانه على أنه لا ينال عهده الظالم، والظالم في هذه العبارة لا ينطبق إلا على القسم الثالث أعني من كان ظالماً في بداية عمره وصار تائباً حين التصدّي.
ثم علّق على هذا وقال : وتأمل كيف نزهوا باستدلالهم إبراهيم عليه السلام من سؤاله للإمامة للقسم الأول والرابع- من كان ظالما مدى الحياة ومن كان نقيّاً ثم أنحرف وقت تصديه للإمامة- ثم إعترفوا بأنه عليه السلام قد طلبها للقسمين الثاني والثالث، فجاء الرفض الإلهي للقسم الثالث بعدم أهليته للإمامة... ليخرجوا بالنتيجة التي استماتوا في إثباتها وهي أن الإمام يجب أن يكون نقيّاً من الظلم طيلة عمره.
ثم إنه ردّ على هذا الإستنتاج بقوله: نجد أنفسنا أمام حكمين عقليين متعارضين هما :
1- ما حكم به عقل إبراهيم عليه السلام من الإعتقاد بأن من كان ظالماً في بداية عمره تائبا وقت تصديه للإمامة، يصلح للإمامة مؤهلاً لها.
2- ما حكمت به عقول الإمامية من الإعتقاد بأن من كان ظالماً في بداية عمره وتائباً وقت تصديه للإمامة، لايصلح للإمامة وعدم أهليته لنيلها.
وعليه فسيجد الإمامية أنفسهم بين خيارين:
1- إما أن يصححوا ما حكم به عقل إبراهيم عليه السلام من أهلية القسم الثالث للإمامة، وعندئذ يترتب عليه بطلان عقيدتهم.
2- أو يصححوا ما حكمت به عقول الإمامية بمنع الإمامة عن القسم الثالث، ويترتب عليه الطعن بإبراهيم عليه السلام والمتمثل باتهام عقله بالجهل والعجز.
هذا خلاصة ما كتبه صاحب المقال، وبما أنّه قال في آخر مقاله: وإنّا بانتظار العقلاء والمنصفين من الزملاء الإمامية ليبينوا موقفهم منه، وبأي الخيارين سيلتزمون، وتمثّل بقوله تعالى { وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } ( هود/93 )
ونحن نزولاً على طلبه نقول :
لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز
وسوف يكون جوابنا مشتملا على نقطتين:
الأولى: أنَّ الكاتب بدل أن يجيب عن استدلال الإمامية بالآية المباركة على عصمة الإمام في عامّة المراحل، أنتقل إلى أمر هامشي يُعدّ جدلا لا استدلالاً، وسوف نجيب عن جدله في النقطة الثانية.
نحن نفترض أن باحثاً إسلامياً مستقلاً يريد استخراج العقيدة الإسلامية من القرآن الكريم والسنة النبوية، ولا يريد أن يكون مقلّداً أشعرياً أو ما تريدياً أو معتزلياً أو إمامياً.
فعندئذ يبدأ بالتدبر في الآية على النحو الّذي ذكرناه فوجد في صميم ذاته أنه لا يمكن أن يطلب إبراهيم عليه السلام الإمامة للقسمين التاليين:
1-الغارق في الظلم طيلة عمره.
2-النقي في بداية عمره والظالم وقت توليه الإمامة.
لأن بداهة العقل تحكم بعدم جواز تفويض مصالح الناس ونواميسهم بيد هؤلاء الذي هم رجال العبث والفساد يعبثون بنفوس الناس وأعراضهم وأموالهم.
ثم يجد هذا الباحث غير المنتسب إلى أي طائفة من الطوائف أن مطلوب إبراهيم عليه السلام من إفاضة الإمامة لذريته طبعاً هما القسمان الآخران.
إلى هنا يتفكر هذا الباحث في الموضوع فعندما ينتقل إلى جوابه سبحانه كأنه يرفض قسماً ويقبل قسماً آخر، ينتقل إلى أن المرفوض هو الفاسد في أول عمره العادل زمان توليه الإمامة.
فلم يبق إلا من كان نقيّا طيلة عمره لم يعبد صنماً ولم يخضع بعنوان العبادة إلاّ لله سبحانه، ولم يشرب خمرا ولم يدنس نفسه بالخطيئة. فعندئذ نسأل كاتب المقال ما هو جوابه عن استدلال هذا الباحث ولا يسوغ له أن يبحث في حواشي المسألة، من أن الإمامة بين خيارين...الخ، إذ المفروض أن الباحث لا إمامي ولا أشعري ولا ما تريدي، ولا غير ذلك، وإنما هو مسلم أسلم وجه لله وارتدى برداء الإسلام وأراد أن يعتقد بصميمه من المصدرين الكتاب والسنة فإذا الكتاب يرشده إلى هذه الفكرة .
فما هو جواب صاحب المقال، الذي قال إننا مرتقبون.
النقطة الثانية: إن الإمامية لم تتخذ عصمة الإمام عقيدة إسلامية إلا من طريق التدبر في آيات القرآن الكريم، وما اُثر في هذا الموضوع من أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الصحيحة. ومن الآيات التي استنتجوا منها عصمة الإمام هي آية إمامة إبراهيم عليه السلام فقد استفادوا من الحوار الدائر بين الله سبحانه وخليله بأن اللائق للإمامة هو الطاهر طول حياته.
فلو كان هناك فضل وكرامة فإنما ترجع إلى الحوار وبالتالي إلى الله سبحانه وإلى خليله عليه السلام فحوارهما بمنزلة كلام المعلم والمستفيدون بمنزلة المتعلم.
نعم استدلالهم بالآيات القرآنية على عصمة الإمام لا يصدهم في المرحلة الثانية عن الرجوع إلى الفطرة السليمة والعقل الصريح الدال بأن تفويض الأمر إلى إنسان فاسق لا يخاف الله سبحانه بالغيب أمر ناقض لهدف الخلقة، كما هو الحال في أُصول عامّة العقائد. حيث يردفون الإستدلال بالآيات القرآنية بصريح المعقول الّذي لايفارق الشرع قدر أنملة.
فالمصدر الرئيسي للباحث الإسلامي هو الكتاب والسنّة ولكن لا يمنعه ذلك من الرجوع إلى العقل الصريح، الذي به خاطب الله سبحانه عباده، وبه عرف الله وعرف رسله، وهذا كتاب الإلهيات لسماحة آية الله العظمى السبحاني يستدل على كل أصل من الأصول الإعتقادية بالكتاب والسنة والعقل ولا يصده الإستدلال بالوحي، عن الإستدلال بالعقل الفطري.
وبذلك يُعلم أن ما ذكره من أن الإمامية بين خيارين هو الأخذ بعقيدة إبراهيم (صلاحية الظالم للإمامة) والعدول عن معتقدهم، أو تفضيلهم عقولهم على عقل إبراهيم عليه السلام، غير تامّ.
إذ للإمامية أن تقول لا نأخذ بهذا، ولا ذاك، بل نأخذ بشيء آخر يجمع بين كرامة الخليل وعظمة عقليته، وبين الإعتقاد بعصمة الإمام في عامّة المراحل، وذلك أن الحوار أنّ الحوار الدائر بين الهة سبحانه وخليله هو السبب الرئيسي لتواجد فكرة العصمة في أذهانهم ولولا الحوار أو الآيات الأُخرى النازلة في هذا الصدد، لم يُتمكن من الجزم بالمسألة فلو حاولنا التقييم ، فالفضل يرجع إلى الوحي، من دون فرق بين آية الإبتلاء وغيرها.
هذا ما نقدمه إلى الكاتب لعلّه يجد فيه دواء لما سمّاه داءً، وحلاً لما تصوره أنّه إشكالاً واعضالاً.
والله من وراء القصد.
جعفر السبحاني
قم المقدسة
26 رجب المرجب 1432