و لماذا لم يصفق الإسرائيليون و الأميركان؟!
يقول محمود عباس: "حين دخلت (إلى قاعة الاجتماعات في مقر الأمم المتحدة) صفقوا بحرارة و بشكل مطوّل دفاعا عن فلسطين و تأييدا لقرار طلب العضوية."
صحيح أنهم صفقوا، و لكن السؤال المهم لماذا صفقوا؟! قد يقول قائل إن المعارضين لخطوة طلب الاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة يرون كل شئ له علاقة بالموضوع بنظرة سوداوية و كما سماهم عباس زكي على شاشة الجزيرة "الحاقدين."
هذا الكلام قد يكون صحيحاً إذا كان فارغاً و مجرد بعبعة في الهواء، و لكن إذا كان منطلقاً من فهم جيد لا لبس فيه للقانون الدولي الذي تحتكم إليه هيئة الأمم المتحدة و الدول الأعضاء فيها فإنه يوضح حقيقة الوطنية التي تدَّعِيها الجهات التي اخترعت "استحقاق أيلول" و زَيَّنَتْهُ و صَوَّرَتْهُ بأنه إنجاز وطني و ذهبت به أخيراً إلى الأمم المتحدة.
نحن نعلم أن الغرب بأكمله و معظم حكومات العالم بما فيها عدد كبير من الحكومات العربية و الإسلامية تضع نصب أعينها المصالح الإسرائيلية و ليس الفلسطينية، بغض النظر عن الأسباب، و لكن لماذا التصفيق؟
أولا: لأن السيد عباس يريد أن يُثَبِّت تنازله عن 78% من أرض فلسطين التاريخية للإسرائليين و يؤكد اعترافه بالدولة الفلسطينية على 22% من أوصال مقطعة مليئة بالمستوطنات و تأكلها الأحزمة الأمنية و المناطق العسكرية و تتحكم فيها المعابر أو نفاط التفتيش الإسرائيلية بإذلال، و هذا أمر لا يزعج المصفقين.
ثانياً: إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يعني بأي مقياس إنهاء الاحتلال، و هذا يعني أن الدولة ستكون بدون القدس و بدون جميع ما تم احتلاله عام 1967م أو غيره، و ذلك لأن إسرائيل فوق القانون الدولي و لا يدَّعي أحد بأن الاعتراف سيمنح الدولة الفلسطينية حق مقاضاة إسرائيل و طلب الانسحاب من الأراضي المحتلة. لو أن ذلك ممكن، لكان بالإمكان مغادرة إسرائيل لهضبة الجولان أو لم تكن إسرائيل لتحتل دولة عضو أصلاً في الأمم المتحدة لمدة 22 عام، و هذا ما حصل في لبنان.
ثالثاً: إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيجعل لها كياناً قانونياً و هذا يعني أنها ملزمة بإيواء جميع أفرادها، و بالتالي فإن الدول التي صفقت سوف تجد مبرراً لها لطرد اللاجئين الفلسطينين بحجة وجود دولة لهم، و هذا الأمر يريده المصفقون حيث أنهم ضاقوا باللاجئين ذرعاً فضيقوا عليهم معيشتهم أو بدؤاً أصلاً بطردهم، سواء دول عربية أو غيرها. و ستعفي تلك الدول أنفسها من المسئولية تجاه القضية الفلسطينية حيث أنها تصبح دولة و خلافها مع الإسرائيلين هو خلاف دولتين متجاورتين و يمكن حله دبلوماسياً.
رابعاً: وجود مقعد الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة سوف ينهي مقعد منظمة التحرير فيها، و لأن الدولة التي لها مقعد في الأمم المتحدة تمثل فقط مواطنيها المتواجدون على أرضها، فإن هذا يعني أنها لن تكون ممثلاً للاجئين و لا لفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948م، و هذا أمر يريده المصفقون أيضاً.
خامساً: إن حق المقاومة و تقرير المصير الذي يضمنه القانون الدولي و تضمنه اتفاقيات جينيف سوف ينتهي لأن هذا الحق مكفول للبلاد المحتلة و ليس مكفولاً للدول الأعضاء في الهيئة الدولية، و هذا يعني حل جميع أذرع المقاومة الفلسطينية طوعياً أو بالقوة من خلال أجهزة الدولة الأمنية في محاولة لتطبيق القانون، و هذا أمر يريده المصفقون.
سادساً: يعلم المصفقون أن غزة تحكمها حماس و هي ترفض خطوة طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة حيث أنها مدركة لمخاطر هذه الخطوة أحادية الجانب، و هذا سيزيد من مساحة الانقسام بينها و بين حركة فتح، و هذا أمر يريده المصفقون أيضا؛ فإنهم لطالما أنَّبُو عباس عندما تحدث عن المصالحة مع حماس. في هذا الأمر ربما تكمن هنا مؤامرة خطيرة أيضاً تفسر تأجيل المصالحة لما بعد الاعتراف لأن حماس مصرة على إعادة هيكلة منظمة التحرير التي ستصبح فتح لا تمانع فيه إذ أنها ستصبح المنظمة صورة فقط بعد زجها خارج الهيئة الدولية و استبدال كيان الدولة مكانها في تمثيل الفلسطينيين.
أما لماذا لم تصفق أميركا و إسرائيل؟ طبعاً، إسرائيل و من ورائها أميركا تمشيان في خط المفاوضات العبثية و التي يعلمون أنها عبثية و لولاها كذلك ما اخترعوها أصلاً، و هم يدبرون أمورهم على حياة طويلة الأمد على هذا الحال، يعيشون بين استمرار المفاوضات و تعثر المفاوضات و توقف المفاوضات و حل أزمة توقف المفاوضات و استئناف المفاوضات و هكذا.
أما الاعتراف مع أنه لصالحهم، فإنهم لا يريدوا أن يصدعوا رؤوسهم ببرامج جديدة للتعامل مع الواقع الجديد الذي أسلفت الحديث عنه.
إسرائيل تريد أن تنتبه لما يدور في محيطها العربي و للأزمة الداخلية لديها، و أميركا تريد أن تنتبه أيضاً لوضعها العالمي المتأزم و مشاكلها الاقتصادية الصعبة التي تضعها على حافة الإفلاس، و هذه هي حكاية التصفيق كما أعتقد، لا أكثر و لا أقل، هذا سبب، أما السبب الآخر فهو؛
إن فشل السيد عباس بالحصول على اعتراف بدولة في الهيئة الدولية سيعني أنه سيعود مطأطئ الرأس و ينفذ ما يريده منه مناظريه في التفاوض، فسيصبح حاله كالذي يضع رأسه تحت السكين و ينفذ ما يطلبه منه الجزار بكل هدوء و ذلة و تهاون.
بقلم: معتصم أحمد دلول