أثارت فتوى مفتي المملكة السعودية بهدم الكنائس في دول الخليج الفارسي جدلا واسعا في الأوساط الدينية والإعلامية والسياسية العربية والغربية على السواء . وطرحت تساؤلات كثيرة عن توقيت وأهداف إطلاق مثل هذه الفتاوى التي تخدم في الوقت الحاضر أعداء الإسلام والمتربصين به في الغرب كما قال منتقدوها.
أفتى رئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ومفتي عام المملكة العربية السعودية عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ بوجوب هدم جميع الكنائس في شبه الجزيرة العربية.
واعتبر الشيخ الذي يمثل المرجعية الأكبر في السعودية أن شبه الجزيرة تخضع لدين الإسلام فقط، ووجود الكنائس في بعض الدول منها هو اعتراف بصحة هذه الأديان.
وقال في فتواه : الجزيرة العربية يجب أن تهدم كل ما فيها من الكنائس لأن هذه الكنائس إقرارها إقرار لدين غير الإسلام، فبناؤها في الأصل لا يصح لأن هذه الجزيرة يجب أن تخلو من هذا كله".
هذه الفتوى ردت عليها أصوات من داخل السعودية وخارجها وتناولتها بعض وسائل الإعلام .
الكاتب السعودي تركي الحمد تساءل في مقال له : ماذا لو عاملونا بالمثل فهدموا مساجدنا في أمريكا وأوروبا؟ هل نلومهم؟'
وأضاف 'كم نحن بحاجة إلى خطاب ديني وسياسي جديد في هذا البلد. خطاب ديني يحترم عقائد الآخرين ويتعايش معها، وخطاب سياسي يستوعب متغيرات المجتمع'.
الآن كناس ليس عندنا في الجزيرة العربية، ما الذي يريدون هدمه، بدل ما الآن يطالب بهدم الكنائس أنا أقول له تعال طالب بهدم القواعد الأميركية، يوجد عندها قاعدة في البحرين أقدم قاعدة استعمارية عسكرية في البحرين، وأكبر قاعدة هي في قطر، الآن كنائس لا يوجد عندنا، يعني لماذا نثير هذا الموضوع الآن ونسبب مشاكل، وغداً ممكن أن يطالبوننا بأوروبا نحن كذلك نريد أن نهدم لكم المساجد، أنا أقول لك وأطالبك أن تطالب بإزالة القواعد الأميركية في قطر، وأكبر قاعدة هي في قطر الآن، وكذلك هدم القواعد الأميركية في البحرين وكذلك أيضاً إخراج الوجود العسكري الأميركي في الخليج، هذا علينا نحن أن نطالب به، لا أن نطالب بهدم الكنائس وأصلاً لا يوجد عندنا كنائس الآن بالجزيرة العربية.
أثارة فتوى مفتي السعودية عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ بهدم الكنائس في الجزيرة العربية، ردود فعل لدى العديد من الأوساط الرسمية والشعبية الإقليمية والدولية باعتبارها تصب في خدمة المشروع الصهيوني في الشرق الأوسط وتثير المزيد من الأزمات في هذه المنطقة المهمة والحساسة من العالم والتي تعاني في الأساس من تداعيات المشروع الأميركي الصهيوني الرامي إلى بث الفوضى والفرقة بين شعوب دول المنطقة، ووصف الكثير من وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية الفتوى بأنها تهدف إلى استمرار بقاء الكيان الصهيوني والأنظمة العربية التي تشعر بالخوف على مصيرها، جراء تنامي الصحوة الإسلامية في المنطقة، واعتبر العديد من الصحف الصادرة في الشرق الأوسط فتوى مفتي السعودية بهدم الكنائس في الجزيرة العربية بأنها فتوى مسيسة تهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية في بلدان المنطقة لا سيّما التي تخلصت حديثاً من الديكتاتورية أو في طريقها على ذلك وخصوصاً مصر التي شهدت تظاهرات حاشدة خلال العام المنصرم تطالب بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني ودعم الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المغتصبة في الأرض والوطن.
هذا كان نموذج عن ردود الفعل الإسلامية والعربية على الفتوى السعودية بهدم الكنائس ولكن كيف تعاملت الدوائر الغربية معها ولا سيما الأساقفة ورجال الدين المسيحيين في أوروبا والعالم الغربي ؟
لم تمر دعوة عبد العزيز آل الشيخ مفتي السعودية ودعوته إلى هدم الكنائس في الجزيرة العربية مرور الكرام في الغرب، بل كان لهذه الدعوة مستهجنة وقع الصاعقة في أوروبا حيث وجّه أساقفة ألمان ونمساويون وروس انتقاداً حاداً لكلام المفتي، مؤتمر الأساقفة في النمسا تساءل كيف يمكن لمفتٍ أن يصدر فتوى بهذه الخطورة دون علم الملك عبد الله وطالب المؤتمر العاهل السعودية بتوضيح رسمي للموقف خاصة أنه أي الملك عبد الله يعتزم افتتاح مركز مثير للجدل للحوار بين الأديان. أساقفة كاثوليك في ألمانيا والنمسا انتقدوا الفتوى التي أصدرها الشيخ عبد العزيز واعتبروها نكراناً غير مقبول لحقوق الملايين من العمال الأجانب في منطقة الخليج الأسقف مارك جوفس رئيس القطاع الأرثوذكسي الروسي للكنائس في الخارج اعتبر الفتوى مثيرة للقلق، وقال السقف روبرت زولتش رئيس مؤتمر الأساقفة الألمان أن المفتي السعودي لم يظهر أي احترام للحرية الدينية والتعايش الحر للأديان.
ويقول مجلس الأساقفة النمساويين :إن تصريحا من هذا النوع لا يهدد المسيحيين في جزيرة العرب فحسب بل في العالم أجمع.
وأعرب القاصد الرسولي في دولة الكويت عن 'الدهشة الكبيرة' لتصريحات مفتي عام السعودية.
وأضاف المونسنيور بيتر' فاجأت هذه الفتوى الجميع في المنطقة من مسيحيين ومسلمين'، وبشكل خاص 'هنا في الكويت، حيث يتمتع المجتمع بمستوى عال من التسامح والقبول إزاء المسيحيين وغيرهم من أبناء الديانات الأخرى'.
وقال ألكسندر لوسي-سميث، وهو قسّ كاثوليكي، في صحيفة "كاثوليك هيرالد" البريطانية "من المؤكد أن دعوة المفتي ستؤخذ على محمل الجد من قبل كثيرين.
كما نشرت صحيفة الـ"واشنطن تايمز" مقالا لأندرو ستتافورد يقول فيه "إذا دعا بابا الفاتيكان إلى تدمير كل المساجد في أوروبا، ستكون هناك ضجة عنيفة وسيوجه النقاد انتقادات للكنيسة وسيندفع البيت الأبيض إلى إصدار بيان يعبر فيه عن قلقه العميق. ولكن عندما يصدر أكثر الزعماء نفوذا في العالم الإسلامي فتوى بتدمير الكنائس يكون الصمت مطبقا".
هذا وتلقفت عشرات المواقع الإلكترونية الإسرائيلية الفتوى لتصبّ جام حقدها على العرب والمسلمين.
وتزامنت تصريحات المفتي مع نشر السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، مايكل أورين، مقالا مطوّلا في صحيفة الـوول ستريت جورنال الأميركية، يقول فيه بأن التمييز العربي ضد الأقليات المسيحية أصبح ظاهرة سائدة علىنحو متزايد في كل أنحاء العالم العربي.
ويضيف أورين أن "المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي لا يتعرض فيه المسيحيون لخطر، بل يزدهرون فيه، هو إسرائيل.
وبالطّبع استعانت الموقع الإسرائيلية بهذا الكلام في تقاريرها النّارية حول فتوى آل الشيخ، للنّيل من الإسلام.
والمفارقة هي أن "حوار الأديان" كان قد انطلق من المملكة العربية السعودية، بمبادرة شخصية من العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وتساءل بعضهم كيف تأتي مبادرة حوار الأديان من اكثر الدول ممارسة لسياسة محاربة للتعددية الدينية وتهميشا للأقليات الدينية المحلية.