قال خبراء إن العلاقة بين الجزائر وموريتانيا التي تعرف تذبذبا مستمرا تجلى من خلال إغلاق نواكشوط لحدودها البرية منذ أيام تعاني من العامل الخارجي أحيانا ومن عدم وجود ثقة بين القيادة السياسية في البلدين من جهة ثانية.
وقبل أيام أعلنت السلطات الموريتانية الشريط الحدودي مع الجزائر منطقة عسكرية مغلقة وممنوعة على المدنيين، بسبب النشاط الكبير لمهربي المخدرات حسبها.
وأكد بيان لوزارة الدفاع الموريتانية "منع كافة مواطنيها العابرين والقاطنين في المنطقة العسكرية المغلقة شمال البلاد، من أي تحرك مدني في هذه المنطقة لصعوبة التمييز بين المدنيين المسالمين ومهربي المخدرات الذين اجتاحوا المنطقة مؤخرا".
ولم تصدر السلطات الجزائرية أي رد رسمي بشأن هذا القرار، علما أن هذه الحدود لا يوجد بها معبر رسمي أو حركة كبيرة للسلع والأشخاص.
ويقول الصحفي الجزائري بوعلام فوزي للأناضول "لا أرى أن قرار موريتانيا بغلق الحدود البرية مهما من الناحية الاقتصادية أو حتى من ناحية العلاقة بين سكان المناطق الحدودية بين البلدين الجارين بسبب أن المنطقة الحدودية بين الجزائر وموريتانيا هي منطقة صحراوية جرداء تماما يوجد بها عدد قليل جدا من السكان".
وأضاف المتحدث "قد يتفاجأ الكثير من المتابعين غير المختصين عندما يعرفون أن الحدود البرية بين الجزائر وموريتانيا البالغ طولها 463 كلم لا يوجد بها معبر بري واحد كما أن الطريق البري الدولي الوحيد بين البلدين الجارين غير معبد في الجانب الموريتاني حيث رفضت الجزائر قبل سنوات في خضم أزمة سابقة في العلاقة بين الجزائر ونواكشوط المساهمة في مشروع تعبيد الطريق في الجانب الموريتاني".
وتابع "كما قد يتفاجأ الكثير من المتابعين أيضا عندما يعلمون أن الجزائر أعلنت في عام 2012 أن حدودها البرية مع كل من موريتانيا والنيجر ومالي هي مناطق عسكرية مغلقة ثم شرعت في عام 2015 في حفر خنادق وإقامة سواتر ترابية على طول هذه الحدود".
ويضيف الصحفي الجزائري: "ما أريد قوله في هذا المقام هو أن القرار لا قيمة له من الناحية الأمنية أو التجارية أو التقنية لكنه يحمل طابعا سياسيا فنواكشوط تريد أن تبلغ الجزائر رسالة سياسية عبر هذا الإعلان".
وقال الخبير الموريتاني المختص في العلاقات الدولية، الدكتور محمد ولد عبد الرحمن، من جامعة أمستردام في هولندا "إعلان نواكشوط عن غلق الحدود مع الجزائر يعبر بكل تأكيد عن أزمة كبيرة في العلاقة الثنائية بين البلدين، ويجب علينا هنا أن نربط القرار بقرار ثان على قدر كبير من الأهمية وهو انخرط موريتانيا في المبادرة الدفاعية الجديدة لدول الساحل التي لا تضم الجزائر وتتكون من موريتانيا مالي النيجر بوركينافاسو وتشاد وجاءت بمبادرة فرنسية، وهو القرار الذي يكشف عن تدهور خطير في علاقة الجزائر بجيرانها الجنوبيين".
وأضاف المتحدث للأناضول: "يجب ألا ننسى أن العلاقة بين الجزائر وموريتانيا تعاني من سلسلة أزمات منذ مجيء الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى الحكم حيث رفضت الجزائر في بداية عهده الاعتراف بالانقلاب العسكري الذي جاء به للسلطة، ثم اعترفت بحكمه لاحقا، وفي غضون سنوات حكم ولد عبد العزيز شهدت العلاقة الكثير من الأزمات أشهرها عندما طردت الحكومة الموريتانية دبلوماسيا جزائريا عام 2015 وقابلت الجزائر القرار بالمثل".
وتابع "أعتقد أن صناع القرار في الجزائر لم يحسنوا إدارة العلاقة مع جارتهم الجنوبية، لهذا لا بد من تغيير جذري في سياسة الجزائر تجاه موريتانيا التي تتجه الآن أكثر إلى دول الخليج وإلى دول مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية".
ويقول الخبير الأمني الجزائري الدكتور محمد تاواتي "أرى أن العلاقة بين الجزائر وموريتانيا كانت على مدار تاريخها خاضعة لتأثير العامل الأجنبي، يجب علينا أن نعترف أن موريتانيا تعرضت للتجاهل من الجارة الكبرى الجزائر، وهو ما فتح الباب أمام تدخل دول أجنبية في العلاقة وبينما تتجاهل السلطة في الجزائر أزمات موريتانيا الاقتصادية فإن المملكة المغربية استغلت هذه الثغرة ووسعت من نفوذها في نواكشوط".
وتابع "في السنوات الأخيرة شهدت العلاقة بين موريتانيا والمملكة السعودية وبعض دول الخليج الأخرى تطورا كبيرا، لدرجة أن السياسة الخارجية الموريتانية تعبر الآن عن توجهات دول خليجية كبرى أهمها العربية السعودية".
وأضاف في تحليله للأناضول "أعتقد أن إعلان نواكشوط غلق الحدود مع الجزائر جاء في سياق الخلاف الجزائري السعودي حول الأزمة القطرية، فالجزائر ترفض حصار قطر ومقاطعتها، وأرى أن موريتانيا تتقرب الآن من السعودية والإمارات بقرارها هذا خاصة وأنها تقاطع هي الأخرى قطر".
وقال الدكتور جار الله حسين وهو باحث وأستاذ زائر في جامعة ليل الفرنسية مختص في العلاقات الدولية "الجزائر وموريتانيا تحتاجان لإعادة بناء الثقة، وإقامة شراكة استراتيجية لأن أي تدهور في العلاقة لا يخدم البلدين الجارين".
وأضاف للأناضول "أنا أرى أن العلاقة بين البلدين الجارية وقعت ضحية العلاقة الشخصية بين المسؤولين في الجزائر وفي نواكشوط فالمتابع لتاريخ العلاقة بين البلدين يمكنه أن يكتشف بسهولة أن العلاقة خضعت طيلة تاريخها الممتد لـ 5 عقود للعلاقة الشخصية بين زعماء البلدين، وكانت تتأثر أحيانا بخلافات شخصية بين زعماء الدولتين" دون تقديم تفسير أكثر لطبيعة ذلك.