کلمة الإمام الخامنئي دام ظله خلال لقائه القائمين على شؤون الحج

قيم هذا المقال
(0 صوت)
کلمة الإمام الخامنئي دام ظله خلال لقائه القائمين على شؤون الحج

کلمة الإمام الخامنئي خلال لقائه القائمين على شؤون الحج على أعتاب أيام الحج الإبراهيمي، في حسينية الإمام الخميني (رضوان الله عليه)_30-7-2017

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمدلله ربّ العالمین والصّلاة والسّلام علی سیّدنا أبي ‌القاسم المصطفی محمّد وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین لا سیّما بقیّة الله فی الأرضین.

أجمل ترحيب وأهلاً وسهلاً بالأعزاء، الإخوة والأخوات، المسؤولين والعاملين وخادمي الحج والحجاج. إنّ توفيق شعبنا للحج في هذا العام هو بحد ذاته خبر جيد؛ بحمد الله، فإنّ مسؤولي البلاد في السلطات الثلاث وغيرهم من المعنيّين، قد بحثوا وطالعوا كل أبعاد المسألة وقرروا أن يستأنف الحج هذا العام؛ نأمل أن يتفضل الله تعالى على شعبنا في هذا الطريق المبارك ليكون باعثاً على البركة والخير والصلاح والنجاح.

الحجّ؛ فريضةٌ لا شبيه لها
إن الحج هو فريضة بالغة الأهمية؛ ولعلّه لا يوجد لدينا بين الفرائض الإسلامية الهامة ما يشابه فريضة الحج. أولاً؛ في هذه الفريضة الكبيرة والواسعة المدى، توجد إمكانات وطاقات معنوية عديدة، بحيث يتمكن أولئك الذين يطلبون الارتباط المعنوي بحضرة الحق (جل وعلا) ويسعون للمعنويات والروحانيات وما شابه، من الحصول على إمكانات وافرة وقدرات عجيبة في طيات هذا الواجب وهذه الفريضة الكبرى، فالمعنويات تترشّح وتمطر؛ من الصلاة والطواف والوقوف والسعي والإحرام نفسه ومن كل شعيرة ومنسك وجزء من هذا الواجب الكبير والمركّب من أقسام متنوعة. إذا قدّرنا هذا وكنا نسعى للمعنويات، فإن طاقات الحج هي أكثر من جميع الواجبات؛ هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يوجد في الحج إمكانات وطاقات اجتماعية لا نظير لها؛ لاحظوا، إنّ هذا من مميزات الفرائض الإسلامية. مع كل هذا التأكيد والتركيز على المعنويات في الإسلام، إلا أنّ المعنويات الإسلامية لا تعني أبداً الانزواء والرهبانية والعزلة والابتعاد عن الناس؛ فذلك الواجب الذي يتمتع بأكثر الإمكانات المعنوية، هو نفسه يتحلّى بأكثر القابليات والإمكانيات للحضور الاجتماعي أيضاً.

طاقة معنويّة واجتماعية.. وبيان موقف:لتعارفوا
الحج هو مظهر تجلّي عظمة الأمة الإسلامية، الحج هو مظهر الوحدة، الحج هو مظهر الانسجام والتضامن؛ الحج هو مظهر قوة الأمة الإسلامية. حيث يجري أكبر تجمع للأمة في كل عام، بشكل دائم ومستمر، بأوضاع وحالات محددة وفي مكان معين؛ أي إن الأمة الإسلامية ومن خلال الحج تقوم باستعراض قدرتها وحضورها وتقدم نفسها بواسطة الحج. إضافة إلى هذا البعد الخارجي للقضية، يوجد بعد داخلي أيضاً: الشعوب الإسلامية تتعرف إلى بعضها البعض في الحج وتأنس ببعضها البعض، تفهم لغة بعضها البعض – وليس المقصود هنا الكلام والاصطلاحات، بل الثقافة السائدة في أذهان بعضها – تتعارف الشعوب وتقترب من بعضها البعض، ترتفع الشبهات وتخف العداوات لتزول بشكل تدريجي في نهاية المطاف، تتآلف القلوب وتتعاون الأيدي، يمكن للبلدان أن تساعد بعضها البعض وللشعوب أن تعين بعضها البعض؛ هذا هو الحج. والحال أنه في الواقع العملي، كم يقوم المتصدّون أو المتولّون بالتعاون والتسهيل والسماح لتقام شعائر وأجواء الحج بهذا الشكل؛ فإنّ هذا بحث آخر، لكن هذا هو الحج: طاقة معنوية لا نظير لها بالتوازي مع طاقة اجتماعية لا نظير لها ومكان لإظهار العقيدة وبيان موقف الأمة الإسلامية.

لا حج من دون البراءة!
وما مسألة البراءة وكل إصرارنا وتأكيدنا عليها وكلام الإمام العظيم بما معناه بأنه لا يقبل ولا يعتقد بالحج من دون البراءة (2) فالسرّ هو هذا. في الحج، تستطيع الأمة الإسلامية بيان مواقفها الصحيحة والمتفق عليها؛ من الذي اتفق وتوافق عليها أيها السيد؟ إنها الشعوب، الناس. يمكن أن تفكّر الحكومات بشكل آخر وتعمل كذلك بأسلوب آخر – ونرى للأسف بأن الكثير من الحكومات تسير وتتحرك في طريق يخالف إرادة شعوبها – لكن أفئدة الناس وقلوب الشعوب في مكان آخر.

هذا هو المكان الذي تقدر فيه الشعوب على إظهار مواقفها في القضايا المختلفة.

القدس ..نبض قلب الأمة
قضية المسجد الأقصى مطروحة حالياً، قضية القدس؛ هذه ليست بالقضية البسيطة. لقد أصبح الصهاينة أكثر جرأة ووقاحة، فأعطوا لنفسهم الحق بالتضييق على أصحاب المسجد الأقصى وأهله – أي المسلمين- ؛ يغلقون البوابات يوماً، يستحدثون حواجز في يوم آخر، يسمحون للبعض بالدخول للمسجد ويمنعون الآخرين، يضعون شروطاً حول السن المسموح به وما شابه ؛ هذه وقاحة وصلافة وقلة حياء من النظام الصهيوني الغاصب والمصطنع. حسنا، واضح بأن قلب الأمة الإسلامية ينبض حباً للمسجد الأقصى. هنا مكان إعلان المواقف؛ الحج هو قدرة كهذه، هذا هو الحج. أين تجد الأمة الإسلامية مكاناً أفضل من بيت الله الحرام ومكة والمدينة وعرفات ومشعر ومنى، لتعلن ماذا تقول الشعوب وماذا تريد وكيف تفكر حول فلسطين والمسجد الأقصى؟ أي مكان أحسن من هنا ؟ يتمتع الحج بهذه الإمكانيات. أين ينبغي إعلان المواقف؛ حول تدخل أمريكا وحضورها الشرير في البلدان الإسلامية وفي منطقتنا وإطلاق هذه التيارات التكفيرية والإرهابية وأمثالها – حيث إن الأخبث بين الأجهزة الإرهابية وأكثرها شراً هو النظام الأمريكي نفسه؛ هو أخبث من الجميع - الحج هو أفضل مكان للأمة الإسلامية – للجميع ومن كل البلدان – لإظهار المواقف وإعلان الآراء؛ الحج هو قدرة كهذه ؛ يجب أن نقدّر هذا ونعرف قيمته، يجب السعي والعمل على هذا الاساس؛ هذه مسألة .

.. واِذ جَعَلنَا البَیتَ مَثابَةً لِلنّاسِ‌ واَمنًا.
هناك مسألة مهمة أخرى وقد أشار السادة المحترمون إليها – السيد قاضي عسكر المحترم وكذلك رئيس مؤسسة الحج المحترم – وهي مسألة الأمن . ﴿واِذ جَعَلنَا البَیتَ مَثابَةً لِلنّاسِ‌ واَمنً(3)؛ هذه هي القضية. يصرّح القرآن الكريم بوضوح أنّنا جعلنا هذا المكان محلّاً لتجمّع الناس واستقرارهم وأمنهم؛ الأمن بالغ الأهمية! توفير الأمن للحجاج من المسائل المهمة جداً. نحن لا ننسى الأحداث المريرة في الحج العام 94 ه. ش.(2015 م) فاجعة ألهبت قلب الأمة الإسلامية وقلبنا نحن الإيرانيين ولا يمكن أن تنسى، إنه جرحٌ لا شفاء له. بالطبع لقد بذل مسؤولو الحج في تلك السنة جهوداً كبيرة، ولكن الحادثة كانت كارثة مفجعة وكبيرة، ضمان أمن الحجاج يقع على عاتق ذلك البلد الذي يقع الحرمان الشريفان تحت سلطته وقدرته؛ تلك الحكومة التي كان ينبغي عليها المحافظة على أمن الحجاج؛ هذه مطالبتنا الجدية والدائمة. يجب توفير الأمن للحجاج؛ كل الحجاج! ونحن إذ نركّز على الحجاج الإيرانيين ولتطالب الحكومات الأخرى بأمن حجاجها أيضاً وليتعاملوا بحيوية وجدية مع المسألة. نحن لدينا مطالبة جدية؛ يجب المحافظة على أمن الحجاج وأمانهم. ليس هذا فحسب، بل المحافظة على عزتهم ورفاهيتهم وراحتهم. لقد ذكر السادة بعض النقاط، وهي صحيحة بشكل كامل، حسنًا؛ يجب أن تراقبوا؛ يجب أن تكونوا مستعدين لمواجهة أي حادثة تحصل؛ لتكن عندكم الجهوزية لمواجهة مختلف الظروف. مسألة توفير الهدوء والراحة للحجاج مهمة جداً. بالطبع حين نقول بتوفير الأمن والأمان، فهذا لا يعني خلق أجواء أمنية وسيطرة الضغوط الأمنية التي تؤذي الحجاج بشكل آخر؛ كلا، لينعموا بالأمن، بالهدوء وراحة البال. يجب ألا تتكرر تلك الحوادث المفجعة التي حصلت في المسجد الحرام ومنى، ينبغي ألا يبقى القلق والهواجس؛ بالنهاية هناك مخاوف جدية. لحسن الحظ فإنّ المسؤولين المحترمين في السلطات الثلاث وفي مجلس الأمن القومي قد اجتمعوا وأجمعوا بعد دراسة أبعاد المسألة على هذه النتيجة بأن يكون هناك مشاركة في الحج هذا العام؛ نأمل أن تتم مراسم الحج على أفضل وجه إن شاء الله.

فلسطين المحور الأصلي.. والوحدة هي السبيل
لا تتسلّل الغفلة عن قضية فلسطين؛ إنها قضية بالغة الأهمية. لطالما كانت قضية فلسطين مطروحة في هذه العقود الأخيرة – في الستين أو السبعين سنة الماضية - فكانت أحياناً تتزايد موجة الاهتمام بها وأحياناً تقل؛ واليوم يكثر التوجه والإهتمام بهذه القضية، بسبب الخباثة والألاعيب اللعينة التي يقوم بها الصهاينة حالياً وبسبب خيانة بعض رؤساء الدول الإسلامية. على كل حال، فإن قضية فلسطين هي المحور الأساسي لقضايا العالم الإسلامي اليوم، قضية فلسطين هي المحور الأصلي.

كذلك يجب الاهتمام بشكل كبير بمسألة الوحدة الإسلامية. هناك من ينفق الأموال الطائلة حالياً؛ ويصرف المليارات لبث الفتنة والاختلاف بين المذاهب الإسلامية وخلق العداوات والصراعات بينها؛ تنفق موازنات بالمليارات للقيام بهذا العمل. يجب ألّا يساعد أحد على إيجاد هذا الاختلاف؛ كل من يساعد على هذا، سيكون شريكاً في هذه المؤامرات وفي التبعات المعنوية والإلهية لهذا الذنب الكبير؛ ينبغي ألا يساعد أحد في هذا الأمر.

فرصة الحج والمسجد الحرام.. لا التسوق!
هناك مسؤوليات على الحجاج وينبغي عليهم مراعاتها، فليهتم الحجاج المحترمون بصلاة الجماعة؛ بالصلاة في أول الوقت؛ فليشارك الحجاج في صلاة الجماعة في المسجد الحرام وفي مسجد النبي. وليولوا أهمية بالغة لتلاوة القرآن – في هذه الأيام التي يوفقون فيها للحضور في الحرمين الشريفين-وكذلك لأعمال عرفة ويوم عرفة. وليتجنبوا التسوق والتبضع في الأسواق؛ أنا العبد لطالما كررت وأعدت التذكير بهذا المعنى. يوجد أسواق وبازارات في كل مكان في الدنيا! في طهران يوجد أسواق؛ هناك بضائع متنوعة ومتعددة، مجازة وغير مجازة، في كل مكان، في طهران وفي المدن الأخرى. ما لا يوجد في طهران هو الكعبة! ما لا يوجد في طهران وفي مناطقكم هو المسجد الحرام ومسجد النبي! هذه الأماكن موجودة فقط هناك؛ يجب الاستفادة من هذه الفرصة؛ وإلا فإن الأسواق والبازارات والبضائع موجودة في كل مكان. لا تصرفوا وقتكم الثمين بهذه الأشياء. في مراسم الحج، أهم ما ينبغي للحاج أن يفكر به؛ هو أن يقوم بتصفية نفسه وقلبه وروحه، ليحصل إن شاء الله على نتائج معنوية كبرى؛ فإن حقق هذا، فإنّ النتائج الاجتماعية ستتحقق حينها بتوفيق إلهي أيضاً.

نسأل الله أن ينزل توفيقه ولطفه على جميع حجاجنا الإعزاء الذين سيتشرفون بالحج في هذ العام، ندعو لهم بالحفظ المعنوي والمادي والإلهي؛ نسأل الله أن يوفق جميع العاملين والقائمين على الحج.

فلينتبه الجميع وليراقبوا بدقة وليقوموا بإنجاز مسؤولياتهم ليتحقق هذا العام حج بكل ما للكلمة من معنى، بكل عظمة وعزة إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1- في بداية اللقاء تم عرض تقارير من قبل حجة الإسلام والمسلمين السيد علي قاضي عسكر(ممثل الولي الفقيه في أمور الحج والزيارة ) والسيد حميد محمدي (رئيس مؤسسة الحج والزيارة )
2- صحيفة الإمام ،ج12،ص22": وبالأصل فإن البراءة من المشركين هي من الواجبات السياسية للحج وبدونها لا يكون حجّنا حجّاً"
3- سورة البقرة، جزء من الآية 125
4- في 2 شهر مهر 1394 ه.ش الموافق للعاشر من ذي الحجة 1436 ه. ق وعيد الأضحى وخلال رمي الجمرات في منطقة منى، وقعت حادثة استشهد فيها 2431 حاجًا (بينهم 464 شهيدًا إيرانياً) وكذلك قبلها بمدة قصيرة ،وداخل المسجد الحرام استشهد 107 (بينهم 11 ايرانياً) في حادثة أخرى .

قراءة 1404 مرة