محاولات حثيثة للتقارب مع القيادات العراقية تُبرزها القيادة السعودية مؤخرا، محاولات لا يمكن المرور عنها مرور الكرام وخاصة في هذه المرحلة بالتحديد التي تتخبط فيها السعودية في مجموعة من الأزمات لا تعرف طريقا للحلّ. فما الذي أيقظ السعودية وجعلها تسعى لصداقة العراق وهل من خلفيات مريبة وراء ذلك؟
حقيقة الأهداف السعودية
موضوع التقارب السعودي العراقي كان موضع تحليل واهتمام واضح من قبل الصحافة والإعلام الأجنبي، والسبب أن السياسة السعودية التقليدية اتجاه العراق كانت للأمس القريب سياسة تخريبية تدميرية ومقاطعة دبلوماسية، وهذه السياسة قد استمرت لعقود من الزمن. فما الذي تغيّر اليوم؟
تقول التحليلات الغربية أن هذا التقارب إنما محاولة سعودية لفرط الشراكة الوثيقة بين بغداد وطهران، طبعا هذه المرّة بطريقة ناعمة حيث لا يمكن للرياض التعامل مع بغداد على الطريقة القطرية أو اليمنية.
يؤكد بعض المحللين الغربيين أنه ومهما كان الهدف السعودي من هذا الانفتاح على بغداد فهو انفتاح متأخر لا يمكن أن يؤدي للنتيجة التي تريدها السعودية.
الأمر الآخر المهم في الانفتاح السعودي على العراق أنه يترافق مع تشجيع أمريكي، حيث تسعى واشنطن لإشراك الرياض في صياغة مستقبل المنطقة وتسعى لإيجاد تقارب بينها وبين العراق، وهذا الأمر مريب وكلنا يعلم أهداف واشنطن والرياض في العراق والتاريخ الأسود الذي كتبوه في هذا البلد.
في الواقع تستفيد الرياض من الدعم الأمريكي ومن وجود دونالد ترامب في سدّة الحكم الأمريكي للتغلغل في دول مختلفة عبر سياسة الإغراء بالبترودولار.
أمّا عراقيا فلا يمكن أن ينسى الشارع العراقي العمليات الإرهابية والانتحارية التي دعمتها وساعدت فيها الرياض بشكل مباشر وغير مباشر، وقد ذهب ضحيتها مئات بل آلاف الضحايا من الابرياء (يمكن القول وبجرأة أن كل بيت عراقي يحمل ندوبا وآلاما إلى اليوم بسبب سياسات الرياض التخريبية اتجاه بغداد). باختصار الدور السعودي في العراق هو دور تخريبي ومن المحال أن يكون إيجابيا في يوم من الأيام.
الأزمة السعودية القطرية
الأزمة مع قطر هي واحدة من الأسباب التي دفعت السعودية للعودة وبحماسة إلى بغداد، خاصة أن هذه الأزمة تهدّد اليوم وجود مجلس التعاون الخليجي، فقد فشلت الوساطة الكويتية في الوصول إلى حلّ بسبب التعنت السعودي، وما زاد الطين بلّة بين البلدين تصريحات وزير الخارجية القطري السابق الذي أكّد على الدور السعودي في الأزمة السورية وبالتالي العراقية.
تصريحات وزير الخارجية القطري السابق كشفت حقيقة ادعاءات السعودية الزائفة بمكافحة الإرهاب وهي أصله، وبالتالي لا يمكن إلا وأن يشكّ المرأ اليوم بحقيقة الهدف السعودي من التقارب مع بغداد.
السعودية قائمة على بنية فكرية متطرفة، هذا الأمر لا يمكن اجتثاثه في ليلة وضحاها، ما يحصل اليوم هو محاولات للعودة إلى الساحة العراقية عبر وعود بدعم إعادة إعمار ما خلّفه الإرهاب الذي ضرب ذلك البلد طيلة الأعوام الماضية. عودة تهدف للتدخل في الشؤون الداخلية العراقية وشق الصف بين بغداد وحلفائها الحقيقيين.
وباختصار بعد فشل المشروع الأمريكي السعودي في المنطقة من الخطأ والخطير الثقة بهذا البلد الذي لا يعرف معنى المصداقية وترك المؤامرات.
ما يؤكد وجود هذا الخطر ما يحصل اليوم إن في اليمن أو فيما يخص الأزمة مع قطر، فالسعودية وعلى رغم فشلها في تحقيق أهداف عدوانها على اليمن لا زالت مصرّة على ضرب الأبرياء بعد خلو بنك أهدافها من أي هدف قد يقلب المعادلة. وبالنسبة إلى قطر فالأمر نفسه التعنت مستمرّ ولو أدى لفرط عقد مجلس التعاون الخليجي.
في المقابل من المؤكد أن بغداد لن تقع في الفخ، وباتت مصرّة أكثر من أي وقت مضى على المحافظة على وحدتها ومقدراتها، وهذا الأمر يحتم عليها منع السعودية أو غيرها من التدخل في شؤونها الداخلية، خاصة أن بغداد على أبواب انتخابات برلمانية العام المقبل، انتخابات اعتادت الرياض أن تتدخل فيها عبر أزلامها وتصرف فيها الرياض مبالغ تزيد عن كلفة الانتخابات نفسها التي تنظمها بغداد