كلمة سماحة الإمام الخامنئي خلال لقاء حشد من التلاميذ والشباب على أعتاب اليوم العالمي لمواجهة الاستكبار_1-11-2017
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أولًا وفي البداية، أرحّب بكم أجمل ترحيب أيها الشباب الأعزاء، الأبناء الأعزاء، الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات؛ لقد أحييتم بروحيتكم ذكرى حوادث الثالث عشر من آبان[*] الهامة والتي تمثّل في تاريخنا، حوادث مؤثرة ومفصلية. إنني مسرور وسعيدٌ جدًا بلقائكم أيها الشباب.
في بلدنا يبدأ عمر الشباب من الثالثة عشرة!
ثانيًا، هناك نقطة لافتة جديرة بالاهتمام في بلدنا، وهي أن الشباب في جميع البلدان وعند كل الشعوب، يُعدّون قوة ريادية؛ مثل محرّك سيارة، إنهم رواد الحركة العظيمة لمجتمعهم. هذا بالطبع إن لم يَفسدوا ولم يَخربوا، إن لم يبتلوا، إن لم يصبحوا مدمنين. إن طبيعة الشباب هي الحركة والريادة والتقدّم، لكن روحية الشباب في بلدنا لم تقف عند مستوى الشباب، بالمعنى الرائج والمتعارف عليه. الشاب مثلًا، أي الفتى أو الفتاة في السابعة عشر أو الثامنة عشر من العمر؛ هذا هو الشاب (عادةً). أما في بلدنا فقد نزلت سنين التحرك والحيوية والشغف الشبابي إلى أعمار أقل! أي إنّ الفتى في عمر الثالثة عشر أو الرابعة عشر أو الخامسة عشر يقوم بذلك العمل ويرى ذلك الشيء ويسعى لذلك الهدف ويتمتع بتلك الروحية والطاقة، المتوقعة من شاب في العشرين أو الثانية والعشرين أو الخامسة والعشرين عامًا في بلدانٍ ومجتمعات أخرى. إن مستوى الحركة والحيوية وتأجج العاطفة والريادة قد وصل إلى الفتيان والأحداث. هذه ميزة بلدنا.
من أين نأتي بهذا الكلام والأفكار؟ إنها أشياء شاهدناها ولا نزال نشاهدها، سواء قبل الثورة أو أثناء حوادث الثورة الهامة، وكذلك في أيام الدفاع المقدس وفي زماننا الحالي. أنا العبد كنت في "مشهد" قبل الثورة، كنا نرى هذا في "مشهد" وكذلك عندما كنا نأتي أحيانًا إلى "طهران"، كنا نشاهده في "طهران" أيضًا، في الكثير من الأماكن لم يكن الجمهور الشبابي المندفع لتلقي مفاهيم الثورة الأساسية، جمهور الطلاب الجامعيين والشباب بالمعنى الرائج فقط. أنا نفسي كان عندي لقاءات في "طهران" هذه، لعدد محدود من تلاميذ الثانويات- أي من الفتية في السادسة عشر والسابعة عشر والثامنة عشر- في تلك الأيام الصعبة من القمع والتعذيب؛ ثم نزل هؤلاء كلهم أو أغلبهم إلى ساحات النضال والثورة، بعضهم من شهدائنا المعروفين- هؤلاء الفتيان، هؤلاء الشباب- وبعضهم خاض تجارب وقصصاً هامةً وحساسة في أيام كفاحه الثوري. وكذلك كان الأمر في "مشهد"؛ فتيان في المرحلة الثانوية من الذين لم يكونوا قد جربوا مرحلة الشباب بعد، ولم يدخلوا فيها بذلك المعنى، نزلوا إلى ساحة النضال والعمل الثوري؛ هذا في مرحلة ما قبل الثورة.
أين يوجد مثل هذا في كل الدنيا؟
في زمن بداية الأحداث العامة للثورة، حسنًا، لقد قام شبابنا التلامذة بما جعل يوم الثالث عشر من آبان (4 تشرين الأول) يصبح يومًا باسمهم، يوم التلميذ، يوم الجهاد ويوم المجزرة التي ارتُكبت بالتلامذة. لقد وقعت ثلاث حوادث هامة في الثالث عشر من آبان؛ يتعلق أحدها بمجزرة التلامذة. حسنًا، لو لم يكونوا داخل الميدان، لو لم يثوروا ولم يكن حضورهم مؤثرًا، لما تعرّضوا لهذه الهمجية والوحشية من قبل أزلام نظام الطاغوت ولما ارتقوا شهداء. في زمن الحرب المفروضة، كان حضور الفتيان مدويًا! لقد توجّه فتيان الرابعة عشر والخامسة عشر إلى جبهات القتال وحاربوا مثل الرجال الأشداء البواسل، وصل بعضهم لمقام الشهداء، مثل "حسين فهميدة"، وبعضهم تعرّض للأسر، مثل أولئك الفتيان الأسرى، الذين كُتبت قصصهم وصدرت كتب عنهم[**] والتي عندما يقرأها الإنسان، يشعر بأن هؤلاء الفتيان يتحركون في عالم أسمى من هذا العالم المادي؛ أن يقف فتى في السادسة عشر أو السابعة عشر أو الثامنة عشر، كالجبل الصلب في مواجهة ذلك العسكري البعثي الخبيث والقاسي؛ أين يوجد مثل هذا في كل الدنيا؟ أي جيل شاب في العالم يضم مثل هؤلاء الفتيان؟
وهكذا كان الوضع بعد الحرب وحتى الآن كذلك. إنني أقول لكم إنّ معلوماتي عن قضايا البلد ومسائله المتنوعة هي معلومات واسعة ولدي اطلاع دقيق عن كثير مما يجري في مختلف الأماكن والمجالات؛ وأعلم بأن شبابنا التلامذة، فتياننا في القطاعات المختلفة، يقومون بأعمالهم جيدًا ويفهمون الأمور جيدًا ويدركون تفاصيل القضايا الدقيقة. إن الفتيان والفتيات الذين يذهبون حاليًا إلى الثانويات، يدركون القضايا أكثر من جيل أيام شباب أمثالي أنا العبد الحقير وما كان الشباب حينها يفهمونه في الخامسة والعشرين أو السادسة والعشرين ولعله أكثر من ذلك، التلاميذ اليوم يفهمون بشكل أفضل ويحلّلون بأسلوب أقوى، هذه ميزة بلدنا.
لم يشهدوا الثورة.. لكن يتابعون المسير
أعزائي، شبابي الأعزاء، فتياني الأعزاء، أولادي الأعزاء! قدروا هذا الموقع وهذه الإمكانيات. أنتم وجيلكم، من سيوصل هذا البلد إلى القمة إن شاء الله. إن لدينا الكثير من المثل العليا والأهداف الكبرى. لم تتمكن عداوات الأعداء حتى اليوم من التأثير علينا، ولم يتمكنوا من ارتكاب أي حماقة. وليس الأمر بأنهم لم يعتدوا ولم يقوموا ويتحركوا؛ كلا، لقد عادوا وخاصموا وصالوا وجالوا إلى ما شاء الله، تلك الأعمال التي يرتكبونها في البلدان المختلفة لإفساد الشباب والأجيال، قاموا بها في بلدنا أيضًا؛ من ترويج المواد المخدرة وصولًا لإشاعة الفحشاء، إلى الألعاب الإلكترونية المضلّة على الحاسوب وما شابه؛ قاموا بكل هذه الأعمال. ونجحوا في بعض المجالات، من الممكن أنهم استطاعوا في أماكن أن يحرفوا بعض الشباب، لكن جيل الشباب، جيل الفتيان، لا يزال اليوم حاضرًا ويتمتع بتلك الرؤية الواضحة التي كانت في أوائل الثورة والمتوقعة منه. والدليل على هذا هو ما تشاهدونه أنتم؛ شباب الثمانينيات (العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ميلادي)، الذين لم يشهدوا الحرب ولم يشاهدوا الإمام ولم يكونوا خلال الثورة، لكنهم يتابعون المسير اليوم، حاملين تلك المفاهيم وتلك الرؤية الواضحة التي كان يمتلكها شاب واعٍ في تلك الأيام ويسير على أساسها.
أنتم قادرون بشرط.. أن لا تُخدعوا!
أنتم قادرون؛ أنتم تستطيعون أن تتغلبوا على كيد العدو وألاعيبه؛ يمكنكم أن تعبروا الصعاب وتتجاوزوا الموانع وأن توصلوا البلاد إلى تلك المكانة المنشودة التي ترسمها المثل الإسلامية العليا واهداف الثورة الإسلامية الكبرى؛ أنتم قادرون. وهذا ما سيحصل إن شاء الله، هذا ما سيتحقق، رغم أنف العدو.
وبالطبع فإن لهذا شروطه؛ أحد شروطه أن تعرفوا العدو؛ أن لا تُخدعوا. بالتأكيد إن لشعبنا أعداءً، من الكبار والصغار، ولكن العدو الذي أؤكد على عداوته بالمعنى الحقيقي لكلمة عدو، والذي يعتدي ويتصرف بخبث، فقط هو أمريكا. وهذا ليس ناتجًا عن التعصب، وليس وليد نظرةٍ متشائمة سيئة الظن؛ هذا ناتج عن تجربة، إنه فهم صحيح وواقعي، عن رؤية الساحة؛ ها نحن نرى الساحة. ليس الأمر بأنّ الأمريكيين على عداء مع هذا العبد الحقير فقط أو مع حكومة الجمهورية الإسلامية، كلا، إنهم مخالفون معادون لأصل هذا الشعب الذي صمد، هذا الشعب الذي لا يتعب في مواجهة العدو. هم معادون لهذا الشعب. لقد شاهدتم أنتم؛ مؤخرًا، قال رئيس جمهورية أمريكا بأن الشعب الإيراني هو شعب إرهابي (1) لاحظوا هذه النظرة، كم هي نظرة حمقاء! يقول عن شعب بأنه إرهابي ؟ لا يقول إن القائد إرهابي، لا يقول إن الحكومة إرهابية؛ يقول إن الشعب الإيراني إرهابي! أليست هذه عداوة؟ قبل عدة سنوات أيضًا قال أحد المسؤولين الأمريكيين إنّنا يجب أن نقتلع جذور الشعب الإيراني ونقضي عليه. أيها الأحمق! (2) هل يمكن اقتلاع جذور شعب، والكلام هنا عن شعب بهذه العراقة التاريخية، لديه هذه الشجرة الثقافية الوارفة؟ لاحظوا وانظروا! هذه عداوة؛ عندما يكون هناك عدو، وتكون عيون الإنسان مغلقة، فسيكون مثل هذا الإنسان الفاقد للرؤية؛ تمامًا كالأعمى الذي لا يرى؛ حيث تؤدي عدم قدرته على إجراء الحسابات الدقيقة إلى خسارته وهزيمته. لأنه لا يستطيع أن يحسب جيدًا، لأنه لا يعرف الساحة جيدًا، فإنه سيمنى بالهزيمة، وقد حدث هذا أيضًا! لقد مضى ما يقارب الأربعون سنة على انتصار الثورة؛ منذ اليوم الأول، وحين كانت الثورة لا تزال شتلة صغيرة، حاربوها وهجموا عليها؛ واليوم فإن الثورة، رغمًا عنهم ولو عميت عيونهم، أصبحت شجرة فارعة غزيرة الأوراق والفروع وافرة الثمار. فهذا يدل على أنهم لا يستطيعون ولم يتمكنوا من مواجهتها؛ لكنهم يعادون ويخاصمون؛ وليس الأمر جديدًا قد استجد اليوم مثلًا.
.. يريدون خادمًا خانعًا لهم
انظروا؛ البعض يقول فلنتساهل قليلًا الآن ونتوافق مع أمريكا، لعلّ عداوتها تقل؛ كلا، الأمريكيون لم يرحموا حتى الذين وثقوا بأمريكا وعلّقوا الآمال عليها وسارعوا نحوها طلبًا للعون؛ مثل من؟ مثل الدكتور "مصدّق" (3). لقد توجّه الدكتور "مصدّق "نحو الأمريكيين، ولكي يقاوم البريطانيين ويقف في وجههم، وكما كان يتخيل بأنّ أمريكا ستساعده؛ ذهب والتقى بهم وأجرى مفاوضات وعرض مطالبه عليهم؛ وثق بهم. لقد جرى انقلاب الثامن والعشرين من مرداد[***] في إيران بأيدي الأمريكيين وليس البريطانيين، وكان انقلابًا على "مصدّق"! أي إنّهم لا يرضون حتى بأمثال "مصدق"؛ الأمريكيون يريدون خادمًا لهم، يكون خاضعًا خانعًا ذليلًا أمامهم؛ مثل من؟
مثل "محمد رضا مصدَق"؛ يريدون هكذا شخص؛ ليحكم هذا البلد الغني الوافر النعم والبركات، ذا الموقع الاستراتيجي الحساس وصاحب الإمكانات والطاقات المميزة؛ يريدون شخصًا مطيعًا مسلّمًا لهم؛ هذا ما يريده الأمريكيون، فإن لم يحصل، أصبحوا أعداء. لقد اعتدوا في حادثة "طبس" وتلقوا صفعة مدويّة؛ لقد اعتدوا حين أسقطوا طائرة الركاب المدنية، اعتدوا منذ البداية حين فرضوا العقوبات والحظر؛ واليوم أيضًا يعادون ويعتدون، في مجال تخريب المفاوضات النووية ونتيجتها – ما سمي اصطلاحًا "برجام"- ها هم يمارسون منتهى خباثتهم؛ إنهم أعداء.
أمريكا عدوّكم الأساس؛ لا تنسوا!
أبنائي الأعزاء، شبابي الأعزاء! تذكروا ولا يغب عن أذهانكم، بأنه في هذا الطريق، البالغ الأهمية وذي العاقبة السعيدة الذي تتحركون عليه نحو المثل والأهداف السامية-وأنتم قادرون ولديكم القدرة على تحقيقها – عدوكم الأساس هو أمريكا؛ لا تنسوا هذا(4). حسنًا، بناءً على هذا لا يغب عن بالكم ما ذكرناه. يتصور البعض بأننا يجب أن نتنازل ونتساهل في مقابل أمريكا؛ والحال أنه، كلما تنازلنا، فإنهم يتجرأون أكثر. طريق الحل معهم هو المواجهة والمقابلة، الطريق هو الصمود؛ أن تستمر هذه الحركة التي بدأت بالثورة، وعليه فهذا هو الشرط الأساسي.
وهناك شرط آخر أقوله لكم أيها الشباب؛ ادرسوا جيدًا؛ اعملوا جيدًا. العلم وطلب العلم من أهم الوسائل والأدوات، لاكتساب القوة والمواجهة للعدو والعواصف القاسية والأمواج العاتية وما شابه.
ادرسوا جيّدًا وتقرّبوا إلى الله..
فليدرس شبابنا الطيبون جيدًا وليتعلموا، الذين هم من النخب، فليعملوا لمصلحة بلدهم ولا يكونوا في خدمة العدو؛ هكذا يصبح الدرس قيمة سامية. والحمد لله إنّ طاقات شبابنا وقابلياتهم عالية وإذا درسوا جيدًا وعملوا جيدًا، بلا شك سيرتفع المستوى العام للبلد. وهذا بحد ذاته يؤدي إلى تمتين البنية الداخلية للشعب الإيراني. ببركة العلم، يتمكن الإنسان أن يصل للآمال الكبرى. إن شاء الله ستهتمون بهذا الأمر.
يا أعزائي! قوموا أيضًا بتقوية علاقتكم بالله تعالى. قلوبكم طاهرة، أرواحكم لا غبار عليها، غير ملوثة. استجلاب اللطف الإلهي، واللطف الإلهي والنورانية الإلهية بالنسبة إليكم أسهل بكثير ممن هو من أمثالي أنا العبد. تستطيعون ذلك بسهولة. بالتوسل والدعاء والصلاة الجيدة، بالاهتمام والتوجه، بقراءة القرآن، بمساعدة عباد الله –وهي من الأعمال والعبادات الهامة- ومن خلال اجتناب الذنوب، يمكنكم أن تؤمنوا هذا لكم. أنا العبد واثق ومتأكد وليس لدي أي شك، بأنه إن شاء الله فإن جيلكم الحالي هذا وانتم من سيتمكن من تحقيق كل الآمال الكبرى التي طرحتها الثورة.
نأمل أن يسهل الله تعالى الطريق أمامكم، وأن يكون مسيركم سهلاً وتتضاعف نجاحاتكم يوماً بعد يوم.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته