تفجيرات إدلب: انتكاسة جديدة لمهمة المراقبين

قيم هذا المقال
(0 صوت)

تعرّضت مهمة المراقبين الدوليين في سوريا لانتكاسة جديدة عندما ضربت ثلاثة انفجارات انتحارية أهدافاً سكنية وأمنية في مدينة ادلب الشمالية التي يقيم فيها منذ الاسبوع الماضي مراقبان دوليان، تزامنت مع إشارات سعودية وفرنسية حكمت مرة اخرى بالفشل المسبق على خطة مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان، ودعت الى درس خطط بديلة.

ودان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «التفجيرات الإرهابية» في مدينتي دمشق وإدلب. وقال مكتبه الصحافي في بيان، «يدين الأمين العام التفجيرات الإرهابية التي وقعت في مدينتي إدلب ودمشق وقتلت وأصابت عشرات الأشخاص». وأضاف «لاحظ الأمين العام تحسناً في المناطق التي انتشر بها مراقبو الأمم المتحدة لكنه لا يزال يشعر بقلق بالغ بسبب تقارير عن استمرار العنف والقتل والانتهاكات في سوريا في الأيام الأخيرة».

وشدد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على التأكيد، خلال اجتماعه مع رئيس فريق المراقبين الجنرال النروجي روبرت مود، أن بلاده ستواجه «ممارسات المجموعات المسلحة ومن يدعمها»، متهماً هذه المجموعات بالقيام «بتصعيد غير مسبوق» منذ وصول طلائع المراقبين، مكرراً التزام دمشق بتنفيذ خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي أنان.

وفي الرياض، قال وزير الثقافة والإعلام عبد العزيز خوجة، في بيان بعد اجتماع الحكومة برئاسة الملك عبد الله، إن «مجلس الوزراء استعرض التقارير حول مستجدات الأحداث وتداعياتها في عدد من الدول العربية ومنها الأوضاع في سوريا، مشدداً على ما تضمنته قرارات الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في هذا الشأن، ومجدداً المطالبة للمجتمع الدولي بعدم السماح للسلطات السورية بأن تمارس محاولات المماطلة والتسويف والتنصل من التزاماتها، وألا يقتصر رد فعل المجتمع الدولي على منح المهلة تلو الأخرى على حساب أرواح أبناء الشعب السوري الشقيق».

وذكرت وكالة «الأناضول» التركية أن مجلس الأمن القومي التركي شدد، في بيان بعد اجتماعه برئاسة الرئيس عبد الله غول في أنقرة، على «ضرورة وقف حمام الدم في سوريا في أقرب وقت ممكن وإفساح المجال لعملية انتقال ديموقراطي بما يحقق المطالب المشروعة للشعب السوري». وأضاف «جذبنا الانتباه إلى وجوب تنفيذ جميع بنود خطة أنان»، مشدداً على أهمية حماية الشعب السوري وإرسال مساعدات إنسانية إلى البلاد.

وحذر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، في لندن، من أن «هناك حدوداً لصبر المجتمع الدولي اذا واصل النظام السوري انتهاكاته للهدنة». وشدد على «ضرورة إرسال المزيد من المراقبين الى سوريا ليتحسن الوضع»، مشيراً إلى أن لندن زادت من مساعداتها «غير القاتلة» للمعارضة.

ووقعت ثلاثة انفجارات في ادلب استهدفت مقرين أمنيين وحياً سكنياً. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان، إن «أكثر من 20 شخصاً، غالبيتهم من عناصر الأمن قتلوا في انفجارين استهدفا مركزاً للاستخبارات الجوية وآخر للاستخبارات العسكرية» في ادلب.

وذكرت وكالة الانباء السورية (سانا)، من جهتها، أن «انتحاريين فجرا نفسيهما بسيارتين في ساحة هنانو وشارع الكارلتون في ادلب، ما أسفر عن استشهاد ثمانية من المدنيين وقوات حفظ النظام»، مشيرة الى إصابة حوالي مئة شخص، معظمهم من المدنيين.

وقالت ان الانفجارين وقعا في «منطقتين سكنيتين مكتظتين، ما أدى الى أضرار بالغة بالمباني وخلّفا حفرتين كبيرتين جدا». وذكرت أن عضوين من المراقبين الدوليين «اطلعا على آثار التفجيرين». وفي ادلب بشكل ثابت منذ الاسبوع الماضي مراقبان من فريق المراقبين الدوليين المكلفين التحقق من وقف إطلاق النار. وكانت مجموعة إسلامية متشددة تطلق على نفسها اسم «جبهة النصرة» قد تبنت مسؤولية تفجير انتحاري وقع في حي الميادين في دمشق الجمعة الماضي.

وبث التلفزيون السوري صوراً عن مواقع التفجيرين يظهر فيها عدد من الأشخاص وقد تجمعوا حول أبنية متضررة وركام في الشارع. وقال أحدهم للتلفزيون «بيتي أصبح دماراً. هذه هي نهاية الحرية التي ينشدونها». وظهرت في الصور أشلاء بشرية وبقع دماء. وقالت فتاة صغيرة وهي تبكي «دمروا لنا بيتنا»، بينما صرخ آخر «إنهم إرهابيون ... الله يخرب ديارك يا قطر ويا آل سعود».

وقال المرصد ان «انفجاراً ثالثاً هز حي الجامعة في مدينة ادلب وأسفر عن سقوط جرحى». وذكر ان «انفجارا شديدا هز ضاحية قدسيا (قرب دمشق) تبين انه ناجم عن انفجار سيارة». وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان الانفجار استهدف سيارة عسكرية، وان عددا من السكان الذين يقطنون في المكان أصيبوا بجروح. وتابع المرصد ان «ستة مواطنين قتلوا برصاص قوات الامن في محافظات حمص ودير الزور وادلب وريف حلب ودرعا».

وكانت قد أطلقت ليل أمس الأول قذيفة «ار بي جي» على المصرف المركزي السوري في دمشق. وذكرت «سانا» ان «مجموعة إرهابية مسلحة استهدفت بقذيفة ار بي جي دورية لشرطة النجدة أمام مستشفى ابن النفيس في منطقة ركن الدين في دمشق، ما أدى الى إصابة أربعة عناصر من الدورية».

وقال «المجلس الوطني السوري»، في بيان، ان «ما حدث الليلة (الماضية) من تفجيرات هو لعبة دموية إضافية من ألاعيب النظام الصغيرة والمكشوفة يسعى من ورائها لتبرير نشر كتائبه في كل مكان من عاصمتنا، وإرهاب الشعب لمنعه من التظاهر السلمي، متمسكاً مرة أخرى بحجة خيالية مفادها أن دمشق تحت مرمى الإرهابيين». ودان «التفجيرات التي وقعت في دمشق»، نافياً «أي صلة للجيش السوري الحر وقوى الثورة السورية بها».

وقال المقداد، خلال اجتماعه مع مود في دمشق، «التزام سوريا بخطة كوفي أنان واستعدادها لبذل كل الجهود في إطار المساعدة على إنجاح المهمة مع الالتزام بمسؤولياتها في حماية شعبها وأمنه وسلامته».

وأضاف المقداد أن «سوريا ستقف في وجه كل الدول والأطراف التي تعمل على إفشال هذه المهمة، والتي تدعم العنف والإرهاب في سوريا وتقدم السلاح والتمويل للمجموعات المسلحة». وأشار إلى أن «سوريا ستواجه ممارسات المجموعات المسلحة، ومن يدعمها، وخاصة إثر التصعيد غير المسبوق الذي قامت به هذه المجموعات منذ وصول طلائع بعثة المراقبين بالتزامن مع الحملة السياسية والإعلامية التي تهدف إلى تضليل الرأي العام العالمي والتغطية على ممارسات هذه المجموعات الإرهابية على الأرض»، مشيرا إلى «أهمية التحقق من الخروقات التي تحدث عند وقوعها، على اعتبارها المهمة الأساسية للبعثة ونقل ذلك بكل دقة وحيادية إلى الأمم المتحدة».

ونقلت «سانا» عن الجنرال مود «تعبيره عن تعازيه الحارة لأهالي وعائلات الذين سقطوا نتيجة أعمال العنف في سوريا»، مشيرا إلى أنه «يحث جميع الأطراف على مساعدته في إنجاز مهمته لوقف العنف»، مؤكدا أنه «سيبذل مع طاقمه قصارى جهدهم للقيام بمهمتهم على أساس احترام سيادة سوريا وتقييم الحقائق على الأرض، ما يستوجب تعاون جميع الأطراف مع هذه المهمة لتحقيق الأهداف المرجوة».

إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي، في مقابلة مع وكالة أنباء الشرق الأوسط، أن «مطلب قدوم مراقبين إلى سوريا هو بالأساس مطلب سوري قبل أن يكون مطلبا دوليا أو عربيا، وقد طرحه الرئيس بشار الأسد مع زائرين في سوريا قبل حصول هذه المهمة».

وأضاف مقدسي أن «ما تعانيه سوريا حاليا هو سوء نقل لحقيقة الواقع السوري، وبالتالي وجود المراقبين يمكّن سوريا من تطعيم المشهد الدولي بحقيقة ما يجري في سوريا من حيث وجود مجموعات مسلحة، وهذا أمر لم يعد محل نقاش فهو موثق وفق آخر تقرير أصدره فريق الجامعة حيث أكد في تقريره أن هناك جماعات مسلحة في سوريا».

وحول وجود بعثة المراقبين، قال مقدسي إن «نصف الحل بيد سوريا، لكن الأزمة في سوريا أزمة مركبة فهناك من يتدخل، يمول، ويحرض في الإعلام أو مباشرة عبر تكريس العند السياسي مع المعارضة، لذلك من الجانب السوري هناك التزام لا لبس فيه لإنجاح مهمة المراقبين، لكن بواقعية سياسية فإن هذا النجاح لا يتوقف على سوريا فقط، فهناك وزراء خارجية دول يقولون علناً إنهم يسلحون الحراك في سوريا، وهناك دول جارة تستضيف كيانات عسكرية ترفض الانخراط في العمل السياسي». وأضاف «ليس لدينا أي محرمات بالحديث مع أي معارض يرفض التدخل العسكري في سوريا، وأن تكون أجندته سورية وطنية، بحيث لا يكون حصان طروادة لأي دولة أو تيار».

وأكد مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، خلال لقائه وفدا من حركة الناصريين المستقلين (المرابطون) أن «سوريا أسقطت المؤامرة وأفشلت مخططات الغرب وبعض العرب بفضل صمود أبنائها والتفافهم حول قيادة الرئيس بشار الأسد». واعتبر أن «الخط القومي والفكر العروبي في سوريا هو المستهدف، لثنيها عن مواقفها الوطنية والقومية وتصديها للمؤامرة الغربية - العربية الهادفة إلى السيطرة على المنطقة بشتى الوسائل والإمكانيات للاستيلاء على مقدراتها وخيراتها».

وفي باريس، نقل عن مصادر سورية مطلعة قولها إن البحث مع أقطاب «أصدقاء سوريا» يجري بشكل رئيسي حول سيناريوهات ما بعد أنان.

ولم يخف دبلوماسي غربي مخاوف بلاده والاتحاد الأوروبي من تصرف «الإخوان» والإسلاميين السوريين في قضايا التسلح والإغاثة والدور السياسي: «الإخوان يخطئون كثيرا إذا ما اعتقدوا أنهم قادرون على إعادة سوريا إلى الوراء»، بل لم يمتنع عن وصفهم بـ«المتخلفين الذين نعمل على تطوير نظرتهم إلى الأوضاع»، وهي نظرة ليست على مستوى الأحداث، التي فاجأتهم، كما أنهم لم يكونوا ليتوقعوا عودتهم إلى أداء دور رئيسي في سوريا من دون «الثورة».

وينقل المعارض السوري، العائد من جولة أوروبية، أن صورة تكونت لدى أقطاب «أصدقاء سوريا»، تقول إن ما بعد خطة أنان خياران: إما المجهول والفوضى، وإما التوصل إلى استصدار قرار دولي تحت الفصل السابع يعيد المبادرة إلى الأسرة الدولية ويسمح لها برفع الضغوط على النظام السوري وتهديده بتدخل عسكري.

ويعبر الديبلوماسيون الغربيون في المجموعة عن «استغرابهم الكبير للموقف القطري، والسعودي خاصة». وقال ديبلوماسي غربي إن السعودية لا تولي اهتماما كبيرا لما يجري في المنطقة، والنتائج العامة لمواقفها على سوريا، وان ما يهمها هو إسقاط الرئيس بشار الأسد قبل كل شيء، وبأي وسيلة كانت، بغض النظر عن الوسائل والاعتبارات السياسية والأثمان الجيوستراتيجية أو الشعبية. وقال معارض سوري، بعد لقاء ديبلوماسيين مصريين، إنهم عبروا عن موقف مماثل، ووصفوا موقف بعض الدول الخليجية من الأزمة في سوريا «بالتبسيطي والخطر».

قراءة 1845 مرة