من أبرز الثروات المسيلة بين أيدي إيران الذهب إذ استطاعت استعادة نحو 13 طناً من مخزونها المصادر من قبل أميركا عقب توقيعها الاتفاق النووي. واستطاعت أيضاً، وفق التقارير الإعلامية المتعددة، تسييل أموالها في الخارج ثمناً لمنتجاتها النفطية بمبادلتها بالذهب عبر الأراضي التركية والإماراتية للتغلب على العقوبات الأميركية، بلغ حجمها نحو 100 مليار دولار منذ عام 2010.
التبادلات التجارية بالدولار الأميركي تخضع للمراقبة والقيود الأميركية، في أي بقعة من العالم؛ أما الاتجار بالذهب فلا تنطبق عليه قيود المصارف العالمية.
أحد الخبراء الاقتصاديين الأميركيين جيف كريستيان، ألقى مزيداً من الضوء على طبيعة التبادل التجاري الإيراني قبل عام 2015، قائلاً إن الشركة الإيرانية الوطنية للنفط وفرت النفط ومشتقاته لزبائنها مقابل قيمته بالليرة التركية، والتي تم تسييلها فيما بعد لشراء الذهب.
يرجح أن إيران ستمضي في بيع منتجاتها من النفط ومشتقاته بتسعيرة الذهب مباشرة، خاصة بعد تقليص قيمة الليرة التركية واضطرابات الاقتصاد التركي بمجمله.
المؤرخ الأميركي ف. ويليام اينغدال يعوّل أيضاً على تقلص الاتجار بالدولار الأميركي واستنباط بدائل له قائلاً "... إن الخطوات الحديثة والمتنامية التي اتخذتها معظم البلدان للابتعاد عن الاعتماد على الدولار، بحد ذاته غير كافٍ لإنهاء هيمنة الدولار الأميركي، بسبب قدرة واشنطن على إجبار الدول الأخرى على شراء أو بيع نفطها بالدولار فقط. ولكن كل عمل استفزازي أو عقابي تقوم به واشنطن يجبر دولاً أخرى على إيجاد حلول".
عند الأخذ بعين الاعتبار موقفي الصين وروسيا التمسك بشدة ببنود الاتفاق النووي، فضلا عن الترويكا الأوروبية بدرجة أقل، فمن المرجح أن تستمر الدولتان في التعامل مع إيران والتبادل التجاري معها بالذهب أو بالعملات المحلية للبلدين، لتفادي نظام العقوبات الأميركية وكذلك التعامل خارج نظام "سويفت" للتحويلات المالية والمعاملات بين البنوك، الذي تأسس عام 1973 ومقره بالقرب من بروكسيل عاصمة بلجيكا، وتحييد نظامه للرقابة الدولية الذي أنشئ عام 2012.
في تفاصيل الرقابة الأميركية على سيادة الدول الأخرى، رصدت تحويل تركيا نحو 27 طناً من رصيدها من الذهب في المصارف الأميركية، بداية العام الحالي، إلى بنك بريطاني. وأضافت روسيا نحو 214 طناً من الذهب لمخزونها ليصبح حجم احتياطيها من الذهب 1،891 طناً، لتتقدم إلى المرتبة الخامسة دولياً لحجم المخزون تليها الصين مباشرة.
تداعيات الإقلاع عن التبادل التجاري الدولي بعملة الدولار تدركه واشنطن جيداً، إذ أن "التحول إلى عملات أخرى أو حتى إلى المقايضة في هذه المرحلة، فإن هذا سيؤدي إلى سلسلة من الأحداث التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادات حادة في أسعار الفائدة الأميركية وأزمة مالية أميركية جديدة".
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة استفادت من تصنيفها لنفسها بأنها تقف على الحياد لأبعد مدى في بدايات الحرب العالمية الثانية، وباعت صفقات أسلحة لكلا الطرفين المتحاربين، ألمانيا النازية وبريطانيا، واشترطت تسديد أثمانها بالذهب محملاً على بواخر تحط في موانئها.
العقوبات الأميركية أحادية الجانب لن يكون لها مفعول فوري، إذ أتاح الرئيس ترامب مهلة زمنية من 3 أشهر لتطبيقها على الشركات الأميركية والأجنبية؛ مما سيتيح فرصاً إضافية للترويكا الأوروبية، وبعض الشركات الأميركية، التوصل لحل يرضي الطرفين.
في حال الاصطدام بفشل الجهود للتفاهم مع إدارة تلوح دوماً بالعصى فإن الأزمة مرجحة لتتعمق بين واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي لا سيما عند رصد إرهاصات داخل دولها بضرورة انتهاج مسار مستقل عن واشنطن. قد لا يتحقق الأمر لتلك الإرهاصات في المدى المنظور نظراً لطبيعة توازن القوى والمصالح الاقتصادية الراهنة، بل تمهد الأرضية لبروز قوى وقيادات من نمط ينشد استقلالاً ومساحة حرية أكبر والابتعاد عن اللحاق بركب واشنطن. بل الاقتداء بنظام تعدد القطبية الدولية الذي ترفضه أميركا بشدة وعن سبق إصرار وتصميم.
أميركا بطبيعتها السياسية الراهنة لخصها أحد كبار محرري أسبوعية ذي نيشن، توم انغلهارت، قائلا إن بلاده ومنذ عام 1991 "انخرطت في نشاطات تروج لانتصارات مضللة ومدمرة". واستند إلى إحصائيات معهد واطسون لكلفة الحروب منذ ذاك التاريخ والتي بلغت أرقاماً مذهلة بنحو 5،6 تريليون دولار (وهو رقم قريب من مبالغات الرئيس ترامب الذي يحافظ على استخدام 7 تريليون). وأضاف أن واشنطن "غير قادرة على تحقيق أي أهداف باستثناء الدمار وتجزئة مذهلة لمناطق واسعة من الكرة الأرضية".