حساسية القضية الفلسطينية عموماً والقدس خصوصاً، كان لها أثر كبير على المسارات السياسية لدول العالم عامةً ودول الشرق الأوسط خاصةً، وبناءً على مواقف هذه الدول مجتمعة من القضية الفلسطينية وموقفها منها بدأت تتشكل تحالفات سياسية مؤيدة لهذه القضية ومدافعة عنها حتى النخاع، وأخرى حيادية وثالثة متعاونة مع الصهاينة وداعمة لهم أيضاً حتى النخاع.
اليوم تعود هذه القضية إلى الواجهة الإعلامية ولكن بأبعاد جديدة تحمل في طياتها تحديات لم تشهد مثيلها المنطقة منذ ظهور حركات التحرر العربي والحركات اليسارية التي لطالما دافعت عنها، ويمكننا أن نعيد نشوء هذه الحركات إلى مطلع القرن العشرين تحت مسميات عديدة أبرزها "الاشتراكية والشيوعية"، وقامت هذه الأحزاب على النضال من أجل العدالة والمساواة ومناهضة الإمبريالية والعنصرية، ومع قدوم اليهود إلى فلسطين في أربعينات القرن الماضي وبدء البحث عن وطن يجمعهم والإعلان عنه، دافعت هذه الأحزاب عن فلسطين وشعبها ووضعت هذا الخيار على رأس أولوياتها.
وفي ذلك الوقت لم يكن بارزاً الفكر الإسلامي لابتعاد المسلمين عن ثقافتهم الإسلامية مقابل صعود نجم الحركات والأحزاب اليسارية المستوردة من الخارج، وفي فترة لاحقة، في الستينيات والخمسينيات من القرن العشرين، استمرت الحركات القومية في النمو في العالم الإسلامي، وكان لها فضل لا يمكن إنكاره في النضال ضد "إسرائيل" والدفاع عن الشعب الفلسطيني.
وتزامنت حينها ذروة القومية في العالم العربي مع صعود جمال عبد الناصر في مصر ثم نمو الحركات البعثية في الدول العربية، ولكن لم تستطع هذه الحركات التأثير بشكل كبير في أصل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، إذ كان تأثيرها محدوداً ونتائجها لم تثمر كثيراً في هذا المضمار، ربما لكون هذه الأحزاب غربية في الأصل ولا تتعلق بالتقاليد والثقافة الإسلامية.
ومع فشل وعدم فاعلية اليساريين والقوميين في محاربة "إسرائيل" والدفاع عن الشعب الفلسطيني، بدأ المسلمون في البلاد العربية والإسلامية يستيقظون من سباتهم العميق ليلتصقوا بثقافتهم الأصيلة ويبدؤوا رحلة النضال للدفاع عن قضية أمتهم والذود عنها.
في هذا الوقت كانت الثورة الإسلامية في إيران قد وجدت طريقها إلى النور منتصرة على حكم الشاه في عام 1979 كأول ثورة دينية في التاريخ المعاصر، وهذا بحدّ ذاته كان دافعاً قوياً لجميع المسلمين في جميع أصقاع الأرض لكي يدافعوا عن هويتهم وحريتهم ويجدوا طريق الخلاص الذي خطّته الثورة الإسلامية بجهود خالصة من قائد هذه الثورة روح الله الخميني، وما أعطى مسلمي العالم مزيداً من الأمل هو وضع الخميني "قضية فلسطين" على سلم أولوياته، حاشداً الجميع لتحرير فلسطين داعماً كل الحركات التي تقاتل الصهاينة داخل فلسطين وخارجها.
وفور نجاح الثورة الإسلامية في إيران، اقترح الإمام الخميني أن يكون يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك أي الجمعة اليتيمة أو جمعة الوداع ليكون "يوم القدس" وإعلان التضامن الدولي من المسلمين لدعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين، وفي كل عام يتم حشد وإقامة المظاهرات المناهضة للصهيونية بهذا اليوم في بعض الدول العربية والإسلامية والمجتمعات الإسلامية والعربية في مختلف أنحاء العالم، خاصة في إيران التي تشهد جميع مدنها مظاهرات حاشدة تشمل الملايين من أبناء الشعب الإيراني بكل شرائحه والذين يخرجون للمشاركة في هذه المسيرات سنوياً.
واليوم تحوّل "يوم القدس" رمزاً للجميع من إسلاميين وعلمانيين في جميع البلاد الإسلامية، لما حققه من نتائج فعّالة في توحيد الخطاب الإسلامي وتوحيد جميع الديانات والمذاهب على هدف واحد ومن أجل قضية واحدة، وبعبارة أخرى يمكننا القول بأن "يوم القدس" يحمل ثلاث وظائف:
1- الوحدة بين المسلمين من جميع الأديان الإسلامية
2- التأكيد على الهوية الإسلامية الحقيقية بين جميع المسلمين
3- رمز لقوة المسلمين في النضال ضد "إسرائيل" والعمل على تحرير فلسطين
يوم القدس هذا العام
تدرك الجمهورية الإسلامية أهمية وخطورة وحساسية الظروف السياسية التي تمرّ بها فلسطين في هذه المرحلة والتي يجري الحديث فيها عن الإعداد لتنفيذ صفقة القرن، وسبق ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وانطلاقاً من هذا أصدر مجلس خبراء القيادة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بياناً دعا فيه الشعب الإيراني المسلم إلى المشاركة الجماهيرية في مسيرات يوم القدس العالمي، مؤكداً أن هذه المسيرات تنطلق هذا العام في أجواء أكثر حماسة.
ومن جهتها اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية يوم القدس العالمي لهذا العام من أكثر المراحل التاريخية حساسية لفلسطين، داعية جميع الشعوب المسلمة والحرة في العالم خاصة الشعب الإيراني للمشاركة في هذه المراسم دعماً للشعب الفلسطيني المظلوم.
وجاء في البيان الصادر عن الخارجية الإيرانية أمس الأربعاء، إن يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك وهو التراث الخالد للإمام الخميني الراحل (رض) ومع مضي نحو أربعين عاماً على الإعلان عنه تحوّل إلى فرصة ملهمة للوحدة في مواجهة الاحتلال والتمييز العنصري والمجازر والتفرقة والأزمات المثارة من قبل الكيان الصهيوني الغاصب في العالم.