بعد تاريخ 12 مايو الماضي، تاريخ صدور نتائج الانتخابات العراقية، دخل العراق مرحلة سياسية واجتماعية جديدة، فاتحاً الباب على مصراعيه لبدء سلسلة من التكهنات حول مستقبل العراق وكيف ستكون سياسة هذا البلد "الداخلية والخارجية" بعد أن نفض عن ترابه قذارة "داعش"، نتائج الانتخابات أبرزت تغيرات كبيرة طالت أربعة محاور وهي:
أولا- المحور الأول أن العراقيين نجحوا في هزيمة أكبر مجموعة إرهابية في التاريخ، جماعة داعش الإرهابية، واستعادة السيطرة على الحدود بأكملها لبلدهم خلال السنوات الأربع الماضية.
ثانيا- نجح العراق في 17 من تشرين الأول 2017، بإفشال مخطط تفكيكه عندما دخلت قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي والشرطة إلى مدينة كركوك ومناطق أخرى كانت بعض القوى الأجنبية والداخلية تسعى إلى اجتزائها من العراق تحت عنوان إنشاء دولة للأكراد.
ثالثاً- وجاء التطور الأبرز بعد الانتخابات، حيث زادت روح الاستقلال والتحرّر من العدو الخارجي بين التيارات السياسية في البلاد، حيث يعتقد السياسيون العراقيون أن وجود قوات أجنبية على أرض العراق مثل أمريكا - في المرحلة الجديدة - سيضرّ بالسيادة العراقية، وبالتالي ارتفعت شعارات كثيرة تطالب المحتل الأمريكي بترك الساحة العراقية.
رابعاً- يمكن اعتبار ظهور جهات فاعلة جديدة على الساحة السياسية العراقية السمة الرابعة للتحوّل الذي طرأ على الساحة السياسية والاجتماعية العراقية بعد الانتخابات، ففي العهد الجديد، دخلت وجوه معروفة إلى الساحة السياسية العراقية، ونجحت في جذب الناس والرأي العام بشعارات رنانة كمحاربة الفساد وطرد العدو.
ومن بين هؤلاء، الحشد الشعبي الذي استطاع أن يحصد 47 كرسياً في البرلمان العراقي كثاني أكثر الفائزين بالمقاعد بعد تحالف "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر الذي حصد 54 مقعداً نيابياً، وذلك للجهود الكبيرة التي لعبها في الحرب على داعش، وهذا يعني بوضوح أن الفريقين اللذين انتصرا في الانتخابات العراقية هما قوتان معاديتان لأمريكا، حيث أعلنا كلاهما بعد صدور النتائج الانتخابية ضرورة خروج المحتل الأمريكي من العراق، علاوة على ذلك، كان مقتدى الصدر، في السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي عام 2003، من أبرز القوى التي تقف في وجه الاحتلال داعياً الشعب العراقي للجهاد ضده بشتى الأنواع.
وبعد نجاح الكتل المناهضة لأمريكا بالانتخابات العراقية باشرت واشنطن حربها عليهم، حيث قام الكونغريس الأمريكي بوضع عناصر رئيسة من الحشد الشعبي على لوائح الإرهاب ومن بينها عصائب أهل الحق التي يرأسها قيس الخزعلي، وحركة النجباء التي يترأسها أكرم الكعبي وحزب الله العراقي، هذا الإقدام دفع بالمحللين للتساؤل عن الهدف الرئيسي من هكذا خطوة، وحول التوقيت الذي أتى بعد عدة أيام من صدور النتائج العراقية؟
1-تضعيف المحور المناهض لأمريكا في العراق
يمكن اعتبار الهدف الأول والأكثر أهمية لأمريكا في وضع كل من عصائب أهل الحق، وحركة النجباء وحزب الله العراقي على قائمة الجماعات الإرهابية، هو محاولة لتقويض المحور المناهض لأمريكا في العراق، ويرى محللون هذا الإقدام عملاً خطيراً وغير مدروس لأنه سيفضي إلى فتح باب الخروج الأمريكي من العراق على مصراعيه، حسب قولهم، فبعد إصدار الكونغرس لهذا القرار أصدرت عصائب أهل الحق بياناً قالت فيه "إن أمريكا سوف تدفع ثمن سياستها القذرة"، من هنا يمكن القول أن أمريكا فتحت باب جهنم من جديد عليها في العراق.
2-توفير أرضية للنفوذ داخل الحكومة العراقية المستقبلية
ومن الأهداف الأخرى التي يهدف الأمريكي لتحققها من خلال وضع المقاومة العراقية على لائحة الإرهاب هو خلق أرضية للنفود داخل الحكومة العراقية الجديدة، وقد تناول بيان عصائب أهل الحق هذا الهدف حيث قال إن "قرار الكونغرس يعتبر تدخّلاً خارجياً أجنبياً سافراً في الشأن العراقي"، ودعا البيان وزارة الخارجية العراقية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد السفارة في بغداد باعتبارها الممثل الدبلوماسي للدولة صاحبة التدخل"، ويرى محللون أنّ هذا الإجراء تسعى من خلاله واشنطن إلى منع رئيس الحكومة الجديد من تسمية وزراء من ضمن هذه المجموعات خاصة وأن توقيت قرار الكونغرس جاء عقب فوز عصائب أهل الحق بـ 15 مقعداً داخل البرلمان العراقي.
3-المعايير الأمريكية المزدوجة لمكافحة الإرهاب
جانب آخر يمكن رؤيته في قرار الكونغريس الأخير، هو السياسة الأمريكية المزدوجة في محاربة الإرهاب، أما الحقيقة هي أن عصائب أهل الحق بشكل خاص والحشد الشعبي بشكل عام، لعبت الدور الأكبر في المشهد السياسي العراقي في الحرب ضد الإرهاب وداعش، لكن وبتجاهل هذه الحقيقة، قامت أمريكا بوضع المقاومة على لائحة الإرهاب بما يتماشى مع مصالحها ومصالح الكيان الإسرائيلي.
ختاماً، ازدواجية معايير الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا، وعدم جدية توجهاتها في مكافحة الإرهاب، واجتثاثه، وفي التعامل مع كل ظواهره وممارساته لن يمنع المقاومة من مواصلة حربها دون هوادة على المجموعات الإرهابية بمختلف مسمياتها، ويمكن القول أيضاً إنّ الأمريكيين سيستمرون بدعم الإرهابيين والدول التي تدعمهم كالسعودية، وذلك خدمة لمصالحهم الخاصة ومصالح حلفائهم الإقليميين وخاصة الكيان الإسرائيلي.