رأى الكاتب آنشيل بفيفر في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن النجاح الظاهري للقمة بين رئيس الولايات المتحدة وزعيم كوريا الشمالية يعود إلى حد كبير، لأسلافهما في المنصب، عندما تولى دونالد ترامب منصبه، ورث التزاماً أميركياً بأمن الشرق الأقصى، الذي يعود إلى أكثر من سبعة عقود، خلال الحرب العالمية الثانية.
في المؤتمر الصحفي المرتبك بعد القمة، أوضح ترامب أنه مصمم على التحرر من هذا الالتزام. رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ اون من جانبه بدأ للتو في جني ثمار ما زرعه والده وجده - بعد سنوات قُتل فيها الملايين من مواطنيهم لصالح تحصين مملكتهم وبناء ترساناتهم النووية الخاصة.
ترامب، الذي يحب أن يقدم نفسه كأكبر فنان في التفاوض في التاريخ، لم يتمكن من تحقيق أي شيء في هذه القمة - باستثناء توقيع كوري شمالي متجدد على اتفاقيات تم توقيعها بالفعل في عامي 1994 و2005، وسرعان ما انتُهكت. هذه المرة، ترامب مقتنع بأنه حصل على ضمانة أقوى بأن الاتفاقيات ستُحترم، وأن عملية نزع النووي ستحدث "بسرعة، وبسرعة كبيرة" كما توقع. وقال بعد القمة: "أعلم أنهم يريدون صفقة. أشعر بهذا بقوة. إنها غريزتي، موهبتي".
في مقابل توقيعه، حظي كيم بفرصة للخروج من الظلام واستُقبل كشريك شرعي لمفاوضات. كما حصل على تنازلٍ كبير من ترامب عندما أعلن عن إلغاء المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية التي تُجرى مرتين في السنة. ليس هناك من مؤشرات أوضح على أن ترامب ينوي تقليص الالتزام الأميركي بأمن المنطقة، خاصة عندما تُضاف إلى هذا الأمر تصريحات متكررة عن رغبته في إخراج الجنود الأميركيين من كوريا الجنوبية، وكلامه حول تكاليف نزع السلاح النووي "الذي دفعت مقابله الولايات المتحدة ثمناً باهظاً في الكثير من الأماكن". هذه أخبار رائعة لكيم ورعاته الصينيين - الولايات المتحدة تغادر الحي.
قد يكون ترامب مصيباً، ونجح فعلاً في إقامة صداقة مع الديكتاتور الأصغر منه. من المحتمل أن يكون كيم، على الرغم من قسوته الموروثة والتراثية المطلقة، مهتمًا بشكل حقيقي بفتح كوريا الشمالية للعالم. قد تكون نواياه قضاء بعض الوقت مع صديقه دينيس رودمان واستضافة فريق كرة السلة في بيونغ يانغ. كيم هو شاب متعطش للحياة تلقى تعليمه في سويسرا، وربما كان قادراً على اختراق الحدود القاسية التي حددها والده وجده وتبديل الأصول النووية التي تراكمت لديه مقابل بطاقة خروج من العزلة السياسية. حتى لو كان هذا هو الحال، في الوقت الحالي لا يوجد سبب للاعتقاد بأن ترامب قد حقق نجاحاً أكبر من جورج دبليو بوش، الذي أعلن في نهاية لقائه الأول مع فلاديمير بوتين في عام 2001: "نظرت إلى هذا الرجل في عينيه. لقد وجدته مباشراً وصادقاً جداً – أمكنني الشعور بروحه". ونحن نعرف كيف انتهى الأمر.
وإلى أن نعرف كيف ستنتهي العلاقة الرومانسية الحالية بين ترامب وكيم، فإن السؤال الأكثر إلحاحاً هو ما هي الخلاصات التي سيتوصل إليها قادة آخرون من القمة. بالنسبة للرئيس الروسي بوتين والزعيم الصيني، شى جين بينغ، إنه سبب للاحتفال. تحت قيادة ترامب، تعزل الولايات المتحدة نفسها طواعية، ولحلفاء الولايات المتحدة، من ناحية أخرى، هذا نذير شؤم يُضاف إلى عملية قاتمة.
في هذا الأسبوع فقط، تمّ تصوير المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وهي تحدّق مستشيطة بترامب الذي رمقها بنظرة توبيخ في مؤتمر G7 في كندا. الآن عليها أن تتعامل مع المسؤولية التي لم تسعَ إليها أبداً. من أجل فهم الانقلاب الذي حدث في النظام العالمي، يجب مقارنة هذه الصورة بالصور المبتسمة للزوجين ترامب وكيم في سنغافورة. ميركل لم تُرد حقاً أن تحمل الصفة التي يحاولون الآن إلصاقها بها: "الزعيمة الجديدة للعالم الحر". على ألمانيا أن تستعد الآن، إلى جانب أعضاء آخرين في حلف الناتو، لإعادة تنظيم الحلف، الذي قد يشمل أيضاً في المستقبل تمويلاً لا تشارك فيه الولايات المتحدة.
بالطبع، ليس كل حلفاء الولايات المتحدة محبطون. بالنسبة لنتنياهو وقادة الدول العربية، الذين ربطوا مصيرهم بترامب منذ بداية ولايته، اختياره رمي كتاب القانون الدبلوماسي القديم وفعل كل ما لم يكن باراك أوباما ليفعله، هما عملية مشجعة. الآن، مع انتهاء القمة، يستطيع الصقور الحقيقيون في الإدارة - الذين صرّوا أسنانهم بصمت في الأيام الأخيرة أمام مشهد معانقة الرئيس للديكتاتور الشيوعي – التفرغ للمهمة الحقيقية بالنسبة لهم: تغيير النظام (الإيراني). من الممكن انهم سيكونون سعداء بأن يضيفوا إليها حرباً مع إيران. في المؤتمر الصحفي اعترف ترامب أنه وفقاً للاستخبارات الأميركية، الترسانة النووية لكوريا الشمالية "مهمة جداً"وأن هذا بذنب أسلافه في المنصب الذين تركوا هذا يحصل خلال نوبتهم. كلامه سيشد فقط على أيدي الذين يزعمون أنه ممنوع السماح للنظام في إيران بالوصول إلى نفس النقطة.