تفاصيل الإعداد لمعركة الجنوب السوري تُشارف على اكتمالها بحسب الخطة المرسومة. فالتعزيزات العسكرية من آليات عسكرية وراجمات صواريخ ومدرّعات وصلت إلى مدينة درعا مع تشكيلات من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والمخابرات الجوية. فمحاور القتال بدأت ترتسم بالنار.
العملية مهّد لها الجيش السوري عسكرياً بعشرات عمليات القصف المدفعي والصاروخي خلال الايام الماضية ضد معاقل المسلحين، في الحراك والمليحة الغربية والغارية الغربية وبصَر الحرير لخلخلة خطوط دفاعهم تدريجياً.
مهّد لها الجيش سياسياَ أيضاً بمحاولات الوصول إلى مصالحات مناطقية كمعاملات انضمام بلدات الريف الغربي والشرقي التي خرجت عن الدولة منذ سبعة أعوام الى مسيرة المصالحات. فهي كانت جاهزة لكنها لم تتم بسبب حاجة المصالحين إلى قرار اقليمي بعد أن اختطفت المجموعات المسلحة قرار الوجهاء فيها.
المقاتلون في الجنوب يندرجون في خمسين فصيلا مسلّحاً يبلغ تعدادهم ثلاثين ألفاً بحسب تنسيقيات المسلحين، سيواجههم الجيش السوري في عمليته العسكرية التي يتقدم فيها من ثلاثة محاور. وقد شكّلت استعادة الشيخ مسكين قبل عامين بداية انقلاب موازين القوى في المنطقة الجنوبية لمصلحةالجيش السوري الذي استغل الوقت لتصليب مواقعه وحضوره مِن دون خوض معارك جديدة أو مكلفة كان آخرها في حي المنشية بدرعا قبل عام، فضلاً عن تحييد معظم الأرياف المحيطة بدرعا وبطريق درعا دمشق، مروراً بأزرع والصنمين حيث يحشد المجموعات الأساسية لقواته في الفرقة الخامسة والتاسعة والسابعة والخامسة عشر. وقد عمل الجيش السوري على توسيع دائرة المصالحات التي ألقى فيها آلاف المسلحين سلاحهم، أو بمحاصرة مَن يعاند ويعرقل تلك المصالحات.
وحدات الهجوم تقدمت من اللجاة بريف السويداء الشمالي وفصلتها عن بصر الحرير خط الدفاع الأول للريف الشرقي لدرعا. وإذا تمكن الجيش السوري من السيطرة عليها ستنفتح أمامه الطرق نحو بلدات المليحات والكرك والحراك وصولا إلى معبر نصيب على الحدود الأردنية. في ذلك يصبح ظهير القوات محميا إذا توجهت غربا نحو نوى والحارة بريف المحافظة الغربي. محور آخر ستتحرك منه القوات من سجنه وصولاً إلى المنشية في مدينة درعا والمخيم لتلتقي القوات بالقوات المتقدمة من بصر الحرير فمعبر نصيب.
تكتيك القضم التدريجي وتثبيت خطوط الاسناد، قبل الانتقال إلى مناطق أخرى، من شأنه أن يمهّد نارياَ لتشتيت المسلحين وتخفيف خسائر الجيش، والضغط عسكرياً على المجموعات المسلحة لإجبارها على الاستسلام والانخراط في التسويات لتحييد البلدات والقرى.
السباق نحو الجنوب اقليمي أيضاً. فالفصائل المسلحة تقول أنها تسلمت عبر الحدود الأردنية أسلحة متطورة، من بينها صواريخ تاو بمدى 8 كم، قادرة على إسقاط المروحيات بحسب وكالة آكي الايطالية نقلا عن أحد قادة المجموعات المسلحة في الجنوب. سبع غرف عمليات أنشأت على عجل استعداداً لمواجهة الجيش السوري والحلفاء في أرياف درعا وواحدة في ريف القنيطرة.
الخلافات الكبيرة والاقتتال في صفوف المسلحين لاسيما بين فصائل الجيش الحر والنصرة (وأغلب عناصرها في المنطقة الجنوبية من التيار السلفي الأردني) عطلت إمكانية قيام هذه المجموعات بأي هجوم ضد مواقع الجيش السوري حتى قبل ضم المنطقة الجنوبية لاتفاقات خفض التصعيد برعاية روسية ــ اميركية في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت الذي أردات منه واشنطن الحد من النفوذ الايراني في الجنوب على حدود الجولان المحتل أكثر ما أرادت انقاذ الفصائل المدعومة اسرائيليا وأمريكيا من عملية عسكرية بدأت تلوح بالأفق بعد انتصار الغوطة الشرقية .
البيئة المحلية المحبطة هي ايضا ستشكل عنصرا أساسيا في انتصار الجيش . فالخسائر الكبيرة التي لحقت بالبيئة الحورانية بعد مقتل الالاف من أبنائها، في معارك عاصفة الجنوب وغيرها ادت الى استنزافها وإلى أزمة الحشد في صفوف المجموعات المسلحة من اجل استئناف الحرب. فمنذ هزيمة عاصفة الجنوب في 2015 تم تجميد غرفة عمليات الموك بقرار أردني. وهذا التجميد فضلا عن اقتتال الفصائل فيما بينها، قد يسهل موضوعيا تقدم الجيش في أرياف المحافظة خاصة بعد الوصول الى معبر نصيب والامساك بالحدود.
ومع تحريرالغوطة الغربية بداية هذا العام ، تم تحييد العامل الاسرائيلي إلى حدود كبيرة بقطع الطريق على المجموعات المسلحة المدعومة اسرائيليا من الاتصال بالجيوب المعزولة في مناطق الغوطة الغربية في زاكية والطيبة ومغر المير وخان الشيح من أجل تهديد العاصمة دمشق وخطوط إمداد الجيش نحو ريف القنيطرة. لقد جرى قطع الطريق أيضا على طموحات اسرائيل بتأسيس منطقة آمنة من فصائل موالية لها واستدراج المقاومة وإيران اللذين يحشدان في المنطقة، إلى حرب مصغرة في الجولان عبر هذه الفصائل بدعم لوجستي ومدفعي .
ديمة ناصيف